fbpx

تواطؤ أوروبا مع تركيا في حملتها ضد اللاجئين السوريين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في إسطنبول وتحت جنح الليل، دفع ضباط الشرطة الأتراك أحمد إلى داخل حافلة كبيرة متوقفة في وسط المدينة. استطاع الرجل الدمشقي على رغم الظلام، تمييز عشرات اللاجئين الآخرين المكدسين داخل السيارة، وهم مكبلو الأيدي.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في إسطنبول وتحت جنح الليل، دفع ضباط الشرطة الأتراك أحمد إلى داخل حافلة كبيرة متوقفة في وسط المدينة. استطاع الرجل الدمشقي على رغم الظلام، تمييز عشرات اللاجئين الآخرين المكدسين داخل السيارة، وهم مكبلو الأيدي. وكثيرون منهم لن يروا المدينة التركية مرة أخرى.

ألقي القبض على أحمد، الذي طلب عدم ذكر شهرته حرصاً على سلامته، بعدما اكتشفت الشرطة أنه غير مسجل في إسطنبول وإنما في ولاية أخرى. ويُلزم القانون التركي اللاجئين السوريين الذين يحملون هويات “حماية موقتة”، ضرورة البقاء في المناطق حيث سجلوا أنفسهم في البداية، أو الحصول على تصريح منفصل من أجل السفر من منطقة إلى أخرى، وقد طَمأنه رجال الشرطة قائلين إنه سيُنقل ببساطة إلى الولاية الصحيحة المُسجل فيها.

لكن بدلاً من ذلك، وصلت الحافلة مع بزوغ الفجر إلى مركز احتجاز في ضاحية بنديك في إسطنبول، حيث قال أحمد إنه احتجز مع عشرة أشخاصٍ آخرين في زنزانة مزدحمة خالية من الأسرَّة، وكان يحصل على وجبة واحدة فقط في اليوم، والتي دائماً ما كانت فاسدة ومتعفنة. وقال لي، “أخبرنا الحراس أن السوريين فاسدون من الداخل تماماً مثل هذا الطعام. واستمروا في الصياح قائلين إن تركيا لن تستقبلنا بعد اليوم، وأننا جميعاً سنعود إلى سوريا”.

سيمضي أحمد فترة تتجاوز الستة أسابيع داخل العالم الخفي المُسمى مراكز الترحيل في تركيا. وتشير روايته -وأيضاً روايات أكثر من ستة سوريين آخرين ممّن تحدثت معهم- إلى اتباع نظام ممنهج لسوء المعاملة ولعمليات ترحيل قسري وأحياناً يموت بعض اللاجئين الذين يُلقى القبض عليهم في خضم الحملة القمعية الأخيرة هنا داخل تلك المراكز.

لكن تركيا ليست الجهة الوحيدة المتورطة في عمليات الاحتجاز تلك. أو بمعنى أدق، تكشف رد الفعل العكسي هذا أيضاً عن العواقب طويلة الأمد المترتبة على استعانة الاتحاد الأوروبي بمصادر خارجية لحل أزمة اللاجئين التي يعاني منها. ففي آذار/ مارس من عام 2016، أبرم الاتحاد الأوروبي اتفاقية تثير الجدل مع تركيا والتي حدّت بشكل كبير من تدفق اللاجئين إلى أوروبا وذلك في مقابل مساعدات قيمتها 6 مليارات يورو (أي نحو 6.7 مليار دولار) وتنازلات سياسية مختلفة لأنقرة. في هذا الوقت، سارع صناع القرار في الاتحاد الأوروبي -المشغولون بحفظ أمنهم الحدودي- إلى طمأنة منتقديهم أن تركيا تُمثل “دولة ثالثة آمنة” تحترم حقوق اللاجئين وتلتزم بمبدأ عدم الإعادة القسرية.

ومع إغلاق أوروبا أبوابها، تُركِت تركيا مع أعداد هائلة من اللاجئين بلغت 3.6 مليون لاجئ سوري مُسجل -وهو أكبر عدد استضافته أيّ دولة في العالم. ويعادل تقريباً أربعة أضعاف عدد اللاجئين الذين استضافتهم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مجتمعين. وعلى رغم أن المجتمع التركي استقبل اللاجئين بدايةً بمرونة لافتة، إلّا أن كرم الضيافة، الذي لطالما لاقى إشادة من الجميع، بدأ يتحول وينفد والنفاد سريعاً، ما دفع حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان إلى اتخاذ تدابير تنتهك البنود الأساسية لاتفاق المهاجرين بين تركيا والاتحاد الأوروبي.

أبرم الاتحاد الأوروبي اتفاقية تثير الجدل مع تركيا والتي حدّت بشكل كبير من تدفق اللاجئين إلى أوروبا وذلك في مقابل مساعدات قيمتها 6 مليارات يورو وتنازلات سياسية مختلفة لأنقرة.

ففي الشهر الماضي، أطلقت الشرطة التركية سلسلة من العمليات التي تستهدف المهاجرين واللاجئين غير المسجلين في إسطنبول. ومنحت اللاجئين السوريين الذي يحملون هويات “حماية موقتة” والمسجلين في محافظات تركية أخرى مهلة حتى 30 تشرين الأول/ أكتوبر لمغادرة إسطنبول، بينما من المقرر نقل اللاجئين والمهاجرين الذين لا يحملون أي أوراق إلى مخيمات موقتة حتى يتم تسجيلهم.

ومع ذلك تقول منظمات الدفاع عن حقوق اللاجئين التركية والدولية على حدٍ سواء إن تلك العملية أثارت موجة عشوائية من الاعتقالات بل وحتى الترحيل القسري. وقالت نقابة المحامين في إسطنبول أيضاً إن مكتبها للمساعدة القانونية قد حل قضايا ترحيل قبل بدء العملية مباشرة، تعادل 3.5 أضعاف القضايا التي حلّها في حزيران/ يونيو. ولم تقل “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” أو “المفوضية الأوروبية” ما إذا كانتا على علمٍ بأن تركيا ترحل اللاجئين. لكن قدَّر أحد كبار المسؤولين في الأمم المتحدة، والذي طلب إخفاء هويته للحديث حول المسألة، أن حوالى 2200 شخصٍ قد أُرسِلوا إلى محافظة إدلب السورية، لكنه قال إنه ليس واضحاً تماماً ما إذا كانوا أُجبِروا على الرحيل أم اختاروا الرجوع بملء إرادتهم. وأضاف المسؤول أنه إذا كانت تركيا تُرحل السوريين قسراً بالفعل، فإن ذلك سيُشكل انتهاكاً صريحاً لمبدأ عدم الإعادة القسرية، وهو شرط مقيد أبرمت الاتفاقية بين تركيا والاتحاد الأوروبي على أساسه.

لكن إدارة الهجرة في وزارة الداخلية التركية لم ترد على ما طُرِح من أسئلة حول هذه المزاعم. وفي مقابلة تلفزيونية قبل مدة قصيرة على شاشة التلفزيون التركي، قال وزير الداخلية سلَيمان صويلو، “ليس في إمكاننا ترحيل أي سوري غير مسجل”، بل وأصرّ على أن العودة إلى سوريا كانت بمحض إرادة اللاجئين. وقد فهم أحمد وكثر من السوريين الذين تحدث إليهم ما يخفيه مصطلح “محض إرادتهم” من معنى.

من دون شرح…

بعد نقله من المنشأة التي يقطنها في مدينة بنديك إلى مركز ترحيل في منطقة بينكيلِتش، شمال غربي إسطنبول، قال أحمد إنه وقع تحت ضغوط شديدة للتوقيع على مجموعة من الوثائق عند وصوله إلى المركز. وأضاف أن الموظفة التي طلبت منه التوقيع رفضت شرح ما حوته الأوراق. وحينما هَمَّ أحمد بالتوقيع على الوثائق ووضع بصماته، لاحظ تعمدها وضع أصابعها على الورق لتغطية الترجمة العربية لكلمات “العودة الطوعية”. وعندما تراجع عن وضع بصمته، استدعت الموظفة الحراس الذين أخذوه إلى حمام قريب مع سوري آخر رفض التوقيع أيضاً. وهناك، بحسب رواية أحمد، تعمّدوا ترويعهما ساعات وأروهما صورة رجل ضُرِبَ ضرباً مُبرحا ورُبِط على كرسي بشريط من البلاستيك. ووفقاً لأحمد، فقد أخبره مسؤول، “إن لم توقّع، سيؤول بك المآل إلى هذا”.

في حين قدم حسين -وهو الرجل السوري الذي اصطُحب مع أحمد- سرداً مماثلاً. وفي مقابلة عبر الهاتف من دبي، حيث هرب بعدما فاوضوه على ترحيله إلى ماليزيا بدلاً من سوريا، روى حسين، الذي طلب عدم ذكر لقبه لحماية أقاربه في تركيا، ما حدث معه بالتفصيل في ما يخص الانتهاكات والإساءات التي تعرض لها، تماماً مثلما روى أحمد، وأضاف أنه تعرض شخصياً للضرب من قِبَل أحد الحراس. وعندما انتهت محنتهما، تطابقت رواية الرجلان إذ قالوا إن السوريين الآخرين الذين وصلوا معهما نُقِلوا كي يستقلّوا حافلة، على الأرجح، ليتم ترحيلهم.

الحمامات مقفلة

احتُجِزَ أحمد في يين كيليتش شهراً كاملاً، قبل نقله إلى مركز ترحيل آخر، قريب من كيركلاريلي، حيث قال إنه أُجبر على النوم في الخارج في فناء مع أكثر من 100 مُحتَجَز. ‏وقال إن الحرّاس أبقوا الحمامات مقفلة طوال اليوم، تاركين أمامهم أحد الخيارين، إما الانتظار حتى يحين السماح لهم بدخول الحمام، في مدة لا تتعدى 30 دقيقة يومياً أو أن يتبولوا لا إرادياً أثناء النوم. كما أخبرني أحمد أنه عندما أعياه المرض، مُنِع مراراً من رؤية طبيب لتشخيص حالته.

لم يستيقظ أحمد من هذا الكابوس إلا بعد مرور 9 أيام في كيركلاريلي. إذ استدعته الإدارة، وسألوه عن هويته، وأطلقوا سراحه عندما تبيّن أنه يحمل بالفعل بطاقة “حماية موقتة”، وَإِن كان مسجلاً في ولاية أخرى غير إسطنبول. ألقى مراسلو مجلة “ذا أتلانتيك” نظرة على صورة لبطاقة أحمد الشخصية، إضافة إلى مذكرة الإفراج عنه الصادرة عن مركز الترحيل.

مع إغلاق أوروبا أبوابها، تُركِت تركيا مع أعداد هائلة من اللاجئين بلغت 3.6 مليون لاجئ سوري مُسجل -وهو أكبر عدد استضافته أيّ دولة في العالم.

وقد موَّل الاتحاد الأوروبي الكثير من مراكز الترحيل التي يُحتَجز فيها لاجئون مثل أحمد. وبحسب ما جاء في ميزانيات عامي 2010 و2015، فقد موَل الاتحاد الأوروبي 12 على الأقل من هذه المنشآت ومراكز الترحيل كجزء من تمويل الاتحاد الأوروبي تركيا في مرحلة ما قبل الانضمام. وبحسب ما ذكره التقرير الصادر عن وفد برلماني تابع للاتحاد الأوروبي عام 2016، تلقى مركز ترحيل كيركلاريلي الذي احتُجِز فيه أحمد، 85 في المئة من تمويله من الاتحاد الأوروبي. أما منشأة يين كيليتش (مركز الترحيل الذي أُجبر فيه السوريون على توقيع أوراق العودة) فقد زُوّد بأثاث ومعدات أخرى مولتها بريطانيا، ووفقاً لرواية أحمد، وُجِدت على تلك المعدات علامات يظهر فيها علم الاتحاد الأوروبي وتركيا بوضوح.

تمويل مشبوه

من الصعب تحديد جهات توزيع التمويل المقدر بـ 6.7 مليار دولار المخصص لأنقرة، بموجب الاتفاقية المُبرمة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا لعام 2016، الهادف في الأصل إلى تمويل مشاريع مماثلة لمراكز الاحتجاز. في حين ذهب الجزء الأكبر منه إلى التعليم والرعاية الصحية والدعم النقدي المباشر للاجئين. وأشار التقرير السنوي الصادر عام 2018 إلى أن جهة التمويل كانت “لمركز ترحيل يسع 750 شخصاً” ولكن استُبدِل مصطلح “مركز ترحيل” بكلمة “منشأة”، في تقرير هذا العام، ليبدو أكثر حيادية.

وفقاً لما ذكرته المقرِّرة السابقة للشؤون التركيّة في البرلمان الأوروبيّ، كاتي بيري، فحتّى المشرِّعون مثلها يواجهون صعوبات في متابعة التنفيذ الدقيق للاتفاقيّات حول الهجرة التي توسط في عقدها الاتّحاد الأوروبيّ أو كان طرفاً فيها، والتي تتضمن اتفاقيّات مع ليبيا والنيجر والسودان، لا تركيا وحدها.

أعربت بيري في مقابلة عبر الهاتف أنه “من هذا المنطلق، يصبح الاتّحاد الأوروبيّ شريكاً في المسؤوليّة عن انتهاكات حقوق الإنسان. ربما تراجعَت الانتهاكات ضدّ اللاجئين على الأراضي الأوروبيّة، لكن ذلك بسبب الاستعانة بمصادر خارجية للاضطلاع بها. يُمثل ذلك دليلاً على العجز الأخلاقيّ الذي تعاني منه أوروبا، وهو الأمر الذي يحرمنا من صدقيتنا عند مساءلة تركيا ومحاسبتها على تلك الانتهاكات”. وَفقاً للاتفاقيّة الأصليّة، تعهَّدَ الاتحاد الأوروبيّ باستضافة 72 ألف سوريٍّ من المقيمين في تركيا، ولكن بعد مرور ثلاثة أعوام، لم يستقبل الاتحاد سوى أقلّ من ثلث هذا العدد.

تقتات اليوم أحزابُ المعارضة التركيّة على المشاعر المعادية للاجئين، تماماً مثلما هو الحال في أوروبا.

يرى كثيرون في المجتمع التركيّ أنّ بلادهم قامت بما يكفي وأدّت دورَها. ومع بدأ الاقتصاد التركيّ بالكاد في التعافي مؤخّراً، ومع كفاح كثير من الأتراك لكسب قوت يومهم، ازدادت معدّلات الكراهية تجاه السوريّين. وقد كشف استطلاعٌ للرأي عن زيادة نسبة أولئك الذين أعربوا عن عدم رضاهم بوجود اللاجئين السوريّين، من 54.5 في المئة عام 2017 إلى 67.7 هذا العام.

تقتات اليوم أحزابُ المعارضة التركيّة على المشاعر المعادية للاجئين، تماماً مثلما هو الحال في أوروبا. في أثناء الانتخابات البلديّة هذا العام، اعتمد السياسيّون المنتمون لحزب الشعب الجمهوريّ العلمانيّ على حملةٍ معادية بوضوح للوجود السوريّ في البلاد، ومنذ انتخابهم في البلديّات قطعوا المساعدات البلديّة للاجئين بل ومنعوا السوريّين من الوصول إلى الشواطئ. في إسطنبول، وفي اليوم الذي انتُخِب فيه أكرم إمام أوغلو، مرشّح حزب الشعب الجمهوريّ، رئيساً لبلديّة إسطنبول، انتشرَ بمنتهى الابتهاج وسمٌ عنصريّ على “تويتر” يقول “ليرحَل السوريّون” (#SuriyelilerDefoluyor).

عودة اللاجئين السوريين إلى سوريا

في تصريحٍ لمجلّة “ذي أتلانتيك”، قال متحدّث باسم الخارجيّة التركيّة إنّ “تركيا قامت بدَورها” في ما يتعلّق بالاتّفاق مع الاتحاد الأوروبيّ؛ وأشار إلى أنّ “الأموال المستلَمة لا تُشكل سوى جزء ضئيل ممّا أنفقته تركيا”، مضيفاً أنّ أنقرة تتوقع “دعماً أقوى من الاتحاد الأوروبيّ”، ماليّاً وفي صورة زيادة أعداد اللاجئين السوريّين الذين يُعاد توطينهم من تركيا إلى أوروبا.

على رغم قول المنظّمات الدوليّة إنّ هناك حاجة إلى المزيد من الأدلّة على قيام تركيا بمثل هذه التصرّفات، يرى نور الدين الشويشي أنّ الدلائل تحيط به من كلّ جانب. يقول الشويشي في مقابلة هاتفيّة من قرية في ضواحي إدلب -المنطقة السوريّة التي قال إنّه رُحِّل إليها- إنّ “القنابل تتساقط في مكانٍ غير بعيد”. وأضاف أنّه رُحِّل من تركيا في منتصف تمّوز/ يوليو، بعد إلقاء القبض عليه في منطقة إسانيورت في ولاية اسطنبول أثناء احتساء القهوة مع أصدقائه. وأكّد لي فداء الدين، الذي كان معه في ذلك الوقت، أنّ الشويشي قُبِض عليه واتّصل به من داخل سوريا بعد يومين من ذلك.

بعد وصول الشويشي إلى تركيا في بداية عام 2018، حين توقفت ولاية اسطنبول عن إصدار بطاقات هُويّة للاجئين السوريّين، فإنّه لم يكن لديه أيّ أوراق لتقديمها إلى الشرطة. اقتيدَ إلى مركزٍ قريب للشرطة، وأكّد له الضبّاط هناك أنّه سيستلم بطاقة هُويّة إن قام بالتوقيع على بعض الأوراق والاستمارات، ولكن حين سأل عن تفاصيل تلك الأوراق، غيّروا أسلوبَهم وأجبروه على الرضوخ والتوقيع.

أُرسِل الشويشي بعد ذلك إلى مركز ترحيل في توزلا، ورُحِّل من هناك إلى تركيا في اليوم ذاته، كما قال. بعثَ إليَّ فيديو ليُريني أنّه في إدلب، آخر أكبر معاقل المقاومة المسلّحة ضدّ قوّات الرئيس السوريّ بشّار الأسد. بحسب تقديرات الأمم المتّحدة، فالمنطقة يقطنها أكثر من ثلاثة ملايين شخص، نصفهم من النازحين، وتواجه كارثة إنسانيّة مع بدء روسيا ونظام الأسد شنّ هجوم للاستيلاء على تلك المحافظة.

الطريق الوحيد المتاح أمام سكّان إدلب هو تركيا، ولكنّها قامت بتشديد الحراسة على حدودها بعد عزمها على منع أيّ تدفق آخر من اللاجئين.

على رغم ذلك، لم يرَ هشام الصطيف (مصطفى) المحمد أيَّ خيارٍ آخر. فقَدْ رُحِّلَ الشاب الذي يبلغ من العمر 21 سنة من تركيا في منتصف تمّوز الماضي، على رغم امتلاكه أوراقاً من ولاية اسطنبول، وقد اطّلعت على صورةٍ عنها. ولتلهُّفِه للعودة إلى زوجته وطفلَيه، دَفَع هشام بعضَ المال لأحد المُهرّبين لاصطحابه إلى تركيا، كما ذكر لنا محمّد خضر حمّود، وهو لاجئ آخر رافقَه في تلك الرحلة المحفوفة بالمخاطر.

رصاصة النهاية

قال محمّد إنه قُبَيل غروب شمس 4 آب/ أغسطس بفترة وجيزة انطلقت مجموعة من 13 لاجئاً من قرية الدرية على بعد ميل من الحدود، وتوقفت في الجبال في انتظار اللحظة المناسبة لعبور الحدود إلى تركيا. وبينما كانوا ينتظرون، ركع هشام لتأدية الصلاة، ولكن بعد لحظات، ظهر غبار من الرمال بجانبه. وبعدما أدرك المهرِّب أنها رصاصة، دعا المجموعة إلى التحرك، إلّا أنّ هشام ظلَّ مُستلقياً في مكانه. وصفَ محمّد تلك اللحظة قائلاً: “زحفتُ إليه، ووضعت أذني على قلبه، لكنه لم يكن ينبض”، وأضاف أن المجموعة استُهدِفت بطلقات نارية من الأراضي التركية لمدّة تزيد عن ساعة، ولم يتمكّنوا من نقل جثة هشام بعيداً إلا في منتصف الليل.

تمكّنتُ من الحصول على صورة من شهادة وفاة هشام صادرة عن مستشفى الرحمة في قرية دركوش التابعة لمحافظة إدلب. وتشير الوثيقة إلى أنّ “رصاصة اخترقت أذنَ المتوفَّى اليُمنى وخرجت على مستوى الجانب الأيسر من الرقبة”.

في محاولةٍ لتوضيح الموقف، أرسلَت وزارة الداخلية التركية لي بياناً أكَّدت فيه -إلى حدٍّ كبير- ما جاء في المقال الذي نُشر في مجلة “فورين بوليسي” الأسبوعَ الماضي، حيث ذكر متحدث باسم أردوغان في البيان أنّ هشام كان مشتبهاً في انخراطه بأنشطة إرهابية، وطلَب طوعاً عودتَه إلى سوريا. بيد أنّ المتحدث لم يقدِّم أيَّ تفاصيل عن القضية.

رفض الحاج مصطفى -والد هشام- ما قاله المتحدث، وقال خلال مقابلة أجريتُها معه في إسطنبول إنّه “إذا كان هشام قد أخطأ بالفعل كما يدَّعون، فلماذا إذَاً لم يرسلوه إلى المحكمة؟”. ونظراً إلى أن هشام كان العائلَ الرئيسيّ للأسرة، قال مصطفى إنه الآن يكافح لإطعام أسرته، بما في ذلك طفل هشام الرضيعُ الذي يبلغ من العمر ثلاثة أشهر.

لم يكن مصطفى هو الوحيد الذي أصيب بفاجعة موت ابنه. ففي مقابلة أُجرِيت مع أحمد، في شقة صديقه في إسطنبول، أدركت أنه لا يزال مختبئاً عن أعين السلطات. وكان أحمد انتهى لتوِّه من التفاصيل المتعلقة باحتجازه لمدة أسبوع في مراكز الترحيل التركية عندما تلقّى إشعاراً على هاتفه برسالة جديدة تضمَّنت صورَ جثمان هشام منشورةً على فيسبوك.

صرَخ أحمد ممسكاً بذراع صديقه قائلاً “أنا أعرفه!”. وأضاف أن هشام كان معه في مركز الترحيل بمنطقة بينكيلِتش في إسطنبول، وواصل القول “لقد كان متفائلاً للغاية بأنّه سيتم إطلاق سراحه، لأنه يحمل بطاقة هُويّة صالحة تسمح له بالبقاء في إسطنبول؛ ولكن عندما أخبرني أنه أُجبِر على التوقيع على بعض الاستمارات، علمتُ أنّ الأوان فات بالفعل”.

قال أحمد، “لو وقّعتُ تلك الورقة، لكنتُ ميتاً بجانبه الآن”. ويُعتقَد أنّ هذا الخوف هو ما يدفع أحمد وكثيرين من الشباب السوريين أمثاله إلى مواصلة طريق الهروب إلى أوروبا. لقد أراني هو وصديقُه مقاطعَ فيديو أرسلها لهما مُهرِّب، تَعرِض رحلاتٍ ناجحة بالقوارب، وقالا لي إنّهما يخطّطان بالفعل للرحيل قريباً. واختتم أحمد حديثَه قائلاً، “ما دُمنا في تركيا، فإنّ الأوروبيين يُمكنهم التظاهر بأنهم لا يروننا. ولكن بمجرّد ذهابنا إلى هناك، وبمجرد وقوفنا أمامهم، فأنا على يقين من أنهم سوف يهتمّون بأمرنا”.

هذا المقال مترجَم عن theatlantic.com ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي.

“زواج على الصورة”:فتيات سوريات ضحايا خطّابات في تركيا

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!