fbpx

حراك لبنان: الصورة والناس وماذا بعد؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تابع اللبنانيون والعالم صور المحتجين وأغانيهم وشعاراتهم ورقصهم مباشرة عبر الهواء وملأت صورهم الهواتف وصفحات السوشيال ميديا. لكن يبدو أن القيادات اللبنانية لم تصلها الرسالة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لا يبدو أن السلطة في لبنان بكافة أطيافها قد التقطت أو فهمت مشهد الاحتجاج الهائل في لبنان. تابع اللبنانيون والعالم صور المحتجين وأغانيهم وشعاراتهم ورقصهم مباشرة عبر الهواء وملأت صورهم الهواتف وصفحات السوشيال ميديا. 

لكن يبدو أن القيادات اللبنانية لم تصلها الرسالة.

فوقاحة السلطة سمحت للمعنيين وأزلامهم بأن يحاربوا صور الاحتجاج بصور سياسية هزيلة مقابلة، فمثلاً خرج صهر رئيس الجمهورية، وزير الخارجية جبران باسيل ليصرح من بعبدا في بداية الاحتجاجات بأن ما يحصل في الشارع ليس موجهاً ضده، لا بل يخدم استراتيجيته الوطنية ضد الفساد! أما رئيس الحكومة سعد الحريري فظهر أيضاً ليعد بورقة إصلاحية خلال 72 ساعة لتدعه يعمل من أجل لبنان! فيما قرر “حزب القوات اللبنانية” الانسحاب من الحكومة وتقديم استقالة وزرائه. كما أعلن مصرف لبنان إغلاق المصارف يوم الاثنين بحجة المحافظة على ودائع المواطنين، كما ظهر الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله ليقول إنه يفهم المحتجين لكن أحداً لا يمكنه اسقاط العهد.

وقفت الدولة مرتبكة أمام صورة المحتجين فحاولت أن ترد بصورة المسؤولين ووعودهم الهزيلة. وصورة المحتجين هي دليل على فساد الدولة، لذلك تود السلطة السياسية حجبها. في أكثر من مناسبة حذّرت الدولة، المؤسسات الإعلامية، من نشر صورة سيئة عن لبنان بحجة المحافظة على صورة اقتصاده، وعادت لتنبه من الصورة الإعلامية عبر الاعتقالات بسبب نشاط المستخدمين على مواقع التواصل الاجتماعي.

 

 الصورة الدليل الوحيد على فساد الدولة، لذلك تود السلطة السياسية حجبها…


ولم تغب الدولة عن “السوشيل ميديا”، لتخبرنا أن الأجهزة الأمنية مظلومة فتغرد على صفحاتها الرسمية صوراً لعناصر أمن وهو مصاب وتتكلم بالأرقام وكأن المحتجين هم من تعدّوا على الأجهزة الأمنية، فيما كان يقف العساكر يقفون في وجه المتظاهرين بالورود…

قلب الحقائق وتشويهها لا بل شيطنتها جزء لا يتجزأ من حرفية السلطة في الرد على الشارع. وبدا جلياً اكتشاف زعماء الحرب سحر الإعلام والصورة، فجعل المؤسسات الإعلامية تمحور جهدها لاستغلال الصورة عموماً ومواقع التواصل الاجتماعي خصوصاً في قلب الحقائق… على الأقل هذا ما نذكره من الاحتجاجات الشعبية في الـ2013، 2015، 2016، و2017.

أما في الميدان وبعيداً من الصورة، أقل ما يمكن ذكره مما مارسته السلطة في الساعات الأولى للتحرك الشعبي، في لبنان، هو مقتل شابين هما يوسف حسن ومازن سلمان، برصاص مرافقي النائب السابق مصباح الأحدب في طرابلس، وإطلاق مرافقي النائب في كتلة “التنمية والتحرير” ياسين جابر، النار على المعتصمين في النبطية. إضافة إلى بلطجة مسلحي “حركة أمل” ضد “المحرومين” الفعليين في الجنوب، وطبعاً لن ننسى الاعتقال التعسفي والضرب المبرح بحق المتظاهرين، مع تقارير إخبارية عن وجود جرحى مجهولي الهوية قد نقلوا الى المستشفيات. وطبعاً لم يخلُ الأمر من التعرض للصحافيين بشكل مباشر، حيث تلقى عدد من المراسلين والمصورين لدفع واعتداءات.

الناس… ولأول مرّة

والصورة كاشفة أيضاً، فقد شاهدنا مثلاً، منسق الأغاني “دي جاي” في طرابلس، يطل على المعتصمين ليصنع من الثورة مساحة للحياة، وقال إنه سيعيد هذا المشهد في بيروت. المشهد ليس بسطحيته أي أغنية وهتاف ورقصة، بل في محاربة الفساد بالحياة من دون الموت والغرق ببلطجة السلطة السياسية. أو الهتافات في المتن من أجل أهالي صور. مثل آخر، هتاف الناس واستعادة هتافات وأغاني من الثورة المصرية في وسط العاصمة… لبنان اليوم عبارة عن أكثر من “ساحة تحرير مصرية” منتشرة من الشمال للجنوب. 

بعد كل ما مر به اللبنانيون في الشارع منذ سنوات، فهم اليوم في أحيائهم وليسوا في وسط المدينة فقط، هتافات ضد السلطة موحدة في حين ومختلفة في حين آخر، لكن المضمون واحد وهو إسقاط العهد ورموزه. وما هو أهم من النزول إلى الشارع، هو إصرار المتظاهرين على رفض الإصلاحات التي تبدو مزيفة من قبل المسؤولين، إضافة إلى تحويل ساحات الاحتجاجات ساحات فرح وتفاعل بين الناس من دون سابق معرفة. نعم كان هناك شغب ضد مصرف ومحل أحذية، وكان رد المالكين، “لا بأس الناس غاضبة ونحن منهم”.

قلب الحقائق وتشويهها لا بل شيطنتها جزء لا يتجزأ من حرفية السلطة في الرد على الشارع

ماذا بعد؟

في ظل هذه اللحظة الجديدة في تاريخ لبنان الجديد، وفي حين أن المواطن في الشارع من أجل حقه ليس من أجل خلفيته السياسية، وهذا بحد ذاته إنجاز، ليس من الضروري ازعاج هذا المشهد بالسؤال “ماذا بعد؟” أو “ما هو المنطق؟ ما الذي يجب فعله؟” أو “من هي الحكومة الجديدة؟”. وليس من شأن المواطن أن يفكر بحلول للحكومة، وإلا ما فائدة نظام الدولة بهيكليته ومستشاريه إذا كان لا يستطيع أن يتقدم بالحلول وخطة تنفيذها؟ وبالتوازي مع هذه الفكرة أيضاً، يحق للشعب أن يختار ما يريده وما يفعله وما يقوله، من دون أن يفرض عليه أحد من الناشطين وغير الناشطين دروساً في المواطنية وما يجب الاحتكام إليه، ومن حقه أيضاً ألا يتكلم أحد باسمه. 

كي لا ينهار جبل الجليد في لحظة الانتصار التاريخي