fbpx

محاولات اصطياد قوس قزح

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أحيت فرقة الـ”إندي – روك” اللبنانيّة “مشروع ليلى” حفلاً في القاهرة في شهر أيلول (سبتمبر) المنصرم. وكالعادة، وعلى ما بات متوقعاً في حفلات وليالي “ليلى”، ظهرت بين جمهور الحفل الكبير، الذي قدرت أعداده بـ35 ألف شخص، أعلامُ “قوس قزح” المحتفيةُ بألوان الطيف الإنساني المتعددة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أحيت فرقة الـ”إندي – روك” اللبنانيّة “مشروع ليلى” حفلاً في القاهرة في شهر أيلول (سبتمبر) المنصرم. وكالعادة، وعلى ما بات متوقعاً في حفلات وليالي “ليلى”، ظهرت بين جمهور الحفل الكبير، الذي قدرت أعداده بـ35 ألف شخص، أعلامُ “قوس قزح” المحتفيةُ بألوان الطيف الإنساني المتعددة.
وغدا رفع هذه الأعلام، بمثابة ظاهرة، ترافق حفلات الفرقة اللبنانية الاستثنائية، التي تَضربُ بقوةٍ وشغف على وترِ حرّيّة الجسدِ، والحق في خياراته، وميوله ومشاعره. ففرقة “مشروع ليلى”، التي يتقدمها مغنيها الأول حامد سنّو، الذي وصف نفسه خلال إحدى المقابلات الأخيرة معه بـ”الأسمر، والكويري، والمتحدر من عائلة مُسلمة”، سرعان ما تبثّ في أوساط جماهيرها وحاضري حفلاتها، من خلال موسيقاها وأداء أعضائها، مشاعر الاعتزاز بالهوية الجنسية، وشحنات تحدٍّ وتمرّدٍ، على سلطات القمع والكبت والنفي والإلغاء، التي يواجهونها في بلدانهم ومجتمعاتهم.
وإزاء عادة رفع أعلام قوس قزح في أمسيات “مشروع ليلى”، بدت السلطات المصرية في أعقاب الحفل القاهريّ الأخير، وكأنّها مُصمّمة، مهما كانت ظروفها ومشاغلها وورطاتها الجوهريّة والأمنيّة، على المضيّ في تكريس عادة مقابلة بمواجهة تلك الظاهرة القزحيّة. فما أن انقضت ليلة 24 أيلول (سبتمبر) الموسيقيّة في “ميوزيك بارك” في القاهرة، حتّى انطلقت حملةً مسعورةً شعواء، تستحضر كلّ خبل التاريخ في مواسم “اصطياد الساحرات” وفصولها. وشارك في الحملة، منظومة متكاملة من شخصيّات إعلامية ودينيّة وفنيّة وسياسية مصرية، استفاضت وأبدعت في الاستناد إلى تراث قرون غابرة في الترهيب اللغويّ – الدينيّ والمخيال القياميّ، من قصص الجن و”قوم لوط”، إلى مرويّات “عبدة الشيطان”. وتُرجمت تلك الحملات الصوتية، وتُوّجت بأفعالٍ على الأرض، فبدت الأخيرة وكأنّها تستعيد “تراثاً” أكثر حداثةً وجدّةً اشتهرت به السلطات المصريّة منذ واقعة وقضيّة ملهى “الكوين بوت” على شاطئ النيل عام 2001. حينها داهم رجال نيابة آداب القاهرة آنذاك الباخرة – الملهى (كوين بوت)، وألقوا القبض على عشرات الأشخاص، بعضهم ممن كان في داخلها، وبعضهم الآخر اصطيد من الشوارع، وجرت محاكمة هؤلاء، واتّهم العشرات منهم بـ”الفجور وازدراء الأديان السماويّة وعبادة الشيطان”.
ويأتي ما روته كاتبة نيويورك تايمز في القاهرة منى طحاوي في مقالة في 26 تشرين الأول (أكتوبر)، عن ما حصل في أيلول (سبتمبر) السابق، عقب حفل “مشروع ليلى” الأخير في “ميوزيك بارك”، ليذكّر بتلك الواقعة الشهيرة عام 2001. إذ جرى، بحسب الكاتبة المصريّة، ومنذ أواخر أيلول (سبتمبر) وعلى مدى تشرين الأوّل (أكتوبر) 2017، اعتقال 65 شخصاً معظمهم من المثليين، ووجّهت لنحو 20 منهم أحكاماً بالسجن، رواحت بين 6 أشهر و6 أعوام. كما تعرّض العديد من المعتقلين والموقوفين إلى ممارسات الفحص الشرجيّ “الانتهاكيّة التعذيبيّة”، بحسب المنظّمات الحقوقيّة. وهذه أمور تَستَحضِرُ أيضاً ما كتبه محمّد عبد النبيّ في روايته “في غرفة العنكبوت” (دار العين للنشر 2017)، التي تستوحي فصول ووقائع ومصائر بعض الأفراد في قضيّة “الكوين بوت”.
ويبدو أن حملات المرئي والمسموع، وما تلاها من حملات على أرض الواقع، في الشوارع والبيوت ومراكز التوقيف والمحاكم والسجون، في أثر حفل “مشروع ليلى” القاهريّ الأخير، أثمرت منعاً مستقبلياً لحفلات الفرقة اللبنانيّة في مصر. ويأتي هذا المنع المستقبليّ، ليُضاف إلى واقعتيّ منعٍ سابقتين في عمّان (الأردن)، هُما في رصيد الفرقة، سُجّلتا تباعاً في نيسان (أبريل) 2016، وحزيران (يونيو) 2017. وكان انبرى في الواقعتين المذكورتين وقتذاك، وبالأسلوب الأردني المحسوب والمتحفّظ وقليل الهذر والكلام، نوابٌ وشخصيّات سياسيّة ودينيّة، مسيحيّة وإسلاميّة، لتحقير الفرقة الموسيقيّة. فاعتبروا أن ما تطرحه “مشروع ليلى” هو “أفكار غريبة عن مجتمعاتنا”، وترويجٌ “لعبادة الشيطان والمثليّة الجنسيّة، والثورة على الحكومات والمجتمعات”، و”استفزازٌ للمشاعر العامّة”.
وهذه الجبهة المحمومة الجاهزة والمستنفرة كلّما حضرت “ليلى”، وكلّما لاح علم قوس قزح، تمثّل منظومةً قمعيّةً شاملةً، أكانت في مصر أو الأردن أو لبنان، أو أيّ بلد عربيّ آخر، مؤلّفة في الغالب من أشخاصٍ مُتوتّرين، كثر مِنهُم هم كتوّابي حيّ السلم، يخفون ميولهم ومشاعرهم الحقيقيّة تحت عباءة السطوة الحديديّة والترهيب، وبغية الحفاظ على بعض المكاسب إلى أجلٍ لا بد أن تلوح نهايته. وبعضهم، حين تلوح تلك النهاية، سرعان ما يفصح عن مثليّته و”يخرج من الخزانة”. وليست دعاوى هؤلاء سوى رطانة زجريّة عامّة، تطلق من عقالها، وتفرد لها المساحات الإعلاميّة، في مواجهة حالة طبيعيّة نامية ومتصاعدة. حالة تسير في طريقها الطبيعي في العالم العربي، وقد باتت تجد لنفسها ولأصحابها تعبيرات كثيرة من الصعب إيقافها، رغم محاولات الكبح والقمع في كنف أنظمة سياسيّة ينخرها التخلّف والفساد.
وإذ لا تبدو مستغربة عمليّات القمع والحملات المبتذلة التي تجرّدها المنظومات السياسيّة العربيّة وأذرعها العميقة حتى في عز انشغالاتها الأمنيّة، على ما هو الحال في مصر، التي بينما كان “اصطياد الساحرات” فيها جارياً ومثابراً، تعرضت لعملية إرهابية هي الأكبر منذ العام 2015، فإن المستغربَ يبقى في بعض الأصوات هنا وهناك، التي يطلقها أشخاص يحسبون أنفسهم في معسكر الثورات و”العدالة الاجتماعيّة” “عموماً”. وتلك أصوات تستكثر على المثليّين، أو النسويّين، في المجتمعات العربيّة المطالَبة بحقوقهم، أو بحقوقهنّ، على نحو منفصلٍ ومحدّد. فيتغاضى هؤلاء العداليّون الاجتماعيّون العموميّون عن حقيقة أن القوانين المدنيّة وحدها في النهاية هي من ستضمن حرية وحقوق وكرامة المثليين والنساء. وأن تلك القوانين لا يمكن أن تُكتب أو تُقترح إلا من قبل مثليين ونساءٍ، ينشطون ضمن منظمات مثلية ونسوية تعلي شأن هويتهم وحقوقهم وقضاياهم، وتخوض نضالها الطويل من أجل إقرار القوانين المحقة.
[video_player link=””][/video_player]