fbpx

منع طليب وعمر: هزيمة اسرائيل في معركة السرديات…

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لو قيَّمنا العلاقات بين إسرائيل والولايات المتّحدة من خلال العلاقات الشخصيّة الحميمة بين قادة البلدَين ومن خلال وحدة الرؤى بين الإدارتَين السياسيّتَين، فإنّ تلك العلاقات لم تكن أبداً أفضل مما عليه اليوم، بل حتّى لقد توثّقت بعد قرار إسرائيل رفضَ دخول النائبتَين المسلمتَين رشيدة طليب وإلهان عمر.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لو قيَّمنا العلاقات بين إسرائيل والولايات المتّحدة من خلال العلاقات الشخصيّة الحميمة بين قادة البلدَين ومن خلال وحدة الرؤى بين الإدارتَين السياسيّتَين، فإنّ تلك العلاقات لم تكن أبداً أفضل مما عليه اليوم، بل حتّى لقد توثّقت بعد قرار إسرائيل رفضَ دخول النائبتَين المسلمتَين رشيدة طليب وإلهان عمر.

لم يسبق أن بدا الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتانياهو صِنوان من الجنّة (أو الجحيم، حسب وجهة نظرك) أكثر من تلك اللحظة. إذ تجمعهما أيديولوجيّتهما القوميّة اليمينيّة وازدراؤهما لمُنتقديها، مع التحامِهما في المواقف العدائيّة تجاه إيران والفلسطينيّين، والأهم ربّما اعتمادهما المتزايد على بعضهما البعض فيما يتّصل بمستقبلهما السياسيّ. فما بدأ كمجرّد صداقة جميلة قد تطوّر إلى تكافل وتعايش مشترك: كلاهما يحتاج الآخر من أجل البقاء.

أمّا إذا قيّمنا تلك العلاقات من منظارٍ أوسع، منظارٍ يحلل صورة إسرائيل وسمعتها في الكونغرس والرأي العام والأوساط الأكاديميّة والإعلاميّة والمجتمع اليهوديّ الأميركيّ، فإن تلك العلاقات بين البلدَين قد وصلت إلى أدنى مستوياتها خلال الأيام الأخيرة، وخاصّة بعد منع إسرائيل رشيدة طليب وإلهان عمر من زيارتها. كانت ردود الفعل السلبيّة على حظر الدخول مفاجئة وضارية وواسعة الانتشار، مما جعل من المحتمَل أن يصبح الأمر نقطة تحوّل في تاريخ العلاقات بين البلدين. نعم ما زالت علاقتهما “مميّزة”، ولكنها تزداد فساداً؛ وما زالت قيمهما مشتركة، ولكنها تزداد خزياً وقبحاً.

إلهان عمر

وحتّى لو سلّمنا للمزاعم الإسرائيليّة أنّ رفض زيارة رشيدة طليب وإلهان عمر إنّما نبع من مخاوف حقيقيّة أن تتحوّل زيارتهما إلى حملة دعائيّة معادية لإسرائيل -ولم يكن رفضاً نابعاً من استسلام ذليل لإملاءات ترامب- فإنّ الضرر الذي كان بإمكانهما التسبّب فيه من خلال التصريحات والمؤتمرات الصحفيّة في الضفّة الغربيّة هو أقلّ وأصغر بكثير من الخسائر الناتجة عن قرار منعهما من الدخول.

نتانياهو الذي يحبّ أن يصوّر نفسه “قائداً قويّاً” لم يهتزّ كورقة لمجرد التفكير في إغضاب ترامب فحسب، بل تغلّبتا عليه وفاقتاه دهاءً نائبتان معاديتان ومبتدئتان في الكونغرس؛ إذ تسبّبتا بأضرار لصورة إسرائيل أكثر ممّا يمكن أن تكونا قد حلمتا به. لقد نصبَتا الفخّ، وأسرع نتانياهو إليه بتهوّر.

خسرت إسرائيل للمرّة الأولى منذ عقود -وربّما منذ الانتفاضة الأولى في أواخر الثمانينيّات من القرن الماضي- حملةً لكسب قلوب وعقول معظم الأميركيّين. لقد هُزِمت إسرائيل في معركة السرديّات. إنّ تطابقها التام مع ترامب وسياساته قد صبغ صورة إسرائيل بصبغة تحيّزات ترامب وخطابه العدوانيّ والعنصريّ. لقد تسبّبت محاولاتُ نتانياهو مداهنةَ وَليّ نعمته والتزلّفَ إليه في أضرار دائمة وربّما لا يمكن نقضها وإصلاحها.

في الأيّام القلائل التي أعقبَت إعلان نتانياهو تراجعَه عن قرار سابق بالسماح لرشيدة طليب وإلهان عمر بالزيارة تعرّضَت إسرائيل لانتقاداتٍ قاسية انحرفت بعيداً عن المعتاد من اليسار الأميركيّ الماكر. لم يتعرّض هذا الحظر الإسرائيليّ للانتقاد من قِبَل الديمقراطيّين وقادتهم فحسب، بل أيضاً من قِبَل مؤيّدين مُخلِصين مثل جو ليبرمان وحتّى جمهوريّين مثل السيناتور ماركو روبيو؛ وقد انتقده وشهّر به نقّاد يساريّون وآخرون من أقصى اليمين. لم ينتقده صغارُ السياسيّين فقط، بل وحتّى مرشّحون للرئاسة مثل إليزابيث وارين التي ما زالت حتّى اليوم تنأى بنفسها عن الكثير، خوفاً من ردّ فعل مؤيّدي إسرائيل. لا أكثر.

فتَحَ الشجبُ الاستثنائيّ الذي أصدرته منظمة آيباك AIPAC، وغيرها من المجموعات اليهوديّة الرئيسيّة، البابَ على مصراعَيه أمام انتقادات الآخرين. شجَّع هذا الاعتراضُ الذي أبداه اللوبي المؤيّد لإسرائيل -الذي عادةً ما يدعم الحكومة الإسرائيليّة مهما فعلَت، ونادراً ما يُبدي أيَّ معارضة علنية- سياسيّين آخرين -ممّن كانوا ليصبحوا متحفّظين عن الحديث- على انتقاد إسرائيل علانيةً وبوضوح للمرّة الأولى على الإطلاق بالنسبة لهم. وهكذا تزعزع -في يمين الوسط واليمين المعتدل الأميركيّ- أحدُ المحرّمات بشأن انتقاد واستهجان التصرفات الإسرائيليّة؛ وفي اليسار انتفت -بين عشيّةٍ وضُحاها- تلك القيود المفروضة ذاتيّاً بشأن حدّة الانتقادات الموجّهة إلى السياسيات الإسرائيليّة.

أدرَكَت دانا نيسيل -النائب العام في ولاية ميتشيغن التي تمثّلها رشيدة طليب؛ والتي أصبحت بطلة في نظر النساء ومجتمع المثليّين أثناء انتخابات 2016، حين صارت أوّل امرأة معروفة بمثليّتها تنتخَب لهذا المنصب- جوهرَ هذه النبرة الجديدة والصارمة، بزعمِها -في تصريحٍ رسميّ- أنّ حكومةَ نتانياهو قد “تبنّت التكتيكات السياسيّة المتعصّبة التي يتّبعها دونالد ترامب”.

رشيدة طليب

يحاول أشدُّ المعجبين بِترامب ونتانياهو في الأوساط السياسية والإعلامية صدَّ تلك الهجمات، مردِّدين خطابات رسمية حول المخططات المشؤومة لِلنائبتَين الشرّيرتَين وحول حقّ وواجب أيّة حكومة في محاربة أي شخص كان -بما في ذلك المشرِّعين الأميركيين- ممّن يؤيّدون مقاطعتَها. وهذه على الأغلب هي وجهة نظر معظم الإسرائيليين أيضاً. مع ذلك، فإن الرأي العام الأميركي، ينظر إلى إسرائيل باعتبارها دولةً قمعيّة، بل يمكن القول إنها عنصريّة وترامبيّة في صميمها. أضف إلى ذلك أنّ التشبيهات بعهد الفصل العنصري في جنوب أفريقيا -التي لاقت أيضاً تنديداً واسعاً بعدما بدأت إسرائيل في منع زيارات النشطاء الأجانب المُعادين للفصل العنصري- لم تكن يوماً أكثر مطابَقةً للواقع ويصعب دحضها ممّا هي عليه الآن.

هاجَم كثيرٌ من الإسرائيليين -وليس أتباع نتانياهو فحسب- قرارَ رشيدة طليب عدمَ زيارة جدّتها التي تعيش بالقرب من رام الله، حتى بعدما قرَّر أرييه درعي، وزير الداخلية الإسرائيلي، السماحَ لها بالزيارة “لاعتباراتٍ إنسانية”.

زاد درعي الطينَ بِلّةً عندما غرد بتعالٍ على تويتر قائلاً إن “كُرهَ رشيدة طليب لإسرائيل أقوى من حبِّها لجدتها”. من الواضح أنه نسي المرحلة المؤقتة، حين سرَّب مسؤولون إسرائيليون -بصورة أحاديّة- خطاباً وافقت فيه رشيدة طليب على مطلب إسرائيل بعدم المشاركة في حملات وفعاليات المقاطعة خلال زيارتها، من أجل إهانتها علناً والاحتفاء بـ”استسلامها” للحكومة الإسرائيلية الشجاعة والحازمة.

مع ذلك، فإن ذاك الملاذ المزعوم للخروج من المأزق الإسرائيلي ليس سوى سراب زائل. فقد تناولت وسائل الإعلام الأميركية، إلى جانب المنصات الديمقراطية الكبرى، محنةَ جدة رشيدة طليب باعتبارها مظهراً آخرَ من مظاهر القسوة والتعنت الإسرائيليَّين. ومثلما يُعتبر قانونُ الكنيست الذي يحظر دخولَ مناصري المقاطعة إلى إسرائيل -والذي تستشهد به خلال دفاعها- غيرَ شرعيٍّ في حد ذاته، بدَت القيودُ المفروضة على رشيدة طليب وكأنها محاولةٌ واهية لإسكات نائبة أميركية منتخبة وَفقاً للمعايير الدستورية والقانونية الصحيحة، حتى ولو من خلال إجبارها على قبول تلك القيود مؤقتاً.

غير أنّ ما يثير السخرية حقاً هو أن تحذيرَ ترامب من كَون أيّة موافقة إسرائيلية على زيارة رشيدة طليب وإلهان عمر ستُعَدّ “علامةً على الضعف الكبير”، قد ثبتت صحته بالكامل، وإنْ جرَى ذلك بطريقة عكسية تماماً. فقد عكس استسلامُ نتانياهو لترامب على حساب مصالح إسرائيل الحيوية صورةً لِدولةٍ تابعة معزولة تفتقد إلى الاعتزاز بالنفس ويحكمها زعيمٌ جبان. أضِف إلى ذلك أن ما اعتبره اليمين الإسرائيلي والأميركي موقفاً صريحاً ونزيهاً لِنتانياهو كان يُنظَر إليه في الولايات المتحدة على أنه انخراطٌ واهنٌ في حملة ترامب البغيضة والمثيرة للانقسامات ضد الأقليات.

ينظر إلى إسرائيل الآن بشكلٍ تجريحيّ على أنها شريك طوعي في فخ ترامب العرقي البغيض.

إلّا أنّ لدى ترامب -الذي استمر في امتداح قرار نتانياهو بِمنع رشيدة طليب وإلهان عمر من زيارة إسرائيل، وبنفس أسلوب درعي الساخر هنأ جدّة رشيدة على تفاديها زيارةَ حفيدتها وعدم اضطرارِها لِلقائها- أسبابٌ وجيهة ليُسَرَّ من حليفه الخاضع في إسرائيل؛ فما كان ليأمل في أكثر من ذلك. يسعى ترامب إلى وصم الحزب الديمقراطي بأكمله بالسياسات الراديكالية التي تنتهجها كلٌّ من رشيدة طليب وإلهان عمر وزَميلتهما في الكونغرس ألكساندريا أُوكاسيو-كورتيز، النائبة عن ولاية نيويورك. يريد ترامب أيضاً الإيقاع بين إسرائيل والديمقراطيين الأميركيين، أملاً في خسارة الحزب لبعض مؤيديه ومانِحيه اليهود. وقد منَح حظرُ نتانياهو موافقةً رسميّةً إسرائيليّة لمجهودات ترامب الرامية إلى إقصاء المشرِّعين الديمقراطيين الجريئين إلى خارج الساحة، وهو ما يجعل تلك الموافقة أداةً مفيدة لدعمه في حملة إعادة انتخابه؛ وتأتي تلك الموافقة على حساب الدعم التقليدي من الحزبين للدولة اليهودية والذي بات ضعيفاً.

ينظر إلى إسرائيل الآن بشكلٍ تجريحيّ على أنها شريك طوعي في فخ ترامب العرقي البغيض. فقد وقفت إسرائيل في صفِّ رئيسٍ معروفٍ على نطاق واسع بِتحيُّزه ضد الأقليات عموماً، وضد أصحاب البشرة السمراء خاصةً؛ وهذا ميدان هشّ محفوف بالمخاطر، وتسوده الانفعالات الحادة والمُطْلَقات الأخلاقية. وإذا لم تتنصّل إسرائيل من تلك الوصمة التي لحقت بها، فيُخشى أن يتحول الأمر إلى قضية رأي عام وهو ما يفتح الباب أمام انتقادات نشطاء الحقوق المدنية، الذين لم يُولوا حتى الآن اهتماماً يُذكَر بالشرق الأوسط. عندما وجهت “حركة الحقوق المدنية” اهتمامها إلى نظام الفصل العنصري بجنوب أفريقيا في أواخر الستينات، كان ذلك نذيراً بتحوّلٍ جذريّ في الرأي العام الذي أجبر الرئيس رونالد ريغان -بعد مضي أقلّ من عشرين عاماً- على الانضمام راغماً إلى المجتمع الدولي وفرض مقاطعة تامة لنظام الفصل العنصري.

بالطبع ستَتلاشى عاصفة رشيدة طليب وإلهان عمر قريباً، لكن الضرر الذي خلّفَته سيدوم طويلاً. قد تكفي تغريداتُ ترامب المليئة بالمدح والثناء ومبرِّراتُ نتانياهو المداهنة لاسترضاء ناخبيهم، لكنها لن تُضعِف الضربةَ القاسية التي تلقّتها سمعة إسرائيل، والتي -بالنظر إلى أهمية واشنطن الحاسمة لمصلحة إسرائيل- تُعَدّ كارثةً استراتيجية على أقل تقدير. يُمكن لِنتانياهو التعويلُ على حظوظه السعيدة وأنه في غضون الأيام القليلة التي تفصلنا عن الانتخابات المقرر إجراؤها يوم 17 سبتمبر/أيلول، سيكون الإسرائيليون قد نسوا -ببلاهةٍ- المستنقعَ العميقَ الذي ألقاهم فيه رئيس الوزراء. وسيستغرِق الأمرُ بعضَ الوقت حتى يستوعبوا فداحةَ حماقته.

هذا المقال مترجَم عن haaretz.com وللإطلاع على المادة الأصلية زوروا الرابط التالي.

إلهان عمر ومكاسب محتملة قد تضيع

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!