fbpx

لماذا تُحارب تركيا الأكراد في سوريا؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يتفق الجميع تقريباً على أنّ الفوضى التي عمَّت سوريا عندما غزت تركيا المناطق التي يُسيطر عليها الأكراد في شمال سوريا بعد إعلان إدارة ترامب انسحابَ القوّات الأميركيّة، كانت واحدةً من الآثار الدامية الناجمة عن الخيانة. ولكن ما يزال النقاش دائراً حول تحديد مَن أقدَم على هذه الخيانة

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يتفق الجميع تقريباً على أنّ الفوضى التي عمَّت سوريا عندما غزت تركيا المناطق التي يُسيطر عليها الأكراد في شمال سوريا بعد إعلان إدارة ترامب انسحابَ القوّات الأميركيّة، كانت واحدةً من الآثار الدامية الناجمة عن الخيانة. ولكن ما يزال النقاش دائراً حول تحديد مَن أقدَم على هذه الخيانة في المقام الأول، وطعَن الآخر في ظهره.

أعلنت القوّات الكرديّة المُتمركزة في سوريا أنّ الولايات المتّحدة قد تخلَّت عنها، دون سابق إنذارٍ أو مبرِّر، بعد سنواتٍ من التعاون في مكافحة تنظيم ’الدولة الإسلاميّة‘ (داعش). وفي المقابل صرَّحت تركيا أنّ قرارَ الولايات المتّحدة إقامةَ شراكة في المقام الأول مع القوّات الكرديّة السوريّة -التي تعتبرها تركيا واحدةً من الجبهات المتحالفة مع ’حزب العمّال الكردستانيّ‘، وهو جماعة انفصاليّة كرديّة في تركيا- كان في حدِّ ذاته خيانةً لأحد حلفاء واشنطن في منظّمة حلف شمال الأطلسيّ (ناتو). وقد بدا أنّ الرئيسَ الأميركيّ دونالد ترامب يؤيِّد ذلك الرأي في مؤتمرٍ صحفيّ عقده يوم الأربعاء الماضي في البيت الأبيض.

قد يبدو أنّ من السهل بمكانٍ البتُّ في الادِّعاءات التي يزعمها الجانب الكرديّ: فقد قدَّم الجيشُ الأميركيّ وعوداً للأكراد، أو على الأقل التزامات ضمنيّة، وفشل في الوفاء بها. بيد أنّ الادِّعاءات التركيّة -التي تستند في الأساس على أنّ القوّات الكرديّة السوريّة متحالِفة مع الإرهابيّين- تبدو أكثرَ تعقيداً وأكثرَ إثارةً للريبة. وإليكم السبب.

مَن هم الأكراد؟

يُمثّل الأكراد اليوم، بعد ظهورهم لأوّل مرة في القرن العاشر، أكبرَ مجموعةٍ عِرقيّة في العالم بلا دولة خاصّة بهم، مع أنّهم قد وُعِدوا بالحصول على الحكم الذاتيّ في ’معاهدة سيڨر‘، بين الدولة العثمانيّة ودول الحلفاء، التي عُقدت في 10 أغسطس/آب عام 1920 عقب الحرب العالميّة الأولى. بيد أنّ المؤرخ بريان جيبسون كتَب مؤخّراً في مقالةٍ نُشِرت في مجلة ’فورين بوليسي‘ قائلاً “لقد تقاعست القوّتان العُظمَيان آنذاك، بريطانيا وفرنسا، عن الوفاء بهذه المعاهدة عام 1923، وقسَّمَتا الأراضي الكرديّة بين تركيا وإيران والعراق وسوريا وَفقَ الوضع القائم في العصر الحديث”. ومنذ ذلك الحين، ظلَّ الأكراد يقاتلون من أجل الحصول على شكلٍ ما من أشكال الاستقلال؛ وغالباً ما كان ذلك في ذروة فظائع الدولة، مثل استخدام الزعيم العراقيّ الراحل صدام حسين الأسلحةَ الكيميائيّة ضد المدنيّين الأكراد. وقد صار أقرب ما وصل إليه الأكراد من أشكال الدولة المستقلّة هو تمكُّنهم من إقامة منطقة تتمتّع بالحكم الذاتيّ في شمال العراق، حظِيَت بإدارة ذاتيّة إلى حدٍّ كبير منذ الغزو الأميركيّ عام 2003.

ما هو ’حزب العمّال الكردستانيّ‘؟

أُسِّس ’حزب العمّال الكردستانيّ‘، المعروف اختصاراً باللغة الكرديّة PKK، كجماعة ماركسيّة-لينينيّة في تركيا عام 1978، لمواجهة التمييز الذي تدعمه الدولة ضد أكراد تركيا، بهدف إقامة دولة ’كردستان‘ مستقلّة. وبدأ تمرد ’حزب العمّال الكردستانيّ‘ ضد الدولة التركيّة عام 1984، واستمرَّ القتال بين الجانبين بصورة متقطِّعة منذ ذلك الحين، وصاحَبَه قمعٌ عنيف من جانب تركيا في المناطق الكرديّة، مما أسفَرَ عن مقتل أكثر من أربعين ألفَ شخص، مُعظمُهم من المدنيّين الأكراد. ومن جانبه، ركَّز ’حزب العمّال الكردستانيّ‘ هجماتِه على المؤسَّسة العسكريّة التركيّة على مدى سنوات، ولكنّه أصاب أيضاً أهدافاً مدنيّة. وقد صنَّفت تركيا والولاياتُ المتّحدة ’حزبَ العمّال الكردستانيّ‘ منظمةً إرهابيّة.

ما هي ’قوّات سوريا الديمقراطيّة‘ – قسد؟

أُسِّست ’قوّات سوريا الديمقراطيّة‘ -التي يُشار إليها اختصاراً بـ’قسد‘- رسميّاً في شمال سوريا في الحادي عشر من أكتوبر/تشرين الأول عام 2015، للدفاع عن المنطقة في خضَمِّ الحرب الأهليّة في سوريا وفي أوج صعود تنظيم ’الدولة الإسلاميّة‘. تضمّ المنظمة ميليشيات عربيّة وآشوريّة، ولكنّ المكوِّن الأساسيّ فيها هو ’وحدات حماية الشعب‘ الكرديّة (التي يشار إليها اختصاراً باللغة الكرديّة YPG). وقد شجَّعَت الولايات المتّحدة على تشكيل ’قوّات سوريا الديمقراطيّة‘، وتحالَفت معها في القتال ضد تنظيم ’الدولة الإسلاميّة‘.

ما العلاقة بين ’قوّات سوريا الديمقراطيّة‘ و’حزب العمّال الكردستانيّ‘؟

تتكوّن ’قوّات سوريا الديمقراطيّة‘ أساساً، كما وُصِفَت أعلاه، من ميليشيا ’وحدات حماية الشعب‘. تلك الميليشيا أُسِّست رسميّاً عام 2011، باعتبارها الجناح المسلَّح لـ’حزب الاتّحاد الديمقراطيّ‘ الكرديّ السوريّ PYD. تقوم مزاعم تركيا على أنّ ’حزب الاتّحاد الديمقراطيّ‘ ليس سوى فرعٍ لـ’حزب العمّال الكردستانيّ‘ التركيّ، وأنّ الأخير منخرطٌ في تشكيل ’وحدات حماية الشعب‘، فيما ينفي ’حزب الاتّحاد الديمقراطيّ‘ تلك الصِّلات.

الأمر الذي لا جدالَ فيه هو أنّ ’حزب العمّال الكردستانيّ‘ كان له وجودٌ في سوريا حتّى عام 1998، حينَ حظرته الحكومة السوريّة. تشكّل ’حزب الاتّحاد الديمقراطيّ‘ في سوريا بعد ذلك بخمسة أعوام، من خلال العديد من نفس أعضاء الحزب المحظور. غير أنّ الأمر الأقلّ وضوحاً هو ما إذا كانت هنالك صِلات تنظيميّة وعمليّاتيّة بين الحزبَين. تقول تركيا إنّ التعاون بين الحزبَين واضحٌ، مع أنّها نادراً ما تقدِّم دليلاً ملموساً على ذلك. فيما أكّد وزير الدفاع الأميركيّ الأسبق أشتون كارتر، في شهادته أمام الكونغرس عام 2016، أنّ هناك “روابط جوهريّة” بين الحزبَين؛ وأشارت أيضاً تقارير مستقلّة إلى وجود تداخُل في العضويّة.

ومع هذا، نفى ألدار خليل، وهو سياسيٌّ كرديّ سوريّ رفيع المستوى، وجودَ أيِّ صِلاتٍ من هذا النوع، وكتب في مقالةٍ له نشرتها مجلة ’فورين بوليسي‘ عام 2017 أنّ ’حزبَ الاتّحاد الديمقراطيّ‘، مثل جميع التنظيمات السياسيّة الكرديّة السوريّة الأخرى، يلتزِم تماماً بمبدأ عدم التدخّل في شؤون الدول الأخرى. وأضاف “يؤلِمنا أنْ نرى هؤلاء على الجانب التركيّ من الحدود يُعانون القمعَ والخوف في ظلّ حكم أردوغان. إلّا أنّ هذا ليس كفاحنا، وقد قلنا علناً وسنظلّ نقول مراراً وتكراراً أنّ أراضينا ومواردنا لن تُستخدَم من قِبَل ’حزب العمّال الكردستانيّ‘ أو أيّ جماعة أخرى تُحارِب تركيا”.

إلّا أنّه يظلّ من الخطأ القول بعدم وجود روابط إطلاقاً بين ’حزب العمّال الكردستانيّ‘ المتمركز في تركيا وبين ’حزب الاتّحاد الديمقراطيّ‘ السوريّ وبالتبعيّة ’وحدات حماية الشعب‘ (ومن ثَمّ ’قوّات سوريا الديمقراطيّة‘ لاحقاً). ووَفقَ ما أوضحه ألدار خليل في مقالته المنشورة في ’فورين بوليسي‘، يلتقى الحزبان في اتّباعِهما أفكاراً تُعزَى إلى التعاليم السياسيّة لمؤسّس ’حزب العمّال الكردستانيّ‘، عبد الله أوجَلان، المعتقل حالياً في تركيا. بغضِّ النظر عن مدى التعاون بين التنظيمَين على أرض الواقع، فإنّ كلّاً منهما يتعاطف بوضوح مع الأهداف السياسيّة للآخر.

والآن، هل ’قوّات سوريا الديمقراطيّة‘ تنظيم إرهابيّ أم حلفاء للإرهابيّين؟

جرَت المبالغة في الخطاب التركيّ حول هذه النقطة؛ فغالباً ما يزعم الرئيس رجب طيّب أردوغان ووسائل الإعلام التركيّة أنّ أكرادَ سوريا لا يختلفون أبداً عن تنظيم ’الدولة الإسلاميّة‘ الذي حاربوه، إن لم يكونوا أسوأ منه (وقد ردَّد ترامب وجهة النظر هذه في مؤتمره الصحفيّ). هذا الأمر، وَفقَ أيّ معايير منطقيّة، هو ببساطة غير صحيح. فقد أدارَ الأكراد الأراضي التي سيطروا عليها بصورةٍ أفضل مما كان كثيرون يخشونه، مع غيابٍ تام لأشكال المذابح الطائفيّة التي ارتكبتها الفصائل المسلَّحة السوريّة الأخرى؛ ولذا نالَت منطقة روجافا متعدّدة الأعراق إشاداتٍ باعتبارِها قصّة نجاح ديمقراطيّ استثنائيّ.

ومن غير الواضح مدى انتشار ونَجاعَة مفهوم ومغالَطة “ثبوت الذنب بالارتباط”، أو الشخصَنة، في منطقةٍ ملتهِبة وغير مستقرّة كهذه. فلا تُعاني المنطقة نقصاً في التنظيمات غير الحكوميّة المنخرطة في العنف، سواء في تركيا أو في الدول المجاوِرة لها. ففي سوريا نجد أنّ بعضَ تلك التنظيمات، مثل هيئة تحرير الشام، يمكن اعتبارُها من حلفاء تركيا نفسها. في الوقت الذي يتواصل فيه الجميعُ في الشرق الأوسط مع فاعلين مبغوضين، فإنّ الإشارةَ إلى الصِّلات التي تنخرط فيها ’قوّات سوريا الديمقراطيّة‘ ربّما يُعدّ سياساتٍ حاذقة، لكنّها موضعُ رِيبة من الناحية الأخلاقيّة.

 

هذا المقال مترجم عن foriegnpolicy.com ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي.

معركة “نبع السلام” انتهت والأكراد خسروها دون قتال