fbpx

يانصيب 11 سبتمبر… قصة تزوير حرب اليمن 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

شكلت أحداث 11 أيلول ضربة قاصمة هزت هيبة أعتى قوة عسكرية واقتصادية في عالمنا المعاصر، بيد أن تلك الأحداث صارت بمثابة ورقة يانصيب رابحة، للتيار اليساري والقومي، الذي كاد يتلاشى أمام انتشار الحركات الإسلامية على طول الساحة العربية وليس في اليمن وحسب.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“نلتقي عصراً أمام مطعم (كشنها) لأروي لك كيف كشنوها في عدن”، يقول عبر الهاتف، محمود (35 سنة) الذي شهد سقوط عدن بيد المجلس الانتقالي الجنوبي، مطلع آب/ أغسطس الماضي، كما كان شاهداً على سقوط صنعاء بيد الحوثيين في أيلول/ سبتمبر 2014. وهما حدثان مركزيان في مسار تحول الأزمة اليمنية من حوار وطني “ناجح” إلى حرب كارثية، ما كانت لتنشب أصلاً لو لم تتوافق نخب يمنية وقوى إقليمية ودولية على افتعالها بهدف هندسة الدولة اليمنية، بما يتواءم مع مكافحة الإرهاب وصفقة القرن على ما يوثق هذا التقرير.

على مقربة من ساحة الشهيد الجنيدي في مدينة كريتر (عدن القديمة)، الساحة التي انطلق منها مسلحو “المجلس الانتقالي الجنوبي” لإسقاط عدن، يقع مطعم “كشنها”، والتكشين في اللهجة اليمنية عملية أولية في الطبخ تعطي الطعام مذاقه ونكهته وتحدد هويته.

فعلى رغم تبني الحوثيين و”داعش” تفجيرين شهدتهما عدن مطلع آب الماضي، وأوديا بحياة أكثر من 40 عنصراً من قوات الحزام الأمني المدعومة إماراتياً، بينهم العميد منير اليافعي (أبو اليمامة) قائد اللواء الأول “دعم وإسناد”، إلا أن المجلس الانتقالي الجنوبي سارع إلى اتهام “حزب التجمع اليمني للإصلاح” والحكومة اليمنية متخذاً اتهامه ذاك ذريعة لإسقاط عدن وأبين والتمدد باتجاه شبوه وحضرموت.

وكما كانت صنعاء محطة انطلاق الحوثيين في مطاردتهم الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي المعترف به دولياً، الذي تقول الرواية المتداولة إنه أفلت من قبضتهم في شباط/ فبراير 2015. واتجه إلى عدن متخذاً منها عاصمة موقتة، كذلك مثلت عدن منطلق المطاردة الثانية التي استهدفت سلطة الرئيس هادي نفسه، ببطل جديد هذه المرة هو المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي صار قوة ضاربة بفضل تشكيلات عسكرية قوامها نحو 60 ألف جندي، أسستها ومولتها الإمارات، خارج أطر المؤسسات اليمنية الرسمية.

فالحرب التي تسببت بمقتل عشرات آلاف المدنيين وتجويع 80 في المئة من السكان، وفق أحدث التصريحات الأممية كانت حرب إزاحات، أكثر من كونها حرباً بين طرف شرعي وآخر انقلابي.

ووفق دراسة للمؤسسة الدولية للديموقراطية والانتخابات، كانت العملية الانتقالية في اليمن مثالية، ولم تكن لتفضي إلى حرب أهلية لو لم تعمل النخب اليمنية “الفاسدة” والقوى الدولية والأمم المتحدة على تلغيمها.

فخلافاً للضغوط الدولية والإقليمية الكبيرة التي أفضت إلى توقيع المبادرة الخليجية، عمد رعاة المبادرة إلى وضع العراقيل ومنها تأخر المانحين، في دفع أكثر من 8 مليارات دولار وهو المبلغ الذي تعهد به “مؤتمر أصدقاء اليمن”، كما جاء في الدراسة التي رصدت مؤشرات عدة حول وجود رغبة مبطنة لتحويل نتائج الحوار الوطني إلى حرب، ومن ذلك ترويج كثر من السياسيين الدوليين خلال الفترة 2012 -2014، ومنهم الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما لفرضية وقوع اليمن في شرك حرب أهلية.

“كشنها” في عدن 

يشبِّه محمود الحرب في بلاده بفيلم هوليوودي يستعير مشاهده من أفلام متنوعة، ما يجعل قصة الفيلم عصية على فهم المشاهد غير المطلع على محتوى بقية الأفلام التي يقتبس منها الفيلم”.

يتسق تشبيه محمود مع منطق الأحداث المتتالية منذ الأزمة السياسية التي أفرزتها احتجاجات 2011 المطالبة بإسقاط نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح.

فبعد نحو 5 سنوات من تدخل التحالف العسكري بقيادة السعودية والإمارات، تبددت رمزية السلطة الشرعية التي جاء التحالف لدعمها، فيما تعاظمت بشكل لافت قوة الميليشيات بالانقلابين الحوثيين في الشمال والمجلس الانتقالي المطالب بانفصال الجنوب.

وعقب قصف طائرات إماراتية قوات تابعة للحكومة الشرعية كانت بصدد تحرير عدن من قبضة الانفصاليين وهو الحادث الذي صمتت عنه السعودية، تحدث البعض عن تبادل أدوار بين أبو ظبي والرياض. لكن لعبة الأقنعة كانت ولا تزال يمنية، فالانفصاليون في الجنوب والانقلابيون في الشمال ينتميان إلى القوة السياسية المهزومة في حرب صيف 1994، أو ما سمّاه صالح “التحالف الاشتراملكي”، نسبة إلى الحزب الاشتراكي والأحزاب الدينية الزيدية مثل “اتحاد القوى الشعبية” و”حزب الحق” المتهمين بمحاولة إحياء الإمامة.

ووفق دراسة للمؤسسة الدولية للديموقراطية والانتخابات، كانت العملية الانتقالية في اليمن مثالية، ولم تكن لتفضي إلى حرب أهلية لو لم تعمل النخب اليمنية “الفاسدة” والقوى الدولية والأمم المتحدة على تلغيمها.

وكما استخدم الغرب الرأسمالي الإسلام السياسي السني لمواجهة المد الشيوعي إبان الحرب الباردة، كذلك استخدمت موسكو وحليفاتها الإسلام الشيعي. فظهرت توصيفات مثل الإسلام الرجعي والإسلام التقدمي، لكن ذلك كان في الماضي، أما الآن فصار الصديق القديم عدواً والعدو القديم صديقاً.

وتزامن صعود ما يسمى الحوثيين في الشمال والحراك الجنوبي مع إطلاق الحرب العالمية ضد الإرهاب. ويقول معارضون للإمارات أن طائراتها التي قتلت 300 عسكري يمني، في أقل من 48 ساعة بحسب بيان لوزارة الدفاع اليمنية، كان بإمكانها أن تقضي على انقلاب الحوثيين في غضون شهر لو كانت حقاً تحاربهم.

“حاربونا بالوهابيين والمجاهدين الأفغان فأتيناهم بالنسخة الأصلية من الإسلام”، يقول ناشط يساري فضل عدم ذكر اسمه، مشيراً إلى تحالف جماعات يسارية يمنية مع الحوثيين (حركة أنصارالله)، التي ترجع نسبها إلى نبي الإسلام محمد، لكنها تحارب بضراوة الجماعات السنية المتشددة مثل القاعدة و”داعش” ومن تعتبرهم من الإخوان المسلمين مثل “حزب التجمع اليمني للإصلاح”.

ومثلما استهدف الحوثيون قواعد حزب الإصلاح في مناطق سيطرتهم، كذلك تكفلت القوات التي أسستها الإمارات في الجنوب بالمهمة.

وبررت الإمارات قصفها الجيش اليمني بوجود عناصر إرهابية وهي ذريعة استخدمها الحوثيون والانفصاليون لإسقاط المدن.

وتتناقض مزاعم الإمارات والقوات الموالية لها مع تصريحات سابقة، تفيد بأنها طهرت جنوب اليمن من الإرهاب وأنجزت ما لم ينجزه الغرب في 25 عاماً، وفق ما ذكر نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي هاني بن بريك في مقابلة صحافية.

وتظهر مقاطع فيديو نشرت عقب المعارك التي شهدتها شبوة وابين بين قوات المجلس الانتقالي وقوات الحكومة، ممارسة مختلف الأطراف أساليب سحل وذبح الخصوم في استلهام واضح لنهج “القاعدة” و”داعش”.

مقاتل حوثي

جمود متعمّد؟

وتتهم الإمارات التي توصف بأنها شرطي أميركا لمكافحة الإرهاب في المنطقة، بارتكاب انتهاكات فظيعة لحقوق الانسان واستئجار مرتزقة أميركيين لتنفيذ اغتيالات في جنوب اليمن.

وقال مصدر عسكري وآخر سياسي، لـ”درج”، إن جمود المفاوضات خلال السنوات الماضية كان متعمداً وهدف إلى كسب الوقت اللازم لبناء قوات عسكرية جديدة تعكس التوازن بين المناطق والقوى السياسية والأهم أن تكون مناوئة للإرهاب.

فلئن شكلت أحداث 11 أيلول ضربة قاصمة هزت هيبة أعتى قوة عسكرية واقتصادية في عالمنا المعاصر، بيد أن تلك الأحداث صارت بمثابة ورقة يانصيب رابحة، للتيار اليساري والقومي، الذي كاد يتلاشى أمام انتشار الحركات الإسلامية على طول الساحة العربية وليس في اليمن وحسب.

يقول مصدر سياسي يمني طلب عدم الكشف عن هويته، إن استنساخ انقلاب مصر كان مطروحاً منذ وقت طويل “لكننا لم نكن نعلم كيف سيتم”.

وخلافاً لانقلاب العسكر في مصر الذي أتى بعد وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة عبر انتخابات تنافسية، انبثق الانقلاب في اليمن من داخل القوى التي تقاسمت السلطة بموجب المبادرة الخليجية.

وينظر إلى الصراع الحالي في الجنوب باعتباره امتداداً لحروب صعدة الست (2004-2009)، التي كانت صراعاً داخل النظام الحاكم، وبدعم إقليمي غربي، استهدف إضعاف “حزب الإصلاح”، وبخاصة جناحه القبلي والعسكري، ممثلاً بالجنرال علي محسن الأحمر وعائلة الشيخ الراحل عبدالله الأحمر زعيم قبيلة حاشد التي ظلت توصف بصانعة الرؤساء في شمال اليمن.

وغداة تمدد القوات الموالية للإمارات شرقاً، حضت مراكز أبحاث أميركية إدارة ترامب على دعم جهود الإمارات الرامية إلى ضرب قوات “حزب الإصلاح” في مأرب وشبوة، واصفة الموقف السعودي من مكافحة الإرهاب بالمتراخي.

وخلافاً لانقلاب العسكر في مصر الذي أتى بعد وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة عبر انتخابات تنافسية، انبثق الانقلاب في اليمن من داخل القوى التي تقاسمت السلطة بموجب المبادرة الخليجية.

وكما غض التحالف العربي الطرف عند سحق الحوثيين في آذار/ مارس الماضي، عما سمّي انتفاضة قبائل حجور في محافظة حجة، وقبلها “انتفاضة الرئيس السابق” في صنعاء، مكتفياً في الحالتين بدعم إعلامي عبر قناتي “الحدث” و”سكاي نيوز عربية”، كذلك فعل أثناء إسقاط قوات المجلس الانتقالي عدن وأبين.

وبسقوط حجور، سقطت آخر قلاع تحالف قبائل حاشد الطرف القبلي الشمالي المنتصر في حرب 1994، التي شارك فيها إلى جانب القوات الشمالية جنوبيون من أبين وشبوة.

وتتفق المصادر التي تحدث إليها “درج”، على اعتبار الأحداث التي تشهدها مناطق الجنوب استكمالاً لما بدأه الحوثيون في صنعاء والمناطق الشمالية والمتمثل بضرب القوة العسكرية لـ”حزب الإصلاح”، الذي فقد الكثير من مناطق نفوذه، باستثناء محافظة مأرب ومناطق في محافظات شبوة وحضرموت وتعز.

ويعتقد البعض أن إخراج قطر من التحالف وعزلها، هدف إلى قطع الإمداد عن الإخوان المسلمين في اليمن والسعودية.

وينطوي اختيار المجلس الانتقالي الجنوبي ساحة الشهيد الجنيدي منطلقاً للتشييع والسيطرة على عدن، على رمزية تعبر عن القوة التي صار عليها. فالساحة التي عرفت منذ 2011 بساحة الحرية ظلت تحسب على “حزب الإصلاح”. ولم تعرف باسم الشهيد خالد الجنيدي (ناشط حراكي قتل نهاية 2014) سوى في السنوات الأخيرة بعدما تعاظمت قوة الحراك، الذي تعد ساحة الشهداء في مديرية المنصورة ساحته الأم.

قنبلة اليمن العائمة… كارثة بيئية تهدد الجزيرة العربية