fbpx

المجزرة السورية في طورها الكردي

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

ها هو “حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي” يستدعي قوات النظام، وكان الأخير استدعى الإيرانيين والروس، فيما أصدر الإخوان المسلمون السوريون بيان عارهم الجديد الذي يرحبون فيه بالدخول التركي إلى شرق الفرات.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ها هو “حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي” يستدعي قوات النظام، وكان الأخير استدعى الإيرانيين والروس، فيما أصدر الإخوان المسلمون السوريون بيان عارهم الجديد الذي يرحبون فيه بالدخول التركي إلى شرق الفرات. وفي مراحل أخرى، كان ثمة من استدعى الأميركيين، وآخرون تعاونوا مع الإسرائيليين، وشارك في غرفة الـ”موكا” التي أدارت الجبهة الجنوبية ضباط سعوديون وإماراتيون.

في سوريا اليوم أربعة جيوش احتلال في طور التمدد. جيوش روسيا وايران وتركيا وإسرائيل. وثمة جيش قيد الانسحاب هو الجيش الأميركي. أما الميليشيات غير السورية، فهذه خارج قدرتنا على إحصائها. ميليشيات لبنانية وعراقية وباكستانية وأفغانية، وهناك على المقلب المذهبي الآخر مقاتلون من السعودية ومن تونس ومن الأردن ومن عشرات البلاد.

لا أحد بريء من الدم السوري. وحده صاحب الدم بريء من دمه، ومن الصعب التحقق من أن جاره بريء. حين قررت “قسد” استدعاء قوات النظام، فعلت ذلك بعد أيامٍ من القتال المترافق مع شهوة قتل أبدتها وحدات “الجيش الوطني” المرافق للجيش التركي. وحين لجأت فصائل معارضة في جنوب سوريا للتواصل مع الإسرائيليين فعلت ذلك لمعالجة جرحى قصف النظام على مدن وبلدات الجنوب، والذين لم يجدوا من يعالج إصاباتهم. وحين استدعى النظام الروس والإيرانيين كان على وشك السقوط. إنها الدوامة السورية، حيث لا يقوى أحد على الصمود من دون سند غير سوري.

الاستعصاء أفضى إلى عجز كامل عن إنتاج قيم يحكم عبرها المرء على الأحداث. بماذا يمكن أن يصف المرء خطوة “قسد” عقد اتفاقٍ مع النظام؟ الأميركيون انسحبوا، و”جنجاويد” رجب طيب أردوغان على الأبواب، وهم افتتحوا غزوهم بمجازر متنقلة، فماذا أمام أكراد الجزيرة لفعله؟ لكننا من جهة أخرى، أمام نظامٍ هو صاحب الحصة الأكبر من المجازر، فكيف للمرء أن يتفهم خطوة “قسد”؟ الأرجح أنها ليست اللحظة المناسبة لاشتغال المعايير أو لتحكيمها للفصل في صوابية الخطوة أو في عدمها. لا مكان للصواب في المشهد السوري الراهن. ثمة مصالح غير سورية، وغرائز سورية. وباستثناء أصوات النخبة المدنية وغير الإسلامية، وهذه ضعيفة التأثير والحضور، لا يبدو أن ثمة قوة سورية تقاوم الانسياق وراء الدماء.

في سوريا اليوم أربعة جيوش احتلال في طور التمدد. جيوش روسيا وايران وتركيا وإسرائيل. وثمة جيش قيد الانسحاب هو الجيش الأميركي.

قد يكون من المفيد رسم مسار للكارثة الأخيرة في شمال سوريا. المسار بدأ بخطوة دونالد ترامب الحمقاء. الخطوة غير المفسرة حتى الآن. فالرجل يريد الحد من نفوذ إيران، ويفسح لها مجالات هائلة لقضم مزيد من المساحات والجماعات ومسارب التهرب من العقوبات. وهو، أي ترامب، يعطي دروساً تلو الدروس في حقيقة أن ليس لواشنطن حليف سوى تل أبيب، وهي مستعدة للمساومة على كل شيء. ومسار الكارثة تعمد بانقضاض رجب طيب أردوغان على مناطق سيطرة “قسد”، فور إعلان ترامب مباشرة الانسحاب. وخطوة أردوغان لا تخلو بدورها من حمق سياسي ونزق قومي رفعا منسوب الطوفان. الحمق السياسي يتمثل بما شكلته خطوته من فرصة كبيرة للنظام ولطهران وروسيا من ورائه، وهي فرصة وضعته أمام احتمالات مواجهة معهما لا يبدو أنه مستعد لها، أما النزق القومي فلا وظيفة له في مشهد المواجهة إلا حفر مزيد من المقابر الجماعية التي صارت جزءاً من ذاكرة الأكراد أينما حلو وعاشوا.

رجل مثل مسعود بارزاني لم يقوى على الصمت حول ما يجري على رغم انعدام الود والثقة بينه وبين الـ”بي واي دي”. وخطوة ترامب أذهلت أكثر المقربين منه في البيت الأبيض وفي الكونغرس. تل أبيب نفسها لم تتمكن من إيجاد سياق يناسبها لهذا الانقلاب في خريطة النفوذ في سوريا. وفجأة اتهمت أنقرة “داعش” بالوقوف وراء المجزرة المصورة التي أعدم فيها مدنيون أكراد بالقرب من رأس العين، وهو اعتراف بأن التنظيم استيقظ في مناطق القتال. هذه الوقائع ما كانت لأيام قليلة سبقت الانسحاب الأميركي لتنسجم في سياق القصة السورية.

ثم إن أحد وظائف الغزو التركي التي بدأت ترتسم هي عملية “ترانسفير” كبيرة لقرى وحواضر كردية في شمال سوريا تمهيداً لتوطين سوريين آخرين فيها. لهذه العملية سابقة، هي تجربة عفرين. إذاً ثمة تأسيس لمشهد ديموغرافي سوري مختلف، السوريون أدواته، فيما الأتراك والروس وبينهما النظام وراءه. المجموعات السكانية التي تم إخراجها من “سوريا المفيدة” مضافاً إليها أهل الرقة وريفها، سيحولهم أردوغان من ضحايا مُقتلعين من أرضهم إلى مستوطنين في أرض غيرهم. جدار سكاني يفصل بين تركيا وأكراد سوريا. النظام تخفف منهم في مناطق “الانسجام الاجتماعي” وأردوغان سيزرعهم برعاية الإخوان المسلمين السوريين على حدوده مع الأكراد.

تثبيت هذا الواقع يحتاج إلى قدر ليس قليل من الدماء. ولا يبدو أن ثمة من يرغب في دفع هذا المصير عن السوريين، لا بل إن الغرائز شحنت بمزيد من مشاعر الكراهية على خطوط الانقسام السوري، فيما يبدو أن الروس يتولون تنسيق مصالح النظام وأنقرة على طرفي المجزرة.

كيف فاض “نبع السلام” التركي على المدنيين الأكراد ؟