fbpx

وداعاً للشجار حول الأعمال المنزليّة: كيف يحقق الزوجان التوازن؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“من سيَغسل الصحون؟”

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تصل تحدّيات تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصيّة، الذي يبدو مستحيلاً، إلى مستوى مختلف كلّيّاً عندما تحاول تحقيق ذاك التوازن لشخصين معاً. نعلم جميعاً أنَّ معظم الأزواج يعملون ولديهم حياتهم المهنيّة الخاصة، بصرف النظر عن تركيبة زواجهم الجنسانيّة. لكن كثيرين منا يكافحون من أجل الإيفاء بمتطلبات علاقاتهم وإنجاز أهدافهم المهنيّة في الوقت نفسه. وقد تكون هذه الأهداف هي العمل لساعات طويلة للغاية أو التنقل عبر البلاد أو تحقيق الأمرين معاً. بيد أنَّ معظم الكتب التي تدور حول هذا الموضوع، تتناول تحدِّيات الموازنة بين متطلبات المنزل والعمل باعتبارها مسألة أُسَريّة بين الشريكين إلى حدٍ كبير، وتتصل أكثر بالأمومة.

أرادت الباحثة والمؤلفة -وأيضاً الزوجة والأم- جينيفر بيتريليري أنْ تسلك نهجاً مختلفاً. استناداً إلى ما تعلمته من مقابلاتها مع أكثر من مئة زوجٍ على مدار 6 سنوات، وجمَّعت بيتريليري أفكارها في كتابها الجديد الممتع سهل القراءة “الأزواج العاملون: كيف ينجح الزوجان العاملان في الحب والعمل” (Couples That Work: How Dual Career Couples Can Thrive in Love and Work). حددت بيتريليري في الكتاب ثلاث فترات انتقاليّة أو تحوّلات في الحياة يواجه خلالها الأزواجُ العاملون أصعبَ القرارات، والاستراتيجيّات المدهشة التي كثيراً ما يتقاسمها الأزواج الأكثر نجاحاً.

أجرت مجلة “صالون” حواراً مع بيتريليري مؤخراً حول السر وراء عدم رغبتها في تأليف كتابٍ آخر يتناول توزيع المهمات، مثل “من سيَغسل الصحون؟” ولماذا لا يُعد التعامل مع العلاقة العاطفيّة باعتبارها استثماراً أمراً غير رومانسيّ.

جاء هذا الكتاب من وحي التجارب الشخصيّة للقارئ. ومن الواضح أنَّه ليس مذكرات. لكنه بالطبع يستند إلى أبحاثٍ دقيقة. فإذا أخذنا الولايات المتحدة، سنجد أنَّه في أكثر من 70 في المئة من العلاقات يكون الشريكان عاملان. ولدَيَّ شخصيّاً تجربة غنيّة -أحياناً جيّدة وأحياناً سيئة- حول الخوض في علاقة يعمل الزوجان فيها.

عندما خطرت ببالي فكرة الكتاب لأول مرة، كانت هناك أمور عدة تشغلنا بالفعل. فقد كان أطفالنا صغاراً للغاية آنذاك. وكنا نتناقش في تغيير مسارنا المهنيّ، لذا كانت تلك المسائل تؤرقنا. وبصفتي باحثة أكاديميّة، لطالما أجريت أبحاثاً عن المسارات المهنيّة وتغيير المسار المهنيّ وانتقال القيادة. وكنت أُجري مقابلات مع عدد كبير من الأشخاص وكان كثيرون منهم يقولون، “إذا أردتِ فهم وظيفتي فهماً جيداً، فينبغي عليكِ التحدث مع شريك حياتي”.

سمعت ذلك كثيراً، وكنت أشاركهم الرأي ذاته. وسألت: هل سبق أن كتب أحد عن هذا الأمر؟ ومثلما قد تفعل أيّ باحثة أكاديميّة جيّدة، هرولت إلى المكتبة وتفاجأت أنَّه لم يسبق أنْ أقدَمَ أحدٌ بالفعل على تناول موضوع التقاطع بين المسارات المهنيّة. كانت هناك كتب كثيرة حول “تحقيق التوازن بين الحياة العمليّة والشخصيّة” و”مَن سيتولّى غسل الصحون؟”، لكنّني لن أجد إجابة عن تساؤلاتي في تلك الكُتب. ففي جميع الأبحاث التي أُجريت حول المسارات المهنيّة، كنا نتناول وظائف الأفراد كما لو كانوا بلا التزامات ويعيشون بمفردهم. لذا قلت، “حسناً، إذا لم يؤلف شخصاً كتاباً حول هذا الأمر، فسأؤلفه بنفسي”.

لا يتناول كتابك الديناميّات الجنسانيّة الذكوريّة والأنثويّة (أو الأدوار الاجتماعيّة المحددة لكل نوع) فحسب. بل يتناول العلاقات ككل، كما لم تقتصر أمثلتك التوضيحيّة على العلاقات التي تجمع أفراداً من جنس مغاير فقط. وأيضاً يبحث في نقاط تفوق مسألة “مَن سيَغسل الصحون؟” كما سبق أنْ أوضحتِ. 

يدور هذا الكتاب حول كلمة تتكرر كثيراً، ألا وهي “الحلم”. ومن الذين ينبغي عليهم تحقيق حلمهم في المراحل المختلفة.

وبالطبع فإنَّ الجانبَ الخفيَّ في الموضوع هو القوة. وأين تكمن القوة بين الزوجين؟ مفهومي عن القوة هو: مَن لديه القوة لتحقيق هذا الحلم؟ من الضروريّ أنْ نفهم الحلم بشكلٍ شامل. فهو ليس مجرد طموح أو حلم مهنيّ فحسب، بل هو أيضاً حلم حياة بأكملها. إذاً هل لدَيَّ وقت يكفي لرسم حياتي كما أريد؟ يتوقف جزء من الإجابة عن هذا السؤال على الحياة المهنيّة لكلا الزوجين والجزء الآخر يتعلق بطبيعة العلاقة بينهما والواقع الذي نحيا فيه.

في الحقيقة، الكثير من الديناميات النفسيّة لدى الأزواج تُعزى إلى هذه التساؤلات: فمن المسموح لهما السعي لتحقيق أحلامهما، وما إذا كانا يساندان بعضهما البعض بالتساوي في ملاحقة حلم كل منهما وتحقيقه؟ ولا يعني هذا بالضرورة أنْ تكون أحلامهم واحدة. بل يعني أنْ يحظى كلاهما على فرصة عادلة ملاحقة حلمه. وأعتقد أنْ هذه نقطة جوهريّة في موضوع الأزواج العاملين.

ذكرتِ من بداية الكتاب حقيقة أنَّ الحلم ليس شرطاً أنْ يكون اقتصاديّاً أو مادّيّاً فقط. وإذا كانت المادة هي ما تشكل فكرتك وتحركها حول ماهيّة هذا “الحلم” بالكامل، فسوف تواجه مشكلة. لأننا نعلم من أعماقنا -إذا نظرنا للأمر من منظورٍ أكثرَ عاطفيّة- أنَّ هذا ليس دافعنا الوحيد.

 

إذا ما تأملنا في حياة هؤلاء الأزواج العاملون من الأجيال الأصغر سناً، سنجد أنَّهم تخرجوا من الجامعة محملين بالديون الطلابيّة. لذا فإنَّ المال مهم لا شك. تكمن المشكلة في أنَّه قد يطغى على بقية الأهداف. الأمر الآخر الذي اكتشفته هو أنَّ المال يُمكن أنْ يكون ذريعة وأداة ضغط في لعبة القوة. كأنْ يقول أحد الزوجين، “حسناً، أنا أجني مالاً أكثر منك”.

في كثيرٍ من الأحيان يختلف الأزواج بسبب هذا الأمر. سواء كان ذلك لأنَّهم يبالغون في تقدير أهمّيّة المال، أو لأنَّه يمكن أنْ يكون فعلاً لممارسة أحد الشريكين القوة وذلك لإعطاء حياته المهنيّة وأحلامه الأولويّة بصورة جوهريّة على حساب الشريك الآخر.

أحبّ بعضَ الأمثلة المستخدمة، مثل الزوج الذي انهار تماماً لأنَّه أدرك أنَّه “لن نعيش حيث أريد أنْ أعيش. أين بيتي؟” ليس الحلم عنده هو المال، وإنّما البيت. بالنسبة إلى زوجٍ آخر، يكمن الحلم في خفض النفقات وتغيير الوظيفة وقضاء وقت أطول مع الأسرة.

دائماً أفكّر “ماذا يعني المال بالنسبة إلى شريكك؟ ما هي قيمته؟” إذ إنَّ قيمةَ الأشياء ليست في المال أبداً، والمال أصلاً هو وسيلةٌ لتداولِ شيءٍ آخر. يختلف الجواب من زوجَين إلى غيرهما. هل المال قوّة؟ هل هو حرّيّة؟ أم هو طريقة لاقتناء خيارات مستقبليّة؟ حين ننظر إلى المال كقيمة اسميّة، بصفته عملةً في الحساب المصرفي، فلن نُفيد من هذا شيئاً.

لنتحدَّث قليلاً عن التحوّلاتِ التي نمُرّ بها في مراحلَ مختلفة من حيَوَاتِنا، وعن سببِ كونِها مراحلَ حرجة.

فترات التحدّي الأساسيّة تقوم حول نقاط التحوّل. وقد وجدتُ أنَّه إذا استطاع الشريكان اجتيازَ تلك التحوّلات جيّداً، ستكون لديهم فترةٌ من الاستقرار النسبيّ.

تحدث التحوّلات الأولى غالباً في السنوات الخمس الأولى تقريباً من العلاقة، وسواء كانت بداية تلك العلاقة في سنّ الثامنة عشرة أو في سن الثامنة والثلاثين أو في سنّ الثامنة والستّين. وتلك السنوات هي فترة الاندماج الفعليّ بين الشريكين؛ لأنَّها تشمل أوّلَ حدثٍ أو تحدٍّ حياتيٍّ كبير يواجهه الإنسان ويمثّل له خِياراً صعباً. ربّما حصلَ أحدُ زوجَين شابين على وظيفةٍ في مكانٍ بعيدٍ من البلاد، فهل يتبعه الطرفُ الآخر أم ينفصِلان؟ وقد يكون وقت وصول الطفل الأوّل. وربّما كانا زوجَين قد ارتبطا في وقتٍ متأخّر من العمر، فكيف تمتزج الأسَر من العلاقات السابقة معاً؟

تلك الأسئلة كلها تضع حدّاً للحياة الموازِية. حتّى لو اعتقدنا أنَّنا على أتمّ الالتزام بالعلاقة، فإنَّ الواقع يقول إنَّ أيَّ زوجَين سيظلّان يميلان إلى العيش في تلك المسارات المُوازية. فلدَى أحدهما مسيرَته المهنيّة التي يشيّدها، ولديه أصدقاؤه، ويُمكنه أنْ يعتبر تلك الأمور أولويّة على هذه العلاقة الرائعة، ويجد ذلك أمراً عظيماً، لكنّ هذا لا يدوم أبداً. دائماً ما يحدث أمرٌ ما يجعل الأزواج حقّاً مضطرين إلى التفكير في سؤال “كيف سننجح في تلك الحياة معاً؟ وكيف يمكننا أنْ نجدَ سبل التوفيق بين مَسيرتَينا المهنيّتَين في علاقتنا معاً؟”.

هنا يظهر الفخّ الماليّ عند النظر في التطبيقات العمليّة. نميل بطبيعتِنا إلى التفكير في كيفيّة توفير المال ورعاية الأطفال والمكان الذي نعيش فيه، وهذا النمط من الأسئلة. التحوّلات الأولى تدور حول شيءٍ أعمق بكثير من الناحية النفسيّة؛ ألا وهي مسألة الأحلام: كيف سنطيل أمدَ حياتنا بطريقةٍ يمكن لكِلَينا فيها محاولة تحقيق أحلامه؟ ما وجدته هو أنَّ أيَّ زوجَين يحاولان ويعملان على هذا المستوى من التساؤلات عادة ما يصلون إلى حلول جيّدة.

الزوجان اللذان يعملان على ذلك المستوى العمليّ هما زوجان بينهما اختلال في توازن القوى. فلسببٍ أو لآخر، “يحصل الزوج على راتب أعلى، ولذا يتبع الطرفان أحلامَه هو” أو “من المنطقيّ أنْ نبقى هنا، فالأولويّة لِمسيرتها المهنيّة”. ليس الأمر منحصراً في واقع أنَّ المسيرة المهنيّة لأحدهما تحظى بالأولويّة بحدِّ ذاتِه، وإنّما يشمل في الأساس العمليّة التي يصل بها الزوجان إلى هذا القرار. ربّما أخذا القرار من خلال منعطفاتٍ وتقلّبات، أو من خلال تراجُعات وتنازُلات ثنائيّة. إذا ما فكّرا في هذا المستوى بشكلٍ حقيقيّ، فإنَّهما سيَجتازان أولى نقاط التحوّل جيّداً.

ثانيةُ التحوّلات مختلفة، وذلك لارتباطها بالمرحلة المهنيّة. سنواتُ العشرينات والثلاثينات من عمرك هي فعلاً سنواتُ السعي والاجتهاد، ففيها نسعى جاهدين في بناء أنفسنا وترسيخ أقدامنا وصعود السلّم الوظيفيّ، ونحاول بناء علاقة وأسرة أيضاً. صدقاً، في تلك النقطة دائماً ما يكون المسارُ الذي نسلكه شيئاً من مزيج ممّا نريده حقّاً ومن التوقّعات الاجتماعيّة. ما يحدث في منتصف المسار المهنيّ، الذي عادةً ما يكون في منتصف الأربعينات، هو أنَّ جميعنا تقريباً نتراجع خطوة إلى الوراء ونفكّر “هل هذا حقّاً طريقي؟ هل هذا حقّاً هو الاتّجاه الذي أرغب في اتّخاذه؟”.

بالنسبة إلى معظم الناس، يعدّ هذا تساؤلاً عميقاً وفرصة حقيقيّة لإعادة توجيه المسيرة المهنيّة وتحديد بعض الخيارات، لأنَّه ما زال لديّ الكثير لأحقّقه في مهنتي، ولكن لم يعد لديَّ وقت كثير. لذا لو أردت إحداثَ تغييرٍ ما، فسيكون هذا هو الوقت المناسب. غير أنَّ هذا يكون مدعاةً للقلق الشديد في حالة الزواج. حين يجد الإنسان شريكه في الحياة في حالةِ صراع مع أسئلة وجوديّة من قَبيل “ماذا أريد حقّاً من هذه الحياة؟”، سيكون من السهل للغاية عليه أنْ يفسّر هذا على أنَّه مشكلة في صميم علاقتهما.

نلحظ هذا في إحصاءات الطلاق. هناك تقلّب في معدّلات الطلاق في منتصف تلك الفترة من الحياة. ما وجدته في نتائج الأبحاث هو أنَّ هناك حاجة إلى إحداث تغيير -في تلك الفترة- في الطريقة التي نفكّر بها في الحصول على الدعم من شركائنا. التحوّل الثاني يدور حقّاً حول “كيف يدعم كلٌّ منّا الآخر بشكلٍ مختلف؟” ومدارُ الأمر كلّه هنا حول هذا الدعم النفسيّ.

غالباً حين نفكّر في ما قد تبدو عليه العلاقة الجيّدة، نتصوَّر أنَّها قائمة على المحادثات الخفيفة التقليديّة أثناء تناول الشاي البريطانيّ الجيّد والتعاطف المتبادل، تلك التي سأسعى خلالها إلى دعم احترامك لذاتك، بل سأجعلك تشعر بالرضا عن نفسك. وإذا ما حدث خطبٌ ما، سأُوَاسِيكَ قائلاً “لا تقلق حيالَ ذلك، سيكون كلُّ شيءٍ على ما يرام”. كلُّ هذا رائعٌ جدّاً، ولكنه بالضبط ما لا نحتاج إليه في هذه المرحلة من حياتنا ومسيرتنا المهنيّة. لأنَّنا عندما تحيط بنا هذه الأسئلة الوجوديّة، فإنَّ أسوأ ما يمكننا القيام به هو البقاء في منطقة الراحة. ومن المهمّ للغاية، بل من الضروريّ، أنْ نغادرَ تلك المنطقة، ونستكشفَ ونجرِّبَ الخيارات المختلفة، لأنَّ ذلك هو السبيل الوحيد.

لقد استطاع الأزواجُ الذين أجادوا فعلَ ذلك -في هذه المرحلة- تغييرَ شكلِ علاقاتهم بنجاح إلى ما نسمِّيه في كلامنا الدراج “دفعة قويّة نابعة من الحب”. لا شكَّ أنَّ هذا الدعمَ المتواصل الذي يُقدِّمه لنا شريكُ حياتنا، يُمثّل المفهومَ الراسخ أنْ يكونَ لدينا قاعدةٌ آمنة يُمكن أنْ نتَّكِئَ عليها في مواجهة تحدِّيات الحياة؛ ولكن في الأساس نشعر بأنَّ لدَينا شخصاً يدفعنا إلى الأمام بطريقة عطوفة لكي نتمكَّن من الانطلاق من منطقة الراحة لاستكشاف منطقة جديدة لم نعهَدها من قبل. بمعنى أدقّ، قد يبدو الأمرُ تقريباً أننا نحثّهم على الابتعاد ونُطلِق لهم العنان. ولذا يُمكن القول إنَّ الأزواج الذين أمكنَهم دمجُ ذلك النوع من الدعم في علاقاتهم قد اجتازوا بنجاح المرحلةَ الانتقاليّة الثانية. والسبب وراء ذلك هو أنَّ كلّاً منهما أعطى الآخر الإذن بذلك.

أعتقد أنَّ كلمةَ “الإذن” هذه بالغةُ الأهميّة: فقد مَنَحَ كلٌّ منهما الآخرَ الإذنَ للسؤال بجدِّيّة حول الأساس الذي تقوم عليه حياتهما وعلاقتهما ومسيرتهما المهنيّة، إضافةً إلى إعادة التفكير في الأمور بطريقة إبداعيّة حقّاً. الأزواج الذين استطاعوا القيامَ بذلك في الواقع، استمتَعوا بمرحلةٍ من التجديد وإعادة استكشاف علاقتهما بطريقة لم يسبق لها مثيل؛ إذ إنَّ طرحَ مثل هذه التساؤلات يُعَد تحوّلاً جوهريّاً حقيقيّاً في حدِّ ذاته، مثل “إلى أين نحن ذاهبون؟ وما الذي نصبو إلى تحقيقه من سعينا هذا؟ وبالتالي، ما هو الشكل الذي يجب أنْ يكونَ عليه مستقبلُنا المهنيّ؟ وما هو الشكل الذي يجب أنْ تكون عليه علاقتنا؟ وكيف تبدو هذه الحياة؟”.

لقد تحدَّثت أيضاً عن ديناميّات القوة، والعوامل التي تكمُن ورائها، وأيٍّ منها يعمل حقّاً بشكل أفضل.

دائماً ما يسأم الأزواج العاملون من أنْ يقال لهم إنَّ “العلاقة ستنجح فقط إذا فعلت هذا الأمر على هذا النحو بالضبط”. ولكن في الواقع يُمكنك تحقيق أيِّ شيءٍ طالما تمَّ التفاوُض والاتّفاق عليه بشكلٍ صريحٍ للغاية. أعتقد أنَّ هذه الفروق الدقيقة مُهمّة فعلاً للأزواج العاملين، لأنَّ كلَّ الأشياء التي تُقال لك -مثل أنَّه يتعيَّن على كلِّ منكما المشاركة بالتساوي بالضبط وإلّا فإنَّ حياتكما معاً ستبوء بالفشل، أو أنَّ على أحدكما أنْ يختار أنْ يكونَ المُعِيل الرئيسيّ للأسرة- هي ببساطة ليست الواقع ولا تعبّر عن الحقيقة.

عندما تذهب إلى أيِّ متجر لبيع الكتب أو تنظر إلى غلاف أيِّ مجلّة، من المتوقَّع أنْ تجدَ أنَّ جميعَ الأزواج هم من ذَوي الميول الجنسيّة الطبيعيّة وأنَّ مُهمَّة نجاح هذه العلاقة تقع على عاتق المرأة.

هذه الأشياء توحي أساساً إلى المرأة بأنَّها “إذا كانت بالفعل ستحقّق أيَّ نجاح، فكلُّ ما عليها أنْ تقلقَ بشأنه هو الأعمال المنزليّة وكيفيّة توزيع تلك المهمات بينها وبين شريك حياتها”. هذا الوصف التقليديّ يدفعني إلى الجنون، لأنَّه يُصرُّ على أنَّ المكان المُهمّ للمرأة هو المنزل، وهو ما لا يؤكّده البحثُ الذي قمتُ به.

يركّز البحث بصورةٍ كبيرة على أنَّ “هذه مفاوضاتٍ مشتركَة حول حياتنا”. أي أنَّ الأمرَ لا يتعلَّق بالمنزل، ولا بالجوانب العمليّة، بل يتمحور حول: ما الذي نريده من الحياة؟ وكيف يمكننا أنْ نتأكَّد من أنَّ كلّاً منّا قد حصل على فرصة عادلة لتحقيق تلك الأحلام؟ وبمجرّد أنْ ندرك ذلك، يُمكننا بعدها أنْ نقلقَ حِيال الجوانب العمليّة. لو كان الأمر بهذه البساطة، مثل التطبيقات التي تُساعد على تنظيم الوقت والمواعيد وتقسيم الأعمال المنزليّة، لَمَا أجرَينا هذه المحادثة.

فضلاً عن أنَّ هذا الوصفَ يحمِلُ الرجالَ على التقاعس أيضاً، فكما أشرتِ آنفاً ثَمَّةَ أولويّات أخرى للرجال أيضاً.

نشرتُ من قبل مقالةً كبيرة في صحيفة “وول ستريت جورنال”، بدَت وكأنَّها تحمل طبيعةَ السيرة الذاتيّة، حول كيفيّة صوغ “عُقود نفسيّة” مع شريك حياتك. وكانت التعليقات عليها قاسية وعنيفة.

بيد أنَّ الغريبَ في الأمر هو أنَّ ما أثار اهتمام الناس هو أنَّني وزوجي ناقشنا رغبتَنا عن قصد. لقد وجدت من المذهل للغاية، من الناحية الاجتماعيّة، أنْ يكونَ لدى الناس تصوّرٌ عن “الأمير الساحر” لشريك حياتهم، وأنَّه يجب أنْ تقعَ في الحب ومن ثَمَّ ستنجح العلاقة وتُحقّق أحلامَك بطريقة سحريّة. غير أنَّه في الحقيقة كزوجين، وكامرأة، أنا صريحة حول ما أرغب في الحصول عليه من الحياة. إلّا أنَّه عند إِفصاحي عن ذلك، ظهر أسوأ ما في الناس على الإطلاق. وقد خطَرَ لي أنَّه أمرٌ رائعٌ للغاية.

فإذا سألتُكِ: كيف ترين مسيرتكِ المهنيّة؟ لن تتردَّدي لوهلة في إخباري. ولكن إذا سألتُكِ: كيف ترين علاقتك العاطفيّة؟ ستنظُرين إليَّ وكأنَّني فقَدت عقلي. نحن ندرك أنَّ المسيرةَ المهنيّة تتطلَّب الاستثمار، وفي المقابل نفترض أنَّه إذا كانت علاقتنا العاطفيّة تتطلَّب الاستثمار، فإنَّ ذلك يعني وجودَ خطأ ما. والواقع أنَّ هذا الوصف يُمثّل مشكلة حقيقيّة.

أعتقد أنَّنا في العصر الحديث فَقَدنا بالفعل هذه الفكرة حول الاستثمار في العلاقات، وفقدنا أيضاً اللغةَ التي يُمكننا من خلالها التعبير عن تلك العلاقات من منظور الاستثمار. أرى أنَّه يجب علينا تغيير مفهومنا حول ما يلزم فعله لنجاح العلاقة، وخصوصاً عندما يتعلّق الأمر بزوجين لكلٍّ منهما حياتُه المهنيّة الخاصّة، وعلينا التعامل مع الجنس باعتباره استثماراً، بل إنَّ هذه المحادثات التي نناقِش فيها هذه الأمور تُعَدّ أيضاً استثماراً. وفي النهاية، فإنَّ كثيراً من الاستثمار يُعَدّ في حدِّ ذاته أمراً ممتعاً.

هذا الموضوع مترجَم عن salon.com ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي.

“جوكر” والاضطراب النفسي… أين الخطر؟