fbpx

حرب الصين العالميّة على الإرهاب

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

غالباً ما تستخدم الصين لغةً تبدو مقتبسة مباشرَةً من القاموس الأميركيّ للحرب على الإرهاب، ولكن ينبغي ألا يقع أحد في هذا الفخ.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أدرَج الرئيس الصينيّ شي جين بينغ الإرهابَ، إضافةً إلى التطرّف والانفصاليّة، في خانة “الشرور الثلاثة” التي تحاربها بلاده، وذلك في خطابٍ ألقاه في حزيران/ يونيو 2017، أمام قمّة لـ”منظّمة شانغهاي للتعاون” في العاصمة الكازاخستانيّة نور- سلطان (المعروفة حينها باسم أستانا). في معرِض التعليق على هذا “الشر”، غالباً ما تستخدم الصين لغةً تبدو مقتبسة مباشرَةً من القاموس الأميركيّ للحرب على الإرهاب، ولكن ينبغي ألا يقع أحد في هذا الفخ. استراتيجيّة بكين الوحيدة في مكافحة الإرهاب هي المراقبة والقمع على نطاقٍ واسع لا يتناسَب تماماً مع مستوى التهديد الذي تواجهه، فهي تستخدم فزّاعة الإرهاب لإخراس أصوات النقد الدوليّ لهذه الممارَسات، بل ولتصديرها إلى الخارج.

الرئيس الصينيّ شي جين بينغ

تكشف طريقة تناول بكين قضية مقاطعة شينجيانغ (تركستان الشرقيّة) حقيقة الاستراتيجيّة الصينيّة لمكافحة الإرهاب. على مدار العقد الماضي، تم ربط مجموعات انفصاليّة من الأقليّة الأويغوريّة المسلمة في شينجيانغ -من بينها الحزب الإسلاميّ التركستانيّ وسلفه حركة تركستان الشرقيّة الإسلاميّة- بهجمات منخفضة المستوى باستخدام السلاح الأبيض والمَركبات. ردّت الصين بوضع ما بين مليون إلى ثلاثة ملايين أويغوريّ في معسكرات اعتقال، يصفها المتحدّثون باسم الحكومة بأنّها “مراكز تدريب مِهنيّ” تقوم بـ”التطهير من الأمراض الأيديولوجيّة”. تبنّت الحكومة أيضاً أساليب وتكتيكات تقنيّة لقمع الأويغور، من بينها برامج وتطبيقات تُدرَج إجباريّاً في الهواتف وأنظمة الملاحة عبر الأقمار الصناعيّة في المَركبات، وأيضاً من خلال توظيف بطاقات الهُويّة وملفات التعريف عبر المقاييس الحيويّة، من أجل تقييد حريّة حركة السكّان المحلّيّين.

أثار أسلوب التعامل الصينيّ مع الأويغور غضباً عالميّاً لدى منظّمات حقوق الإنسان ومؤسّسات المجتمع المدنيّ، على رغم أنّ استجابة الحكومات، بما فيها حكومات دول إسلاميّة مثل السعوديّة وباكستان، كانت خافتة ومنعدمة. وربّما كان ردّ واشنطن الفاتر إشارة شجّعت بكين على التمادي وزادتها جرأةً.

يدورُ السؤالُ الآن حول ما إذا كانت الصين تتطلّع مستقبلاً إلى تصدير جهازها الأمنيّ الوحشيّ تحت ستار التعاون في مجال مكافحة الإرهاب.

مع توسّع مبادرة “الحزام والطريق” -وهو برنامج الصين الضخم والمتواصل في الاستثمارات العالميّة- ستواجه الصين العواقبَ الأمنيّة لبناء مشاريع ظاهرة ومنظورة في مناطق تعاني من ويلات الحروب الأهليّة وفشل أجهزة الدولة. لقد أصبحت الصين بالفعل هدفاً في بلدان مثل باكستان، حيث هوجِمَت قنصليّتُها وكان مواطنون صينيّون، من بينهم مسؤولون حكوميّون ورجالُ أعمالٍ بارزون، عرضةً للهجمات والاختطاف من أجل الحصول على فدية. (فقد أعلنت جماعة انفصاليّة باكستانيّة تُعرَف باسم جيش تحرير بلوشستان مسؤوليّتها عن الكثير من تلك الهجمات). وكان المواطنون الصينيّون ضحايا لأحداث إرهابيّة في أفريقيا أيضاً، حيث هاجمَت جماعات مرتبطة بتنظيمَي “الدولة الإسلاميّة” و”القاعدة” أهدافاً سهلة وضعيفة من بينها فنادق.

يدورُ السؤالُ الآن حول ما إذا كانت الصين تتطلّع مستقبلاً إلى تصدير جهازها الأمنيّ الوحشيّ تحت ستار التعاون في مجال مكافحة الإرهاب.

تتداخل الصين في جزء صغير من الحدود مع أفغانستان، ولذا هنالك مخاوف من أن تعود مُجدّداً معقلاً للعنف الجهاديّ مع انسحاب القوّات الأميركيّة وعودة الجماعات المحليّة المرتبطة بتنظيمَي “الدولة الإسلاميّة” و”القاعدة”، لإعادة بناء صفوفها. بدأت الصين بالفعل تشديد تأمن بعض حدودها مع دول آسيا الوسطى، ومن المرجّح أن تصبح بحاجة إلى تكريس المزيد من القوّة البشريّة، من خلال قوّاتها العسكريّة الرسميّة أو عبر شركات أمنيّة خاصّة، من أجل حماية استثماراتها في أفغانستان وأجزاء أخرى من آسيا الوسطى.

في الوقت ذاته، أصبحت طريقة تعامل بكين مع أقلّيّة الأويغور المسلمة عبئاً ومسؤوليّة تقع على عاتق الصين. وصورت الدعاية الجهادية شي جين بينغ والقادةَ الصينيين الآخرين كأعداء، وقد ترفع حركة الجهاديين العالمية قضية الأويغور إلى مستوى آخر، إذ إنّ من أهدافها نشر مآسي المسلمين المحرومين من حقوقهم، بدءاً بفلسطين وصولاً إلى ميانمار وما بعدها.

تاريخياً، كان موقف الصين من مكافحة الإرهاب ذا طابع دفاعي، ولكن بالنظر إلى التزاماتها الدولية المتزايدة، فيمكن أن يتغير الأمر.

قد تتطلّع بكين إلى إرسال عناصر من جهازها الأمنيّ القمعيّ لحماية حدودها ومصالحها في الخارج، وربّما يكون نموذجها الاستبداديّ الآليّ -إضافة إلى التكنولوجيا والخبرة التي تتمتع بهما- مُغرِياً للدول المستبدّة (وحتى غير المستبدّة) مثل مصر وباكستان وسنغافورة وتركيا. وسيجعلها عدم احترامها حقوق الإنسان أيضاً مستعدة وقادرة على مساعدة حلفائها والدول الزبونة لديها، عبر توفير التكنولوجيا والخبرة والصيانة للحفاظ عليها. ستحتاج الصين، لنشر مثل هذا النظام على نطاق أوسع، إلى بناءِ تحالفاتٍ جديدة وتقويةِ تحالفاتها القائمة، لكن هذا الأمر ليس مستحيلاً نظراً لمبادرة “الحزام والطريق”، التي تقوم بها ونظراً إلى الحملة القويّة التي تهدف إلى دعم شركة الاتصالات “هواووي”، باعتبارها ركيزة الجيل الخامس من أجيال الاتصالات اللاسلكية في المستقبل.

يمكن أن تسعى الصين -عبر تطبيق نسختها الخاصة من مكافحة الإرهاب في الخارج- إلى الانتقال من نهج القوة الناعمة الذي تفضِّله عادةً، إلى نهجٍ عسكريٍّ أكثر حرصاً وحذَراً.

إذا نجحَت الصين في التعاون مع دول أخرى لمكافحة الإرهاب في النهاية، فإنّ هذا سيَضع الولايات المتحدةَ في موقفٍ حرج. سيكون من غير المحتمل أن تشارك واشنطن في تبادل المعلومات الاستخباراتية أو تقديم مساعدة تقنيّة إلى الدول التي تنشط مع بكين. فيما قد تحتفل الدول الواقعة في خط مبادرة “الحزام والطريق” بهذا التحول باعتباره تقاسماً للأعباء، إلا أنه سيَحُدُّ في النهاية من حجم الشراكات التي يمكن أن تجمع الولايات المتحدة مع البلدان الموجودة في مناطق حيوية استراتيجية في العالم.

يقوم نموذج مكافحة الإرهاب في الصين على موارد كثيرة، وتعمل الآلات على تعويض بعض قضايا القوى البشرية وتجهيز البيانات. إذا امتدّ هذا النموذج إلى ما وراء الصين، فسينتج عنه مستقبلٌ قاتم يتميَّز بإهمال حقوق الإنسان واستخدام التكنولوجيا كقوّة مضاعَفة في عمليات الأمن الداخلية ومكافحة الإرهاب.

في الأسبوع الماضي، شبّهت حساباتٌ صينيّة على مواقع التواصل الاجتماعيّ المتظاهرين الذين يؤيدون الديموقراطية في هونغ كونغ بجهاديّي تنظيم “الدولة الإسلامية”. دائماً ما كانت عبارة “الحرب العالمية على الإرهاب” اختياراً سيّئاً، يبرر مجموعة واسعة من الممارسات المسيئة والهدّامة التي تقوم بها الولايات المتحدة وغيرها من الدول الديموقراطيّة. أمّا الآن فيُستخدَم هذا المفهوم المبهَم من قِبَل دولة مستبدّة لخنق الديموقراطيّة وقمع أقلية عِرقيّة وتشجيع القمع في أنحاء العالم.

هذا الموضوع مترجَم عن الرابط التالي.

“عبدة الشيطان” هم الأخيار في المعركة ضد اليمين؟