fbpx

اجتماع بلاسخارت والسيستاني على وقع قمع متظاهري العراق

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“لم أشعر بشيء بعد وضع الكمامة، سوى أنني أفقت في غرفة شبه مظلمة، ويشاطرني إياها آخرون، ليدخل علينا أشخاص بعد ذلك ويفكوا رباطنا وينهالوا علينا بالضرب”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

غادر الدكتور علي بيته مساء، متوجّهاً إلى ساحة التحرير حيث الاعتصامات العراقية. توقفت سيارة إسعاف فجأة، وطلب منه راكبوها الذين حرصوا على تغطية وجوههم بالكمامات، أن يركب السيارة للذهاب إلى المفرزة الطبية التي ينتمي إليها في ساحة الاعتصام.

يروي لـ”درج”: “صعدت إلى السيارة، فقد اعتدت أن يأخذني زملائي معهم إلى هناك سواء بسيارة إسعاف أو بالتوك توك، وطلب مني أحدهم أن أضع كمامة أعطاني إياها، فهنالك الكثير من الغاز الذي أثقلت رائحته المنطقة. وحين اقتربنا من الساحة وضعت الكمامة”.

في غُرفةٍ يطغى عليها الظلام، حاول علي التركيز على ما يحصل وعلى هوية الـ16 شخصاً الذين معه وهم جميعاً مربّطو الأيدي والأقدام. يقول علي: “لم أشعر بشيء بعد وضع الكمامة، سوى أنني أفقت في غرفة شبه مظلمة، ويشاطرني إياها آخرون، ليدخل علينا أشخاص بعد ذلك ويفكوا رباطنا وينهالوا علينا بالضرب”.

“الرعب الذي سيطر عليّ قتذاك لم يكن سببه أنني معتقل، بل كُنت خائفاً من أن أكون في مقر إحدى الميليشيات المسلحة، وحين أخرجونا إلى غرفةٍ أخرى وطلبوا منا توقيع تعهدات تتضمن أننا في حال خروجنا مرة أخرى إلى التظاهرات سنُحاكم وفق المادة (4 إرهاب)، زال الرعب الذي كنت أشعر به. فأن تكون معتقلاً لدى الدولة هذا قد يضمن بقاءك على قيد الحياة، وهو أفضل من مصيرك المجهول حين تختطفك جهات ميليشاوية”.

علي الذي سُجن 4 ساعات في ذلك اليوم الذي نسي تاريخه واسمه، وحاول أن يشطبه من ذاكرته، عاد إلى ساحة التحرير مُلثماً ليمارس مهمته كطبيب في إحدى المفارز الطبية هناك. علي ليس الوحيد، فكثيرون واجهوا الترهيب الهادف إلى إفشال التظاهرات.

خيبة

ابتسم زهير نصف ابتسامة، حين أخبرني أن الجوع يهدده وزملاءه في ساحة التحرير، قال: “لم يعد هناك طعام، ولا حتى أدوية لإسعاف المصابين، الوضع مقلق جداً حتى البارحة ويعني أنه يوم الجمعة 8 تشرين الثاني/ نوفمبر، كانت الساحة تضج بزخم الناس، وكانت الخيم تطبخ الأطعمة، وكنا نشعر بأن كل شيء لمصلحتنا، أما اليوم فأنا عاجز عن فهم ما يحصل، تخيلي أن أحد الأشخاص الذين كان يتبرع بالمال لتأمين الدواء والطعام طلب ألا نتصل به مرة أخرى”. الخيبة كانت تسيطر على وجه زهير، والساحة كانت فارغة تماماً في ذلك اليوم، أخبرتني زمن التي كانت تسير بخطى متسارعة متجهة من نفق السعدون إلى تمثال عبد المحسن السعدون أنها بحاجة إلى مال، وقالت “هنالك 6 عجلات توك توك قامت قوات مكافحة الشغب بحرقها تماماً، ونحن الآن بحاجة إلى المال لإصلاحها”. تؤكد زمن أن “هناك غياب لأكثر الخيم التي كانت تمدّ ساحة التظاهر بالطعام، وأغلب من في الساحة جائع، علماً أن المتظاهرين من الفقراء والمعدومين الذين قرروا ملازمة الساحة حتى أخذ الحقوق والمطالب”.

“لم يعد هناك طعام، ولا حتى أدوية لإسعاف المصابين، الوضع مقلق جداً”

حصار 

هُنالك حصارٌ يستشعره بعض المتظاهرين، يقول فيصل “المعادلة صعبة وغريبة، لكن حين تتأملينها ستشعرين بوجود لعبة غير نظيفة، هنالك أشخاص تبرعوا لنا بمبالغ خيالية من أجل الاستمرار في التظاهر، ولكن بعد قلب الطاولة ضد التظاهرات انسحب الجميع، هل لأنهم تعرضوا لتهديد من قبل جهات ما، أم لأنهم كانوا داعمين لأسباب معينة، ولم نكن نحن سوى لعبة بأيديهم؟ هنا يكمن السؤال، علينا أن نُمعن التفكير بما يحدث”.

السبت لم يكن اليوم الوحيد الذي فُرضت فيه الخيبات والحصار على التظاهرات، يوم الأحد 10 تشرين الثاني هو اليوم التعيس الآخر، والذي ظن البعض أنه بعد هذا اليوم ستنتهي التظاهرات العراقية تماماً. تذكر فاطمة وهي صحافية “مع تصاعد أحداث القتل التي تشهدها منطقة الخلاني، وهي المنطقة الأقرب إلى خيم الاعتصام في ساحة التحرير، ومع تقدم قوات مكافحة الشغب، ومحاصرة ساحة التظاهر من جسر السنك، وشارع الرشيد، وساحة الخلاني، سيطر الخوف على كثيرين، فهجروا الساحة”.

في هذين اليومين كانت الساحة فارغة، وقد هجر كثيرون خيمهم، بينما تصاعدت عمليات القمع من قبل قوات مكافحة الشغب، وقتل متظاهرون، حتى أن بعض القوات سيطر على نهاية نفق السعدون المؤدي الى منطقة السنك، ما جعل الأبخرة تتصاعد. حوصر المتظاهرون الذين أيقنوا أنهم محاطون بالموت وأن لا سبيل لنجاتهم سوى انضمام الجماهير إليهم من جديد.

قنابل

في ساعات متأخرة من الليل وبالتحديد خلال يومي السبت والاحد، كانت أصوات الانفجارات تسيطر على العاصمة بغداد. يقول براء أحد سكان المطعم التركي: “ليلة السبت اهتزت بناية المطعم بأصوات القنابل، توقعنا أن هنالك سيارات مفخخة تم وضعها في ساحة التحرير، وأن هذه الليلة ستكون مجزرة، الغرض منها الخلاص من هذه التظاهرات بأسرع وقت، فوجئنا حين استيقظنا صباحاً، ووجدنا أننا لا نزال على قيد الحياة”.

في هذين اليومين كانت الساحة فارغة، وقد هجر كثيرون خيمهم، بينما تصاعدت عمليات القمع من قبل قوات مكافحة الشغب

أسامة أحد أصحاب المحال في شارع السعدون يؤكد “أن هنالك ثلاث قنابل صوتية وضعت عند محال بيع ورق تغليف الجدران في شارع السعدون، وتفجير هذه القنابل تسبب بدمار هذه المحال وتحطيم زجاجها وجدرانها وتخريب بعض البضائع”.

رسائل تهديد

التهديد بالخطف والقتل، من الوسائل الأكثر شيوعاً التي استخدمت لإيقاف التظاهرات، فضلاً عن الشائعات التي نُشرت بشأن اختطاف عدد من الناشطات والمسعفات اللاتي بقي مصيرهن مجهولاً، فالبعض يؤكد أنهن يمارسن حريتهن في العيش هرباً من مخاوف التهديد، فيما تُسمع أخبار اختطافهن من دون أن تقدم عائلاتهن أي تصريح يؤكد أو يكذب ذلك…

أمين وليلى يؤكدان أن “هنالك شخصاً يعرفنا قام بتوصيل رسالة شفهية لتهديدنا قائلاً (قوات حكومية تمتلك الكثير من المعلومات عنكما، ونبهتني أن أحذركما بأنكما شخصان جيدان ومن الأفضل أن تبتعدا من ساحة التحرير هذه الأيام، لأننا ننوي إنهاء هذه المهزلة بأي ثمن كان)”.

“لاحقتني سيارة عند خروجي من البيت وأنا اقود سيارتي، وحين أوقفتني بعدما مالت باتجاهي، نزل منها ثلاثة ملثمين وقالوا لي (من الأفضل لكِ ألا تستمري بالتظاهر، لدينا معلومات كاملة تخصكِ، ولكن عائلتكِ مسكينة في حال قمنا باعتقالك أو قتلك ستتسببين بدمارها، لذا ننصحك بوقف ما تقومين به وهذا إنذار أخير لكِ)”، تروي مريم تلك الحادثة وتقول “لقد هجرت ساحة التحرير منذ ذلك اليوم”.

أخرجت لمى التي تعمل مسعفة في إحدى المفارز الطبية، بعد عودتها من ساحة التحرير إلى منزلها، ورقة من حقيبتها كُتب عليها “أحذركِ من القدوم إلى هنا مرة أخرى”، لكنها قررت ألا تغادر التحرير.

الإنقاذ الاميركي

حصلت تدخلاتٌ أميركية، لتحاول إنقاذ التظاهرات العراقية، بعدما طالبت واشنطن بتدخل المجتمع الدولي لحل الأزمة العراقية ومساندة الشعب العراقي، وحل البرلمان وتشكيل حكومة إنقاذ.

لم تكُن تلك التدخلات التي لاقت رفضاً من قبل بعض التيارات الشيعية العراقية وحدها التي غيرت بوصلة التظاهر، إذ جاء تصريح المرجع الديني علي السيستاني لمصلحة التظاهرة بعدما زارته في النجف، ممثلة الأمم المتحدة جنين بلاسخارت، إذ أكد “أنه لا يثق بوعود الحكومة العراقية وإصلاحاتها، وأنه يطلب من الشعب الاستمرار بالتظاهر لحين تحقيق المطالب”.

وبعد هذا الكم من التدخلات، أعلنت ألمانيا وفرنسا وهولندا ودول أوروبية أخرى أنها قلقة بشأن الوضع بالعراق، وأن أساليب القمع التي تتبعها الحكومة تُنافي تماماً المواثيق التي قطعها العراق كونه دولة تراعي حريات التعبير وتعتمد الانظمة الديمقراطية.

ألف ميثاق سلام

ألف بالون باللون الأبيض، أطلقت في سماء التحرير، وألف أخرى رسم عليها العلم العراقي أطلقت في اليوم التالي، لتعبر عن ألف ميثاق سلام يتعهد به المتظاهرون للعالم بأكمله، دليلاً على سلمية تظاهراتهم. تقول دينا “أطلقنا البالونات في السماء محاولين تأكيد صدق نياتنا السلمية، وأرسلناها إلى العالم بأكمله لنؤكد أننا عكس ما تزعمه حكومة عبد المهدي حين تتهمنا بالقتل والترهيب أو باننا مندسون”.

ويؤكد عبد الله “أن الجماهير العراقية عادت إلى ساحة التحرير للوقوف إلى جانب المتظاهرين من جديد، في سبيل تحقيق المطالب، ولا بد أن نشير إلى أن خطبة المرجعية لها أثر كبير بعودة المتظاهرين الذين غيبوا عن ساحة التحرير، على رغم أنها ساحة مهددة بعمليات الاختطاف والقتل والترويع من قبل الحكومة العراقية وأتباعها، كما أنها لا تزال أسيرة الحصار بالغاز مسيل الدموع والرصاص الحي، وشائعات الخطف والترهيب التي تركز عليها الحكومة العراقية”.

العراق ولبنان اليوم: حيث أسئلة المستقبل