fbpx

الانتفاضة اللبنانية: ثورة “أن أدع نفسي تفلت مني”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أقف خلف مجموعة شبّان، يشتمون بعبارات نابية. تنظر فتاة إليّ وتراقبني، هل سأكمل الـ”هيلا هو” أم لا؟ أكملها بملء غضبي. تصمت وتبتسم لي. لا تزال في مراحل علاجها الأولى.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أقف خلف مجموعة شبّان، يشتمون بعبارات نابية. تنظر فتاة إليّ وتراقبني، هل سأكمل الـ”هيلا هو” أم لا؟ أكملها بملء غضبي. تصمت وتبتسم لي. لا تزال في مراحل علاجها الأولى.

لقد فوتت جلسة علاجي النفسي هذا الأسبوع… لم يبق لي الكثير، أحتاج فقط أن أفلت.

وفيما نصنع في لبنان ثورتنا، أفكّر بالكلام البذيء، في ثوراتنا المكبوتة. في ثورة لساني ضدّ صمتي المزمن. ضدّ أدبيات المشاعر، فعلاً أنا وبلدي نحتاج إلى القليل من الأدب والكثير من التفلّت، “دعي نفسك تفلت منك”، هذا ما تنصحني به معالجتي أيضاً.

“أن تفلت نفسي مني”، هو كلّ ما أحتاجه للتوقف عن مراجعة طبيبتي، هذا ما تقوله لي، تريد أن تربحني كحالة نجحت في معالجتها بينما أنا سئمت النجاحات البائسة.

جميعنا مكبوتون. هذا ما شعرت به حين رأيت أفراداً ينهارون أمام وسائل الإعلام، كلّ شخص يبوح بمشكلاته الخاصّة والعامّة. هل حصل الانهيار التام على الملأ؟! ما أجمله!

كلّ الحراكات السابقة فشلت لأنها لم تكن كافية. كانت انهيارات جزئية فقط. الآن وصلنا إلى القعر. درس آخر تعلّمته من الثورة. لم يكن عليّ “احتواء أزماتي”، كان عليّ تفجيرها، إطلاقها، كان عليّ أن أنهار، أن أسقط على الأرض لكي أعاود الوقوف من جديد.

ثورة على التمديد، على قبول العيش كما هو، كما فُرض عليك أو كما فرضتَ على نفسك. الأمر سيّان. ثورة على أصوات الناس أو الزعماء التي تتردّد في رأسك، ثورة على الانتظار والوقت والفرص التي لن تأتي.

في اليوم الأول لم أنتظر أحداً، خرجت ومشيت كفرد لا كمجموعة، لم أنتظر أحداً، لم آبه لأحد. نزلت أبحث عن أشياء كثيرة أضعتها في داخلي، نزلت لأنني رغبت في أن أنصاع لنفسي، أو أن أحب نفسي. أليس هذا هو شعار العصر وسبب معظم أزماتنا.

يقولون لنا إن لم نحب أنفسنا فكيف نحب الآخرين؟ صحيح، نحن نعتقد أننا لا نستحق الحب، هذا ما تردّده الطبيبة المختصة، وأنا أجيبها: لا. لا أعتقد ذلك، لم أتربَّ على هذه الطريقة. لم أتربَ على أنني أستحق شيئاً. هكذا عشنا في هذا البلد، نصارع للحصول على أدنى مقومات الحياة، نلملم فتاتها ونمضي متسلحين بعناد العيش فقط.

درس آخر تعلّمته من الثورة. لم يكن عليّ “احتواء أزماتي”، كان عليّ تفجيرها، إطلاقها، كان عليّ أن أنهار، أن أسقط على الأرض لكي أعاود الوقوف من جديد.          

كان علينا أن نحب أنفسنا أكثر، كان عليّ أن أحب نفسي أكثر. أن نقول إننا نستحق كلّ الحياة وكلّ الحب وكلّ شيء. “كل” وليس “جزءاً من”. هذا ما جعلت أردده لنفسي. لأننا متى ما قبلنا بالجزء عدنا إلى العيش بسلبية ويأس يقودنا إلى أيامنا المقبلة… هذا ما تحاول زرعه في رأسي معالجتي… عبثاً.

هذه ثورة كلّ واحد منّا على ما آلت إليه حياته، وعلى ما حدث له طوال هذه السنين. لقد شتمناهم بالسرّ كثيراً فيما كنّا نموت في العلن… لم نعد نريد الموت، نريد “الشتم” لا لأجلهم بل لأجلنا. فهم يستحقون السجن، بينما نحن نحتاج إلى الشتم، إنها ثورتنا وبوحنا الصارخ بمواجهة موتنا المعلن.

“كلّن يعني كلّن”. الحب والفرح والحياة، هذا ما تعنيه لي هذه الثورة… نريد كلّ شيء! أريد كلّ شيء، نريد المستحيل، وأريد أن أتمسك بأحلامي.

سليطة اللسان وحادّة كمقصلة. ثورة على الحب وأنماطه، ثورة على أدبيات الحياة، وعلى شكل النهار كيف يبدأ وكيف ينتهي. ثورة على الليل والشوق الكاذب.

ثورة على حسابات المدخول والمصروف وماذا نطبخ اليوم… ثورة على حبس الدموع في المقل.

إنها ثورة القلب على العقل، ثورة الحب على كلّ شيء.