fbpx

بين ترامب وجونسون: أكذوبة الشعبويين اليمينيين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تمر المؤسسات الديموقراطية في دول الأنكلوسفير، مجموعة الدول الناطقة باللغة الإنكليزية، في فترة دقيقة، بعدما اتخذ رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون خطوة غير عادية، بتعليقه أعمال البرلمان حالياً، الأمر الذي من شأنه أن يقوض الجهود الرامية إلى منع بريطانيا من الخروج من الاتحاد الأوروبي.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تمر المؤسسات الديموقراطية في دول الأنكلوسفير، مجموعة الدول الناطقة باللغة الإنكليزية، في فترة دقيقة، بعدما اتخذ رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون خطوة غير عادية، بتعليقه أعمال البرلمان حالياً، الأمر الذي من شأنه أن يقوض الجهود الرامية إلى منع بريطانيا من الخروج من الاتحاد الأوروبي في 31 تشرين الأول/ أكتوبر. أما في الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، فذكرت صحيفتان أن الرئيس دونالد ترامب طرح عروضاً بالعفو عن المسؤولين الحكوميين، إذا ما انتهكوا القانون للمساعدة على إكمال جداره الحدودي الذي قوبل باعتراض واسع، بحلول يوم الانتخابات.

لم يكن هذا الأمر مُستغرباً، فهذه هي طبيعة الحكم من قبل أشخاص يدعون أنفسهم شعوبيين يمينيين. فقد وصل الرجلان إلى السلطة من طريق الوعد بتحقيق أشياء غير ممكنة في الواقع. بالنسبة إلى ترامب وحلفائه، فقد كان الوعد هو إنشاء جدار “كبير وجميل” يمتد على طول الحدود الجنوبية للولايات المتحدة. أما بالنسبة إلى جونسون وأعوانه من مؤيدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فقد كان الوعد هو طلاق بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بطريقة يفوز فيها الجميع ولا يخسر فيها أحد. وكلما حاول المشرعون في أي من البلدين إعادة الرجلين إلى الواقع، لجأ ترامب وجونسون إلى تكتيكات غير ديموقراطية من أجل التحايل عليهم ونزع الشرعية عنهم. بيد أن هذا النهج في طريقة الحكم ليس مصادفةً، بل هو المغزى المنشود.

بالنسبة إلى ترامب وحلفائه، فقد كان الوعد هو إنشاء جدار “كبير وجميل” يمتد على طول الحدود الجنوبية للولايات المتحدة.

لعل مقارنة ترامب وجونسون ليست بالأمر الجديد. إذ يشترك كلاهما في القدرة على إحداث تأثير شعبي مُتقلب، وسِجل حافل من الملاحظات العنصرية، ولون شعر يُمكن تمييزه في الحال. وظهر ذلك جلياً في تصريح المرشح الديموقراطي للانتخابات الرئاسية، جو بايدن، حين قال، “أنا لا أعرف رئيس وزراء بريطانيا الجديد شخصياً. ولكنني على يقين بأنه يشبه دونالد ترامب”. وأشار ترامب إلى جونسون باسم “ترامب بريطانيا”، بعدما شغل الأخير منصب رئيس الوزراء وانتقل إلى مقر الإقامة الرسمية في 10 شارع دونينغ.

إن ما يُميز الزعيمين هو أنهما لا يتمتعان في الواقع بولاية مستمدة من الشعب للحكم. فقد حصل ترامب على أصوات أقل من منافسته في انتخابات عام 2016 بثلاثة ملايين صوت، وهي حقيقة تبدو أنها تقض مَضْجعِهِ باستمرار. بيد أنه تمكن من الوصول إلى المكتب البيضاوي بسبب ميزة غريبة في النظام الديموقراطي الأميركي – وهي أن يُسلم المجمع الانتخابي السلطة في بعض الأحيان لشخص على رغم أنه خسر التصويت الشعبي. وعلى مدى العامين الماضيين، كان ترامب واحداً من أكثر الرؤساء الذين لم يحظوا بقبول الناس في التاريخ الأميركي. في حين شهدت الانتخابات النصفية العام الماضي عودة الديموقراطيين إلى مجلس النواب بفارق كبير في تعبير مباشر عن الاستنكار من رئاسته.

في المقابل، يبدو أن وضع جونسون أكثر تعقيداً بقليل. فقد فاز بمقعد في البرلمان في الانتخابات العامة في الصيف الماضي، إذ حصل “حزب المحافظين” أيضاً على معظم المقاعد في مجلس العموم. بيد أن الناخبين البريطانيين لم يصوتوا لانتخاب حكومة المحافظين برئاسة بوريس جونسون، بل صوتوا لانتخاب حكومة المحافظين برئاسة تيريزا ماي، التي تقدمت باستقالتها هذا الصيف بعد تعرضها لسلسلة من الهزائم المذلة في البرلمان بسبب اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ثم فاز جونسون في الانتخابات ليصبح بذلك خليفتها كزعيم لـ”حزب المحافظين”، الأمر الذي جعله بالتبعية رئيساً للوزراء. يا له من نظام!

يبدو أن الهدف النهائي الذي يتوخاه الرجلان هو بناء جدار. ففي حالة ترامب، يبدو أن الجدار هو بالفعل حاجز مادي يمتد من المحيط الهادئ إلى خليج المكسيك. بيد أن عزمه على بناء هذا الجدار لم يحظَ بشعبية كبيرة على أقل تقدير. فقد أظهرت استطلاعات الرأي أن معظم الأميركيين يعارضون بناء الجدار سواء بصورة كلية أو على اعتبار أنه لا يُمثل أولوية في الوقت الراهن. فضلاً عن معارضة مجلس النواب الذي يقوده الديموقراطيون إلى حد كبير، إضافة إلى أن مجلس الشيوخ الذي يقوده الجمهوريون غير متحمس بشأن ذلك. ولكن لأن الرئيس تحدث باستمرار عن الجدار خلال الحملة الانتخابية، فإن مؤيديه يتوقعون منه الآن بناءه. وكذلك الحال بالنسبة إلى المتحدثين الرئيسيين في القنوات الإخبارية الذين يشاهدهم ترامب باستمرار. ونتيجة لذلك، فهو على استعداد للجوء إلى إجراءات صارمة – بدءاً من تعطيل الحكومة عن العمل لتأمين التمويل، ووصولاً إلى حث موظفي الخدمة المدنية على انتهاك القانون – لتسريع بناء الجدار. فقد صار الأمر بالنسبة إليه مسألة كبرياء.

بالنسبة إلى جونسون وأعوانه من مؤيدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فقد كان الوعد هو طلاق بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بطريقة يفوز فيها الجميع ولا يخسر فيها أحد.

في المقابل يُمكن النظر أيضاً إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على أنه محاولة لبناء جدار، وإن كان في فحواه مجرد جدار قانوني ونفسي، مُصمَّم لفصل بريطانيا عن بقية أوروبا. وعلى رغم أن القناة الإنكليزية أو ما يُعرف ببحر المَانش تُمثّل بالفعل حاجزاً مادّياً بين المملكة المتحدة وبقية القارة العجوز، يظل هناك استثناء شائك للغاية: يتمثل في الحدود البرية بين أيرلندا الشمالية وجمهورية أيرلندا. تُشكل حرية التنقل عبر الحدود الأيرلندية ركناً أساسياً من أركان عملية السلام التي أنهت التظاهرات والاضطرابات التي اندلعت في شمال أيرلندا – والمعروفة باسم The Troubles- عام 1998. في الواقع، لا يستطيع جونسون وضع تشريع قانوني منفصل لأيرلندا الشمالية من دون أن يخسر دعم حزب وَحدَوي صغير هناك، والذي يرجع الفضل إلى مجموعة قليلة من الأصوات تابعة له في إبقاء حكومة المحافظين في السلطة. فضلاً عن أنه لا يستطيع أيضاً الموافقة على الدعم الذي اقترحه الاتحاد الأوروبي للمنطقة، من دون أن يفقد دعم مؤيدين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في حزبه.

ثمة تحديات أخرى تحيط بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لكن أياً منها لا يُمثل تهديداً كهذا. إذا قُدِّر لبريطانيا أن تخرج من الاتحاد الأوروبي من دون حل المسألة، فستضطر إلى بناء حدود مادية، وهو ما من شأنه أن يهدد بإشعال الاضطرابات من جديد. غير أن الاتحاد الأوروبي يرفض إعادة التفاوض بشأن الاتفاق الذي عقده مع تيريزا ماي، والذي رفضه البرلمان مرات عدة لأسباب متعددة، إلى أن سقطت ماي من رئاسة الوزراء. ورفض جونسون، الذي كان أحد رواد حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عام 2016، إجراء استفتاءٍ ثانٍ كان يمكن أن يحل تلك المشكلة المستعصية التي يلزم حلها اتخاذ إجراء جَرِيء. وعد جونسون بتقديم حلول للمسألة الأيرلندية، ولكن لا يبدو أن أياً من هذه الحلول ليس في متناول يده. إضافة إلى ذلك، فإن تكتيكاته الصارمة لمنع البرلمان من عرقلة خروج بريطانيا في 31 تشرين الأول/ أكتوبر المُقبل، تُشير إلى أنه سيلجأ ببساطة إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق، وسيُلقي باللوم على المشرعين بسبب تداعيات ما قد يحدثه ذلك من أزمة.

قد يبدو غياب الدعم الشعبي أمراً مُقيداً ومُثبطاً للسياسيين العاديين. أما بالنسبة إلى ترامب وجونسون، فإنه يُعطي مزيداً من الحرية. إذ لا يحاول أي منهما بناء دعم واسع لأفكاره أو محاولة إقناع الآخرين بتبنّيها. وكلاهما تخلى عن العمل الشاق الذي يجعل الديموقراطية ممكنة. يبدو أن الشعوبيين اليمينيين غير مكترثين بمحافل لتبادل الأفكار. بل يهتمون بممارسة السُلطة بشكلٍ قاطع، بصرف النظر عن المعايير والقواعد غير المُعلَنة التي تحكم المجتمع الديموقراطي. ولذا نجد أنهم يقدّمون وعوداً لا يستطيع السياسيون الآخرون الإقدام عليها، نظراً إلى أنهم يلجأون إلى أساليب لا يقدر السياسيون الآخرون استخدامها.

يستغل ترامب مراراً مجموعة الصلاحيات التقديرية التي أقرها الكونغرس للسلطة التنفيذية على مدى السبعين عاماً الماضية، وينتزع الأدوات التي يحتاجها لفعل ما لا يسمح به المشرعون عادةً، بما في ذلك الإعلان عن حالة طوارئ عامة، لكي يسلب تمويل الجدار الحدودي من الجيش. أما بالنسبة إلى جونسون، الذي لا يلتزم دستوراً وطنياً مكتوباً، ولا الفصل بين السلطات على النمط الأميركي، فبإمكانه الذهاب إلى أبعد من ذلك. وأشارت التقارير إلى أن مكتب رئيس الوزراء يدرس مجموعة من التدابير المتطرفة لمنع البرلمان من عرقلة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. من بينها تعبئة مجلس اللوردات مع أقرانه من مؤيدي الخروج للتصويت على مشاريع القوانين، ونصح الملكة إليزابيث الثانية باستخدام حق النقض ضد التشريع للمرة الأولى منذ عام 1708، أو حتى رفض التنحي حال خسارته التصويت بسحب الثقة.

يبرر الشعبويون هذه التدابير غير الديموقراطية بزعم العمل لمصلحة الشعب، بينما يقوضون الهيئات التشريعية التي اختارها الناس. عندما يتحدث ترامب وجونسون عن “الشعب”، فإنهما لا يعنيان فعلياً أبناء أوطانهم، ولا حتى الناخبين منهم. بل يزعمان أنهما يمثلان كياناً أعلى وأكثر تجريداً – نوع أنقى من الناس، بمنأى عن النُخَب والأجانب وغيرهم من المنبوذين. هذا الدعم المتصوَّر هو ما جعل ترامب يتفاخر باستمرار بحصوله على تأييد ساحق من الجمهوريين، حتى في ظل تراجع أعداد داعميه الإجمالية. وهو أيضاً جزء من سبب وضع خصومه السياسيين في خانة “نحن أو هم”. ويلعب جونسون والقادة المؤيدون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، اللعبة ذاتها، وإن كان ذلك ببراعة أكبر.

من الواضح أن نزع الشرعية عن المعارضين السياسيين والمؤسسات غير المتعاونة يُمثل أمراً جوهرياً في صميم سياسات الشعوبيين اليمينيين. إذ تنطوي رسالتهم الأساسية على أن الآليات الطبيعية للتغيير السياسي فشلت، وأن ثمة حلاً سهلاً لهذه المشكلات، وأن هذه النُخب اللعينة بأنظمتها العتيقة هي ما يقف عائقاً في الطريق. قد يقول الشعبويون، “أعطني السلطة، وسأفعل ما لا يقدرون على فعله باسم الشعب”. لكن المفارقة الكبرى في ذلك تكمن في أن الشعبوية في الحقيقة لا تحظى بتلك الشعبية، ومن دون استغلال نقاط الضعف الموجودة في النظام، لن تستطيع إنجاز أي شيء على الإطلاق.

هذا المقال مترجم عن newrepublic.com ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي.

عن خيبتنا بالولايات المتحدة من أوباما إلى ترامب 

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!