fbpx

في الإرهاب باعتباره عملا دعائياً

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هل يمكن أن يكون هناك إرهاب دون تغطية إعلامية؟ لا زال هذا السؤال ساخناً في نقاشات الإعلام المعاصر، فقد لاحظ دارسو الإرهاب ذلك التلازم بين الإرهاب ووسائل الإعلام والدعاية. فلو افترضنا أن حادثاً إرهابياً وقع دون أن تهتم به وسائل الإعلام فلن يكون للحادث أي فعالية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

هل يمكن أن يكون هناك إرهاب دون تغطية إعلامية؟
لا زال هذا السؤال ساخناً في نقاشات الإعلام المعاصر، فقد لاحظ دارسو الإرهاب ذلك التلازم بين الإرهاب ووسائل الإعلام والدعاية. فلو افترضنا أن حادثاً إرهابياً وقع دون أن تهتم به وسائل الإعلام فلن يكون للحادث أي فعالية.
الفرق بين العمل الإرهابي والجريمة أن الجريمة مقصودة لذاتها، فأنت تقتل شخصاً لتتخلص منه. أما في العمل الإرهابي إان قتل الشخص ليس مقصودًا به الشخص ذاته وإنما حالة الرعب والفوضى التي تعقب القتل.
تاريخ العلاقة بين الإرهاب والإعلام (والدعاية) طويل ومتشابك وهو بدأ مع الفوضويين قبل أكثر من قرن. والفوضوية حركة سياسية وفلسفية ظهرت بدايةً في روسيا  وتقوم على رفض الدولة وأيّ نوعٍ من أنواع السلطة المركزية أو التنظيم.
وضع “الفوضويون” اللمسات النهائية لاستراتيجيات الإرهاب نهاية القرن التاسع عشر. وفي سبيل تنفيذ أجندتها ابتكر منظّروها العمودين الأساسيين لنشر الفوضوية وهما: “الدعاية عبر القول” و”الدعاية عبر الفعل”.
الدعاية عبر القول تقوم على نشر مباديء الفوضوية عبر المقالات والحوارات والصحف والمنشورات.
أما الدعاية عبر الفعل فتتم بارتكاب سلسلة من الجرائم ضدّ رموز السلطة وهي تجذب اهتمام الرأي العام ووسائل  الإعلام وتثير حالة فزع عام واضطراب في أجهزة النظام تؤدي إلى سقوطه.
أطلق الفوضويون أول موجة عالمية للإرهاب استطاعوا فيها اغتيال رئيسيين أميريكيين ، ورئيسي وزراء اسبانيين ، وقيصر روسيا (الكسندر الثاني) ، ورئيس وزراء ايرلندا ، ورئيس فرنسا،  وامبراطورة النمسا وهنغاريا ، وملك ايطاليا  ورئيس وزراء روسيا، وبلغت الحركة نقطة صعودها وانهيارها باغتيال (الدوق فرانز فرديناند) وزوجته وهو الحدث الذي أشعل الحرب العالمية الاولى.

الإرهاب عمل دعائي..
هذه حقيقة لا زالت غائبة عن أذهان المهتمين بمكافحة الإرهاب في عالمنا العربي، لهذا يخدمون الإرهاب أحيانا دون وعي بذلك. فبسبب “دعائية” الإرهاب ينجح العمل الإرهابي حتى لو فشل! أقصد بذلك أن الإرهابي حتى لو فشل مثلا في تفجير حقيبة مفخخة داخل محطة قطار فإن الهدف يكون قد تحقق ما دامت وسائل الإعلام ستغطي الحدث وتثير موجة الرعب والخوف.
وهذا ينقلنا إلى خاصية أخرى من خواص العمل الإرهابي، فهو ليس عملا دعائيا فقط ولكنه أيضا “عمل رمزي”.
تأثير الإرهاب لا يتطلب عدداً كبيراً من الضحايا. يمكن أن يقع مئة حادث دهس في يومٍ واحد (حوادث مرورية) دون أن يؤثّر ذلك في الحياة اليومية لدولة ما، لكنّ عدة حوادث دهس خلال  سنة واحدة لأهداف إيديولوجية دينية أو سياسية يمكن أن تقلب النظام كاملاً رأساً على عقب. ومرتكب مذبحة لاس فيغاس (اكتوبر 2017) قتل خمسين تقريبا، لكن لو حدث أن إرهابيا قتل شخصاً واحداً فقط في نفس اليوم لأثار رعباً أكبر.

أخطر ما في الطابع الدعائي للعمل الإرهابي هو “الإلهام والتحفيز”، فعمل إرهابيٌ واحد سيحفّزُ عشرات العلمليات الإرهابية في أماكن أخرى دون أن يكون هناك أيّ ارتباطٍ تنظيمي بين منفّذي هذه العمليات.
وموجة الإرهاب الفوضوي التي اجتاحت العالم من روسيا الى أمريكا في نهاية القرن 19 لم يقم بها أشخاص من نفس التنظيم، بل أشخاص متفرقون ألهمتهم عمليات الاغتيال التي حدثت في روسيا ثم أوروبا فنقلوها إلى بلدانهم.

نجحت الوصفة السحرية “للدعاية من خلال الفعل”، وهذا ما تفهمه داعش والقاعدة جيدا.
ومن السهل ملاحظة التشابه الكبير بين فلسفة الفوضويين وفلسفة كتاب “إدارة التوحش” الدليل الحركي لتنظيمي القاعدة وداعش والذي حدد بوضوح أهمية الأعمال الإرهابية والإنهاك والتنكيل في إثارة اهتمام الجماهير وإسقاط الأنظمة تمهيدا للاستيلاء على السلطة.
عندما حدثت أول عملية دهس للمواطنين في “نيس” لم يكن الهدف المواطنين القتلى. فكل من قتلوا ظلوا مجهولين ولم يهتم بأسمائهم أحد. كان للعملية هدفان: الأول إثارة الرعب والخوف وخلخلة النظام الفرنسي، والثاني إلهام وتحفيز أشخاصٍ آخرين يتابعون الحدث خلف شاشات التلفزيون أو الكمبيوتر لتكرار نفس العملية.
وفعلا وقعت عملية الدهس الثانية في برلين والثالثة في لندن والرابعة في برشلونه.
أين تكمن الفعالية القصوى للإرهاب عن طريق الدهس؟
تكمن في أنها وسيلة لا يمكن مراقبتها. فالشاحنة ليست سلاحاً ولا تخضع للتفتيش ولا يمكن مراقبتها. وإذا لم يكن لديك شاحنة يمكنك ان تسرق واحدة. وإذا أردت أن تنفذ عملية الدهس فكل شارع مزدحم هو موقع مناسب. أما الإرهابي فلا يحتاج لأي مهارات خاصة مثل تصنيع القنابل أو إخفاء الاسلحة ، المطلوب فقط قدرتك على قيادة سيارة، وهذا لا يوسع من دائرة الضحايا فقط، بل ومن دائرة الإرهابيين أيضا. فلم يعد الإرهابي بحاجة إلى تدريب خاص، كل فرد صار قادرا على الإرهاب!
نفس التكتيك أثبت نجاحه في العمليات الإنتحارية  التي انتشرت عبر العالم وعن طريق أفراد لم يكونوا حتى جزءا من التنظيم، وفي حوادث الهجوم بالسكاكين التي لا تحتاج إلا إلى سكين مطبخ تحمله في يدك وتجري للشارع وأن تصيح :الله أكبر.
لا يشكل الحادث الارهابي سوى 10% من الحدث، أما الـ 90% الباقية فهي الآثار الناتجة من رعب وتخبط وإجراءات بوليسية مشدّدة واثقال ميزانية الدولة بتكاليف باهظة لحفظ الأمن وتضييق الخناق على حقوق الإنسان.
هل يعني هذا أن يتوقف الصحفيون عن تغطية حوادث الإرهاب؟
بالطبع لا.. فهذا ضد مهنية الإعلام وضد حقّ الناس في معرفة الحقيقة. لكن من المهم جدا أن لا يتحول حديثنا عن الإرهاب إلى دعاية. وللأسف يحظى الإرهابيون في العالم العربي بدعاية إضافية لا يقوم بها الإسلاميون فقط بل يشارك فيها جمع غفير من اليساريين و “المغفلين النافعين” عبر إضفاء طابع “نضالي” على الإرهاب بتصويره كردّ فعل على الظلم والفقر والقهر والتدخل الغربي.
يصبح الإرهابي بطلا وتكتمل الدائرة الدعائية للعمل الإرهابي بتحويل الإرهابي إلى بطل ومناضل “ضد الاستبداد والامبريالية”. عندها تبلغ استراتيجية الإرهاب الديني في الدعاية من خلال القول والفعل قمة نجاحها  وتثير تعاطف الناس وتلهم المزيد منهم للسير على خطاها.
الإرهابيون خبراء دعاية قبل أن يكونوا خبراء متفجرات ومذابح، والإرهاب هو الدعاية قبل وبعد القنبلة.[video_player link=””][/video_player]