fbpx

دونالد ترامب ليس الخطر الحقيقي على الصحافة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أحياناً يكون من المريح تصور أن أكبر خطر تواجهه الصحافة، في هذا العصر، هو دونالد ترامب المدجج بالسلاح، الشرير الوحيد الذي يجب التغلب عليه وإلا سيصمد فترة أطول.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

الشهر الماضي، قضت الأسهم الخاصة على منبر إعلامي آخر. فقد اتخذ مالكو موقع “سبلينتر” Splinter، وهو موقع إلكتروني مُتخصص في الأخبار والسياسة، وسبق أن عملت فيه من قبل، القرار بإغلاقه. وخسر سبعة أشخاص وظائفهم – وهي مأساة صغيرة نسبياً مقارنةً بالصعوبات التي واجهتها وسائل إعلام أخرى في الآونة الأخيرة. وعلى رغم ذلك فإن مصير موقع “سبلينتر” يوضح ما قد تشهده الفترة المقبلة من خسائر فادحة.

لقد كان طريقاً وعراً وطويلاً قاد موقع “سبلينتر” في النهاية ليقع في بَراثِن عمالقة الأسهم الخاصة -والتي تتألف من الصناديق والمستثمرين الذين يقومون بالاستثمار بشكل مباشر في الشركات الخاصة- فقد بدأ الأمر عندما أعلن موقع “جاوكر ميديا” Gawker Media، إفلاسه بعد رفع دعوى قضائية بتمويل من رائد الأعمال والمستثمر الرأسمالي، بيتر ثيل، الذي ساند هولك هوجان في قضية التشهير التي أقامها ضد الموقع. وبعدما حُرم الموقع من فرصة الطعن في الحكم الصادر ضده، أُعيدت تسمية الممتلكات الإعلامية التي كانت موجودة تحت شعار جاوكر باسم مجموعة “غيزمودو” الإعلامية، وبيعت إلى شركة يونيفيجن.

لم تكن هذه الصفقة منطقية إلى حد كبير: إذ لا تتعدى شركة “يونيفيغن” كونها شبكة إعلامية عادية مُتحفظة، تُركز في الغالب على قناة تلفزيونية باللغة الإسبانية موجهة نحو المشاهدين الأميركيين من أصول لاتينية، بينما كانت مجموعة “غيزمودو” الإعلامية، شبكة صغيرة تضم عدد من المواقع الإلكترونية المبتذلة التي تنشر بانتظام مقالات تافهة حول تأملات الكلاب، فضلاً عن مقالات الصحافية الأميركية، آشلي فاينبرغ. بيد أن هذه الشراكة غير العملية تفاقمت بسبب سوء إدارة الشركة الذي أثقل مجموعة “غيزمودو” الإعلامية بالديون الناتجة عن تجربة “يونيفيغن” المأساوية في المحتوى الذي يركز على جيل الألفيّة، من خلال شبكة قنوات فيوجين التلفزيونية. أعيد تسمية موقع شبكة “فيوجين” على الإنترنت وأعيد إطلاقه على أنه موقع سبلينتر في صيف عام 2017، وفي النهاية بيعت مجموعة “غيزمودو” الإعلامية إلى شركة الأسهم الخاصة “غريت هيل بارتنرز” Great Hill Partners، التي أعادت تسمية الشركة إلى G/O Media.

في ضوء كل هذا التاريخ، لم يضمن ذلك كله نجاح موقع سبلينتر على الإطلاق، فقد حوَّلت قضية هوجان المؤسسة الإعلامية المربحة بشكل فريد التي أصبح الموقع جزءاً منها إلى مؤسسة مضطربة بين عشية وضحاها. ولكن شركة “غريت هيل بارتنرز”، وهي شركة لا تتمتع بخبرة سابقة في بناء علامة تجارية إعلامية ناجحة، سرعان ما أظهرت أنها عازمة على إثبات أنها قد تكون أسوأ هيئة تنظيمية للشركة. فقد تدخلت الشركة في استقلال هيئات التحرير الخاصة بشركة G/O Media، وعملت على إغراق تصميم المواقع بالإعلانات القذرة، وطرد المدراء الأكفاء، مثل ميغان غرينويل، رئيسة تحرير مدونة “ديدسبين” Deadspin الرياضية، التي وجهت اتهامات صارخة بسوء إدارة شركة “غريت هيل” بعد تخليها عن منصبها.

ليس المقصود من هذا الحديث مجرد الرثاء على زوال أحد المواقع الإلكترونية. ففي حقيقة الأمر يُمكن وصف موقع سبلينتر وكذلك شركته الأم، بأنه كان بالفعل من الأصول المتعثرة، بل إن وضعه على هذا النحو ساهم بدور لا يستهان به في اجتذاب انتباه شركة “غريت هيل” في المقام الأول. ولكن العالم الواسع لوسائط الإعلام يعج بمثل هذه الأصول المتعثرة، بدءاً من المواقع الإلكترونية التي نشأت في أوج نشاط وسائل الإعلام الاستثمارية، وصولاً إلى الصحف المحلية والإقليمية القديمة، التي تتكبد ضغوطاً شديدة لموازنة مهمتها الصحافية مع رأس المال الآخذ في التناقص باستمرار. ويبدو أن أحكام وشروط الصحافة مثل أيّ المنافذ الإعلامية عليه الاضطلاع بهذه المهمة، ومن سيمنحها التمويل لكي تستمر، وأيّ المجتمعات يُمكنها الحصول على التغطية الإعلامية، تُحدد على نحوٍ متزايد بواسطة الأثرياء. وأفضل سيناريو لهذه الحالة هو أن يصبح الصحافيون جزءاً من شبكات المحسوبية التي ترعى مصالح أحد أصحاب المليارات. أما بالنسبة إلى غير المحظوظين، فسوف يؤول مصيرهم إلى الصناديق الانتهازية. سبق أن قضى الأثرياء على منصات إعلامية، وسوف يقضون على المزيد.

الواقع أن قصة التلاعب بالأسهم الخاصة وتدمير وسائل الإعلام المحلية أصبحت مألوفة ومروية بشكل جيد بالفعل. ومرة تلو الأخرى، وثق الصحافيون هذه الفظائع، وفقد البعض منهم وظائفهم بسبب فضحهم تلك المهازل. وعلى رغم أن الهدف النهائي للصحافة هو إحداث التغيير، فإن التغيير في هذا القطاع اتسم بالبطء الشديد. فالأسهم الخاصة لا تزال مستمرة في شراء وتدمير وسائل الإعلام.

عندما أُغلق موقع “سبلينتر”، كتب بريندان أوكونور، الكاتب السابق في مؤسسة “جاوكر” الإعلامية، قائلاً “إن بيئة العمل في ظل الرأسمالية ما هي إلا شكل من أشكال الدكتاتورية، ودكتاتورية الأسهم الخاصة هي دكتاتورية تعسفية على نحو خاص”، وإنه لمن العار أن تُستغل الصحافة -وهي مهنة لها قيمة مجتمعية واضحة على نطاق واسع، ولا بد أن تكون خصماً للأغنياء والأقوياء- لتحقيق المكاسب الخاصة في الغالب، فضلاً عما يصاحب ذلك من تنازلات. ولكن الحقيقة المحزنة في اعتماد الصحافة على تحقيق الأرباح، أصبحت أكثر بشاعةً وخطورةً عندما يكون المنتفعون المعنيون هم المستثمرين الاستغلاليين في القطاع المالي.

تسعى هذه الفئة الخاصة من المنتفعين إلى تحقيق عائد أعلى، بسرعة أكبر، مع عدم إيلاء أي اعتبار لاستدامة الأعمال على المدى الطويل. فقد استنزفت شركة “ألدن غلوبال كابيتال” Alden Global Capital، التي تمتلك شركة “ديجيتال فرست ميديا” Digital First Media، والصحف التابعة لها مثل صحيفة “ذا دنفر بوست” The Denver Post، مئات الملايين من الدولارات من الشركة لتحقيق مكاسبها الخاصة. قد يكون من الصعب أن نتصور، كيف يمكن لصناديق التحوط أن تربح من تدمير قيمة ما اشترته للتو؟ ولكن المفاجأة، أنها قادرة على القيام بذلك. فقد أوضحت مجلة “أميركان بروسبيكت” The American Prospect، وهي مجلة تُركز على الشؤون السياسية، هذه المسألة بالتفصيل العام الماضي، إذ إن الأسهم الخاصة قادرة على جني أموالاً ضخمة من تدمير الصحف المحلية إذا “نجحت في فصل الموظفين وتحويل تدفق الأموال”. تواصل الصحف جني الأموال من المُعلنين المحليين الذين لا يزالون يُقدرون قيمتها، حتى مع انهيار جودة ونوعية الصحافة التي تُقدمها، كما يُمكن أن يؤدي خفض التكاليف عن طريق الاستغناء عن الموظفين أو مركزية الإنتاج إلى تسريع جني الأرباح. وبصفة رئيسية، لا تظهر العواقب الطويلة الأجل المُترتبة على هذه الأرباح بالسرعة الكافية لمنع مالكي صناديق التحوط من استنزاف الأصول، فضلاً عن أنهم ينتقلون عند حدوث ذلك إلى ضحية أخرى.

وهكذا ينتهي بك المطاف مع حالات كتلك التي يقوم فيها المسؤولون التنفيذيون في شركة ألدن غلوبال كابيتال “بمكافأة أنفسهم والاستحواذ على أملاك أساسية هامة تعادل قيمتها عشرات الملايين من الدولارات في فلوريدا وهامبتون لأجل مُتعتهم الشخصية”. وهكذا أيضاً تستطيع شركة ديجيتال فرست ميديا تحقيق هامش ربح تشغيلي بنسبة 17 في المئة عام 2017، مع أرباحٍ بلغت 160 مليون دولار، كل هذا بينما تُقلص ممتلكاتها الإعلامية لأقصى حد. ففيما وردت هذه الأرقام المثيرة، استغنت الشركة عن 30 في المئة من العاملين في مركز أخبار صحيفة “ذا دنفر بوست”. ومع اندماج شركة الأسهم الخاصة “غايت هاوس” مع مؤسسة “غانيت”، مالكة صحيفة “يو إس إيه توداي” اليومية التي تُعد الصحيفة الأكثر انتشاراً في الولايات المتحدة، بدأت “غانيت” تفكر في تقليص عمالتها بنسبة تزيد عن 10 في المئة. ماذا سيحدث للصحافة عندما يُسرح جميع الصحافيين؟ ستتدهور ببساطة، إذ ستختفي تقارير المساءلة شديدة اللهجة التي تناقش مسائل تتعلق بالمصلحة العامة -لأن هذا يستغرق وقتاً طويلاً ويكلف الكثير من الأموال- وسوف تُستبدل بالهراء والحشو والتفاهات لملء المساحات الفارغة حول الإعلانات. 

وكما كتبت “غرينويل” في آخر يومٍ لها بصفتها رئيسة تحرير موقع  “ديدسبين”، غالباً ما تكون القرارات الصادرة عن الرجال الأغنياء الممسكين بزمام الأمور – تلك القرارات التي يفترض أن تُعيد توجيه الكتاب الجامحين نحو الربح- في غاية الغباء. فقد بات نصف القطاع الصحافي متمحوراً حول مقاطع الفيديو بناءً على توصية من “فيسبوك”، الذي يزوِّد الشركات الإعلامية بالمقاييس التي تَعِد بعائدات كبيرة على الاستثمار والتي يمكن لأيّ شخصٍ بذهنٍ صافٍ أن يخمن بسهولة أنه تم التلاعب بها إلى حدٍ كبير (بما أنه كان من مصلحة الفيسبوك أن يفعل ذلك). في نهاية المطاف، تصطدم بعددٍ كبيرٍ من المديرين التنفيذيين في الشركات الإعلامية الذين يحملون مجلات من تلك التي يقرأها الرجال الأغنياء على متن الطائرات أثناء عودتهم إلى منازلهم من مدينة آسبن، ويقرأون حول استثمار منافسيهم بكثافة في مقاطع الفيديو بسبب وعود مارك زوكربيرغ الربحية بالغة التفاؤل، والذين يفكرون أنه: حسناً، إذا كانت شركات بزفيد أو فايس أو هافينغتون بوست تفعل ذلك، فعلينا فعل ذلك أيضاً. 

هذا وضعٌ حالك، لأنه من الطبيعي أن يتنفس الصحافيون الصعداء لأن مليارديراً اشترى المنفذ الإعلامي الذي يعملون فيه لكن من الواضح أن نموذج الصحافة الطيِّعة التي يمكن شراؤها بالمال هو أحد أكثر النماذج التجارية الباقية أمناً. فقد نجت صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” من جنون مالكتها “شركة تريبيون للنشر” -التي دفعت تكاليف الطائرات الخاصة لمديريها التنفيذيين غير الأكفاء وأرادت بناء غرفة أخبار موازية لِصحافيين غير نقابيين، بعدما فشلت فكرتها بالغة الحمق المتمثلة في إنتاج محتوى مُصوَّر من خلال “التعلم الألي” فشلاً ذريعاً- نجت الصحيفة بعد أن أنقذها الميلياردير باتريك سون شيونغ. وواجهت قيادة سون شيونغ بدورها مشكلاتها الخاصة، وأخيراً توصل اتحاد ملاك الصحيفة إلى اتفاق على عقدٍ بعد أكثر من عامٍ من المفاوضات الشاقة، لكن تظل هذه أوضاع أفضل بكثير من أيام شركة “تريبيون” الحالكة، فقد تمكنت الصحيفة من زيادة عدد موظفيها بعد بيعها.

لكن قصة صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” التي تبدو جميلة نادرة الحدوث نسبياً. فأمام كل هدية تُمنح للصحافة هناك على ما يبدو 100 فرصة ضائعة. تسببت عجائب الأسواق الحرة في جعل مئات المجتمعات المحلية بلا تغطية أو منافذ أخبارية وترك الآلاف مع صحيفة واحدة فحسب. فقد قلصت صحف عدة حول البلاد عدد موظفيها وقللت رقعة تغطيتها لدرجة تحول دون تقديمهم تغطية وافية. بينما تُستنزف بعض الصحف، مثل “ذا دنفر بوست”، ببطء من قِبل أباطرة قطاعها المالي. وفي تطور مأساوي بائس، سُد الفراغ المتعاظم في أعقاب كل هذا التدمير الإبداعي بمواقع تنتحل صفة وكالات الأنباء المحلية وتروج بروباغندا اليمين. إذ ربما ينتهي المطاف بشخصٍ يحاول معرفة ما يحصل في مجتمعه بقراءة تقريرٍ لمؤسسة “هيريتدج فاونديشن” يبدو حيادياً، من دون أن يكتشف أبداً أنه لم يكن يقرأ المقال الأصلي. لا جدوى من منح الحرية للصحافة إذا لم يكن لدينا صحافة من الأساس، والمتاح حالياً هو نتاج مروجي البروباغندا والدعايات الأثرياء.    

وفي مزحة سخيفة قاسية -بعد أيامٍ قليلة من إغلاق موقع “سبلينتر”- عُرض مقطع فيديو ساخر عنيف على أنصار الرئيس دونالد ترامب المشاركين في مؤتمر بمنتجع دورال الذي يملكه الرئيس في فلوريدا، حيث تم تعديل مشهد من فيلم مع تركيب وجه ترامب على شخصٍ يدخل إلى كنيسة -غُير اسمها إلى كنيسة الأخبار المزيفة- ويقتل الموجودين فيها الذين رُكبت على وجوههم الشعارات التجارية للوكالات الإعلامية المختلفة. بطبيعة الحال، شرع الصحافيون -الذين نادراً ما يكون غضبهم من هجمات الرئيس عارماً عندما يكونون المستهدفين- في البكاء والعويل، وطوال الأيام التالية، وضعوا الفيديو واسع الانتشار إلى جانب الأخبار العاجلة. 

أحياناً يكون من المريح تصور أن أكبر خطر تواجهه الصحافة، في هذا العصر، هو دونالد ترامب المدجج بالسلاح، الشرير الوحيد الذي يجب التغلب عليه وإلا سيصمد فترة أطول. لدى الرئيس تاريخ ممنهج من أعمال العنف غير المباشرة المُلهمة، وفي السنوات الأخيرة، جعلت المنافذ الإعلامية الكبيرة من استشهادها المُتخيل جزءاً من علامتها التجارية الأساسية. لكن الصحافة لن تلقى حتفها على يدِ رجلٍ يحمل بندقية. بل ستكون نهايتها في هيئة رجالٍ يرتدون بدلات باهظة، ويمتلكون أعين براقة ويصافحونك بقوة، والذين سيبتسمون ويعلنون صراحة عن أفضل نياتهم وأشجع الوعود وأكثرها جرأة. بعد ذلك، عندما يكونون خلف الأبواب الموصدة، فإن الصوت الوحيد الذي يمكن سماعه هو الهمسات الواهنة وحفيف السكاكين المُشهرة ببرود.

 

هذا المقال مترجم عن newrepublic.com ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي.

 

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.