fbpx

نجوى ضحية عنف جديدة في غزة… متى النهاية؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لم تأخذ قضية نجوى مطر من مدينة غزة صدى كبيراً في الرأي العام الفلسطيني، كما حدث في قضية إسراء غريب، ربما لأن ما تعرضت له مطر من اختطاف وضرب لم يوثَّق عبر كاميرا هاتف نقال.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم تأخذ قضية نجوى مطر من مدينة غزة صدى كبيراً في الرأي العام الفلسطيني، كما حدث في قضية إسراء غريب، ربما لأن ما تعرضت له مطر من اختطاف وضرب لم يوثَّق عبر كاميرا هاتف نقال، ولم يصل إلى جميع الفلسطينيين، وربما لأنها بقيت على قيد الحياة، أو لأن صراخ الأطفال في المدرسة الذين هرعوا مسرعين إلى مركز شرطة العباس المجاور للمدرسة حيث تعمل، للتبليغ عن عملية الاختطاف.

وربما لأن الشرطة تمكنت خلال 10 دقائق من توقيف السيارة التي اختطفتها، وتحركت بسرعة وطاردت خاطفيها وألقت القبض عليهم. كما ساعدت الشرطة كاميرات المراقبة المنصوبة في الشوارع، وتم تحديد موقع السيارة.

ربما ساعد نجوى حسن حظها ونجت بأعجوبة، على رغم أن أشقاءها حاولوا منع الذين تدخلوا لمساعدتها، مؤكدين أنها “قضية شرف”. وهناك دوماً من يبرئ جرائم الشرف ويجد لها أعذاراً مخففة بطبيعة الحال. 

حتى وهم يهربون، كان ذكور العائلة الغاضبون يهددون نجوى بالقتل، مردّدين: “5 دقائق وبنخلص منك”، وربما لو تأخرت الشرطة 10 دقائق لم تكن نجوى على قيد الحياة.

قصة العنف والظلم والمعاناة المستمرة التي تعرضت لها المعلمة المحبوبة، لم تبدأ في 14 أيلول/ سبتمبر 2019، تاريخ اختطافها ونجاتها من الموت. تروي مطر لـ”درج” أنه عند الـ12 ظهراً تقريباً، موعد انتهاء الدوام المدرسي، وهي معلمة في مدرسة الرمال الإعدادية للبنات في مدينة غزة التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، وأثناء خروجها من مدرستها الواقعة في مربع أمني في منطقة أنصار ومقابل مركز شرطة العباس، وفيما كانت تنتظر سيارة، فوجئت بوالدها واثنين من أشقائها ينتظرونها هناك. ثم ترجّلوا من السيارة وتوجهوا نحوها، وبأيديهم عصي خشبية غليظة وصاعق كهربائي. اعتدوا عليها بالضرب أمام الطلاب والأهالي وإدارة المدرسة، من دون أن تفوتهم ولو زاوية أو نقطة صغيرة في جسمها المسكين. سقطت أرضاً وقام أحد أشقائها بضربها بقدمه على بطنها، وسحلها وأدخلها إلى السيارة، واعتدى على زملائها المعلمين الذين حاولوا مساعدتها والدفاع عنها.

ربما ساعد نجوى حسن حظها ونجت بأعجوبة، على رغم أن أشقاءها حاولوا منع الذين تدخلوا لمساعدتها، مؤكدين أنها “قضية شرف”.

المفارقة هنا، تختلف مع ما حصل مع إسراء غريب من تقصير وإهمال، فقضية مطر واختطافها ومعاناتها مع العنف بسبب عائلتها وطليقها لاقت اهتماماً على المستوى الرسمي، وإن كان غير كاف. وبمجرد وصولها إلى مركز الشرطة تم تحويلها إلى مستشفى الشفاء لتلقي العلاج بحماية عناصر من الشرطة النسائية. ثم توجهت مرة أخرى إلى المركز لتقديم شكوى ضد والدها وأشقائها بحضور مدير عام الشرطة، وتم توجيه تهمة الخطف والشروع بالقتل لهم من قبل النيابة العامة، وبعد ذلك تم تحويلها إلى بيت الأمان لرعاية النساء المعنفات التابع لوزارة التنمية الاجتماعية حيث تقيم منذ 8 أشهر.

تعود مطر الشابة الجميلة البالغة من العمر 34 سنة، بقصتها مع العنف إلى الوراء حين تخرجت من الجامعة وعملت في مدارس “الأونروا”، وبنت أحلامها بحياة مستقرة ومستقلة وتكوين عائلة صغيرة، إلا أن عائلتها أجبرتها على الزواج من شاب لا تعرفه، وهكذا كان على الأحلام أن تتلاشى. 

لا أمان ولا حرية، وبقيت الرقابة “الأبوية الذكورية” تطاردها، وبدأ زوجها يضربها منذ الأسبوع الأول، إضافة إلى الإهانات اليومية. استمرت المعاناة طيلة فترة زواجها، وكبر أطفالها الثلاثة على معاناتها وآلامها وأفول أحلامها، حتى أصبحوا شهوداً على ضربها وإهانتها المستمرة.

مرت سنون على معاناتها مع العنف والظلم من الزوج والأب والعائلة وفكّرت في الانتحار أكثر من مرة، وما كان يزيد ألمها أن زوجها كان يظهر في المجتمع بهيئة الشخص المهذب والناشط الاجتماعي، ثم يتحول في البيت إلى وحش كاسر.

لم تيأس من مقاومة العنف والظلم، فقررت مواجهتهما بنفسها وتوجهت إلى الشرطة ومؤسسات المجتمع المدني التي فشلت في مساعدتها، فقررت اللجوء إلى بيت للمعنفات، “بيت الأمان”، التابع لوزارة التنمية الاجتماعية، إلا أن ذلك لم يدم طويلاً وتحت التهديد والوعيد بالقتل. وبعد أشهر عادت إلى البيت، وأصيبت بالإحباط وبخيبة أمل، من حظها العاثر من عائلتها الشريكة في مأساتها والتي كلما كانت تلجأ إلى حضنها، كانت تعيدها إلى زوجها مع أنه طلقها مرتين.

“تقدمت السيدة بشكوى ضد زوجها الذي كان يُعذبها جسدياً ونفسياً، ويعتدي عليها ويُهينها، ففرقت المحكمة بينهما، وحكمت لمصلحتها بالطلاق، لكن عائلتها أرادت إعادتها إليه، فلجأت إلى بيت الأمان”. 

في بيت الأمان الذي احتضنها منذ 24 كانون ثاني/ يناير2019 بسبب تعرضها للعنف الجسدي والنفسي من قبل زوجها وتقديمها شكاوى بحقه في مركز الشرطة، وتعرضها لضغوط نفسية واعتداء بالضرب أيضاً من قبل أفراد عائلتها بسبب إصراراها على طلب الطلاق ورفضهم ذلك، إلا أنها استطاعت الحصول على الطلاق في منتصف حزيران/ يونيو 2019، بعدما تنازلت عن كامل حقوقها الزوجية، وغادرت بيت الأمان في بداية شهر آب/ أغسطس 2019، بعد مكوثها فيه 8 أشهر لتنتقل إلى شقة مستقلة مع إحدى السيدات كونها معلمة وتستطيع إعالة نفسها مادياً. كان ذلك في 12/9/2019. مكثت في الشقة 3 أيام فقط قبل أن تقوم عائلتها بخطفها بسبب تقدم أحد الأشخاص لخطبتها ورفضهم تزويجها للحصول على الراتب الذي تتلقاه.

وقال المتحدث باسم الشرطة العقيد أيمن البطنيجي، “الشرطة بعد تلقيها بلاغاً من مسؤول في “الأونروا” في منطقة غرب غزة، بوقوع حادثة خطف مُعلمة داخل أسوار المدرسة، تحركت فوراً ولاحقت الجُناة، حتى أمسكت بهم على أحد الحواجز، وتم القبض عليهم، وتخليص الفتاة التي كانت مُقيدة”.

وقال البطنيجي إن السيدة مُطلقة، وعائلتها تُحاول إرغامها على الرجوع إلى طليقها، الذي سبق وقدمت شكوى ضده، مضيفاً: “تقدمت السيدة بشكوى ضد زوجها الذي كان يُعذبها جسدياً ونفسياً، ويعتدي عليها ويُهينها، ففرقت المحكمة بينهما، وحكمت لمصلحتها بالطلاق، لكن عائلتها أرادت إعادتها إليه، فلجأت إلى بيت الأمان”. 

وفي حين أدانت “الأونروا” في غزة، الاعتداء الذي ارتكب بحق إحدى معلماتها وقالت في بيان لها “على ما يبدو، إن أفراداً من عائلتها نفّذوا هذا الاعتداء عند بوابة المدرسة عندما كانت في طريقها للخروج، و”الأونروا” تشعر بقلق شديد إزاء العدد المتزايد من حالات العنف ضد موظفيها”، مشددة على أنها مصممة على بذل كل الجهود ليشعر موظفوها وموظفاتها بالأمان والحماية أثناء تأديتهم عملهم.

وطالبت “الأونروا” الجهات المختصة في غزة “ببذل قصارى جهدها لتنفيذ التعهدات والمبادئ العالمية للقضاء على العنف ضد النساء والأطفال”.

قصة نجوى ليست جديدة ولن تكون الأخيرة وهي تتكرر منذ سنوات في المجتمعات المقفلة وداخل جدران المنازل، حيث لا لغة سوى العنف الأسري والعنف في كل مكان، وتُظلم كثيرات ويتعرّضن لاعتداءات وإساءات لفظية وجسدية وجنسية… وإن كانت قصة نجوى رست على نهاية “مقبولة”، فالمطلوب أبعد من معالجة قصة من آلاف الحكايات. المطلوب قوانين تحمي النساء والمجتمعات من منطق القبيلة والعنف واللاإنسانية واللارحمة.

إسراء غريب… ضحية الجاهلية الراهنة