fbpx

مقتدى الصدر ينقلب على صورته مع خامنئي

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

خطوة مقتدى كشفت مرة أخرى أن شيعة العراق أصعب من شيعة لبنان. أكثر امتلاء بتشيعهم، وأقل قابلية على الاندراج الكامل بمشاريع طهران، من دون أن يعني ذلك توهم تحولهم إلى خصومها على نحو يراهن بعض خبراء الإدارة الأميركية

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

قلب مقتدى الصدر الطاولة على رؤوس “الممانعين”، وأعلن تأييده لحل مجلس النواب العراقي وإجراء انتخابات مبكرة. تراجع المزاج التخويني في ظرف أقل من ساعة. الصدر صاحب التكتل النيابي الأكبر في مجلس النواب العراقي، وهو الذي ظهرت صور له قبل أقل من شهر في مجلس المرشد الإيراني على خامنئي وإلى جانبه قائد فيصل القدس قاسم سليماني، وصاحب العمامة السوداء، وخصم الأميركيين. وبعد هذا كله لن يجد التخوين فرصة لنفسه لكي يستقر حتى في أذهان أصحابه. فظهرت صحف يوم السبت غير حاملة ما كان سبق لها أن وصفت به تظاهرات العراق. تراجعت “المؤامرة”، وأفسحت للغة التهدئة، بانتظار توجيهات طهران.

انضم الى الصدر في دعواه، صاحب العمامة الثانية، وريث آل الحكيم، الشاب عمار، الذي بدوره ما زال في منأى عن التخوين، ذاك أن الرجل سليل عائلة إذا ما أخرجها خطاب الممانعة من عباءة قم، فسيخسر موقعاً مذهبياً هو الآن في غنى عن خسارته. وانضم أيضاً رئيس الحكومة السابق حيدر العبادي وهو زعيم تكتل نيابي لا بأس به. وعلى رغم أنه سبق تخوينه لكن تبقى الحاجة إليه قائمة ولا داعي لاستعجال ضمه إلى أهل السفارة.

المشهد في بغداد بعد أن اعتلى القناصة السطوح صار دموياً. من الصعب على طهران أن تكرر مشهد دمشق. النظام الطائفي والفاسد في عاصمة الرشيد أضعف من أن يتولى مهمة دموية مثل تلك التي تولاها النظام في دمشق. الدم الكثير الذي أريق في الأيام الثلاثة الفائتة لا يرقى إلى حجم الدم السوري الذي أريق منذ اليوم الأول للاحتجاجات في دمشق. وسرعة انكفاء خطاب التخوين، أو تموضعه على نحو مختلف يؤشر أيضاً إلى أن القتل ضمن الطائفة والمذهب أكثر صعوبة من القتل خارجها. لن ينجو الشيعة الذين يقتلون شيعة. القتلة يدركون ذلك، وأدركه أيضاً أهل الخطاب المنكفىء منذ صباح السبت. 

 

خطوة مقتدى كشفت مرة أخرى أن شيعة العراق أصعب من شيعة لبنان. أكثر امتلاء بتشيعهم، وأقل قابلية على الاندراج الكامل بمشاريع طهران، من دون أن يعني ذلك توهم تحولهم إلى خصومها على نحو يراهن بعض خبراء الإدارة الأميركية

تسريبة صغيرة أعطيت لأبواق الممانعة في الصحافة العراقية واللبنانية. القناصون يتحركون بأوامر من السفارتين الأميركية والسعودية. هناك فارق بين محاولة التنصل من الدماء المراقة في بغداد وبين تبنٍ كامل للمجزرة في دمشق. إنه الفارق الذي يصنعه القتل داخل الطائفة والقتل خارجها. وهنا لا يبدو الرادع حرص على دماء أهل الطائفة، انما حرص على حضن قد يكف عن كونه حضناً إذا ما أُمعن القتل فيه.

من العقل أن لا نسمي ما يجري في بغداد ثورة. العبارة قد تحمل فأل شؤمٍ، والطائفة لا تثور على نفسها. بغداد تحتاج إلى مسار تصويبي، وتحتاج إلى أن تستعيد نفسها. بغداد لم تُسقط طاغيتها صدام حسين. واشنطن فعلت ذلك عنها. واليوم المطلوب أن تطيح حكومة فاسدة ومُرتهنة، وأن تجري انتخابات جديدة، لا أن تُسقِط النظام. والمطلوب أيضاً ضمّ الآخرين إلى وجدان التظاهرة. السنة العرب يجب أن يباشروا احتجاجهم على نخبهم الجديدة، والأكراد عليهم أن لا يبقوا على الحياد. الشيعة لوحدهم لا يصنعون مشهداً عراقياً كاملاً، ودماء الشيعة لا تروي كل العراق.

ثم أن النظام لم يستنفر بعد كل قواه. لدى طهران مراكز نفوذٍ ما زالت نائمة. نوري المالكي صامت، والحشد الشعبي لم يتحرك. إنهما مركزا النفوذ العميق لطهران، وهما يدركان أن دورهما قادم لا محالة. انعطافة مقتدى الصدر ضربة قاسية من دون شك، إلا أن صاحبها يتحرك على أرض تميد بأهلها، وقدماه ليستا ثابتتين. المشهد لم ينجل بعد، ومثلما وصلت رسالة إلى طهران بأن العراق لا يُحكم من طهران لوحدها، إلا أنه لا يُحكم أيضاً بالضد منها.

خطوة مقتدى كشفت مرة أخرى أن شيعة العراق أصعب من شيعة لبنان. أكثر امتلاء بتشيعهم، وأقل قابلية على الاندراج الكامل بمشاريع طهران، من دون أن يعني ذلك توهم تحولهم إلى خصومها على نحو يراهن بعض خبراء الإدارة الأميركية عندما يتحدثون عن “تشيع عربي” وآخر “فارسي”.

 

تسريبة صغيرة أعطيت لأبواق الممانعة في الصحافة العراقية واللبنانية. القناصون يتحركون بأوامر من السفارتين الأميركية والسعودية. هناك فارق بين محاولة التنصل من الدماء المراقة في بغداد وبين تبنٍ كامل للمجزرة في دمشق. إنه الفارق الذي يصنعه القتل داخل الطائفة والقتل خارجها.

 

رادارات الصدر تلتقط مؤشرات الشارع الشيعي على نحو أدق مما تلتقطها رادارات النجف. ما صدر عن مرجعية النجف استعملها طرفا المواجهة كلٌ إلى صالحه، وهي جاءت، كما حالها دائماً، حمالة أوجه وتفسيرات متناقضة. الصدر التقط منها طلبها تغيير الإداء وذهب بهذا الطلب إلى حل البرلمان. طهران أسقط في يدها، وواشنطن التقطت أنفاساً. لكن حسابات مقتدى خارج هذين الانفعالين، فالرجل، على رغم كل شيء، لا يمكن ضبطه بصورة مع خامنئي ولا بغمزة عين من ديبلوماسي في المنطقة الخضراء. الرجل يمثل انفعالاً عراقياً، لا بل انفعالاً شيعياً عراقياً، مع كل ما يحمل هذا الانفعال من احتمالات. 

العراق: المتظاهرون انتظروا استقالة الحكومة فجاءهم الرصاص…