fbpx

انتفاضة المصريين بين “ارحل يا سيسي” و”حديث الإفك”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

صباح السبت خرجت منشيتات الصحف المصرية تجزم أن مظاهرات الأمس هي فيديوهات لمظاهرات قديمة حدثت أثناء ثورة يناير وأثناء الثورة على الاخوان، في تلفيق واستخفاف واضحين بالعقول، وكأنهم قرروا التعامي عن عدة أسئلة بديهية منها؛ هتافات “إرحل يا سيسي” التي خرقت الآذان؟وماذا عن اعتقال 200 من المتظاهرين؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

من الجمعة الماضية وحتى الجمعة المقبلة، الموعد الذي أعلن لتظاهرات جديدة، يبدو أن سياق طرح الأسئلة سيزداد في المشهد المصري الذي شهد انتفاضة مفاجئة ضد الرئيس عبد الفتاح السيسي. فالمشاركون في احتجاجات الأيام الأخيرة بدوا من خارج نسق نشطاء وأحزاب وتجمعات ثورة يناير 2011، وبدا لافتاً أن شريحة واسعة ممن شاركوا في الثورة التي أطاحت بحسني مبارك، بدأوا اليوم ينضمون لما يعرف في مصر بـ”حزب الكنبة”، أي المتفرجون من بعيد دون المشاركة في أي حراك سياسي في الشارع.

كانت التحولات التي شهدتها مصر في السنوات الماضية كفيلة لجعل نشطاء 2011 ينكفئون ويرون السيناريو الحاصل سوداوياً، وأن الإرادة الشعبية لن تكون سوى أداة في يد النظام. في المقابل، بدا محتجو الحراك الأخير من جيل جديد من الشباب منهم طلاب جامعات كانوا صبية وقت قيام ثورة يناير، واليوم حلوا محل ثوار الأمس.

إعلام في غيبوبة

أستقبل أنا اتصالات هاتفية طوال الليل بحكم العمل بالصحافة من أصدقاء في محافظات مصرية بعيدة واتصالات من خارج مصر؟ هل هناك مظاهرات فعلاً؟ “التليفزيون والقنوات مش جايبة حاجة، احنا هنتابع قناة الجزيرة لأنها الوحيدة اللي بتغطي الحدث”، سقطة كبيرة أخرى تضاف لملف الإعلام المصري أو بشكل أدق ملف تواطئه.

صباح السبت خرجت منشيتات الصحف المصرية تجزم أن مظاهرات الأمس هي فيديوهات لمظاهرات قديمة حدثت أثناء ثورة يناير وأثناء الثورة على الاخوان، في تلفيق واستخفاف واضحين بالعقول، وكأنهم قرروا التعامي عن عدة أسئلة بديهية منها؛ هتافات “إرحل يا سيسي” التي خرقت الآذان؟وماذا عن اعتقال 200 من المتظاهرين؟

وصفت صحيفة الدستور المصرية في مانشيت على صفحتها الرئيسية ما حدث من تظاهرات بـ”حديث الإفك” في إحالة إلى الرواية الدينية الشهيرة عن “حادثة افتعلها المنافقون للنيل من سمعة السيدة عائشة”. المتظاهرون في نظر الصحافة المصرية أفّاقون ومنافقون، والسيسي له قداسة كقداسة الرموز الدينية. خطاب لا يقل في تطرفه وجهله عن خطاب المتشددين الدينيين، لكن يبدو أن الإعلام المصري لا مانع لديه أن يكرر نفس خطاب من يزعم أنهم أعداءه.

الإعلامي المعروف عمرو أديب قال في برنامجه تعقيباً على تظاهرات الجمعة؛ أن المتظاهرين”اتصوروا 10 ثواني ومشيوا”، فيما ركزت العناوين الرئيسية للصحف على زيارة السيسي للولايات المتحدة وأهمية التجربة الإقتصادية لمصر، ففي مانشيت رئيسي على صحيفة اليوم السابع جاءت العناوين التالية “التجربة الاقتصادية المصرية أدهشت المؤسسات الدولية” مع مانشيت آخر”السيسي يضع هموم أفريقيا على طاولة المجتمع الدولي”، فيما جاء مانشيت جريدة الأهرام “مصر تعرض رؤيتها لقضايا السلام والتنمية والإرهاب أمام الأمم المتحدة”، وجاء مانشيت جريدة المساء” إيه اللي حصل ..الأهلي البطل”، “السيسي يطرح رؤية مصر لمكافحة الأرهاب”…

لم يمر مساء يوم السبت هادئاً بعد انفضاض التظاهرات،واستعداداً للجمعة المقبلة. فقد مشطت قوات الأمن محيط وسط البلد والتحرير، وأغلقت المقاهي التي تستقبل زبائن في العادة بأعداد كبيرة خوفاً من التجمهر، وشاهدنا اعتقالات عشوائية من الشوارع ليلاً وتفتيش على بطاقات الهوية، ويبدو أن الجمعة المقبلة والتي دعا إليها المقاول محمد علي لتنظيم مليونية للتظاهر ضد السيسي، ستشهد استعداداً أمنيا أكثر إحكاماً، وعلى إثرها ستزداد سطوة الاعتقالات، وهو ما يترقبه الجميع بحذر في الوقت التي تتغير صور بروفايلات الفيسبوك للون الأحمر للدعوة للتضامن مع الحراك والتغيير والرفض والحركة.

صباح الجمعة عشرين أيلول/سبتمبر، لم يكن صباحاً خالياً من الترقب مع وجود حدثان يسعى الشارع المصري لمتابعتهما؛ الأول مباراة منتخب الأهلي والزمالك، والثاني دعوات الخروج للتظاهر ضد السيسي،تحت هتاف عام وموحد “أرحل يا سيسي” وهو هاشتاج احتشد تحته قبل أيام آلاف من المعارضين بعد دعوات المقاول محمد علي للتظاهر ضد السيسي.

فريق المشجعين الكرويين ممن بدوا غير مبالين بدعوات الخروج للثورة من جديد، كانوا لا يرون أملاً في أي خروج، أو بالأحرى الخروج سيترافق مع قمع شديد أو مع محاولات استغلال خروجهم، لكي يطيح الجيش بالسيسي ويأتي عسكري آخر، مثلما يقول السيناريو كل مرة…

بعد انتهاء المباراة، فاز فريق الأهلى وبدأت بعض الجماهير الكروية تهتف في منطقة التحرير، “أرحل يا سيسي”، ربما هي نشوة الانتصار الكروي المنفلتة عن الخوف والغارقة في الحماسة، لحظات من استرداد الثقة بالذات، وبوادر أمل جعلت القلوب أكثر جسارة؛ بعد دقائق عمَّت موجات التضامن في الشارع، وازدات الأعداد بالقرب من ميدان عبد المنعم رياض، ومنطقة الإسعاف.

 مع أول فيديو تم تداوله على فيسبوك لعشرات الجماهير تهتف” قول متخفشي السيسي لازم يمشي” لامست الشعارات قلوب أهل يناير، وزاد الأدرينالين لمستويات عليا، وطُرحت الأسئلة متخبطة في ظل الحماسة؛هل دقت ساعة العودة للثورة من جديد؟  لا يمكن المزايدة على حماس المتظاهرين، حتى ولو كانت التظاهرات فخّ يتم تدبيره بحنكة لاستغلال الخروج الشعبي، وتنفيذ خطة داخلية يحقق منها الجيش وحده مكاسبه في السلطة بدون السيسي الذي يبدو أن البساط بدأ ينزاح من تحته.

 

هل هناك مظاهرات فعلاً؟ “التليفزيون والقنوات مش جايبة حاجة، احنا هنتابع قناة الجزيرة لأنها الوحيدة اللي بتغطي الحدث”، سقطة كبيرة أخرى تضاف لملف الإعلام المصري أو بشكل أدق ملف تواطئه.

 

“الشعب يريد إفراج  المحبوسين” تتوازى مع هتافات اسقاط النظام، لتدلل أن هذه الانتفاضة ليست فقط إنتفاضة بسبب الأوضاع الاقتصادية الخانقة، بل هناك حالة من الرغبة في رد الاعتبار للمعارضين السياسيين الذين بات يقبع أغلبهم خلف السجون من الطلبة مثل أحمد عاطف والآلاف غيره، والشباب مثل أحمد دومة والآلاف غيره، والكهول مثل كمال خليل وغيره.

بعد الثامنة مساء كانت أصوات الغضب تتعالى،آلاف المتظاهرين في مناطق شبرا ووسط القاهرة  دمياط والمحلة والإسكندرية وجزيرة الوراق ودمنهور، ومشهد مهيب للمتظاهرين في منطقة العصافرة يتحركون بحماسة نحو الشارع. لتتوالد الدوائر وتعلو الأصوات بالهتافات،كل صاحب مظلمة خرج ليقدم مظلمته، في هتاف مدو،والشعب المصري مُحمَّل كله بالمظالم. الترقب الأهم كان؛كيف سيتعامل الأمن مع هذه التظاهرات، في المنطقة القريبة من ميدان التحرير؟ تم فصل الكهرباء عن المنطقة وإلقاء القبض على 55 ممن تم حصرهم حتى من المعتقلين يوم الجمعة في ميدان التحرير فقط، وفي مناطق أخرى في الإسكندرية ودمياط تم التعامل مع المتظاهرين بإلقاء القنابل المسيلة للدموع، فضلاً عن استخدام السلاح الحي والاعتقالات العشوائية في دمياط ودمنهور،والتي وصلت لاعتقال 200 شخص حسب منصّة الجزيرة.

في منطقة عبد المنعم رياض في وسط القاهرة حدث كرّ وفرّ بين المتظاهرات وقوات الأمن، مما تسبب في إغلاق كوبري أكتوبر، بسبب كثرة التدافع وحالة الفوضى. وانتشرت المدرعات وعربات الأمن المركزي المصفحة في ميدان الجلاء وعلى كوبري الجلاء، قنابل غاز مسيل للدموع بعد نزلة النادي الأهلي، وعند مدخل نزلة منطقة الزمالك كانت الاشتباكات من جانب المتظاهرين بالطوب والزجاج، ومن جانب الأمن بالخراطيش وقنابل الغاز، وآثار الاشتباكات لازالت باقية على أرصفة الشوارع.

كل هذا والإعلام الرسمي في قمقمه. ربما هو مرتبك،لأنه بوق السيسي الآن. كيف سيتعاملون مع الموقف والسيسي في زيارة رسمية في الولايات المتحدة؟ الإعلام المصري نفسه مرتبك، ويفضل الصمت عن التورط في مسائل كبرى لا ناقة له فيها ولا جمل.

هل تشهد مصر انقلاباً على الانقلاب؟