fbpx

تظاهرات لبنان: الشعب يريد كل شيء!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بدا الشعب متضامناً مع نفسه، مطالباً بإسقاط جميع من في السلطة، وتكرر بين الجموع تعبير “كلن يعني كلن”. وتراجعت بشكل لافت تعابير الاستدراك والاستثناء التي تلي عادة هذا التعبير، وبدا الناس راغبين بإسقاط الجميع

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“بطالب بكل شي”، هكذا قالت متظاهرة في منطقة أدونيس اللبنانية، حين سألها المراسل عمّا تطلبه. وحين سألها عمّا تعنيه بكل شيء، طفقت تعدّ ولا تسكت: “الكهرباء، الماء، العمل، البيئة، الطبابة…”.

استيقظت بيروت على صراخ ناسها، واستيقظت المناطق اللبنانية المختلفة على الصراخ ذاته أيضاً. إنه الصراخ الذي أيقظ كل شيء. التظاهرات التي بدأت مساءً امتدت حتى الصباح مترافقة مع قطع للطرق بالإطارات المشتعلة واحتجاجات في كل مكان، حتى في مناطق لم تعرف قبل الآن مشاهد من هذا النوع، والذين نزلوا إلى الشارع قرروا ألا يخرجوا منه.

الشارع يعج بالوجع، والمفارقة هذه المرة أن الشارع تضامن مع نفسه من كل الجهات، من الجنوب إلى الشمال مروراً بالبقاع وبيروت ومختلف المناطق، وقرر صراحةً أن يقفل على نفسه ويعصي الحياة، مطالباً بحياة أخرى، أكثر عدالة. كثيرون احتجزوا في بيوتهم أو في سياراتهم، في ظل الطرق المقفلة والأوضاع غير المستقرة، والتي لا تخلو من الالتباس والأسئلة الكثيرة. وكثيرون أمضوا الليل في الشوارع والساحات رافضين أن ينتهي التحرّك ببساطة كما يحدث كل مرة. قرروا أن يحرسوا مدنهم وقراهم من التخاذل وواظبوا على قطع الطرق وإيقاف سير الحياة.  

المفارقة الثانية أن الشعب بدا أيضاً متضامناً مع نفسه، مطالباً بإسقاط جميع من في السلطة، وتكرر بين الجموع تعبير “كلن يعني كلن”. وتراجعت بشكل لافت تعابير الاستدراك والاستثناء التي تلي عادة هذا التعبير، وبدا الناس راغبين بإسقاط الجميع. حتى أنّ صوراً لزعماء “مكرسين” شوهدت ملقاةً على الأرض في المناطق التي عُبِد هؤلاء فيها. أنزلت الصور من عليائها، والخطوط الحمر ما عادت حمراً بالفعل. ولم يُرفع سوى العلم اللبناني وغابت الأعلام الحزبية التي غالباً ما كانت تقود التحرّكات إلى أمكنة أخرى، ونزل المواطنون إلى الطرق بلا لافتات تقريباً، وكأنّ مشهد أيديهم الفارغة، يقول صراحةً: “ليس لدينا شيء، نريد كل شيء”.

وإذ كانت محاولة فرض ضريبة على خدمة “واتساب” هي الشرارة التي فجّرت كل هذا الغضب، إلا أنّ “الغضب ليس وليد الساعة” يؤكّد متظاهر في وسط بيروت. ويضيف: “جوّعونا. إلي 4 سنين بلا عمل، ومعي ماستر بالعلوم الرياضية. الجوع حرّك الشارع وليس الواتساب”. وفي ساعات الليل، أعلن وزير الاتصالات محمد شقير أنه تمّ إلغاء فكرة الرسم على “واتساب”. 

“هني بيناموا ببيوتن ونحنا محترق سلافنا”، يقول مواطن لبناني في منطقة ميرنا الشالوحي وهو يتفقّد وصول شاحنة محمّلة بالمزيد من الإطارات المعدّة للإشعال. ويجيب آخر عن سؤال حول انتخاب الشعب النواب أنفسهم كل مرة: “كنّا خواريف بس هلق خلص وعينا”. ويقترب آخر ليقول: “إيه وعينا ومش رح نرجع للغيبوبة!”.

 

إنه مشهد يستحق التوقف قليلاً، كما لو أنّ الحرب الأهلية الطائفية انتهت لتوّها أو منحت البلاد هدنة.

يقول متظاهر في البقاع وهو يعين رفاقه على قطع الطريق: “لازم يعرفوا إنو فلت الشارع ومن هون مش فالين”. فهل بدأ ربيع لبنان أم ليس بعد؟

 

التظاهرة التي بدأت في ساحة رياض الصلح في بيروت واتسعت إلى لبنان كله، تخللها مرور موكب وزير التربية والتعليم العالي أكرم شهيب بين المتظاهرين، وقد أقدم مرافقوه على إطلاق الرصاص الحي في زحمة الناس. وربما كان ذلك الشرارة الثانية بعد “الواتساب”، التي أنزلت الناس من بيوتهم، علماً أنّ جزءاً كبيراً من المتظاهرين يطأون ساحات الاحتجاج للمرة الأولى. وقد وقع عشرات الجرحى، إضافة إلى وفاة عاملين سوريين اختناقاً بسبب حريق امتد إلى مبنى قريب من الاحتجاجات في بيروت. 

استخدمت القوى الأمنية الغاز المسيل للدموع، ولم تخلُ ساحات الاحتجاج من التدافع والمواجهات الخفيفة بين المتظاهرين وقوى الأمن. إلا أنّه يمكن القول إنّ التحركات حافظت إلى حد بعيد على سلميتها. 

ما فجّره “واتساب” كان بدأ يغلي في ناره منذ أزمة الدولار وتراجع قيمة الليرة اللبنانية أمامه، وما أعقبها من أزمات في البنزين والخبز والغلاء، مروراً باحتراق أحراج لبنان في أكثر من منطقة، مقابل عدم امتلاك الدولة الأساليب والآليات المناسبة لإطفائها. كل ذلك إضافة إلى الفساد المستشري، جعل البلاد جاهزة للانفجار في أي لحظة. 

وإذ حاول كثيرون تحميل التظاهرات معاني أبعد من الجوع والفقر والقهر، ووضعها في خانة التحركات المسيسة والتي يلعب فيها الشعب دور “الماريونيت”، إلا أنّ تضامن المناطق المختلفة بشكل عفوي، يناقض نظريات المؤامرة تلك، لمصلحة التظاهر من أجل لقمة العيش والكرامة الإنسانية. وبات لافتاً أن تُسمع في الجنوب وبعلبك هتافات ضدّ “الأستاذ” أي بري وضد السيد حسن نصر الله وفي بيروت ضد رئيس الحكومة سعد الحريري، وأن تخرج المناطق المسيحية من اصطفافاتها وتطالب بإقالة زعمائها بلا استثناء، ويعلن أحباء العهد “القوي” رغبتهم في إنهائه ورحيل رئيسه ميشال عون. 

إنه مشهد يستحق التوقف قليلاً، كما لو أنّ الحرب الأهلية الطائفية انتهت لتوّها أو منحت البلاد هدنة.

يقول متظاهر في البقاع وهو يعين رفاقه على قطع الطريق: “لازم يعرفوا إنو فلت الشارع ومن هون مش فالين”. فهل بدأ ربيع لبنان أم ليس بعد؟

تظاهرات بيروت: انتفاضة جيل ما بعد “الانتصارات”