fbpx

اعتقالات مصر: شيطنة جديدة لـ”تحالف الأمل” وانتصار جديد لليأس

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أصبح “الأمل” أبعد من مجرد مفردة. بات قضية كبرى تحمل رقم 930 وتحالفاً تتم محاصرته، فتحت شعار “تحالف الأمل” تحركت أحزاب سياسية مصرية وقيادات سياسية واقتصادية لمحاولة تحريك شروط التفاعل في الساحة السياسية المصرية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

قبل أيام كشفت عائلة القيادي الفلسطيني نبيل شعث أن السلطات المصرية اعتقلت ابنه الناشط السياسي والعضو في حركة رفض التطبيع مع اسرائيل رامي شعث منذ نحو شهرين دون وثيقة قانونية ودون أن تفرج عنه رغم وعود تلقتها العائلة خلال الأسابيع الماضية بالافراج عنه ما دفعها لعدم اثارة المسألة. لكن بعد مرور شهرين ومع ابقاء اعتقال شعث قررت العائلة التحدث علناً خصوصاً أن وسائل الإعلام الرسمية المصرية شنت حملة على الشاب الموقوف واتهمته بالتعامل مع الإخوان المسلمين ودعم خلايا إرهابية.

تم ارفاق ملف شعث المعتقل في سجن “طرة” بقضية شهيرة في مصر تعرف بقضية “خلية الأمل”، فما هي قصة هذه الخلية…

 

ظلت جملة الشاعر مصطفى ابراهيم الواردة في ديوانه “مانيفيستو” لفترة طويلة مكتوبة على حائط أحد المباني في شارع علوي القريب من ميدان التحرير، “في ناس تحت عايزة الأمل لو مش عايزه سيبهولهم”.

والمقولة في الغالب رسمت عام 2013، بعدما دخلت الثورة المصرية في سيناريوات أكثر غموضاً، أبعدتها من مسارها، فسادت حالة يأس عارمة التهمت شريحة عريضة من محتجي ساحة التحرير.

لم يأخذ الأمل من منطلق سياسي حقه في التنظير، على رغم أن جدلية الأمل واليأس حاضرة بشكل كبير على الألسنة في مصر.

راهناً أصبح “الأمل” أبعد من مجرد مفردة. بات قضية كبرى تحمل رقم 930 وتحالفاً تتم محاصرته، فتحت شعار “تحالف الأمل” تحركت أحزاب سياسية مصرية وقيادات سياسية واقتصادية لمحاولة تحريك شروط التفاعل في الساحة السياسية المصرية.

 

محاولة إقصاء مشروع “تحالف الأمل” قبل إعلانه رسمياً، وقبل أن يأخذ خطوات فعلية على أرض الواقع بكسب التأييد الشعبي، هو خطوة استباقية من النظام

 

والساحة السياسية لم تشهد فراغاً سياسياً بقدر ما تشهده في الوقت الراهن، فمحاصرة الأصوات والأقلام ومنصات الإعلام والأحزاب ومواقع “السوشيل ميديا” باتت واقعاً ثابتاً، لا تخلخله سوى بعض الأصوات المعارضة، والتي باتت تعلم مسبقاً التهم التي ستوجه إليها. هذه التهم التي يتم اختيار مصطلحاتها بدقة لبث الرعب، أبرزها تهمة الخيانة والتخابر والتمويل والتخطيط لزعزعة نظام الحكم، والعنف لتهديد مؤسسات الدولة وأخيراً “القيام بأعمال إيثارية” وهي آخر المصطلحات التي أطلقها الأمن على التهم الموجهة لأعضاء “تحالف الأمل”.

ففي بيان له ألحق الأمن بأعضاء “تحالف الأمل” تهمة كونهم عناصر “إيثارية”، وفيما كان المقصود “إثارية” أي تثير الشغب أو الفوضى، تحوّلت الكلمة إلى مديح، لأن “إيثار” في اللغة تعني تفضيل الآخر على الذات في الأمور الحميدة. وطبعاً، المصطلح أخذ مساحة واسعة من السخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى أن أحد المحامين الحقوقيين علق ساخراً: “هذه المفردة سأستعين بها في مرافعتي عن أعضاء التحالف لإثبات براءتهم”.

تحالف الأمل

تشكل “تحالف الأمل” في مصر في شهر أيار/ مايو الماضي، ولم تكن بدايات تشكله خافية على أحد، على رغم أن أعضاءه لم يسعفهم الأمن الوطني بالوقت، كي يعلنوا البيان التأسيسي للتحالف الجديد الذي كان من المفترض إعلانه بعد انتهاء بطولة كأس أمم أفريقيا.

 فقد تحدث عن “تحالف الأمل” السياسي المصري حمدين صباحي في بداية شهر حزيران/ يونيو في أحد حواراته، ووصف النظام الحالي بأنه يمتهن طريقة إزاحة سلم الوصول إلى السلطة عن السياسيين الآخرين، لذا فإن التحالف الجديد سيحاول أن يخلق لنفسه المساحة السياسية وسط هذا الإقصاء المتعمد للمعارضين. كما نشرت صحيفة “المشهد” المحجوبة في مصر في بداية شهر حزيران أيضاً حواراً مع السياسي مدحت الزاهد، كشف فيه عن مكونات “تحالف الأمل” السياسية وأهدافه وخطط عمله والأحزاب والشخصيات المشاركة فيه. وعلى رغم ذلك، كانت إحدى التهم الموجهة إلى التحالف، تشكيل تنظيم سياسي سري خلافاً للقانون والتخابر والتعاون مع جماعة الإخوان المسلمين.

تشكل “تحالف الأمل” بعد حالة الإحباط القصوى على المستوى السياسي، بعد تمرير التعديلات الدستورية الأخيرة. وتركزت أهدافه على العمل من أجل فتح المجال السياسي أمام قوى مدنية والعمل على كسب مقاعد في الانتخابات البرلمانية المقبلة وإطلاق الحريات وتفعيلها، وتعزيز مفهوم الدولة المدنية الديموقراطية القائمة على تداول السلطة واستقلال القضاء واتساق القانون مع الدستور وتفعيل دور الأحزاب وحرية العمل النقابي المستقل.

ضم التحالف عدداً من الأحزاب السياسية والقيادات الاقتصادية وبعض النشطاء السياسيين والصحافيين. ومن الأحزاب المشاركة في التحالف، “الحزب المصري الديموقراطي الاجتماعي” و”حزب التحالف الشعبي الاشتراكي” و”حزب الدستور” و”حزب الإصلاح والتنمية” و”حزب مصر الحرية” و”حزب العيش والحرية” و”تيار الكرامة” و”تجمع 25- 30 البرلماني”.

كما ضم التحالف شخصيات سياسية واقتصادية، مثل النائب السابق زياد العليمي، وحسام مؤنس مدير الحملة الانتخابية لحمدين صباحي والصحافي الزميل هشام فؤاد والكاتب الاقتصادي عمر الشنيطي، والنشطاء مصطفى عبد المعز عبد الستار أحمد، وأسامة عبد العال محمد العقباوي، وحسن محمد حسن بربري وأحمد تمام وخالد أبو شادي، جميعهم الآن مقبوض عليهم.

وزارة الداخلية المصرية أصدرت بياناً رصدت فيه التهم الموجهة لأعضاء “تحالف الأمل” المعتقلين، وقالت فيه إنها تمكنت من “إجهاض التحركات الهدامة لجماعة الإخوان الإرهابية، بعدما تمكن قطاع الأمن الوطني من رصد المخطط العدائي الذي أعدته قيادات الجماعة الهاربة في الخارج، بالتنسيق مع القيادات “الإيثارية” الموالية لها، ممن يدعون أنهم ممثلو القوى السياسية والمدنية تحت مسمى «خطة الأمل»، التي تقوم على توحيد صفوفهم، وتوفير الدعم المالي من عوائد بعض الكيانات الاقتصادية التي يديرها قياديو الجماعة وعناصر “إيثارية”، لاستهداف الدولة ومؤسساتها، وصولاً إلى إسقاطها تزامناً مع احتفالات 30 حزيران.

 

“هدف أي نظام سلطوي، سحق الأمل لأن سحق الأمل هو سحق المستقبل وكل إمكاناته، وبالتالي لا سبيل للانتصار على نظام بهذا الشكل غير بالأمل”

 

ومن الواضح في الشق الأول من البيان التركيز على التلويح بأن التحالف هو الفناء الخلفي السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، لإسقاط أي شبهة تعاطف مع أعضائه أو قياداته أو أهدافه، كما لوحت بأن “أمل” كيان إرهابي، كما أن أعضاءه يدّعون أنهم ممثلون للقوى السياسية المدنية، وكأن الأحزاب السياسية المعارضة في مصر مجرد كيانات كرتونية تمارس ادعاءات لا يعترف بها النظام الحالي.

بيان وزارة الداخلية أضاف أن “معلومات الأمن الوطني كشفت، أبعاد هذا المخطط، والذي يرتكز على إنشاء مسارات للتدفقات النقدية الواردة من الخارج بطرق غير شرعية، بالتعاون بين جماعة الإخوان الإرهابية، والعناصر الإثارية الهاربة في بعض الدول المعادية، للعمل على تمويل التحركات المناهضة في البلاد، للقيام بأعمال عنف وشغب ضد مؤسسات الدولة في توقيتات الدعوات الإعلامية التحريضية، بخاصة من العناصر “الإيثارية” عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والقنوات الفضائية التي تبث من الخارج”.

البيان في فقرته الثانية كشف بصورة واضحة طريقة تعاطي الأمن مع الأصوات السياسية المعارضة، واعتبر فعل المعارضة “شغباً” وأعمالاً تحريضية، على رغم أن التحالف لم يلبث أن تشكل للتو في صورته العلنية ولم ينزل إلى الشارع أو إلى المنصات الإعلامية، ولم يتعدَّ كونه مشاورات للتأسيس لمشروع سياسي واضح المعالم للفوز بمقاعد في الانتخابات البرلمانية المقبلة.

وأردف البيان أن الأمن الوطني تمكن من “تحديد واستهداف 19 شركة وكياناً اقتصادياً، تديرها بعض القيادات الإخوانية، والعناصر الإيثارية بأساليب سرية، وعثر على أوراق ومستندات تنظيمية ومبالغ مالية، وبعض الأجهزة والوسائط الإلكترونية، وتقدر حجم الاستثمارات بربع مليار جنيه”. وذلك من دون أن يذكر أسماء هذه المؤسسات والشركات الاقتصادية وما علاقتها بـ”تحالف الأمل” من الأساس، فيما يؤكد أنها كيانات تديرها جماعات إخوانية، بينما يتشكل تحالف الأمل من أحزاب وقيادات مدنية.

خارج هذا البيان وتراشق التهم الواضحة بالتخوين والإرهاب والشغب، فإن اعتقال أعضاء “تحالف الأمل” ومحاولة حله، وهو في طور النشوء بالنظر إلى رمزية مسمى التحالف، فهذا يفتح نقاشاً على أكثر من جهة حول الخطوة التي اتخذتها الأحزاب المصرية ولو بدت متأخرة في تأجيل خصومات وتنحية اختلافات ايديولوجية، للنظر معاً بعين واحدة نحو خطة إنقاذ سياسي عاجلة وواضحة للخروج من المأزق السياسي، فضلاً عن طرح مصطلح الأمل في مقابل مناخ سياسي يطرح مصطلحات مناهضة تماماً لفكرة الأمل السياسي لشرعنة الإحباط والاستسلام لسياسة الأمر الواقع وسياسة القوة.

شادي لويس

هل من وعي سياسي

الوعي بفكرة الأمل السياسي في حد ذاتها مكسب في الحياة العامة السياسية والحزبية المصرية حتى ولو بدا هذا الأمل متعثراً في بداياته بسبب محاولات تقويضه بالقوة، إلا أنه يذكر بدراسة بحثية للكاتب المصري شادي لويس في العدد الرابع لمجلة مرايا في نيسان/ أبريل 2018 بعنوان “هنا الوردة… فلترقص هنا، ماركس وفلسفة الأمل”. يرى لويس في بحثه أنه بعد الهزائم المتتالية للثورات العربية وانقلاب حراكها إلى ديكتاتورية أشد قسوة أو حروب أهلية شديدة الدموية، يبدو سؤال الأمل واليأس جوهرياً أكثر من أي وقت مضى، ليغدو الأمل موقفاً فلسفياً وحافزاً للفعل السياسي، مستشهداً بتنظيرات فلافسفة وكتاب مثل ماركس وهيغل وبلوخ ولوفيت عن الأمل.

فبحسب دراسة لويس، رأى الفليسوف ارنست بلوخ أن الأمل هو الجوهر الأكثر صلابة للماركسية وموضع قوتها، “باعتبار الأمل قاطرة الفعل البشري على مر التاريخ، ينظر بلوخ للماركسية بوصفها الفلسفة الأكثر سمواً، كونها الوحيدة الموجهة بإجمالها نحو المستقبل، محولة الأمل إلى مبدئها لا في ما يتعلق بالتنظير فقط بل بالتطبيق أيضا”.بلوخ الذي كان من السهل وصفه بالطوباوية لتشبثه بفكرة الأمل القادرة على تغيير الواقع، رأى لويس أنها طوباوية لكنها شرط أساسي للوجود الإنساني ولحركة التاريخ.

بالنظر إلى ما قد يلحق بـ”تحالف الأمل” المصري من طوباوية أزعجت الأمن المصري و”تهدد استقرار النظام”، سألنا لويس، كيف تابع قضية القبض على نشطاء التحالف بعد عام تقريباً من البحث الخاص به والذي ينظر لفكرة الأمل سياسياً. يقول لـ”درج”: “خبر القبض على أعضاء تحالف الأمل يحمل تناقضاً مأسوياً وكوميدياً في الوقت ذاته، والواضح منه هو وجود طرفين، أحدهما يصر على التمسك بالحد الأدنى من الأمل، والثاني يصر على تحطيم أي فرصة للطرف الأول، حتى ولو كانت بقواعد اللعب الخاصة بالنظام الحاكم وعلى ملعبه”. ويضيف”هدف أي نظام سلطوي، سحق الأمل لأن سحق الأمل هو سحق المستقبل وكل إمكاناته، وبالتالي لا سبيل للانتصار على نظام بهذا الشكل غير بالأمل، أو كما يقول ماركس (الأوضاع الميؤوس منها في المجتمع الذي أعيش فيه تملأني بالأمل)”.

محاولة إقصاء مشروع “تحالف الأمل” قبل إعلانه رسمياً، وقبل أن يأخذ خطوات فعلية على أرض الواقع بكسب التأييد الشعبي، هو خطوة استباقية من النظام، فـ”التقاء الناس” أحد أهم شروط وصول العاديين إلى تولي السلطة من وجهة نظر كارن روس في كتابه “ثورة بلا قيادات”، فهل ينجح النظام الحالي في عزل الأمل أو “تحالف الأمل” عن الناس فعلاً، كي يظل مبعداً إلى أجل غير مسمى من السلطة؟

حصة الدين في مدارس مصر : نفي للمسيحيين وغلبة لـ”المؤمنين”