fbpx

معركة شرق الفرات: إصرار تركي وصمت أميركي وحيرة كردية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا تختلف معركة شرق الفرات الحالية عن معركة عفرين إطلاقاً، فالظروف والأسباب والنتائج والأطراف، تتشابه إلى حدٍّ كبير.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في 18 آذار/ مارس 2018، أعلن الجيش التركي والمعارضة السورية المتحالفة معه، السيطرة الكاملة على مدينة عفرين ذات الغالبية الكردية، بعد معارك امتدّت أشهراً، وشهدت تهجير قسم كبير من السكان.

منذ نهاية المعركة وحتى الآن، لم يوفّر الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان أي مناسبة للقول: “إن هذه المعركة ليست الأخيرة، بل تجب السيطرة على كامل الشريط الحدودي وتحديداً من جهة شرق الفرات”.

كانت رسائل أردوغان واضحة جداً: “لا نريد مقاتلين أكراداً سواء من وحدات حماية الشعب أو غيرها على حدودنا”، لأن تركيا تعتبر هؤلاء المقاتلين “إرهابيين”، وجزءاً من “حزب العمال الكردستاني” PKK، وعليه فإنّهم يشكّلون خطراً على الأمن القومي التركي.

يُعرف مصطلح “شرق الفرات” الذي استخدمته وسائل الإعلام بكثافة أخيراً، بأنّه يشمل المدن والبلدات التي تمتد من الضفّة الشرقية لنهر الفرات في منبج في ريف حلب، حتّى الحدود العراقية. ويضم هذا الخط الممتد على الحدود مع تركيا، مدناً وبلدات ذات غالبية كردية باستثناء منبج، وهي عين عرب (كوباني)، تل أبيض (كري سبي)، القامشلي (قامشلو)، المالكية (ديريك)، وغيرها.

سكان هذه المدن غالبيتهم من الأكراد، ويسيطر عليها مقاتلون من “وحدات حماية الشعب” الكردية، كما تنتشر عشرات القواعد العسكرية الأميركية حليفة الأكراد، والتي بدأت تظهر منذ بدء المعركة ضد تنظيم “داعش”.

فشل “الآلية الآمنة”

تكلّلت محاولات أردوغان للسيطرة على شرق الفرات، بانتزاع اتفاق “غالي الثمن” من واشنطن، ففي 7 آب/ أغسطس الماضي، توصلت أنقرة وواشنطن إلى اتفاق، يقضي بإنشاء “مركز عمليات مشتركة” في تركيا، لتنسيق إنشاء المنطقة الآمنة شمال سوريا.

الاتفاق جاء بعدما صعدت أنقرة تهديداتها بشن هجوم ضد الوحدات الكردية، في شرق الفرات.

نصَّ الاتفاق على انسحاب “قوات سوريا الديموقراطية” من الشريط الحدودي مع تركيا وانكفائها نحو الداخل السوري بعمق 32 كيلومتراً، على أن يتم تسيير دوريات مشتركة “تركية – أميركية” في تلك المنطقة مع ضمان عدم وقوع أي معارك.

وتعهّدت “قوات سوريا الديموقراطية” بالتعاون لإنجاح الاتفاق، وعمدت إلى تدمير تحصينات عسكرية في المنطقة وانسحابها من الشريط الحدودي من تل أبيض ورأس العين، مع سحب الأسلحة الثقيلة نحو الداخل السوري بعمق 5 كيلومترات فقط، وذلك على رغم أن أردوغان صرّح سابقاً بأن عمق المنطقة سوف يكون 32 كيلومتراً.

في 8 أيلول/ سبتمبر الماضي، سيّرت أنقرة وواشنطن أول دورية مشتركة بعد انسحاب مقاتلي “قوات سوريا الديموقراطية” من الشريط الحدودي، وتبعها تسيير دوريات مشتركة أخرى.

غير أن الاختلاف على عمق المنطقة، يبدو أنّه ساهم بإفشالها وإعادة الخيار العسكري إلى الطاولة.

تواطؤ أميركي؟

وكان أعلن أردوغان خلال الاجتماع التشاوري الدوري لـ”حزب العدالة والتنمية”، أنّه أعطى توجيهات لإطلاق عملية عسكرية وشيكة ضد “الإرهابيين” في شرق الفرات، شمال سوريا، قائلاً: “العملية العسكرية شرق الفرات في سوريا قريبة، ويمكن القول إنها اليوم أو غداً”.

عقب هذا التصريح، نشر البيت الأبيض بياناً قال فيه: “إن الرئيس ترامب وافق على عملية عسكرية تركية من شأنها أن تزيل القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة بالقرب من الحدود في سوريا”.

وبحسب بيان البيت الأبيض الأخير، فإن تركيا ستمضي قدماً في العملية المخطط لها منذ فترة، لكن القوات الأميركية لن تشارك في العملية.

وأوضح البيان أن أميركا لن تكون موجودة في منطقة شمال سوريا، بعد نجاحها في القضاء على تنظيم “داعش”.

شكّل هذا البيان ما يشبه صدمة لحلفاء أميركا الأكراد، إلّا أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، نشر على صفحته في موقع “تويتر” توضيحاً حول قرار البيت الأبيض، صبَّ خلاله الزيت على النار.

قال ترامب: “كان يفترض أن تبقى الولايات المتحدة في سوريا لمدة 30 يوماً، وكان ذلك منذ سنوات عدة، لقد بقينا وأصبحنا أعمق وأعمق في المعركة من دون هدف في الأفق”.

وأضاف: “حارب الأكراد معنا، ولكن تم دفع كميات هائلة من المال والمعدات للقيام بذلك”، موضحاً أنّهم “يقاتلون تركيا منذ عقود، وأنه حان الوقت، لكي نخرج من هذه الحروب المضحكة التي لا نهاية لها، ونعيد جنودنا إلى الوطن”.

ولكن مهلاً، بالعودة إلى اتفاق “الآلية الآمنة”، يتّضح أن هذا الاتفاق الذي فشل، أدّى إلى مجموعة خطوات جعلت المعركة أسهل بالنسبة إلى تركيا، فبموجب الاتفاق، دمّرت “وحدات حماية الشعب” تحصيناتها، على الحدود، وانسحبت من كامل الشريط الحدودي مع تركيا، وسحبت أسلحتها الثقيلة، وقوّاتها. في المقابل، انتشر الجيش التركي برفقة الجيش الأميركي في المنطقة الحدودية، وتمكّن من استطلاع جغرافيتها، تحضيراً للمعركة المزمع بدؤها في أي لحظة.

ماذا تريد تركيا من شرق الفرات؟

تتّصل مدن وبلدات شرق الفرات الحدودية، مع المدن التركية الجنوبية ذات الغالبية الكردية. هذه المدن التركية، سبق أن صعّدت الصراع المسلّح مع السلطات، من طريق “حزب العمال الكردستاني” الذي انتشر هناك، حيث دارت معارك عنيفة في ديار بكر سابقاً، استخدمت فيها الأسلحة الثقيلة.

وبحسب مراقبين فإن تركيا تخشى من أي تواصل بين المقاتلين الأكراد في “شرق الفرات” وأكراد جنوب تركيا، إذ إن ذلك من شأنه أن يعزّز النزعة الكردية وينقلها إلى الداخل التركي، خصوصاً عندما يكون كلا الطرفين متواصلين عبر الحدود طويلة المسافة، إذ إن ذلك من شأنه تسهيل التواصل بينهما.

لا تختلف معركة شرق الفرات الحالية عن معركة عفرين إطلاقاً، فالظروف والأسباب والنتائج والأطراف، تتشابه إلى حدٍّ كبير.

في عفرين، هاجمت المعارضة السورية والقوات التركية المتحالفة معها المدينة، وسيطرت عليها بعد تهجير قسمٍ كبير من سكّانها، وإحلال مكوّن عربي مهجّر من الغوطة الشرقية بدلاً من السكّان الأكراد الأصليين، ما يعني أن الهدف الرئيسي لتركيا، هو زرع سكّان عرب على حدودها بدلاً من الأكراد.

ويتعزّز ذلك بما أعلنه أردوغان سابقاً، عندما قال في خطاب ألقاه في الدورة 74 للجمعية العامة للأمم المتحدة في مدينة نيويورك أخيراً: “تمكن إعادة 3 ملايين لاجئ سوري حول العالم إلى بلادهم، حال توسعة المنطقة الآمنة”.

وأضاف أردوغان، أنه “في حال مد عمق المنطقة الآمنة إلى خط دير الزور – الرقة، بوسعنا رفع عدد السوريين الذي سيعودون من بلادنا وأوروبا وبقية أرجاء العالم إلى 3 ملايين”. 

وأوضح أردوغان أن بلاده لا يمكنها تحمّل موجة هجرة جديدة إليها من سوريا، وبيّن أن إرساء الاستقرار في سوريا سينعكس بشكل إيجابي على جارتها العراق أيضاً.

مسؤولون أتراك يطمئنون

أما من جهة الرد الحكومي التركي، فيبيّن وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو، أن بلاده تدعم وحدة الأراضي السورية، وهي مصممة على تطهير المنطقة (شرق الفرات) ممن وصفهم بالإرهابيين، لضمان وجودها وأمنها.

جاء ذلك في تغريدة، عبر حسابه في “تويتر” مضيفاً: “دعمنا وحدة الأراضي السورية منذ بدء الأزمة فيها، وسنواصل ذلك وسنساهم في توفير الأمن والاستقرار والسلام في سوريا”.

 

وذكر المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، أن بلاده لا تطمع في أراضي أي دولة أخرى.

وأضاف في تغريدة: “هناك هدفان للمنطقة الآمنة، في إطار وحدة تراب سوريا، هما: ضمان أمن حدودنا من خلال تطهير المنطقة من العناصر الإرهابية، وتأمين عودة اللاجئين بشكل آمن”.

 

تركيا و”درع الفرات” تطمسان هوية السكان الأصليين والنازحين في عفرين