fbpx

هاجر الريسوني: فتَّشوا في رحمها عن دليلٍ يُدين ثورتَها…

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ليس السؤال إذا أجهضت هاجر الريسوني أم لا. ولا إذا مارست الجنس. السؤال الذي يجب أن يشغل الرأي العام اليوم هو إذا ما كان مُفتّشو رحمها ومُتعقّبوها والمحقّقون معها ومع خطيبها وطبيبها سيُحاسَبون!

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ليس السؤال إذا أجهضت هاجر الريسوني أم لا. ولا إذا مارست الجنس. السؤال الذي يجب أن يشغل الرأي العام اليوم هو إذا ما كان مُفتّشو رحمها ومُتعقّبوها والمحقّقون معها ومع خطيبها وطبيبها سيُحاسبون. فالتغاضي عن أفعالهم وكيفيّة تعاطيهم مع قضيّة هاجر إنّما يؤسّس لفصل جديد عنوانه المجاهرة بتجاوز أصول التحقيق وشروط المحاكمة العادلة، قبل الحديث حتّى عن معاهدات دوليّة ومبادئ حقوقيّة.

مسائل كثيرة تثير الرعب في مشهد ما بعد الحكم الصادر في ملفّ ابنة الـ28 عاماً والصحافيّة في “أخبار اليوم”، هاجر الريسوني. فالحكم، وقبله أسلوب التوقيف العنفيّ الذي قادته “محاكم تفتيش الرحم”، ومعه الفحص الطبّي القسري وما رافقه من انتهاك لجسم هاجر وتطفّل على حياتها الخاصّة، إجراءاتٌ لا يمكن قراءتها سوى على ضوء التطبيع المتنامي مع ممارسات دولة أبويّة بوليسيّة اختارت أن تصيب بحجرٍ واحد، ليس صدفةً أنه كان جسم امرأة عاملة في صحيفةٍ مُعارضة، هدفَين أساسيَّين يؤرّقانها: الحريّات الفرديّة والصحافيّة من جهة، والحراك المُعارض من جهة أخرى. وبين الاثنين، أي حراك الريف وحراك الحريّات، رابطٌ لصيق وتقاطعٌ وثيق يشترط وجودَهما نجاحُ أي حراك مجتمعي لا تشبعه التغييرات الشكليّة والسطحيّة.

عامٌ واحد هو الحكم النافذ الذي تخضع له المغربيّة هاجر الريسوني وخطيبها السوداني رفعت الأمين، الذي يمكن فقط تخيّل كمّ العنصريّة التي يتعرّض لها من داخل السجن وخارجه. أمّا هاجر، فيمكن فقط تخيّل حجم الإدانة الذكوريّة والسياسيّة الموجّهة إليها من كل حدب وصوب وهي قابعة اليوم في سجن “العرجات” ضمن منطقة “سلا” في ضواحي العاصمة الرباط، بتهمة مخالفة المادّتين 454 و490 من القانون الجنائي المغربي اللّتين لا أدلّة وافية أصلاً على أنّها خالفتهما عبر ارتكابها ما يعتبره القانون جرماً، أكان الإجهاض أو ممارسة الجنس خارج إطار الرابطة الزوجيّة.

وكانت “مؤسّسة كلوني للعدالة” أصدرت في هذا الإطار بياناً صحافيّاً، بلغة قانونيّة وحقوقيّة، أثبتت فيه، من خلال مستندات حصلت عليها من فريق الدفاع، أنّ الحكم الصادر استند حتماً إلى أدلّة ضعيفة، كالاصفرار البائن على وجه هاجر لدى مغادرتها عيادة الطبيب، والمنسوب شبه المعدوم لهورمون الحمل في جسم هاجر والذي يستحيل اعتماده كوسيلة لإثبات وجود حمل مُفترَض، وسمعة العيادة التي تشتهر بلجوء النساء إليها بهدف إجهاضهنّ. وتساءل الدفاع، إذا كانت العيادة تستقبل فعلاً عشرات النساء يوميّاً، فلماذا قيّدت الأصفاد يدَي هاجر الريسوني حصراً؟

أمّا الطبيب المغربي محمد جمال بلقزيز الذي كانت هاجر تتعافى في عيادته، والذي وشحه الملك محمّد السادس عام 2015 بوسام المكافأة الوطنيّة، فبات اليوم وراء القضبان بفعل الحكم الأقسى من بين الأحكام الخمسة الصادرة في ملفّ هاجر، والذي قضى بسجنه لسنتَين، وبتغريمه 500 درهم، ومنعه من مزاولة المهنة لمدّة عامَين بعد خروجه من السجن.

إذاً، حتّى الأوسمة الملكيّة التي يُحقّق فرقاؤها بكل شاردة وواردة في المسيرة المُقرّر تكريمها، والتي أقرّت بمهنيّة الطبيب بلقزيز واختارت إعلاءها، يبدو أنّها غير قادرة على وقف زحف “دولة الظلّ” و”دولة الفحل” الآحذتَين في الانتشار في البلاد.

[article_gallery]

لكنّ الأمل لم تخنقه قبضة الظلم بعد، والفضل في ذلك يعود لموجة السخط التي أثارها الحكم الصادر في 30 أيلول/سبتمبر 2019، والتي حرّكت بغضون ساعات جمعيّات نسائيّة وحقوقيّة ونشطاء ومحامين وأطبّاء وصحافيّين قرّروا استغلال الحدث المُستفزّ هذا ليستفزّوا بدورهم السلطات التشريعيّة والأمنيّة، وينتقلوا من جبهة الدفاع إلى جبهة الهجوم، عن طريق المطالبة العلنيّة بتنزيه القوانين من موادّه الجائرة والمتعفّنة التي تجرّم حق النساء بالتصرّف بأجسادهنّ وتُعاقب الأفراد على ممارستهم علاقات جنسيّة رضائيّة أو خيانات زوجيّة لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تكون أخطر من سياسات الإفقار والحرمان المتفشّية في البلاد. كما ندّدوا بالأحكام الأخيرة المُجحفة والمشكوك بدوافعها، ذلك أنها، وبشهادة قانونيّين، لم تكن مبنيّة على أدلّة دامغة، إنّما كانت أقرب إلى عمليّة انتقاميّة من هاجر وقلمها وتغطيتها لحراك الريف، ومن إرث عائلتها السياسي، ومن عمّها سليمان الريسوني، رئيس تحرير “أخبار اليوم”.

حتّى الآن، لا يبدو أنّ الوقفات وردود الفعل الاحتجاجيّة على سجن هاجر وخطيبها وطبيبها ستطوي صفحة الاعتراض، أو تطفئ شعلة النقاشات الصعبة التي سيتعذّر إخمادها. فالصحافيّات والحقوقيّات والنسويّات المغربيّات أكّدن أنهنّ ماضيات في المطالبة بنقض الحكم والإفراج عن هاجر وكلّ المحكومين في قضيّتها، على رغم وعيهنّ بالأعين الأمنيّة المسلطة عليهنّ وقلقهنّ من تمادي السلطات في انتهاك حقوقهنّ التي تكفلها المعاهدات الدوليّة وانتهاك أجسادهنّ التي، ببساطة، لا يردن أن يكفلها أحد… غيرهنّ.

 

المغرب: لماذا لا تزال هاجر الريسوني معتقلة؟

اليوم العالمي للإجهاض الآمن: نُفخت فيه الروح… لم تُنفخ فيه الروح