fbpx

النُخبوية خصمٌ للمساواة والعدالة!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تعودنا على أن يكون في عالم سياستنا، ثقافتنا، صحافتنا، تجارتنا، وموضة الأشياء الرائجة مصطلح “النُخبة”. واعتدنا أن ننظر إلى المصطلح، والمشمولين به، نظرة الذين يسكنون في القعر تجاه من يسكنون في الأعلى.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تعودنا على أن يكون في عالم سياستنا، ثقافتنا، صحافتنا، تجارتنا، وموضة الأشياء الرائجة مصطلح “النُخبة”. واعتدنا أن ننظر إلى المصطلح، والمشمولين به، نظرة الذين يسكنون في القعر تجاه من يسكنون في الأعلى. وهكذا، جيلاً بعد جيل، ومُجتمعاً يُنجبُ آخراً، وعُمراً يضيعُ في سياق بحر من الأعمار الفانية، استمرت الطوابق العلوية في الازدهار فوق، ومضى أولئك الساكنين في القاع في طوابقهم المتسعة عرضاً، يتكاثرون بلا توقف.
ولـ”نُخبنا” العربية مكانةٌ غريبةُ في سياق التعريفات، التي استقر عليها الاقتصاد السياسي في القرنين الماضيين. نحنُ نرى في النخبة “طبقةَ ممن نعتقد بأنهم لامعون، وفنانون، وأعضاء دائمون في صالونات سياسية، تُنجبُ أفكاراً يشوبها سيجارٌ كوبي وبدلاتٌ فاخرة”. ومع أن هناك عنصرين مُهمين يتوافقان مع سمات “النُخبة” كما يراها الاقتصاد السياسي، والمتمثلين في فكرة “الطبقة” و”فوق في مقابل تحت”، فإن الكثير مما توارثناهُ من أفكار عن نُخب المجتمع هو في أحسن حال “سَمِج”.
استقرت رؤى الاقتصاد السياسي على اعتبار أن “النخبة” في مكان ما هي “فئةٌ” قليلةٌ ذات نفوذ يُمكنها من السيطرة والتحكم بأكبر قدر ممكن من الثروة في ذلك المكان. وقلنا “مكان” بدلاً من مجتمع، كي نتحرر من عبء إثبات أن مُجتمعاً ما يحملُ مواصفات فعلية لاعتباره مجتمعاً (بمعنى الدولة أو الأطياف التي تشبهها). ولا يختلفُ ذلك التوصيف عن فكرة الأوليغارش إطلاقاً، فالنخبة بالضرورة هي القلةُ من الناس التي تحتكر وتُهيمنُ على المال والقرار في المكان (أو المجتمع المعني إن شئتم).
“ذا إيليت” ليست مديحاً بالضرورة وفق الرؤية السابقة، إنما توصيفٌ لا بد منه لحالة من اتساع ما يُسميهُ التنمويون بـ”الفجوة بين الفقر والغنى”، بين قوة الدخل من ضعفه، أو تحقق الدخل من عدمه.
النخبةُ قريبةٌ إلى حد التورط بشبهات الفساد. بل لربما كان وصولها إلى نادي القلائل من ذوي النفوذ، ارتبط بشكل من الأشكال بممارسة ذات طبيعة فاسدة، في بيئة يحكمها قانونٌ فاسد أو أسوأ من ذلك، لا يحكمها أيُ قانون. النخبويون في هذا النادي، لا يُحبونَ ما نُسميه بـ”سيادة القانون”، ومعهم حق. فأن يسود القانونَ معناهُ مُعاملتهم بذات السوية مع آخرين ليسوا من أعضاء النادي، وهُم في ذلك عن قصد وسبق إصرار من أحباب “التمييز”. المُساواةُ مقتلُ امتيازاتهم وسلطاتهم اللامتناهية.
حالياً في العالم العربي، وأقصدُهُ هنا جغرافياً لا سياسياً؛ تحكمنا مناهج متعددة من النخبوية، بمعناها السياسي-الاقتصادي، ومنها مثلاً لا حصراً، عائلاتُ الحُكم، طوائفُ الحُكم، مذاهبُ الحُكم، عساكرُ الحُكم، فاشيةُ الحُكم؛ وكُلها تتشابهُ في كون منبعها وما يُبقي ديمومتها جوهرٌ “نُخبوي”: حين يتحكمُ العساكرُ في حكم المجتمع (أو ما يُسمى عبثاً بالدولة) فهُم يُقيمون بالضرورة نظاماً للإدارة والاشراف على توزيع الثروات، يأخذ في المقام الأول توزيعها على أعضاء نادي العسكر وانتفاعهم بها، على حساب بقية المجتمع. وحين يقودُ المجتمعُ فاشيون، فإن همهم الأول هو إحكامُ نفوذ القيادة الفاشية ومُنتسبيها على الأموال العامة وإنفاقها بما يخدمُ مصالحهم. وهكذا، دواليك.
والقولُ إن ظواهرَ “مقلقة” أصبحت مرئيةً أكثر مما مضى في عمل المنظمات غير الحكومية، وتلك المُسماةُ “منظمات المجتمع المدني”، ليس فيه أيُ رومانسيةٌ يساريةٌ مُبالغٌ غفيها. وسمات النخبويةُ في هذا المجال تتفق مع تلك المتعلقة بأندية الحُكم، كونها تقوم على مبدأ الاحتكار والسيطرة على مجالات العمل المعنية، مدعومةَ في ذلك بأموال المانحين، أو تماهياً مع سياسات الحاكم. والواقعُ أن نخبوية العمل العام أو العمل المدني المستقل، بقدر خطورة ومفاعيل نخبويةُ الحُكم نفسها، فهيُ تُكرسُ سياسة الأمر الواقع (السيء غالباً)، وتُعطي شرعيةً واقعيةً لديمومة سياسات الاحتكار والهيمنة الاقتصادية والسياسية للنخبة الحاكمة (من دون أن يُصبح رموز هذه العمل المدني قادرين على الانتفاع بالامتيازات نفسها، بالضرورة، دائماً).
ولنعُد للمربع الأول في سياقنا: أن تكون/ي من النخبة ذلك أمرٌ جلل! انهُ لا يعني أفضليةً فكريةً أو ثقافيةً تقوم على مبادئ التنافس الحر والعادل والنزيه، بل لربما العكس. وعضوية أندية النخبة لا تعني بالضرورة إسهامات لا نظير لها في إثراء المجال العام أو الحياة العامة، بل لربما كانت تعني النقيض (تشجيع الرقابة والحجب وطمس آراء من يختلفون بالفكر…).
وبمعنى أبسط: النخبويونُ يرون أنهم يُولدونَ في أعلى “الدرج” وأن صيرورتهم هي البقاء هُناك، في حين يجب أن يبقى الجميع عداهم في أسفل “الدرج”، من دون أدنى احتمال للصعود أو النزول أو التوقف لبرهة لالتقاط الأنفاس. ومن باب العدالة، يجب أن يكون للجميع فرصةَ عادلةً في الصعود إلى أعلى الدرج، وعلى الشيء المُسمى بـ الدولة توفيرُ الحماية (للجميع)، من مخاطر النزول إلى أسفل الدرج أو البقاء تحت.
[video_player link=””][/video_player]