fbpx

البشرية قضت على مصادر غذائها وتعيش على القروض

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ازدادت ديون الأرض على البشرية وعليها منذ الآن أن تعيش على الاقتراض أو “الائتمان” من الأرض ذاتها، ذلك أنها استهلكت جميع الموارد الطبيعية المتاحة لعام 2019.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ازدادت ديون الأرض على البشرية وعليها منذ الآن أن تعيش على الاقتراض أو “الائتمان” من الأرض ذاتها، ذلك أنها استهلكت جميع الموارد الطبيعية المتاحة لعام 2019. بحسب شبكة البصمة الدولية Global Footprint Network، والتي تحدد يوم اجتياز الموارد الطبيعية واللجوء إلى الائتمان، فإن زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة تفاقم هذا العجز الذي يهدد سبل عيش البشرية أكثر فأكثر. ففي يوم 30 تموز/ يوليو الماضي (2019)، قضت البشرية على الموارد التي تمكنت الأرض من إنتاجها لتلبية الاحتياجات السنوية المتزايدة لسكان العالم، وأصبح جلياً، أننا نزيد طحن ثروات الأرض الطبيعية كل يوم من الآن إلى نهاية العام. ولتفادي هذا العجز تحتاج البشرية إلى كوكب وثلاثة أرباع كوكب لتلبية احتياجاته من الغذاء عام 2019. وتقول صحيفة “لودوفوار” الكندية التي تصدر في مونتريال: إذا استهلكت البشرية موارد الأرض بالوتيرة نفسها، التي يستهلكها الكنديون، فسنبدأ في رهن الموارد العالمية في وقت مبكر، أي 18 آذار/ مارس، نحتاج تالياً إلى ما يقارب خمسة كواكب أرضية لتلبية احتياجات البشر من الغذاء.

يعود سبب هذه الفجوة إلى عدم تطابق نمط حياتنا واستهلاكنا وبين محدودية الأرض الإنتاجية. وفقاً لقاعدة البيانات التي نشرتها “شبكة البصمة الدولية”، استبدال 50 في المئة من استهلاك اللحوم بالأغذية النباتية، من شأنه أن يؤجل تاريخ يوم تجاوز الموارد 15 يوماً، ذلك أن إنتاج اللحوم وتربية المواشي ينتجان كميات هائلة من غازات الميثان، ما يعتبر سبباً رئيسياً للاحتباس الحراري، بينما من شأن تقليل الكربون في الجو بنسبة 50 في المئة تأجيل تاريخ التجاوز 93 يوماً. وتشكل انبعاثات الكربون الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري 60 في المئة من البصمة البيئية للبشرية، التي تجاوزت استهلاك الموارد التي تنتجها الأرض للمرة الأولى بداية سبعينات القرن المنصرم، حين صادف تاريخ التجاوز شهر كانون الأول/ ديسمبر. وما زال بلد مثل العراق من بين تلك البلدان التي تستهلك مواردها الغذائية في الأسبوع الأول من شهر كانون الأول، بينما لا تكفي الموارد المتاحة في دولة مثل القطر أكثر من أربعين يوماً في السنة.

بعد أسبوع واحد من نشر تقرير “شبكة البصمة الدولية”، نشرت “الهيئة الحكومية-الدولية المعنية بتغير المناخ” (7 آب/ اغسطس 2019) تقريراً بعنوان تغير المناخ والأرض حول الأزمة ذاتها. ويأتي هذا التقرير الذي شارك في اعداده 100 باحث وعالم على مستوى العالم، ضمن سلسلة تقارير أصدرتها الهيئة المذكورة حول التغيرات المناخية، إنما يأتي هذا التقرير في ظل تسارع وتيرة تغير المناخ، ليس في المناطق الهشة مناخياً فحسب، بل في أوروبا وشمال أميركا والمناطق القريبة من القطب الشمال أيضاً، حيث أدت موجات الحرّ العنيفة التي ضربت القارة الأوروبية هذا الصيف الى ذوبان أكثر من 12 مليار طن من جليد جزيرة غرينلاند في يوم واحد (1/8/2019).

يتناول هذا التقرير الجديد واقع استغلال الأرض من أجل إنتاج الغذاء والألياف والأخشاب والأعلاف، بشكل زاد فيه إجمالي إنتاج الحبوب منذ عام 1961 (حتى عام 2017) بنسبة 240 في المئة. وتؤكد البيانات المتاحة كما جاء في التقرير أن النمو السكاني العالمي والتغيرات في استهلاك الفرد الغذاء والأعلاف والألياف والأخشاب والطاقة، أدت إلى ارتفاع معدلات غير مسبوقة من استخدام الأراضي والمياه العذبة. وتصل نسبة استغلال الأرض من أجل توفير الغذاء والمياه العذبة للبشرية إلى 70 في المئة، ما يشكل عبئاً على النظم الايكولوجية والبيولوجية.

إن هذا الاستغلال غير المنظم للأراضي يخل بالدور الذي تلعبه الأرض في حماية النظام الطبيعي وباعتبارها مصدراً ومدفناً للغازات الدفيئة، فضلاً عن دورها الرئيسي في تبادل الطاقة والمياه والهباء الجوي بين سطح الأرض والغلاف الجوي. وبسبب الاستغلال الجائر ذاته، أصبحت النظم الإيكولوجية للأراضي والتنوع البيولوجي عرضة لتغيرات مناخية مستمرة تتمثل بموجات الحرّ والجفاف والفيضانات على نطاقات مختلفة. ولا يمكن في هذا السياق وضع جميع أنواع الغذاء في سلة واحدة، ذلك أن إنتاج كلغ واحد من اللحوم الحمراء يولد ما يقارب 33 كلغ من الغازات الدفيئة، بينما لا يولد إنتاج كلغ واحد من الخضراوات أو الفواكه سوى 0.06 كلغ من الغازات الدفيئة. اختصاراً، ما يحصل هو ازدياد حصة الفرد من السعرات الحرارية الموجودة في اللحوم والزيوت والسكر وهي ثلاثة موارد مجهدة للمياه العذبة. وتشير البيانات المتاحة منذ عام 1961 إلى أن نصيب الفرد من الزيوت النباتية واللحوم قد زاد إلى أكثر من ضعفين وزادت السعرات الحرارية التي يستهلكها الفرد بنحو الثلث. وما يحصل من جانب آخر هو هدر الغذاء بنسبة 25-30 في المئة من إجمالي الأغذية المنتجة. ويشكل هذا، عبئاً إضافياً على المياه. يضاف إلى كل ذلك، التغير الحاصل في أنماط الاستهلاك، ما أدى إلى إصابة حوالى ملياري شخص بالوزن الزائد أو السمنة المفرطة حسب التقرير، فيما زال هناك ما يقارب مليار شخص يعانون من سوء التغذية.

وبحسب الهيئة الحكومية الدولية، يتدهور ربع مساحة الأرض بفعل الإنسان حيث تتآكل التربة في الأراضي الزراعية المتروكة والمستغلة، ويزيد التغير المناخي تدهورها تفاقماً، بخاصة في المناطق الساحلية المنخفضة ودلتا الأنهار والأراضي الجافة وفي المناطق المتجمدة. ويشير التقرير الى زيادة مساحة الأراضي الجافة خلال الفترة الواقعة بين 1961-2013 ​​بأكثر من 1 في المئة سنوياً، مع تفاوت السنوات بطبيعة الحال. أما أكثر المتضررين من الجفاف والتصحر فهم من جنوب آسيا وشرقها، والمناطق الصحراوية بما فيها شمال أفريقيا، والشرق الأوسط من ضمنها الخليج العربي.

يقتضي إيجاد الحلول لهذه الفجوة الهائلة بين الطلب على الغذاء والمياه العذبة وبين ما توفره الأرض من الخدمات، إدارة مستدامة للموارد والنظم الايكولوجية والبيولوجية، من شأنها المساهمة في تقليل الأضرار ووضع حد لإجهاد الأرض، وذلك من خلال تغيير أنماط الاستهلاك وتقليل حرق الوقود الاحفوري بنسبة ٤٥ في المئة، أي أن العالم أمام تحول جذري من مصادر الطاقة الإحفورية إلى الطاقة المتجددة قسراً، وإلاّ نصل إلى نقطة لا عودة وسنفقد الأرض عاجلاً.

هذا الموضوع تم انجازه بدعم من مؤسسة Rosa-Luxemburg-Stiftung’s Beirut Office 

ربع سكان العالم يواجهون العطش… ما الحلول؟