fbpx

عن تحرير فلسطين من الكنيست أو تحريره من الصهيونية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“القائمة العربية المشتركة” وقعت في مشكلة، إذ إن محاولتها حرمان نتانياهو من فرصة تشكيل حكومة سيعني منحها الفرصة لغانتس. والأخير لا يقل برنامجه عداءً لحقوق الفلسطينيين عن برنامج نتانياهو.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

نجحت القائمة العربية المشتركة في انتخابات الكنيست الإسرائيلية (الدورة 22)، التي أجريت راهناً، في ما أخفقت فيه في انتخابات الكنيست السابقة قبل أشهر معدودة (دورة 21 نيسان/ أبريل 2019)، بسبب انقسامها إلى قائمتين وقتذاك، وذلك بحصولها على 13 مقعداً في الكنيست (من 120 مقعداً)، مقارنة بـ10 مقاعد في الانتخابات السابقة. 

الجدير ذكره أن تلك القائمة، التي تمثل الجمهور العربي في الكنيست الإسرائيلي، تتألف من 4 قوى، هي “الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة”، وعمودها “الحزب الشيوعي الإسرائيلي”، و”التجمع الوطني الديموقراطي”، و”الحركة الإسلامية” (الجناح الجنوبي)، و”الحركة العربية للتغيير”، التي تتمحور حول شخصية أحمد الطيبي. مع العلم أن ثمة قوى تقاطع الكنيست من ناحية مبدئية، مثل “حركة أبناء البلد”، و”الحركة الإسلامية” (الجناح الشمالي)، بزعامة الشيخ رائد صلاح، وبعض النشطاء والمثقفين، كما أن ثمة شخصيات عربية ضمن قوائم الأحزاب الصهيونية. هذا أولاً. 

ثانياً، في الواقع فإن أجواء الحبور أو الشعور بالفوز أتت كردّ فعل على الإحباط الذي أصاب الفلسطينيين عام 1948، جراء النتائج المحبطة في الانتخابات الماضية، التي نجمت عن الخلافات بين مركّبات القائمة المشتركة الأربعة، وأدت إلى انقسامها إلى قائمتين. أدى ذلك إلى عزوف قطاعات واسعة من الفلسطينيين عن المشاركة في العملية الانتخابية، بما يشبه حالة عقاب لتلك القوى، التي بالكاد تمكنت من الحصول على 10 مقاعد للقائمتين. 

ثالثاً، الفكرة هنا أن لا جديد بالنسبة إلى القوة العددية للفلسطينيين في الكنيست حالياً، إذ حصلت القائمة العربية المشتركة، التي تعلمت الدرس من المرة الماضية، على العدد ذاته الذي حصلت عليه في الانتخابات ما قبل السابقة (الدورة 20، 2015). ويفترض أن يتمثل الفلسطينيون بنحو 16 – 18 مقعداً في الكنيست، في حال زادت نسبة المشاركة في أوساطهم، أعلى مما هو حاصل. والمعنى أن مركّبات القائمة المشتركة، على رغم نجاحها المذكور، إلا أنها لم تستطع رفع نسبة التصويت في الانتخابات إلى الدرجة التي تمكّنها من زيادة حصّتها في الكنيست، أي أنها ما زالت تحافظ على جمهورها بلا زيادة، بمعنى أنها أعادت تدوير قواها وتجميعها وحسب. وهي لم تحاول استقطاب شخصيات كفؤة، غير حزبية، لضمها إلى قائمتها، بهدف توسيع تمثيلها، وزيادة نسبة الناخبين العرب، وهذا كله يحسب عليها، سلباً، مع علمنا أن أوضاع تلك القوى ليست على ما يرام، بالنسبة إلى بناها وخطاباتها، وبالنسبة إلى علاقتها مع مجتمعها.

هكذا، فإن تصوير ما حصل، على أهميته، باعتباره اختراقاً كبيراً وترجمة لنجاح العرب بالتحول إلى قوّة سياسية لا يمكن تجاوزها، ما يمكن أن يؤدي إلى هزيمة اليمين، أو هزيمة نتانياهو، إنما ينمّ عن تسرّع، وبهرجة، وتبسيط ربما، فالكنيست الإسرائيلي برمته، بحسب نتائج الانتخابات، يميل إلى اليمين، وليس حتى إلى الوسط. كما أن حزباً يسارياً كـ”ميريتس” مال إلى أيهود باراك، الذي دخل إلى قائمته، ومع ذلك فلم يحصل سوى على خمسة أصوات، في حين حصل “حزب العمل”، مع حلفائه، على ستة أصوات فقط، أي أن معظم أعضاء الكنيست هم من اليمين، واليمين المتطرف، ويمين الوسط. وهذا يشمل “حزب أزرق أبيض” (حزب الجنرالات) الذي حصل على 33 مقعداً، في حين حصل حزب “ليكود” على 31 مقعداً، وحصد الحزبان الدينيان (“شاس” و”يهوديت هاتوراه”) 17 مقعداً، وحزب “يميناه” (إلى اليمين) حصل على 7 مقاعد، وحزب “إسرائيل بيتنا” لليهود الروس، بزعامة ليبرمان، حاز 8 مقاعد (ما يجعله بمثابة بيضة القبان) في التشكيل الحكومي. أي أننا إزاء كنيست بغالبية يمينية، وغالبية مناهضة لحقوق الفلسطينيين، في كل مكان، مع قوة عددية تقدر بـ96 عضواً. وإذا أضفنا إليهم “حزب العمل”، وباراك (ضمن قائمة ميريتس) فبالكاد للفلسطينيين عدد مقاعدهم الحالية فقط، إضافة ربما إلى بضعة مقاعد من اليهود الإسرائيليين.

على ذلك، ومع كل التقدير للجهود وللمكسب الحاصل، لا داعي البتّة لتصدير أوهام، أو معانقة عصبيات “القبيلة”، ولا داعي لتصدير النجاح في الحصول على 13 مقعداً، وكأن أعضاء الكنيست سيحررون فلسطين، أو أنهم سيحررون الكنيست من الصهيونية، فهم لا يستطيعون إلغاء قانون القومية اليهودي، مثلاً وهو يخفّض من منزلتهم كمواطنين في دولة إسرائيل. ناهيك بأنهم لا يستطيعون شيئاً إزاء وقف الاستيطان في الضفة الغربية (المحتلة)، ولا مصادرة الأراضي، ولا أي شيء تقوم به إسرائيل إزاء شعبهم في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولا بشأن عملية التسوية. 

 

في المعركة على مقاعد الكنيست هناك انتصار محدود، لا سيما من الناحية السياسية، لكن ذلك “الانتصار” لا يمكن ولا في أي حال أن يرقى إلى حد إحداث أي تغيير في طبيعة إسرائيل، كدولة استعمارية واستيطانية وعنصرية، ولا إلى حد التقليل من طابعها كدولة “قومية” لليهود

 

الفكرة هنا، أن الكنيست قد يصلح للدفاع عن الحقوق الفردية والمدنية للفلسطينيين، كمواطنين في دولة إسرائيل، وهنا تكمن مشروعية مشاركة فلسطينيي 48 في انتخابات الكنيست. وضمن ذلك، ولكن على هامشه، تأتي مسألة اللعب على التناقضات الإسرائيلية، بتحجيم قوة اليمين القومي المتطرف، في بعض المسائل الداخلية، لكن من دون التعويل على ذلك، أو المبالغة به. مع العلم أن أعضاء الكنيست الفلسطينيين هم الذين رجحوا كفة اسحق رابين، و”حزب العمل”، في التصويت على اتفاق أوسلو (21/9/2019)، إذ إن التصويت، حينها، تم بغالية النصف + واحد  (61 عضواً في الكنيست)، وصوت 50 عضواً ضد القرار في حين امتنع 8 أعضاء عن التصويت.

ويستنتج من ذلك أن الكنيست ليس المكان الملائم للدفاع عن الحقوق الوطنية والجماعية للفلسطينيين كشعب، وضمن ذلك فلسطينيي 48، فتلك الحقوق لها مكان آخر، كـ”لجنة المتابعة العربية لفلسطينيي 48″، في حال تم تطويرها ومأسستها على قاعدة التمثيل والانتخاب، ومنظمة التحرير في حال إعادة بنائها على أسس وطنية وديموقراطية وبتمثيل فلسطينيي 48 فيها. وذلك في إطار معادلات واعتبارات سياسية معينة، باعتبارها ممثلة لكل الشعب الفلسطيني، إذ إن إسرائيل لا تعترف بالفلسطينيين إلا كمقيمين، وليس كجماعة قومية، لها حقوق. حق تقرير المصير في نطاق دولة إسرائيل هو لليهود فقط، كما نص قانون القومية اليهودية الذي أقر صيف العام الماضي. 

في أي حال، تبين بعد الانتخابات، وفي غمرة الحديث عن التكليف الحكومي في المفاضلة بين زعيمي حزب “أزرق أبيض” (بيني غانتس)، وحزب “ليكود” (بنيامين نتانياهو) أن “القائمة العربية المشتركة” وقعت في مشكلة، إذ إن محاولتها حرمان نتانياهو من فرصة تشكيل حكومة سيعني منحها الفرصة لغانتس. والأخير لا يقل برنامجه عداءً لحقوق الفلسطينيين عن برنامج نتانياهو. ومنحه الثقة لتشكيل حكومة سيكون لمصلحة نتانياهو، الذي سيثير الرأي العام الإسرائيلي والقوى السياسية، بأن غانتس أتى بأصوات العرب، (تماماً كما حصل في حقبة رابين عام 1992). وفي المحصلة فإن كلاً من الخيارين أمرّ وأصعب من الآخر، ما أدى إلى رفض “التجمع الوطني الديموقراطي” هذا التكليف، ما يعيد التذكير بعدم التوافق، أو الانسجام، بين مركبات “القائمة العربية المشتركة”.

وفي المحصلة، ففي المعركة على مقاعد الكنيست هناك انتصار محدود، لا سيما من الناحية السياسية، لكن ذلك “الانتصار” لا يمكن ولا في أي حال أن يرقى إلى حد إحداث أي تغيير في طبيعة إسرائيل، كدولة استعمارية واستيطانية وعنصرية، ولا إلى حد التقليل من طابعها كدولة “قومية” لليهود. بمعنى أن قوة أهل الأرض الأصليين هنا تمكن في أن تلعب أو أن تستثمر على هامش التناقضات الإسرائيلية، فقط، ويمكن أن تستثمر في الدفاع عن حقوق المواطنة فيها. أما أكثر من ذلك فيحتاج إلى إطارات ومعادلات ورؤى سياسية أخرى. لذا ففي غمرة “فرحة”، أو نجاح ما، لا داعي لتصدير أوهام، فذلك لا يفيد الفلسطينيين ولا يفيد تطور إدراكاتهم وحركاتهم السياسية. 

لا مكان لأي كيان غير اسرائيلي : نبذة تاريخية عن المستوطنات الإسرائيلية