fbpx

انتفاضة لبنان: الثورة كعيادة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هل سنترك هذه المشاعر ملقاة في الشوارع كما يفعل المرء عندما يأتي الخريف مؤذناً بنهاية المغامرات الرومانسية في آخر ليالي الصيف؟ أم هل يتغير عالمنا الداخلي إلى الأبد. ستُلاحقنا هذه الأسئلة الصعبة

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كان ما بعد ظهيرة يوم الثلاثاء 29 أكتوبر/ تشرين الأول تجلياً بالنسبة إلي. فبينما كنت أشاهد الاعتداءات على المتظاهرين على الطريق الدائري وأستمع إلى خبر استقالة الحريري الوشيكة، شعرت بأن موجة من العواطف القوية ترهبني. انتابتني مشاعر غضب ويأس واشمئزاز، إنما مشاعر ارتياح أيضاً خلال الساعات الثلاث التالية. بيد أن الشعور الوحيد الذي لم يغمرني كان فرحي بالاستقالة التي طالبت بها منذ البداية.

قبل تلك اللحظة، كنت منفصلاً شعورياً عن الأحداث التي تتوالى بعد الإعلان عن ضريبة “الواتس آب”. راقبت المشهد من بعيدٍ بينما انغمس (وقد اخترت ذاك اللفظ بدقة) الآخرون وأشخاص مقربون مني في تحرك جماهيري واسع رافض كل شيء وكل شخص. وتجاوزت عبارة “كِلن يعني كِلُن” الطبقة السياسية لتشمل أشخاصاً عاديين، مثل صاحب متجر بضاعته غالية أو عامل موقف سيارات مزعج أو مدرس عنيف أو جيران كثيري الضجيج، أو أيّ رمزٍ للسلطة.  

كثيرون نشروا من دون إدراك دعوات الانعتاق الاجتماعي والشخصي التي ازدهرت بين اللبنانيين على منصات التواصل الاجتماعي، فقد بدا الجميع مستمتعين بها. كانت نسمات الحرية والاحتمالات تتدفق عبر هواء بيروت، والتي تمتد جذورها بعمقٍ إلى انتفاضة  أيار/ مايو من 1968 في أوروبا.

أقل ما يمكن قوله عن انعزالي هو أنه لم يكن مريحاً. فقد هدأت مجموعات “واتس آب” وتوقفت الرسائل عن الوصول، وانقطع التواصل مع الأصدقاء، وأصبحت المناقشات العائلية متوترة. كان هذا هو وقت الانفعالات الشديدة وإن لم تكن درجة الانفعال واحدة. سيصبح أيّ حوار مجرد كلام لا لزوم له، أو تشتيت للانتباه أو ربما خيانة. في أوقات الاضطرابات، يطغى الصوت الأعلى على بقية الأصوات، وأصحاب الاصوت الأعلى كانوا كثيرين. فعلى مدار 13 يوماً، لم يكن في مقدورك نشر صورٍ لحيوانك الأليف أو النقاش حول الأنظمة النباتية أو التخطيط لعطلة. كان التاريخ يُصنع، ولهذا كان يتم تجاهلك. 

أعتقد أن كثيرين شعروا بأن ما يحصل غير مألوف. الانقسامات والخلافات شهدت اختبارات جديدة، أقرب إلى قلوبنا. قوى 8 آذار وقوى 14 آذار كانت محصنة للغاية في السنوات السابقة، وصارت جزءاً من مصالح جماعاتها، وبدت وكأنها عوالم متوازية لا تتصادم إلا عرضياً ويتبادل أطرافها الاتهامات والإهانات على نحو مدروس بدقة. 

لكن “الحراك” زعزع كل هذا، وجمع الكثير من اللبنانيين من مختلف الشرائح الاجتماعية والدينية والمناطقية. هذه الوحدة نفسها هي التي جعلت التوافق ممكناً حول السياسة والقيم وأسلوب الحياة ومع هذا نختلف حول الأحداث الدائرة في الشارع. والآن، وقد ساد هدوء حذر بعد العاصفة، مع احتمال اندلاع عدة جولات أخرى، تحوَّل المزاج العام نحو تقييم التجربة.

ستندثر الثورة ولن يتذكر الناس منها إلا الشعارات الجذابة والرسومات الملونة على الجدران. مجرد التفكير في هذا المصير المظلم يصيبني بحالة من القلق. ليس ذلك النوع من القلق الذي يجب علاجه في عيادات الأطباء النفسيين، بل ذلك القلق الذي يُبشر بظهور بديل مجدي لمن فشلوا في إداء واجبهم في خدمة هذا الوطن.

لا تدع “الثورة” مجالاً للغموض أو احتمالاً للالتباس. أما أولئك الذين تكتنفهم الحيرة، ويصيبهم القلق والحذر، فلا مكان لهم فيها حتى ولو كانوا راغبين في المشاركة في الحراك الثوري. فقد ساهمت التظاهرات في  الشوارع والحواجز التي أقيمت على الطرق، في تعزيز بعض العلاقات بين أبناء الشعب اللبناني، وفي الوقت نفسه، هدمت تماماً علاقات أخرى من أساسها.

هل سنترك هذه المشاعر ملقاة في الشوارع كما يفعل المرء عندما يأتي الخريف مؤذناً بنهاية المغامرات الرومانسية في آخر ليالي الصيف؟ أم هل يتغير عالمنا الداخلي إلى الأبد. ستُلاحقنا هذه الأسئلة الصعبة، عند عودتنا إلى نمط الحياة المُعتاد في أروقة العمل أو داخل الحرم الجامعي. لا تزال الجروح حية، ولا تزال مشاهد العنف تصيبنا بالقشعريرة، سواء تلك التي مررنا بها شخصياً أو شاهدناها من منازلنا.

أظهرت تلك الثورة وجهين متناقضين لمدينة واحدة، فمن بين أزقة الخندق الغميق حيث تبرز مظاهر الفقر والبساطة، جاء هؤلاء الشباب الذين اتُهموا بممارسة البلطجة وافتعال الشغب. وفي المقابل، قدم الشباب من مشروع “بيروت ديجتال ديستريكت”، الذي يعتبر واحداً من المنارات الإبداعية في قلب العاصمة، لما فيه من عقول شابة مبدعة. تحول الفريقان بين ليلة وضحاها إلى نشطاء ثوريين، يحدوهم الأمل في التغيير، وواجهوا بعضهم بعضاً على جسر وسط المدينة. الفريقان ينتميان إلى منطقة واحدة تمكن رؤيتها على خرائط “غوغل”، لكنهما يُمثلان عالمين مختلفين كل الاختلاف. في الذاكرة والتجربة المميزة التي تُعبر عن أهم الأحداث التي شهدها لبنان طيلة عقد من الزمن.

في ذلك الوقت، بينما نحن في أمس الحاجة إلى ذاكرة وهوية مشتركة، لا بد من تجنب مثل هذا الشقاق، من دون المساواة بين المعتدي والضحية. ففي أوقات الاضطرابات، يستجيب كل فرد على نحو مختلف استناداً إلى خبرته العملية وسماته النفسية.

يمكن أن نتوقع من الأجيال الأكبر سناً التي تمكنت من النجاة من الحرب الأهلية، أن تقع فريسة للتعميم، مُستعينة بتجاربها السابقة للحكم على الواقع، ما يدفعها للتعامل معه بشيء من الريبة التي طال أمدها، من دون أن يعانوا عواقب نفسية جديدة. فقد تم تشكيلهم للتكيف مع جميع الأحوال، سواء آلت الأمور إلى الأفضل أو الأسوأ، على إيقاعات اتفاقات وقف إطلاق النار، والوعود المنكوثة.

ومع ذلك، يُمكن أن تحيا الصدمات القديمة من جديد، إذ إن مشهد الطريق الدائري الخالي يُمكن أن يكون رسالة التذكير المُثلى بالسنوات البغيضة التي عانت فيها بيروت من الانقسامات. فضلاً عن أن ارتفاع سعر تحويل الدولار المُخيف يذكرنا بأننا لا نزال تحت رحمة عمليات المضاربة المالية نفسها. ويمكن أن يغرس هذا الإحساس بالتعود، نوعاً من التراخي والخمول من خلال “العجز المتولد عن قلة الحيلة”، وهو حالة ذهنية للانهزامية التي سبق أن تمت برمجتها في العقول.

ومن جهة أخرى، يحتاج هؤلاء الشباب الذين شكلوا نواة هذه الحركة، والذين يطلقون عليهم لقب “جيل الألفية” على سبيل التحقير والازدراء، إلى انتصار سريع وقوي لا رجعة فيه. فهم لا يستطيعون تحمل الخداع أو الإحباطات، بينما يخاطرون بفقدان حماسهم الذي لا تكبله القيود. وما لم يشجع كلا الجيلين ثورة أكتوبر/تشرين الأول 2019، ستندثر الثورة ولن يتذكر الناس منها إلا الشعارات الجذابة والرسومات الملونة على الجدران. مجرد التفكير في هذا المصير المظلم يصيبني بحالة من القلق. ليس ذلك النوع من القلق الذي يجب علاجه في عيادات الأطباء النفسيين، بل ذلك القلق الذي يُبشر بظهور بديل مجدي لمن فشلوا في إداء واجبهم في خدمة هذا الوطن.

حول الجامعة اللبنانية والانتفاضة

 

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.