fbpx

عملية “نبع السلام”: تفاقم أزمة النازحين وسط غياب المنظمات الدولية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بعد العملية العسكرية التركية، وإعلان التفاهم بين الإدارة الذاتية الكردية والنظام السوري، القاضي بانتشار قوات النظام في المنطقة على الحدود مع تركيا، انسحبت أغلب المنظمات الدولية العاملة في المنطقة، الأمر الذي أحدث فراغاً كبيراً

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“لم نأكل شيئاً اليوم، ومنذ ثلاثة أيام ونحن هنا دون أن يقدم أحد لنا المساعدات” تقول مسنة كردية نازحة من مدينة سري كانيه/رأس العين لإحدى القنوات الإعلامية، فيما ينادي زوجها “نريد فقط القليل من الشاي والسكر حتى نريح رأسنا قليلاً”.
في مدينة الحسكة اضطر والد وابنته للنوم في إحدى الحدائق العامة، بعد أن فقد الأمل بالحصول على ملجأ في المدارس التي تستقبل النازحين في المدينة.

فيما رفض الشاب جوان”اسم مستعار” الإفصاح عن اسمه وأخذ صورة له ولعائلته في مركز اللجوء معللاً ذلك” نحن من سري كانييه، المدينة المعروفة بأنها تكرم ضيوفها، ولم نحتاج أحداً، لكن “المجرم” أردوغان اضطرنا للنزوح مع أطفالنا خوفاً عليهم من صواريخه التي انهالت فوق رؤسنا”.

أدت العملية التركية التي حملت اسم” نبع السلام” في شمال شرق سوريا إلى أزمة إنسانية نتيجة نزوح ما يقارب 300 ألف نازح، بينهم حوالي 80 ألف طفل من المناطق التي تدور فيها العمليات القتالية في كل من سري كانييه/رأس العين وتل أبيض وريفيهما، إضافة إلى تضرر القطاع التعليمي في المنطقة بالكامل. وبحسب برنامج الأغذية العالمي فقد قدم البرنامج المساعدات الغذائية الطارئة لنحو 300 ألف شخص من المتضررين من الأعمال القتالية في شمال شرق سوريا.

خروج المنظمات الدولية والفراغ الذي أحدثه

بعد العملية العسكرية التركية، وإعلان التفاهم بين الإدارة الذاتية والنظام السوري، القاضي بانتشار قوات النظام في المنطقة على الحدود مع تركيا، انسحبت أغلب المنظمات الدولية العاملة في المنطقة، الأمر الذي أحدث فراغاً كبيراً وزاد حمل المنظمات المحلية.

من جانبه يوضح شيراون بري مدير الصحة والإدارة المشتركة في الهلال الأحمر الكردي أنه”  بالنسبة للمنظمات، التي خرجت من المنطقة، أغلب المنظمات لم تخرج برغبة منها، فالكثير من هذه المنظمات كانت تعمل معنا وتساعدنا، وحتى الآن لديهم رغبة في العودة والعمل، وخروجها كان خوفاً من عودة الحكومة السورية والسيطرة على المنطقة، لأنها لا تملك تراخيص عمل من الحكومة السورية في دمشق، وهذا كان سبباً رئيساً لخروجهم، وهناك بعض المنظمات حسب تواصلاتنا معهم لديهم رغبة بالعودة في حال سمحت لهم الظروف، من جهة أخرى كان الاعتماد في المنطقة على هذه المنظمات شبه كلي، إضافة الى الهلال الأحمر الكردي كمنظمة محلية”.

المتحدثة باسم تحالف المنظمات الثلاث نشتمان خلف تجد أن المشكلة لم تكن  بسحب المنظمات الدولية لفرق خبرائها الدوليين والذي” لا مشكلة في سحبهم ولكنهم تركوا الفرق الميدانية المحلية والمنظمات المحلية دون وضع اي خطة بديلة”

وتتابع خلف حديثها “بالرغم من انسحابهم إلى كردستان العراق كان بإمكانهم إطلاق  برامج عبر الحدود او ما يسمى Cross boarding والتحضير له بسرعة لأنه كان يتم العمل به في مناطق أخرى في سوريا مثل ادلب وحلب أي إنه ليس نموذج عمل جديد في سوريا أو في دول أخرى تجري فيها الصراعات”

وتوضح خلف أن الإنسحاب فاقم الأزمة الإنسانية “الانسحاب كان له الدور الرئيسي في الأزمة لأن  الجهات التي هي مصدر التمويل لم تقم بتفعيل برنامج عبر الحدود ولا بدعم فريقهم المحلي ولا بدعم المنظمات المحلية ليكون لها مصادر تمويل ذاتية او تراكمية تستطيع ولو تلبية جزء من الحاجات، ولم تقدم اي بدائل بل كنا على تواصل مباشر عبر منصة شمال شرق سوريا وهي منصة للمنظمات الدولية العاملة في المنطقة، كانوا يطلبون معلومات ويقدمون وعوداً فقط”

يسرد الدكتور شيروان مثالاً على تأثير خروج المنظمات الدولية سلباً على الوضع الإنساني” أذكر أطباء بلا حدود على سبيل المثال، وتركيزي عليها كونها تملك إمكانيات كبيرة وخبرة أفضل من خبراتنا بكثير، فقد قامت قبل الآن بإنشاء نقطة طبية في الحسكة، كانت تجاري المشافي الأوربية، لكن فجأة قامت بسحب موظفيها، أي أنها لاتملك خطة استمرارية للعمل في المنطقة، لتجهيز كوادر محلية تستطيع الحفاظ على الاستمرارية بعد أن يذهب الموظفون الدوليون،  وبهذه الطريقة ينهار كل ما تم بناؤه من قبلهم”.
جدير بالذكر إن مؤسسة بارزاني الخيرية، التي تتخذ من عاصمة إقليم كردستان مركزاً لها، أرسلت حتى الآن ثلاث قوافل للمساعدات ووزعتها على النازحين بالتنسيق مع الإدارة الذاتية.

 

“لم نأكل شيئاً اليوم، ومنذ ثلاثة أيام ونحن هنا دون أن يقدم أحد لنا المساعدات” تقول مسنة كردية نازحة من مدينة سري كانيه/رأس العين لإحدى القنوات الإعلامية، فيما ينادي زوجها “نريد فقط القليل من الشاي والسكر حتى نريح رأسنا قليلاً”.

 

تأثير العملية العسكرية على مشاريع المنظمات المحلية

مع انطلاق العملية العسكرية التركية في مدينة سري كانييه، وبدء موجات النزوح من المدينتين وريفيهما، توجهت المنظمات المحلية العاملة في المنطقة إلى إيجاد تنسيق فيما بينها، والتركيز على عمليات الإغاثة ومساعدة النازحين، وبحسب الإحصائيات المتوفرة يوجد حالياً ما يقارب الأربعين منظمة محلية تنسق لتأمين ما تستطيع من احتياجات النازحين.
“توقفت مشاريع إعادة الاستقرار التي كانت تقوم بها المنظمات المحلية ومن بينها تحالفنا (Gav, Dan, Doz) حيث كنا نقوم بمشاريع دعم التعليم من خلال توزيع ادوات المدارس وغيرها من مشاريع سبل العيش، كالزراعة ومشاريع مجتمعية من دعم نفسي للاطفال وغيرها من الانشطة التي كان لها دور في بناء مجتمع مستقر قادر على بدء مرحلة جديدة من السلم”، بحسب نشتمان خلف، المتحدثة باسم تجمع ثلاث منظمات محلية وحدت جهودها لتقديم الدعم للنازحين نتيجة الأزمة التي خلفتها العملية العسكرية التركية في شمال شرق سوريا.

من جانبه أوضح الدكتور شيراون بري، مدير الصحة والإدارة المشتركة في الهلال الأحمر الكردي في حديثه لـ”درج” أن العملية العسكرية التركية أثرت على سلم الأولويات لديهم في المنظمة قائلاً” على سبيل المثال طاقمنا في الهول كان تقريباً 200 موظف من أطباء ومسعفين وداعمين لوجستيين، لكن مع بدء العملية اضطررنا لنقل نصف العدد إلى المناطق التي تخدم النازحين والجرحى، وذلك ليس من باب التفرقة بين من هم في الهول والمدنيين النازحين، لكن الحاجة وتغير الأولويات اضطرنا لذلك، ولم نستطع انتظار المنظمات لتقوم بدعم المناطق، لذا قمنا بإعادة توزيع طواقمنا، والكثير من المسعفين عملوا على خطوط الجبهة، بالمجمل العمل كبير ويتطلب جهداً كبيراً”.

وأشارت خلف في حديثها إلى تأثير حركة النزوح على العملية التعليمية في المنطقة وقالت” انطلقت كل فرقنا ومواردنا للاغاثة الطارئة ناهيك عن توقف التعليم حيث استخدمت المدارس كمراكز إيواء”.

مصادر دعم محدودة للمنظمات المحلية

تؤكد نشتمان خلف  المتحدثة باسم تحالف المنظمات، “المنظمات المحلية مواردها المالية تأتي من مانحين سواء منظمات دولية او جهات اخرى تمثل دولاً اوروبية وأميركا، والموارد والمنح كانت تغطي مشاريع لفترات محدودة لا تتجاوز السنة وأغلبها أقل من سنة، اذ لا يتوفر أي فائض مالي من المشاريع وان توفر فالأموال تعود الى المانح. بمعنى آخر، المنظمات المحلية ليس لديها أي موارد مالية لتقوم بالإغاثة لوحدها”

وتتابع خلف في حديثها، ” تحالفنا اعتمد على حملة تبرعات اون لاين في أوروبا، وتبرعات عينية تم اطلاقها بالتعاون مع اهالي مدن مثل عامودا والقامشلي، بالنسبة الى تحالفنا، وإذا تم الاقتصار على المصادر الحالية المتوفرة فلن نستطيع الاستمرار أكثر من شهر. توجد منح بسيطة من منظمات دولية ولكنها لا تغطي اكثر من 10 بالمئة من الاحتياجات ناهيك عن قدوم فصل الشتاء حيث سترتفع الحاجة الى مستلزمات التدفئة واللباس الشتوي التي ستزيد من حجم الكارثة”.

دور الأمم المتحدة في الأزمة الإنسانية

اقتصر تدخل الأمم المتحدة في الأزمة الحالية على تقديم مساعدات طارئة بسيطة لم تكن بالمستوى المطلوب، فبرنامج الأمم المتحدة لديه منصتين تعملان من غازي عنتاب، ولم تتدخل لحل الأزمة “بسبب تسيسها وبسبب سيطرة جهات سياسية على المنصة في تركيا من إخوان مسلمين ومخابرات تركيا” بحسب ناشط إغاثي فضل عدم ذكر اسمه. 

ويتابع الناشط نفسه في حديثه لـ”درج”، “سابقاً لم يتم دعم بناء منصة في كردستان العراق، وكانت هناك محاولات تم إفشالها بسبب رغبة غازي عنتاب بالسيطرة على المنطقة من ناحية المشاريع، أما منصة دمشق التي تنفذ مشاريع مع منظمات مسجلة لدى النظام مثل الهلال الأحمر العربي والتي تعتبر أعمالهم محدودة، أو اليونيسيف التي كانت تنفذ حملات اللقاحات في المنطقة، أثناء الاجتياح منصة تركيا كانت تاخذ فقط معلومات دون ان تقدم اي شيء، ومنصة دمشق قدمت من مخزون برنامج الاغذية العالمي WFP توزيعات في القامشلي، التوزيعات كانت بسيطة لا توازي حجم الاحتياج”.

من جانبه يؤكد الدكتور شيروان بري مدير الصحة في الهلال الأحمر الكردي أنه” لم يكن هناك اعتماد على الأمم المتحدة، ولا يوجد لديها تنسيق مع المنظمات في المنطقة، ولا تستطيع التحرك دون أن تأخذ الإذن من دمشق، وشركاؤهم منظمات مرتبطة بالحكومة السورية، مثل اليمامة والبر وغيرها، وعملهم سيء جداً وتقاريرهم غير واقعية مطلقاً والجميع يعلم بطريقة عملهم، نستطيع القول أن وجودهم مثل عدمه”
ويتابع الدكتور بري حديثه” والأمم المتحدة لا تستطيع التنسيق معنا كهلال أحمر كردي، كوننا لا نملك ترخيصاً من دمشق، نحن مرخصون في شمال وشرق سوريا وفي إقليم كردستان العراق فقط، وحتى إن عملت معنا فليس بشكل مباشر، والحكومة السورية تضع لهم عراقيل كثيرة في هذا الصدد، لهذا فالمساعدة تقتصر على الدعم اللوجستي من المعدات والأدوية، للأسف الحمل ثقيل جداً علينا، سواء كهلال أحمر كردي أو المنظمات المحلية الموجودة في المنطقة، ونحن لا نملك الإمكانيات الكافية، وأكرر أن الأمم المتحدة دورها محدود بسبب ضغوطات الحكومة في دمشق”.
أدت الأزمة المفاجئة والأعداد الكبيرة للنازحين مع استمرار المعارك بين قوات سوريا الديمقراطية والجيش التركي إلى زيادة الضغط على مؤسسات الإدارة الذاتية أيضاً، وحول هذه النقطة يؤكد الدكتور شيروان بري أن “البلديات والمجالس المحلية تساندنا في عملنا خاصة في توزيع المساعدات، أما على الجبهات فكنا الوحيدين للأسف، ومستشفى الشهيد ليكرين في تل تمر هو من تحمل العبئ الأكبر، وهو تابع لنا في الهلال الأحمر الكردي، ولعب دوراً بارزاً في المجال الإسعافي الطبي”

من جابنها تقول نشتمان خلف المتحدثة باسم تحالف المنظمات الثلاث” لعبت الإدارة دور المنسق بين المنظمات المحلية التي يبلغ عددها ما يقارب الأربعين منظمة محلية، تنسق فيما بينها لتوحيد الجهود ومساعدة النازحين، إضافة إلى أنها ضغطت على المنظمات الدولية للقيام بواجباتها تجاه النازحين، لكن الأخيرة لم تستجب حتى الآن”.

وتناشد خلف المجتمع الدولي قائلةً”الأزمة أكبر من إمكانياتنا المحلية، ونطالب بدعم الحكومات والمنظمات الدولية من خلال برامج عبرالحدود من كردستان العراق، وعدم تسيس العمل الانساني، إضافة فصل المنطقة عن منصات موجودة في تركيا او دمشق معيقة للعمل بسبب خصوصية الظرف”.

لماذا تُحارب تركيا الأكراد في سوريا؟