fbpx

العراق: المتظاهرون انتظروا استقالة الحكومة فجاءهم الرصاص…

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

باغتت موجة الاحتجاجات العالية شوارع البلاد وناسها ومسؤوليها، ما شكّل صدمة ومفاجأة للعالم كله، إذ وقف مذهولاً أمام مشهد العراق الذي يشتعل، فيما خرائط الغضب والنيران آخذة بالتمدد

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

باغتت موجة الاحتجاجات العالية شوارع البلاد وناسها ومسؤوليها، ما شكّل صدمة ومفاجأة للعالم كله، إذ وقف مذهولاً أمام مشهد العراق الذي يشتعل، فيما خرائط الغضب والنيران آخذة بالتمدد، متخطية حدود القمع الذي تمارسه السلطات. المتظاهرون يتجمهرون في العاصمة العراقية بغداد على أعتاب المنطقة الخضراء شديدة التحصين، فيما تشهد المدن الأخرى حرائق واقتحام مقرات الأحزاب السياسية والميليشيات الموالية لإيران.وفي ثلاثة أيام من الاحتجاجات سقط 44 قتيلاً وعشرات الجرحى في حصيلة مقلقة ومرشحة للارتفاع.
وفي خضم الاحتجاجات شيع أهالي البصرة الناشط المدني ورسام الكاريكاتير حسين عادل وزوجته سارة، اللذين تم اغتيالهما بإطلاق الرصاص عليهما في منزلهما في البصرة من قبل مجهولين قبل يومين.الاغتيال حصل بعد ساعات من عودتهما إلى منزلهما، بعد مشاركتهما في إسعاف جرحى التظاهرات، وقد كان حسين وسارة من الناشطين في ساحات التظاهر سابقاً وحالياً وخلف اغتيالهما صدمة واستياءاً واسعين وقلقاً من أن يكون اغتيالهما بداية استهدافات مماثلة لناشطين آخرين.

حصيلة الأيام الثلاثة
لا يمكن توثيق عدد دقيق لضحايا الاحتجاجات في العراق، بخاصة مع التطور الدراماتيكي المتسارع الذي تشهده المدن الغاضبة…
في بغداد، وعلى رغم حظر التجوّل الذي فرضته السلطات وانتشار قوات الأمن بمختلف صنوفها وإعلان وزارة الدفاع رفع حالة التأهب القصوى، إلا أن ذلك لم يقف في وجه استمرار التظاهرات، ما أجبر السلطات وللمرة الأولى على استخدام الطائرات لرش الغازات على المتظاهرين في ساحة الطيران.
الصحافي حسين علي الذي يواكب الاحتجاجات منذ اليوم الأول شرح لـ”درج” بانوراما التظاهرات في بغداد: “الناس خرجت بأعداد أكبر في اليوم الثاني والثالث، لم يمنعهم حظر التجول وقمع قوات مكافحة الشغب، من التوجه إلى ساحة التحرير وساحة الطيران وقطع طريق مطار بغداد الدولي. سقط قتيل من المتظاهرين في شارع السعدون، بداية اليوم الثاني، كنت حاضراً هناك ورأيت كيف تتعامل قوات الأمن بطريقة وحشية مع المدنيين”.
وعن مناطق بغداد الأخرى، سرد علي مأساة وقوع الضحايا والاشتباكات: “في ساحة الطيران سقط 6 قتلى برصاص قوات مكافحة الشغب، وهذه القوات بدأت حملة اعتقالات عشوائية في شوارع الكرادة والسعدون والبتاوين، أما على جسر الجمهورية المؤدي إلى المنطقة الخضراء فقد أطلقت القوات الأمنية النار على المحتجين بعد عبورهم الجسر ومحاولتهم اقتحام المنطقة شديدة التحصين”.
ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد شهدت هي الأخرى اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن، إذ توافد إليها آلاف المحتجين من مدينة الصدر والبتاوين والباب الشرقي، وسرعان ما تحولت التظاهرة هناك إلى مواجهات وعمليات دهس مواطنين.

 

الاحتجاجات الأخيرة في العراق بدأت بمطالب حياتية ومكافحة فساد لتصبح دعوة لتغيير الحكومة وبهذا قد يكون حراك الشارع وما ينجم عنه من حملات قمع واحدة من أكبر التحديات التي يواجهها العراق منذ مدة.

الجنوب الغاضب
موجة الاحتجاجات امتدت سريعاً إلى مدن جنوب العراق التي ترزح تحت وطأة الفقر والبطالة وانعدام الخدمات، ففي بابل ولليوم الثالث على التوالي يواصل المحتجون مسيراتهم المناهضة للفساد. في هذا السياق، أكد شهود عيان أنَّ قوات مكافحة الشغب تطارد المحتجين في شوارع مدينة الحلة مستخدمة الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع.
في الجنوب أيضاً، شهدت محافظة المثنى في اليوم الأول للتظاهرات مواجهات عنيفة بين المحتجين وقوات الأمن، وقد احتشد آلاف المتظاهرين في ساحة الاحتفالات وسط المثنى رافضين العودة إلى بيوتهم حتى تحقيق مطالبهم الرامية إلى محاسبة الفاسدين وتقديم المتورطين بقتل المتظاهرين إلى العدالة.
محافظة ذي قار نالت نصيبها من الاحتجاجات والقمع وقد تحدث مشاركون عن قناصة اعتلوا سطوح المباني الحكومية لاستهداف من يقترب منها وقد سقط فعلاً عدة متظاهرين قتلى وعشرات الجرحى .

أما في النجف حيث مقر المرجعية الدينية الشيعية العليا، فقد أسفرت التظاهرات عن مقتل 4 متظاهرين في مدينة الكوفة، مسقط رأس زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر. وعززت السلطات المحلية إجراءاتها بإعلان حظر تجوّل إلى إشعار آخر، إلا أنَّ ذلك لم يمنع الناس من التوافد إلى ساحة ثورة العشرين، حيث أطلقت الشرطة النار على الحشود، إضافة إلى حملات اعتقال واسعة.
في محافظة الديوانية لا يختلف الوضع كثيراً، فعلى رغم إعلان حظر التجول، إلا أن الاحتجاجات تصاعدت وتيرتها، ما أسفر عن مقتل 3 متظاهرين وإصابة 20 بينهم أفراد في الأجهزة الأمنية. وفي محافظة ميسان سقط قتيل في التظاهرات.
قطع الانترنت.. وسيلة أخرى للقمع
وفي سياق محاولة ضبط الاحتجاجات جرى قطع الانترنت مرات عديدة، وقد انتشرت نسخ لكتاب سرّي وفوري سُرِّب من مكتب رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي وموجه لكل من وزارة الاتصالات، وجهاز المخابرات، وجهاز الأمن الوطني، ووزارة النقل والمواصلات، وهيئة الإعلام والاتصالات، يدعو فيه رئيس الوزراء إلى قطع شبكة الإنترنت، وحجب مواقع التواصل الاجتماعي، مستفيداً من تجربة سلفه حيدر العبادي خلال اندلاع احتجاجات عام 2016 وقد جاء في الكتاب السري إنَّها –عملية قطع الانترنت- ساهمت في احتواء المتظاهرين حينها والسيطرة عليهم.

قطعت السلطات العراقية شبكة الانترنت بالفعل، لكن خططها لوأد التظاهرات باءت بالفشل. وعن هذا الإجراء يقول المستشار في وزارة الثقافة العراقية حامد الراوي: “إنَّ قطع خدمة الانترنت عن ملايين العراقيين، شكل من أشكال العقاب الجماعي، ودليل على أن الحكومة عاجزة وأن جعبتها خاوية من الحلول”. ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة السليمانية الدكتور الناصر دريد أن قطع شبكة الانترنت دليل على إفلاس السلطات وتخبطها أمام انفجار الشارع العراقي.

“كان على الطبقة السياسية الفاسدة أن تلاحظ غضب الشارع العراقي ورفضه لها منذ انتخابات عام 2018، حين قاطع مسرحية الانتخابات البائسة” يقول دريد لـ”درج”. ويضيف: “بلغت نسبة المشاركة في تلك الانتخابات 19 في المئة فقط، وهذه النسبة هي عبارة عن السلطة وأتباعها فقط. لا أقول إنَّ النظام ديكتاتوري، أو عسكري، لا، بل هو نظام مافيات وعصابات من كل الطوائف والقوميات وهذه العصابات لها أتباعها المتشعبة في مؤسسات الدولة، وهؤلاء باعتقادي من شكلوا نسبة المشاركة في الانتخابات”.
ويرى دريد أنَّ تلك اللحظة كانت بداية لما آلت إليه الأوضاع الحالية، إذ واصلت الطبقة السياسية فسادها، ومحاصصتها الطائفية، واقتسام السلطة على حساب جوع الشعب وفقره والتعالي على مطالبه.

https://www.youtube.com/watch?v=F0r6mJgGw_U

ميدانياً، هنالك عوامل أخرى أسست للحراك الشعبي الذي اندلع، فإضافة إلى استشراء الفساد والفقر والمحاصصة، كانت هناك تجمعات أُطلق عليها “الاعتصامات المفتوحة”، وهذه بدأت منذ مطلع عام 2018 وهي خاصة بحَمَلة الشهادات العليا العاطلين من العمل. وهؤلاء كانوا يعتصمون كل واحد أمام وزارة تخصصه، فيعتصم مهندسو النفط أمام وزارة النفط، والأطباء والممرضون والصيادلة أمام وزارة الصحة، وهكذا.
لم تحرّك الحكومة ساكناً، بل ذهبت إلى أكثر من ذلك حين فضت قوات مكافحة الشغب في 24 أيلول/ سبتمبر 2019، اعتصاماً مفتوحاً لحمَلة الشهادات العليا، استمر 100 يوم أمام مجلس الوزراء العراقي في العاصمة بغداد، واستخدمت تلك القوات خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع والقنابل الحارقة لتفريق المعتصمين.
هذا الإجراء التعسفي زاد من احتقان الشارع ضد الحكومة، وسرعان ما انتشرت على شبكات التواصل الاجتماعي صور تظهر الإذلال الذي تعرض له أكاديميو العراق العاطلون من العمل، وسرعان ما خرجت تظاهرات في مدن عراقية عدة تندد بالقمع الذي يتعرض له المواطنون على أيدي أجهزة السلطة.
“لم تخرج التظاهرات من أجل الدفاع عن الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي، لكنَّ حادثة نقله من قيادة جهاز مكافحة الإرهاب إلى أمرة الجيش ساعد في نزول الناس إلى الشارع”، يقول الصحافي والباحث صفاء خلف لـ”درج”. ويرى أنَّ: “التظاهرات تعبّر في جوهرها عن الرفض الحقيقي لبقاء السلطة، بعدما فشلت في تجربة الحكم طيلة 16 عاماً. وهذا الفشل بات معقداً ومركباً نتيجة تعقيد بنية الفساد وتعدُّد رؤوس نهب الثروة العراقية وإفقار الناس إلى درجة استنزاف موارد البلاد على نحو غير مسبوق”.
“غياب أي محاولات حقيقية للإصلاح وإصرار السلطة الحاكمة بأحزابها وتياراتها وميليشياتها على تسويف المطالب وإهمال البلاد وتوجيه الموارد نحو خدمة إيران ونظام الأسد في دمشق، إضافة إلى تعزيز موقعها كقوة غاشمة في الداخل، عوامل رسخت الاعتقاد بأن السلطة لا تريد تغييراً حقيقياً، بل تحاول ترسيخ شبكة زبائنية الفساد داخل المجتمع”، يقول خلف.
“لا حلول سحرية لحل المشكلات”
اجتماع الرئاسات الثلاث: رئيس الجمهورية برهم صالح، ورئيس الحكومة عادل عبد المهدي، ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي، قالت البيانات الرسمية إنَّه “لبحث آلية الاستجابة لمطالب المحتجين”، وانتظر العراق كله كلمة عبد المهدي، التي سبقتها تسريبات بأنَّها ستتضمن إعلان استقالته.
لكن وعلى عكس التوقعات، جاءت كلمة رئيس الوزراء مملوءة بالوعود والأخطاء اللغوية، من دون أي اعتذار أو تحمل للمسؤولية عن سقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى خلال ثلاثة أيام من التظاهرات الشعبية، ولم يفوت الفرصة لتذكير الشعب بأن “لا حلول سحرية لحل المشكلات”، وأن حكومته “لا تستطيع تحقيق أحلام المواطنين في عام واحد”.

التيار الصدري الذي فاز في انتخابات 2018 ونصَّب عبد المهدي رئيساً للوزراء، اكتفى زعيمه مقتدى الصدر بتغريدة على “تويتر” رأى فيها أنَّ “من غير المصلحة تحول التظاهرات الشعبية إلى تظاهرات تيارية”، ومن أجل الحفاظ على شعبيتها وسلميتها فإنه لم يأمر أنصاره بالنزول إلى الشارع، ودعا في الوقت نفسه إلى مساندة هذه التظاهرات من خلال الاعتصامات المفتوحة أو الإضراب العام الذي يشارك فيه الشعب كله.
الاحتجاجات الأخيرة في العراق بدأت بمطالب حياتية ومكافحة فساد لتصبح دعوة لتغيير الحكومة وبهذا قد يكون حراك الشارع وما ينجم عنه من حملات قمع واحدة من أكبر التحديات التي يواجهها العراق منذ مدة.

العراق: مدن الشيعة في مواجهة حكومة الشيعة