fbpx

“المذنبات”: جنى وجنى وأنا

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كان على جنى دهيبي أن تقف وسط هذا العالم الشنيع وأن تسمع ترّهاته وعظاته وهو يوبّخها ويتوعّدها، لأنها قررت أن تخلع الحجاب الذي ما عادت مقتنعة به.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في تعليق على فيديو لي، كتب أحدهم أنّ عليّ أن “أتستّر” حتى يستطيع أن يسمعني. وأنا أقرأ تعليقه، كانت الصديقة الزميلة جنى دهيبي ترسل لي على “واتساب” ما صوّرته من “سكرين شوت” عن رسائل وصلتها من “مؤمنين”، تدعوها إلى الهدى، وأخرى تشتمها، وتُرفَق الشتائم في هذه الحال بآيات دينية وتوجيهات تربوية واجتماعية وسلوكية. ذنبي أنني كنت أرتدي بلوزة بالكاد تكشف جزءاً من كتفيّ، وذنب جنى أنها خلعت حجابها. 

أما الطفلة جنى التي سُحقت في المنصورة في مصر، فذنبها أنها تبولت لا إرادياً، فأزعجت مزاج جدّتها التي قامت بحرق الفتاة في أماكن حساسة من جسمها الصغير. فماتت بعد حين.

ولو لم أكن أرتدي هذه البلوزة ولو لم تخلع جنى حجابها ولم يغتصب “دون كيشوت” ابنة أخته، هذا لن يغيّر في حكم الذنوب كثيراً. فنحن مذنبات بالأصل لكوننا نساءً، حتى لو ارتدينا حجاباً أو لم نفعل، وإن اعتدى علينا أحد أو لم يفعل.

إنه شعور يرافقنا إلى كل مكان، إلى الدراسة والعمل ومواعيد الحب والقُبَل الأولى والأخيرة والعلاقات العاطفية، والشارع والبيت والزواج والطلاق والجنس. في كل قرار، في كل مواجهة مع العالم، هناك من يسقطنا في لائحة المذنبات. وربما لا داعي لتكبّد فعل ذلك، فنحن مذنبات بالفطرة.

كان على جنى دهيبي أن تقف وسط هذا العالم الشنيع وأن تسمع ترّهاته وعظاته وهو يوبّخها ويتوعّدها، لأنها قررت أن تخلع الحجاب الذي ما عادت مقتنعة به. وكان عليّ ذات مرة أن أتحمّل سرّ سائق الأجرة الذي حاول التحرّش بي وقد انهلت عليه بضرب عنيف، لا اعرف من أين استجمعت القوة له. لكنني شعرت بشيء من الذنب بعدها، لم أستطع تفسيره، مع أنني دافعت عن نفسي بكل قواي، ولم يحصل أي شيء. لكنني كتمت السرّ كهاربة من وجه العدالة. وكان على الطفلة جنى أن تموت لإخفاء الذنب… ذنب التبوّل اللاإراديّ! 

كان على جنى دهيبي أن تقف وسط هذا العالم الشنيع وأن تسمع ترّهاته وعظاته وهو يوبّخها ويتوعّدها، لأنها قررت أن تخلع الحجاب الذي ما عادت مقتنعة به.

ولو بقيت حيّة، كانت ستعيش حياة مذنبة ككل النساء. مؤسف أن يكون الموت أخفّ ألماً من حياة النساء مع عقد الذنوب التي لا يقترفنها. ربما لو بقيت حيّة، لكان مصيرها واضحاً، تحمّل المزيد من العنف لينتهي الأمر مثلاً بزواج مدبّر من دون ضجيج، أو ربما كان عليها أن تقبل بأي شيء وبأي أحد بسبب الحروق التي في جسدها، والتي كانت ستحمل ذنبها إلى الأبد. وكان سيأتي من يعيد إلى الأذهان القصة الأولى التي انتشرت عن جنى، وهي أنّ خالها اغتصبها وقامت جدتها بحرقها لإخفاء جريمته. ربما كانت ستحاسَب على شائعة أيضاً، من يدري؟

وإذا كانت الجدة المغمورة تشعر الآن بأنها فعلت ما يجب فعله، وتقول في قرارتها إن ما حصل كان “تأديباً ضرورياً للفتيات الشقيّات”، فتلك الجدّة هي أيضاً في عداد المذنبات بالفطرة، مثلنا. والذنب الدائم دفعها إلى ذنب حقيقي وهو قتل حفيدتها لأنها تبولت لا إرادياً.

في المقابل، جرائم قتل النساء تجتاح العالم، وتوصم بجرائم “الشرف” تهييجاً للعصبيات القبلية والدينية، حتى تبرأ من العدالتين الاجتماعية والقانونية.

عام 2018 قُتلت 87 ألف امرأة، 72 في المئة من هذه الجرائم وقعت في العالم العربي. ووثّق تقرير الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة أن نصف جرائم قتل النساء وقعت على أيدي أقارب “حميمين”، بمعنى زوج أو حبيب.

وإذ نتحرّر ونكبر ونصبح عاملات وأمهات ونعمل في السياسة والاقتصاد وغيرهما، ننظر إلى تحت، نجد جيشاً من الطوباويين، يحاسبنا على خياراتنا ويجرّمها… ولا يسعى سوى إلى قتلنا، وللقتل أساليب كثيرة، كثيرة جداً، منها أن تموت واحدة بذنب غير موجود سوى في رؤوس محشوة بالقش والتوحّش. 

زمن السقوط المستمر من طلال حيدر إلى شيرين وإليسا