fbpx

العراق: نموذج إيراني لخنق الانتفاض

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الرصاص والموت، يُحاصران العاصمة بغداد بشكل أكثر شراسة مما كان عليه في الأسابيع الماضية. ويمكن لحظ ارتفاع منسوب العنف في الردّ على المتظاهرين منذ تسريب معلومات عن لقاءات إيرانية بقادة عراقيين

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم يكن الدكتور هشام مُخرباً، ولم يحمل أي سلاح وكل ما كان في جعبته أدوات إسعاف أولي. سترته البيضاء كانت تشي بمهمته الطبية، أي معالجة المتظاهرين، أو المنتفضين العراقيين الجرحى. لم يتسنّ لهذا الشاب ممارسة مهنته في المستشفيات، وقُبيل عامٍ على تخرجه من كلية الطب، مارس مهنته في ساحات التظاهر عند المفارز الطبية والسواتر التي تستقبل العديد من جرحى الاحتجاجات لقُربها من مناطق الخطر…
لم ينه هشام عامه الدراسي الأخير، وهاهي سترته تتلطخ بدمائه، التي سُفكت بالرصاص الحي من أسلحة قوات مكافحة الشغب على جسر الاحرار.
كان هشام في طريقه لإسعاف مُصابٍ هناك، وكان ذلك جلياً من زيّه وحركته لكن هذا لم يكن رادعاً، وقررمطلقو الرصاص أن يصوبوا نيرانهم باتجاهه…
قُتل هشام صباح الخميس الفائت، وشُيّع صباح الجمعة، بعد أن رفع زملاؤه في المفارز الطبية المنتشرة في ساحات التظاهر “صدريةً بيضاء” تُشير الى الانتهاكات التي تواجه المفارز الطبية التي تقوم بدورها وواجبها خلال التظاهرات. ترافق التشييع مع اداء الاغنيات الوطنية واضاءة الشموع وسط حزن مهيب. وارى المشيعون هشام وسرعان ما انشغلوا في الليل بضحايا جدد…

عودة القيادات من إيران
الرصاص والموت، يُحاصران العاصمة بغداد بشكل أكثر شراسة مما كان عليه في الأسابيع الماضية. ويمكن لحظ ارتفاع منسوب العنف في الردّ على المتظاهرين منذ تسريب معلومات عن لقاءات إيرانية بقادة عراقيين، وبعد اجتماع رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي بقادته العسكريين، وإملاء الأوامر والتوجيهات لهم.
تسارعت الأحداث فتزايد قطع خدمة الانترنت بشكل شبه كامل وتحديداً منذ مساء الثلاثاء 5 تشرين الثاني/نوفمبر، وجاء صباح الأربعاء ليشهد مزيداً من عمليات التصفيات والاغتيالات والاعتقالات.
واجه المتظاهرون الرصاص الحي على جسر الشهداء والأحرار والسنك، ما أدى لمقتل نحو 30 متظاهراً وجرح آخرين في بغداد. لجوء بعض المتظاهرين إلى المنازل المجاورة لجسر الشهداء دفع بالقوات الأمنية إلى اعتقال أصحاب وساكني المنازل.

قطع الانترنت في الأيام الماضية، فسح المجال للحكومة العراقية بتنفيذ خطتها الرامية لقمع التظاهرات. وقد شهدت محافظة ميسان اكثر من خمس محاولاتٍ لاغتيال نُشطاء.

اغتيال نشطاء في ميسان
قطع الانترنت في الأيام الماضية، فسح المجال للحكومة العراقية بتنفيذ خطتها الرامية لقمع التظاهرات. وقد شهدت محافظة ميسان اكثر من خمس محاولاتٍ لاغتيال نُشطاء.
الناشط مجيد الزبيدي نجا من محاولة اغتيال، لكن سقط أمجد الدهامات ضحية اغتيال برصاص مجهول، فيما أصيب بسام مهدي الذي كان برفقة الدهامات باصاباتٍ خطيرة.
استفاق العراقيون الأربعاء الماضي الماضي على أنباء مرعبة لم يتمكنوا من معرفتها سوى عندما عادت الانترنت بشكل جزئي ما بين 9 صباحاً وحتى الـ1 بعد الظهر من ذلك اليوم.

تكررت أنباء الاعتقالات بحق متظاهرين، وأكدت الناشطة ليان محسن أن هنالك قُرابة الـ 21 مُعتقلاً تم سوقهم من فروع ودرابين منطقة البتاويين،” ما أن يغادر المتظاهر ساحة التحرير عبر الفروع التي تؤدي به الى خارجها، منها درابين البتاويين، تقوم قوات مجهولة باعتقاله او باختطافه. في الواقع لا علم لنا بما يقومون به، فهنالك العديد من زملائنا اختفوا… لتتصل بنا عوائلهم مُستعلمين عمّا اذا كانوا متواجدين في الساحة ونخبرهم انهم غادرونا بعد منتصف الليل.”
انقطاع خدمة الانترنت، لم يكن سبباً مباشراً في تفعيل عمليات الاعتقال او الاستهداف المباشر بالرصاص، لكن ذلك الانقطاع عرقل وبشكل كبير التواصل ما بين المحتجين وقطع سبل التحشيد والتشبيك لخلق رأي عام مناهض للاعتقال. أحد مظاهر هذا الأمر هو المصير المجهول للناشطة صبا المهداوي التي اعتقلت قبل اقل من اسبوع ولا يزال مصيرها مجهولاً وآليات التحشيد الالكتروني متعثرة بسبب انقطاع الانترنت.

الحكومة أم الميليشيات؟
“الحكومة العراقية تحول رمي الكرة في ملعب الميليشيات، وحين تحدث اي عملية قتل او اختطاف اواعتقال، تتهم الميليشيات المسلحة بذلك.” يقول منتسب تابع لاحدى الفصائل المسلحة بالعراق، والذي رفض الكشف عن اسمه وفصيله، ويضيف “لقد قلنا وجاهرنا لأكثر من مرة، أننا مع المتظاهرين السلميين بشكل تام، ولا مصلحة لنا باضطهادهم بل على العكس، لأننا لسنا جزء من الحكومة، لاننا ننتمي الى فئة المواطنين ايضاً، إلا ان بعض الفاسدين في الحكومة يحاولون ان يندسوا في هذه التظاهرات لتبرئة انفسهم من تهم الفساد، ولهذا يقومون برمي الاتهامات هنا وهناك.”
معن واثنان من أصدقائه، ينشطون مع متظاهري التحرير الذين يُخيمون في خيمة “الشهيد صفاء السراي”، الصحافي الذي قتل برصاص الأمن قبل أيام، يؤكدون أن تهديدات موثوقة وصلتهم بأن أسماءهم وصورهم متواجدة في مقر تابع لفصيل عسكري، وأنهم مهددون بالقتل …

المرجعية والرسائل المشفرة
خطبة المرجعية الدينية التي تتلى كل يوم جمعة وتقدم مضموناً دينياً وسياسياً، باتت موضع اهتمام الشارع العراقي لمعرفة الخطوات المقبلة للحكومة، ويقول رئيس الحكومة عادل عبد المهدي أنه “مكلف شرعياً” من قبل المرجعية الدينية، وأنه ملتزم بقراراتها. خطبة الجمعة الأخيرة للمرجعية كررت في مقدمتها التشديد على أهمية إلقاء القبض على القناصين من قتلة المتظاهرين، بينما تضمنت العديد من الرسائل المضمرة الى القوات الامنية وحكومة عبد المهدي، منها مثلاً ” يُمنع على المتظاهرين قطع الطرق، بهدف منع الموظفين من ممارسة أعمالهم.” بعد هذه الخطبة اصدر مجلس القضاء قراراً “بسجن كل متظاهر يُعتقد انه تخلى عن سلمية التظاهر لمدة 20 عاماً، وسجن كل من حاول منع الموظفين عن الذهاب الى دوائرهم الحكومية بثلاث سنوات.”
شددت المرجعية في خطابها على سلمية التظاهر، وطالبت القوات الامنية بأن لا ترفع السلاح بوجه المتظاهرين في بغداد والمحافظات كونهم سلميين، ما دفع وزير الداخلية العراقي لتوجيه شكر الى المرجعية عبر الإعلام، ليعقب ذلك اشعال خيم التظاهرات في البصرة وكربلاء مساء يوم الجمعة من قبل قوات مكافحة الشغب، واستخدام كرات الحديد ضد المتظاهرين في بغداد كوسيلة لضربهم وتفريقهم، وهو نوع جديد من الأسلحة المستخدمة لمكافحة الشغب.

اختفاء النشطاء
اختفاء النشطاء والمدونين والمتظاهرين يتفاقم وينذر بمزيد من التصعيد. وتقول عائلة الناشط سمير الفرج أن ابنهم من المدونين والناشطين في الانبار، وانه اختفى قبل مظاهرات 25 أكتوبر، بسبب تغريدة دعا فيها متظاهري المحافظات الاخرى الى العصيان المدني.
بينما قال المتظاهر علاء جعفر أن “الناشط علي هاشم اختفى مساء يوم الخميس، ولم يظهر حتى الآن، هاتفه النقال مغلق وعائلته في حالة بحث مستمر عنه.”
احمد المهداوي هو الاخر يؤكد، “اختي صبا المهداوي لاتزال مفقودة، الجهات الامنية الحكومية تؤكد عدم مسؤوليتها عن اختفائها، وتشدد على أنها حريصة على ايجادها، بينما تؤكد ميليشيات قمنا بالتواصل معهم انهم غير مسؤولين ايضاً عن اختفائها.”

العراق والانتفاضة الإيرانية
يتابع معارضون وناشطون ايرانيون باهتمام كبير ما يحدث في العراق. هذا الأمر يظهر من خلال مواقع الكترونية تابعة للمعارضة او من خلال تعليقات ومتابعات عبر السوشيال ميديا.
إيهان محمدي، ناشط إيراني غادر طهران إلى كندا بعد قمع انتفاضة الشعب الإيراني ضد حكومته قبل سنوات قليلة عام 2009، يذكر خلال نقاش بيننا أن “محاولات القمع التي تستخدم اليوم من قبل الحكومة العراقية هي ذاتها المحاولات الايرانية، اختطاف وقتل ناشطين، وقطع الانترنت، وغيرها من العمليات التي تُشابه تماماً ما فعله نظام صدام حسين عام 1991، خلال الانتفاضة الشعبانية، ولكن الفرق هو الستار الديني والقدسية التي تتحدث عنها ايران والحكومة العراقية اليوم.”
يقول محمدي إن الحكومة الايرانية تتابع بقلق ما يحصل في العراق، وتخاف من انعكاسات هبة الشارع العراقي على الايرانيين انفسهم، “الشعب الايراني مستعد لانتفاضة جديدة ضد حكومته، التي باتت مُتهالكة اليوم بعد ان جُففت مصادرها الاقتصادية بسبب العقوبات الاميركية، ولم يبق سوى العراق وحكومته الفاسدة ما يوفر لها مصادر مالية، تستطيع من خلالها دعم ميليشياتها في سوريا ولبنان واليمن، لذلك هي تُراهن على إفشال الحراك الشعبي الذي يشهده العراق اليوم”.

ثوار العراق يودّعون صفاء سراي ويرسمون وجعهم على الجدران