fbpx

تلويحة مصرية لانتفاضة لبنان: لا تتركوا الشارع!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ربما يرجع اهتمام المصريين بالانتفاضة اللبنانية إلى إعلان بعض المتظاهرين دعمهم الحراك المكلوم في مصر، في لافتات واضحة تعلن معاداة عبد الفتاح السيسي ونظامه.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أسرّت ثورة لبنان الأنظار في مصر، فما بين مؤيد ومعارض، باتت للحراك في لبنان الأولوية في المتابعة التلفزيونية في نشرات الأخبار والبث المباشر من ساحات الاعتصام، أو من خلال التدوينات والتعليقات التي توثق الحدث عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

ربما يرجع هذا الاهتمام لأسباب منها؛ أن بعض المتظاهرين اللبنانيين أعلنوا دعمهم الحراك المكلوم في مصر، في لافتات واضحة تعلن معاداة عبد الفتاح السيسي ونظامه، بعبارات هجائية، منها لافتة انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي لشاب لبناني يرفع لافتة كتب عليها “كسمك من بيروت يا بلحة يا عكروت”. ثم تحولت العبارة إلى هتاف عالٍ يردده عشرات المتظاهرين من قلب بيروت. وكأن حراك لبنان في وجه من وجوهه عابر للحدود ومشتبك مع أي حراك عربي يسعى إلى تغيير الصورة القاتمة في بلاده.

هناك سبب آخر للتعلق بحراك لبنان، وهو أنه استطاع أن يدغدغ مشاعر ثوار “ثورة 25 يناير”، فالحراك ذكّر بمشاهد شبيهة عاصرها ثوار كانون الثاني/ يناير عام 2011.

الهتافات تكاد تكون مشتركة، والإصرار على “سلمية سلمية”، والتشديد على مطلب رحيل رؤوس السلطة التي لا تستجيب، يذكرنا بغباء حسني مبارك على رغم هتافات “ارحل يعني امشي ياللي مبتفهمشي”. يتردد صداها من الماضي ونحن نشاهد صورة لفتاة لبنانية تجلس على كرسيها المتحرك حاملة لافتة “أنا رح قوم من ع الكرسي وإنتو بعد ما قمتوا”.

أثناء ثورة يناير اتهم ثوار مصر بالتمويل وكان الاتهام وقتها بتلقي المتظاهرين في ميدان التحرير وجبات “كنتاكي” من السفارات، وفي لبنان يلاحقهم الاتهام المضحك ذاته، بالتمويل من السفارات، مروراً بالاتهامات بإقامة علاقات جنسية أثناء الاعتصامات. حتى أن وزير الخارجية جبران باسيل وصف المتظاهرين بالطابور الخامس مع التحذير من الفوضى والجوع. كلها أمور تذكر بمرحلة مهمة عاشها ثوار مصر. كل ذلك يكفي لبناء صلات روحية ثورية مشتركة بين حراك لبنان الآني ومتظاهري الأمس في مصر.

استرعى حراك لبنان أنظار آخرين من المصريين، ممن فوجئوا بالمشاركة الواسعة لنساء لبنان الجميلات في التظاهرات. لم يرَ المصريون من قبل فتيات عربيات بهذا القدر من الجمال يقفن أمام الأمن بكل جسارة، بل ويركلن الشبيحة في بطونهم، ربما كان يظن المصريون أن اللبنانيات أقل خشونة من المصريات، بحكم أن المفرمة في مصر جعلت المصريات “عضمهن قوي”، لكن اللبنانيات بكامل اعتنائهن بمظهرهن جذبن الأنظار بمعادلة المرأة وافرة الجمال، خفيفة الروح، ووافرة الثورية. لذلك جاءت المقارنات واسعة بين المرأة المصرية والمرأة اللبنانية، وانحاز كثيرون لمثال المرأة اللبنانية المتكامل.

على المستوى الرسمي لم ينحز الإعلام الرسمي للحراك اللبناني، ولم يحاربه إعلامياً أيضاً، فالإعلام اليوم في موقف الحياد، ربما لأن النظام اللبناني ليس له تاريخ عدائي تجاه النظام المصري، فموقف مصر مما يحدث في لبنان سيرتبط بموقف مصر من سوريا، ومصر مؤيدة لنظام بشار الأسد الذي يدعمه “حزب الله”، وبالتالي حين سيأخذ الإعلام المصري موقف الانحياز، سينحاز للنظام اللبناني ولـ”حزب الله” ضد الحراك الحالي.

على المستوى الفردي حاولنا رصد ردود الأفعال تجاه الحراك في لبنان، فالناشطة النسوية المصرية ملك الكاشف تتابع الحراك عن كثب، وقالت في تصريحات لـ”درج”: “استقبلت التظاهرات بصدمة تكاد تكون من أجمل الصدمات في عمري، بخاصة أن التظاهرات تعكس تقبل الآخر بشكل لافت، وزاد دعمي حين رأيت اندماج الحركة النسوية والحركة الكويرية في الحراك، كل الطوائف مع الشعب في انتفاضة شعبية تُعدّ في نظري من أعظم الثورات في العالم”.

على المستوى الرسمي لم ينحز الإعلام الرسمي للحراك اللبناني، ولم يحاربه إعلامياً أيضاً، فالإعلام اليوم في موقف الحياد، ربما لأن النظام اللبناني ليس له تاريخ عدائي تجاه النظام المصري

وأضافت الكاشف: “أنا متأكدة من أن حراكاً قائماً على المساواة وتقبل الآخر أذكى من أن يتنازل عن مطالبه، أو يترك الشارع قبل أن يحققها. الحراك جعلني أتمنى أن أرى يوماً حراكاً في مصر مهمته الأساسية هي الدفاع عن حقوق المواطنين والمطالبة بالمساواة، على رغم أنني متأكدة من أن هذا لن يحدث في مصر في وقت قريب، لأننا لم ننته من ثورتنا الفكرية بعد”.

وتشير إلى أن نسويات لبنان كُنَّ من أكثر الفئات التي دعمت قضيتها وساندنها أثناء اعتقالها في مصر “همّا بيعتبروا نضالنا واحد، ولن أنسى أنهن رفعن صورتي في تظاهرة في لبنان حينما كنت في السجن، همّا شجاعات وسيصلن بالتأكيد إلى وطن يشبههن قريباً جداً”.

رغبت ملك في إهداء كامل دعمها لكل مناضلي لبنان وخصوصاً صديقتها سينتيا عدنان سليمان، لأنها بدأت حملة لمساعدة أهالي منطقتها بعد تضررها وقت الحرائق، وجمعت مساعدات مالية وغذاء، وعرضت بيتها لاستقبال المتضررين.

الكاتبة أريج جمال قالت لـ”درج”: “استقبلت الحراك بفرح شديد، على رغم خوفي الوحيد من أن يحدث صدامات أو أن يتسبب الاحتجاج في موت الناس، لكن للأسف مخاوفنا دائماً قائمة على الخبرات السلبية التي عايشناها”.

الشتائم في الهتافات استرعت انتباه أريج، ورأت أن الشتائم طريقة صادقة للتعبير عن النفس “دي لحظة ثورية مش مفترض الناس تختار الألفاظ في لحظة ثورية لأن الشتائم معناها أنهم يقفوا ضد أي سلطة تظن أنها سلطة لانهائية حتى سلطة التأدب”

تتواصل أريج مع أصدقائها يومياً، وتقرأ منشوراتهم على فيسبوك “أتمنى أن تتحقق مطالبهم بشكل محترم من دون تنكيل أو ممارسة عنف من جانب السلطة”.

ترى أريج أن حراك لبنان وضعها أما مفارقة لأن روايتها “أنا أروى يا مريم” صدرت في شهر مارس الماضي في بيروت، وهي رواية بها مشاهد الثورة ومشاهد الحب، وعلاقة حب بين فتاتين “حسيت دلوقت أن الرواية بشكل مجازي في مكانها بالظبط دا محفز جدا وانتصار على الوضع الحالي”.

تقول أريج: “الحراك في لبنان يقدم مستوى من اللغة الثورية مختلف، فالمتظاهرون في لبنان حوّلوا الثورة إلى فعل ممتع، فلديهم رغبة في الاستمتاع بالثورة، دا اللي جذب انتباه المصريين لأن الثورة في مصر ارتبطت بالقمع والقتل منذ اليوم الأول”.

نيرمين نزار مترجمة لبنانية تعيش في مصر، خرجت من لبنان عام 1982 أثناء الحرب الأهلية وقت الاجتياح الإسرائيلي، شاركت في الثورة المصرية، وتتابع اليوم الحراك في لبنان، تقول لـ”درج”: “أنا أعيش في مصر منذ سنين طويلة ولم أفكر في العودة للبنان سوى في العامين الماضيين. لن استطيع أن أصف ما فعلته تظاهرات لبنان بمشاعري، لكن يمكنني أن أقول إنها مشاعر منعشة جداً -كنت بتنطط من الفرحة- لأني بشكل شخصي عانيت من الطائفية بسبب أن عائلتي لبنانيين فلسطينيين، كنا محاصرين بالعنصرية والإهانات، ولو كان السوريين عانوا في الفترة الأخيرة من العنصرية في لبنان، فنحن عشنا هذه العنصرية على مدار عمرنا كله، إلى جانب أننا مُنعنا من 75 وظيفة”.

وتضيف نزار: “الناس طوال الوقت كانت تنظر لنا كأننا متهمين ودُخلاء، ومجرد أن لهجتي جنوبية متأثرة بلهجة جدتي الفلسطينية، كانت تُوجّه إليّ نظرات مزعجة، إلى جانب أن ذكرياتي عن الحرب مُحيت بفعل الصدمة، فأنا أعلم أن ما رأيته في الحرب بشع لدرجة أن تُمحى ذاكرتي”.

تقول: “أعيش لأرى حراكاً في لبنان يتحدث بشكل أساسي ضد الطائفية، فهذا في حد ذاته جعلني أشعر بالأمان لأول مرة بعد سنوات طويلة، أخيراً يمكن أن يقبلني مجتمعي، طبعاً أنا لست حالمة وأعلم أن كل الأحزاب والطوائف لن تنتهي بين ليلة وضحاها لكن المذهل بالنسبة إلي أن كل هؤلاء كانوا ضد الطائفية وساكتين”.

وتتابع نزار: “السيدات في لبنان ضحية الطائفية بشكل كبير جداً. فكرة قانون الأحوال الشخصية التابع لكل طائفة، يُعزز سلطة رجال الدين وتحكّمهم في مسألة زواج المرأة وطلاقها، إلى جانب الاغتصاب الزوجي غير المُجرم في لبنان، وانتشار العنف المنزلي الذي يفلت الرجل من عقابه تحت رعاية زعماء الطوائف ورجال الدين. والأم الشيعية في لبنان يؤخذ منها ابنها في عمر العامين – دي مش بس حاجة مرعبة دي حاجة فوق الخيال، ليه يبقى في دولة حديثة تُحكم بنصوص دينية”.

الناشط عصام الدين حسين قال لـ”درج” أنه استقبل الحراك بشغف، بخاصة أنه يتابع الوضع في لبنان منذ سنوات طويلة “كنت أرى مع بداية الربيع محاولات لتكوين جبهة عابرة للطائفية في لبنان، وعلى رغم أن ذلك حدث بشكل خجول، لكن تمت السيطرة عليه وتفريغه من محتواه سريعاً بدون عناء، كانت بدايات الربيع العربي الأولى حافزاً له، قبل أن يسيطر وحش التطرف الديني ليفسد معظم الثورات ويحرفها عن مسارها مثل ما حدث في سوريا على سبيل المثال”.

يتابع حسين كلامه “عام 2015 تحركت الجموع اللبنانية احتجاجاً على النفايات المنتشرة في كل مكان في بيروت، وبقية المناطق. كان الحراك الذي سمّاه اللبنانيون “طلعت ريحتكم” نموذجاً مصغراً لما هو الآن، وفي ذلك الوقت شارك في الاحتجاجات عدد كبير من الشخصيات العامة والمثقفة والفنانين، وضغط المحتجون على الحكومة، وأجبروها على التحرك، وإن كانت استطاعت فض الحراك بعد فترة من المناورات الطائفية، وقليل من العنف. لذلك لم أستغرب أن يتم البناء على هذا الحراك، ولو أنني لم أتوقع حراكاً بهذا الشكل. كانت سعادتي كبيرة، خصوصاً أن الحراك في لبنان جاء بالتزامن مع حراك مماثل ورافض للطائفية أيضاً في العراق”.

ويرى عصام أنه “قد تحدث محاولات لتحويل الحراك عن مساره، لكن ذلك أصعب هذه المرة، نظراً لاتساع الجبهة الرافضة للطائفية. في كل مرة كان يوجد عوامل تساعد على سرقة الحراك أو إفراغه من محتواه، أما الجديد في حراك اليوم، هو أنه بداية تفكك تكتل الشيعة وراء حسن نصر الله تحديداً، والإصرار على الخروج ضده في معاقل مهمة، مثل النبطية والبقاع. فضلاً عن اتساع رفض الطائفية في صفوف المسيحيين والسنّة أيضاً”.

ويشير حسين إلى أنه “لا بدَّ أن يتشكل تنظيم سياسي معبر عن الحراك الحالي، بدل تشكيل تنظيم سياسي فحسب، بل تدشين برنامج تفصيلي لنظام حكم جديد، وعادل، يخرج لبنان من نظام طائفي الى نظام علماني، وتحديداً في ما يتعلق بقوانين الأحوال الشخصية المدنية. إضافة إلى قطع الطريق أمام محاولة التلاعب بين الطوائف من قبل الحكومة الطائفية، كمحاولة لتفشيل الحراك، وهذا لن يتم حصاره إلا ببرنامج عملي واقتراحات واقعية ومحددة عن كيفية تجاوز المحاصصة الطائفية من دون المس بحق أي إنسان صاحب كفاءة بالوصول إلى المناصب”.

daraj.media/مهمة-حماية-الانتفاضة-اللبنانية-من-الح/