fbpx

“داعش” تجني مكاسب الانسحاب الأميركي من سوريا

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يقول محللون إن ترامب قد أهدى داعش بانسحابه أكبر فوز لها منذ أكثر من أربع سنوات. وفي الوقت الذي تسارع فيه القوات الأميركية إلى الخروج من البلاد، قال مسؤولون أميركيون إنهم بالفعل يفقدون قدرتهم على جمع المعلومات حول العمليات التي ينفذها التنظيم على أرض الواقع.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

قال مسؤولون إن “القوات الأميركية وشركائها، بقيادة الأكراد في سوريا، كانوا ينفذون ما يقرب من 12 مهمة لمكافحة الإرهاب في اليوم الواحد ضد داعش”. لكن تلك العمليات قد توقفت.

وأطلق هؤلاء الشركاء أنفسهم -أي قوات سوريا الديمقراطية- سراح بعض سجناء تنظيم الدولة الإسلامية ودمجهم في صفوفهم، وذلك كوسيلة لإبقائهم تحت المراقبة. أصبح ذلك أيضاً الآن معرضاً للخطر.فعبر الحدود التي يسهل اختراقها بين العراق وسوريا، شنَّ مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية حملة اغتيال ضد رؤساء القرى المحليين، في محاولة لترويع المخبرين الحكوميين.

عندما أعلن الرئيس دونالد ترامب هذا الشهر أنه سيسحب القوات الأميركية من شمال سوريا مُفسحاً المجال لشن هجوم تركي على الأكراد -حلفاء واشنطن في وقت ما- حذر كثيرون من أن ترامب يُضعِف بذلك شوكة الحملة الرامية إلى هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية، المعروف أيضاً بداعش.

الآن، يقول المحللون إن ترامب قد أهدى داعش بانسحابه أكبر فوز لها منذ أكثر من أربع سنوات وأمّن آفاق مستقبلها. وفي الوقت الذي تسارع فيه القوات الأميركية إلى الخروج من البلاد، قال مسؤولون أميركيون الأسبوع الماضي، إنهم بالفعل يفقدون قدرتهم على جمع المعلومات الاستخباراتية الهامة حول العمليات التي ينفذها التنظيم على أرض الواقع.

في هذا الصدد قالت لينا خطيب، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المعهد الملكي للشؤون الدولية ‘تشاتام هاوس’ وهو مركز أبحاث في لندن، “لا شك في أن داعش هو أحد أكبر الفائزين مما يحدث في سوريا”. في حين أعاق وقف دعم قوات سوريا الديمقراطية قدرة الولايات المتحدة وشركائها السابقين على ملاحقة فلول التنظيم.

من ناحية أخرى، تهللت أسارير أنصار التنظيم فور انتشار أنباء الانسحاب الأميركي على شبكات التواصل الاجتماعي والدردشة المشفرة. كما رفعت الروح المعنويّة لمقاتلي التنظيم في الأذرع البعيدة مثل ليبيا ونيجيريا.

وبإزاحة قوة مضادة فعّالة مثل الولايات المتحدة، سهّل الانسحاب الأميركي من بروز نواة تنظيم الدولة الإسلامية كشبكة إرهابية أو حركة تمرد أكثر تقليدية وأطول عمراً، مقرها سوريا والعراق.

 

يقول مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون إن الجيش التركي لديه سجل قاتم في عمليات مكافحة الإرهاب ولن يستطيع أن يملأ الفراغ الذي ستخلفه القوات الأميركية وقوات سوريا الديموقراطية.

 

وعلى الرغم من إعلان ترامب المتكرر عن  انتصاره على تنظيم الدولة الإسلامية -حتى أنه تباهى أمام  زعماء الكونغرس بأنه شخصياً قد “أوقع داعش في الأسر”- إلا أن التنظيم لا يزال يُشكل تهديداً. ففي مارس/آذار الماضي، وبعد فقدان آخر رقعة من الأراضي التي كانت يوماً خاضعة لسيطرته في سوريا والعراق، وزع التنظيم أنصاره وجنوده ليندمجوا وسط المجموعة السكانية الكبيرة أو ليختبئوا في الجبال والمناطق الصحراوية النائية.

أبقى التنظيم على ما يصل إلى 18 ألف “عضو” له في العراق وسوريا، بما في ذلك ما يصل إلى 3 آلاف عضو من البلدان الأجنبية، طبقاً للتقديرات المذكورة في تقرير حديث صدر عن وزارة الدفاع الأميركية “البَنْتَاغُون”. ولا يزال أبو بكر البغدادي، الخليفة المزعوم للتنظيم، حراً طليقاً.

من جانبه، أعلن البغدادي في رسالة مصوّرة صدرت في أبريل/نيسان الماضي قائلاً “إن معركتنا اليوم معركة استنزاف وإنهاك للعدو”. بدا في هذه الرسالة المصورة مرتاحاً وبصحة جيدة، كما كان جالساً على أرضية غرفة خالية من الأثاث، ومحاطاً بالجنود وتظهر إلى جانبه بشكل ملحوظ بندقية هجومية.

واستطرد قائلاً لأنصاره “إن الجهاد مستمر حتى قيام الساعة”، وفقاً للنص الوارد عن مجموعة سايت للاستخبارات.

وقياساً على المؤشرات المرجعية وسيطرة التنظيم على مساحات شاسعة من الأراضي في سوريا والعراق، فإن أي احتمال للعودة إلى سابق عهدهم ما هو إلا حلم صعب المنال.

هذا لأن التغييرات في السياق السياسي في سوريا والعراق قلّصت قدرة تنظيم الدولة الإسلامية على إثارة العداء الطائفي النابع من شعور المسلمين السنة بالإحباط نتيجة حكم السلطات الشيعية -أو ذات الصلة بالشيعة- في سوريا والعراق، وهي الوسيلة المميزة التي يلجأ إليها المتشددون من داعش وغيرهم.

فقد نجحت الحكومة العراقية في نيل دعم المسلمين السنة في العراق على نطاق واسع. وضيق الرئيس السوري بشار الأسد، من خلال سحق الثائرين ضده والداعين لسقوطه، المجال أمام المقاتلين السنة للحشد والتعبئة. كما يعارض كثيرون ممن عاشوا تحت قبضة تنظيم داعش الحديدية عودة التنظيم.

ولكن من ناحية كونه حركة تمرد سرية، يبدو أن تنظيم الدولة الإسلامية قد مُنِح قبلة الحياة.

من جهة أخرى، واصل مقاتلو التنظيم تنفيذ “عمليات اختطاف واغتيال وهجمات انتحارية وحرق للمحاصيل في كل من العراق وسوريا”، وفقاً لتقرير صادر الصيف الماضي عن المفتش العام للعمليات ضد التنظيم في البنتاغون. كما قال التقرير إن التنظيم قد أنشأ “خلايا انبعاث” في سوريا وسعى إلى بسط سيطرته وتوسيع نطاق قيادته في العراق.

هذا وقد شرع المقاتلون في حرق المحاصيل وإخلاء قرى بأكملها. كما سعوا إلى جمع الأموال من خلال تنفيذ عمليات اختطاف للحصول على فدية، وابتزاز المسؤولين المحليين بفرض الضرائب، وذلك عن طريق اقتطاع جزء لحسابهم من تعاقدات إعادة البناء.

أما هجماتهم على رؤساء القرى -التي قُتِل فيها 30 رجلاً على الأقل في العراق عام 2018، وفقاً لتقرير البنتاغون- فما هي إلا محاولة لترويع الآخرين من التعاون مع بغداد.

وأضاف التقرير موضحاً أن “ارتفاع وتيرة عمليات تنظيم الدولة مع تنفيذ هجمات متعددة على مساحات شاسعة من الأراضي”  قد يُقصَد به خلق انطباع عن أن التنظيم يملك القدرة على ضرب أي مكان “وأن يفلت من العقاب”.

قال ترامب بدايةً في ديسمبر/كانون الأول الماضي إنه يعتزم سحب آخر ألفي جندي أميركي في سوريا، لكن وزارة الدفاع الأميركية قلّصت هذا العدد وسحبت حوالي نصف أولئك الجنود. 

مع ذلك، يقول المسؤولون العسكريون إن مساعدة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في ملاحقة الخلايا السريّة والمقاتلين الفارّين، تتطلب تدريبات ودعم استخباراتي أكثر من ذاك الذي تتطلبه معركة مفتوحة من أجل السيطرة على الأرض. بل إن الانسحاب الجزئي، كما جاء في التقرير الصادر عن المفتش العام في البنتاغون، قد يلحق “الضرر” بمهمة القوات الأميركية في العراق وسوريا.

ففي الشهر الماضي، ولتأكيد وجوده الحيوي المستمر، أعلن تنظيم الدولة مسؤوليته عن تفجير حافلة صغيرة أسفر عن مقتل 12 شخصاً بالقرب من مدخل مدينة كربلاء العراقية التي تعد مزاراً شيعياً. كان هذا هو أعنف هجوم ينفذه التنظيم منذ خسارته لآخر معاقله.   

وفي غضون ساعاتٍ من إعلان ترامب، منذ حوالي أسبوعين، انسحاب القوات الأميركية من الحدود السورية مع تركيا، استهدف انتحاريان من داعش قاعدة لقوات سوريا الديمقراطية في مدينة الرقة السورية.

“استسلم الصليبيون”، هكذا صاح أنصار التنظيم، وفقاً لليث الخوري، المحلل والمدير بمؤسسة “فلاش بوينت بارتنرز”، التي ترصد الخطابات الإعلامية للتنظيم على الإنترنت.

وقال الخوري، إن رسائل أخرى “حثت (جنود) داعش بكل مكانٍ على مضاعفة جهودهم”.

اشتملت المهمات والعمليات التي نفذتها قوات سوريا الديمقراطية ضد تنظيم الدولة -والتي بلغ عددها أحياناً 24 عملية في اليوم الواحد- على دوريات لمكافحة الإرهاب وغارات على خلايا مقاتلي داعش. ووفقاً لمسؤولين أميركيين، فقد نُفذت بعض العمليات بمشاركة جنود أميركيين، والبعض الآخر نفذته قسد بمفردها. 

لكن لاقى الأكراد -وهم أقلية عرقية يحط العرب في سوريا من قدرها أحياناً- استياءً من السكان العرب في شمال سوريا.

وفي محاولة منهم  لكسب تأييد تلك المجتمعات المحلية، عفت قوات قسد التي يقودها الأكراد عن مئات المحتجزين من مقاتلي تنظيم الدولة أو المناصرين لهم وأطلقت سراحهم في إطار ما يسمى باتفاقات المصالحة، معتمدين على الزعماء المحليين الذين تربطهم بهم علاقات غير رسمية من أجل تولي عملية إعادة إدماجهم. 

بل ضمّت الميليشيا بعض من محتجزي التنظيم المُطلق سراحهم إلى قواتها، حسبما قالت دارين خليفة، وهي باحثة في مجموعة الأزمات الدولية، زارت المنطقة كثيراً ووثقت حالات العفو التي اشتملت عليها هذه “المصالحة” في تقرير نشر الصيف الماضي. 

وخلال مقابلة مع خليفة أخبرتنا أن قادة الميليشيا الكردية قالوا لها، “ما الذي تريدين منا صنعه، أن نقتلهم كلهم؟ أو أن نسجنهم جميعاً؟ الوسيلة المثلى للمضي قدماً هي مراقبتهم عن قربٍ وذلك من خلال إبقائهم ضمن قوات قسد”. مضيفةً أن أولئك المُجندين لم يكونوا من زعماء تنظيم الدولة وأنهم لم يرتدوا أو يعاودوا ممارسة جرائم التنظيم حتى الآن.  

لكن حالياً يهدد الانسحاب الأميركي، المصحوب بتوغلٍ تركي، عملية المراقبة غير الرسمية على أولئك السجناء السابقين، على حد قول خليفة، مع احتمالية معاودة بعضهم القتال مرة أخرى لصالح تنظيم الدولة.

فقد قامت تركيا، التي حاربت الميليشيات الكردية الانفصالية في الداخل على مدى عقودٍ، بهذا الغزو لدحر تلك القوات التي يقودها الأكراد في سوريا بالدرجة الأولى. ومع غياب الحماية الأميركية، غيّر الزعماء الأكراد الآن ولائهم وتحالفوا مع بشار الأسد. 

وفي العراق أيضاً، يقول البعض إن الفرص قد تكون سانحة أمام تنظيم الدولة لإثارة مشاعر الاستياء لدى السنة مرة أخرى في المناطق التي كانت تخضع لسيطرته. إذ لم يتم الإيفاء بوعود إعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الحرب. وما زالت الميليشيات الشيعية التي ظهرت من أجل محاربة تنظيم الدول باقية، بل وتسعى في بعض الأحيان إلى التربُّح من السكان المحليين وفرض الضرائب عليهم. 

وقال ريناد منصور، مدير مبادرة العراق في تشاتام هاوس، “يتساءل الناس في المناطق المُحررة: لماذا ما تزال هذه المجموعات المسلحة موجودة؟ ولماذا ما زالوا يعتبروننا جميعاً من داعش، ولماذا يفرضون علينا الضرائب أو يبتزوننا ويأخذون كل أموالنا؟” 

وأضاف أن الحملة ضد تنظيم الدولة “كانت تسويةً عسكرية لأزمة اجتماعية وسياسية بالأساس”.

ومن جانبه، أصرَّ ترامب مراراً على ضرورة أن تأخذ تركيا على عاتقها مسؤولية القتال ضد تنظيم الدولة في سوريا. وقال ترامب إنه أخبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن “هذه ستكون مسؤوليتكم”.

لكن يقول مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون إن الجيش التركي لديه سجل قاتم في عمليات مكافحة الإرهاب ولن يستطيع أن يملأ الفراغ الذي ستخلفه القوات الأميركية وقوات سوريا الديموقراطية. 

 

هذا المقال مترجم عن nytimes.com ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي.

المصنع: من أرسل التونسيين إلى سوريا؟