fbpx

أساليب أكثر وحشية لقمع العراقيين والمرجعية الدينية تؤيد التظاهرات

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كان صباحاً دموياً ويمكن وصفه بكرنفال دم، هذا وصف مناسب جداً، ويبدوا أنه كان تمهيداً للقضاء على التظاهرات العراقية، أو خطوة جادة لذلك

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

عند الحواجز الكونكريتية التي نُصبت على جسر “السنك” في بغداد، كان أحد عناصر “قوات مكافحة الشغب” قد رفع العلم العراقي بيده، وصرخ آخر مُعلناً “هُدنة”، أنزلت الفرقة بأكملها أسلحتها في تلك اللحظة، فتجمع المتظاهرون عند الحواجز. أحضر هيثم الطعام للمتظاهرين، (الخبز الحار، والبيض المسلوق، وصفائح الجبن الصغيرة، والشاي)، تجمعوا عند الحاجز وتسلقه بعضهم. صافح بعض المتظاهرين عدداً من أفراد مكافحة الشغب، ثم ناولوهم الخبز والبيض، تقاسم الجميع طعام الافطار في ذلك الصباح، وقد يبدو للمتلقي أن لُعبة الاقتتال تلك مُتفق عليها، فكيف لهذين الطرفين “عراقيي الجنسية” أن يقتتلا حدّ الموت، ثم يتشاطرا طعاماً واحداً في فترةٍ، أعلنتها قوات حفظ الشغب بأنها هدنة.

فجأةً وبعد نصف ساعة أطلقت القنابل مسيلة الدموع، والرصاص الحي، يقول هيثم “بعدما أعلنت قوات مكافحة الشغب أن هنالك هدنة، أمن المتظاهرون وجلسوا بالقرب من الحواجز الكونكريتية وتجمعوا في المنطقة على مقربة من جسر السنك، وما أن مر نصف ساعة حتى ازداد جمع المتظاهرين، فأطلقت قوات مكافحة الشغب الرصاص الحي علينا، وكأن ذلك وفق تخطيط مسبق لغدر المتظاهرين”. 

كان صباحاً دموياً ويمكن وصفه بكرنفال دم، هذا وصف مناسب جداً، ويبدوا أنه كان تمهيداً للقضاء على التظاهرات العراقية، أو خطوة جادة لذلك…

“السباق مع الموت”، قد تختصر هذه العبارة مشهد منطقة السنك، حيث لعبة الغميضة أو الكرّ والفرّ بين رصاصات قوات مكافحة الشغب والمتظاهرين

استهداف المسعفين 

“السباق مع الموت”، قد تختصر هذه العبارة مشهد منطقة السنك، حيث لعبة الغميضة أو الكرّ والفرّ بين رصاصات قوات مكافحة الشغب والمتظاهرين الذين يحاولون جاهدين إسقاط الحاجز الكونكريتي من على جسر السنك. أصبحت هذه المنطقة هي الأخطر في ذلك الصباح، تقول مريم “خرجت لإسعاف المتظاهرين في السنك، كُنت أتسابق والموت، أحاول المرور من تحت الرصاص لإنقاذ الجرحى، تطبيبهم أو نقلهم إلى أقرب مستشفى، لم أشعر سوى بأن هنالك وخزة قوية في كتفي، عرفت أنني أصبت بشيء ما بخاصة أننا نركض في تلك المنطقة بجنون”.

صدرية مريم الطبية غرقت بدمها، وتهاوت الفتاة وسقطت حين رأت منظر الدم، وسحب السكين المغروسة من كتفها من قبل شخص لم تستطع التعرف إليه لأنه مُلثم، وقد فرّ هارباً وسط الحشود الراكضة في تلك المنطقة هرباً من الرصاص الحي.

يقول عبد الله وهو أحد أفراد المفارز الطبية: “نحن الأطباء والمسعفين نشعر بأننا معرضون للخطر بشكل دائم، إنها ليست أول محاولة قتل تهددنا، أحياناً نتعرض للهجوم من قبل مسلحين بالسكاكين والأسلحة الخفيفة، وأحياناً نتعرض للضرب أو السكاكين في أجسادنا أو الموس من قبل بعض المندسين، وحتى قوات مكافحة الشغب تتعامل معنا بندية في حال حاولنا إسعاف المتظاهرين المصابين. أذكر أن صديقاً لنا في إحدى المفارز قتل بسبب الرصاص الحي الذي تطلقه قوات مكافحة الشغب، وذلك حين كان يحاول إسعاف متظاهر”.

اختطاف المتظاهرين 

“لم أشعر بشيء، غير أنني حين كنت أغط بنوم عميق، وجدتني لا أرى شيئاً، كان هنالك ما يضغط على وجهي، ولم أصحُ سوى في غرفة ضيقة كان معي قرابة 25 شخصاً، وكنا مربوطي الأيدي. بعدها أخرجنا كلّ واحد على انفراد من هذه الغرفة، وتم التحقيق معي وأنا معصوب العين، لم أرَ من كان يتحدث معي، لم أسمع سوى صوته الساخر من تظاهراتنا، وكان يشدد على أنها محاولة إرهابية لتدمير العراق، أخبرني ناصحاً (اسمع يا حارث نحن نعرف كل شيء عنك، أنت مسكين لأنك تتورط ومن دون وعي في مؤامرة كهذه ضد وطنك وحكومتك، لذا ستوقع على هذا التعهد لحمايتك بالدرجة الأولى، وحماية وطنك من جهلك في حال قررت الاستمرار بهذا الجهل)، نعم خرجت من المعتقل بعدما وقّعت تعهداً بأنني متهم وفق المادة 4 إرهاب، في حال عودتي إلى التظاهرات”. 

حين أطلق سراح حارث وعاد إلى ساحة التحرير كمتظاهر مُلثم، محاولاً إخفاء وجهه، اكتشف أن في تلك الليلة التي أخذ فيها إلى مكان يجهله للتحقيق معه خُطف أكثر من 30 شخصاً من زملائه في التظاهرات بالطريقة ذاتها، أي التخدير أثناء النوم والنقل خارج ساحة التحرير والاعتقال.

متظاهر يحمل رصاصات القنص التي يطلقها رجال الأمن

عودة القناص

في الطبقة الرابعة من المطعم التركي، أو ما يُعرف بجبل أُحد، كان هنالك صفيحة معدنية تتصل بسطح الطبقة الخارجي، حيث رافعة وضعت عليها شاشة ضخمة لنقل لُعبة المنتخب الوطني العراقي، ونظيره الإيراني. كانت الساعة الثانية ظهراً حين قررت لميس وهي مراسلة صحافية الذهاب الى هناك لتصوير تقرير صحافي عن الأوضاع في ساحات الاعتصام، واختارت هذا المكان المُطلّ على نصب الحرية للتصوير، إلا أنها قطعت التصوير مفزوعة، بعدما رُميت الرافعة برصاصات موجهة من مكان مجهول. تقول لميس “أخبرنا أحدهم مشيراً إلى العمارة المجاورة لجبل أحد من جهة اليمين، أن هنالك قناصاً في تلك العمارة، وقد اعتلاها منذ صباح يوم الخميس وتسبب بقتل شخصين من المتظاهرين”.

يبدو أن القناص لم يكن وسيلة كافية لقمع التظاهرات، فظهرت عجلتان عسكريتان ضخمتان في منطقة السنك بعد العاشرة صباحاً. يقول فيصل “من كان يسوق العجلتان موجه لقتل من في المنطقة سحقاً أو دهساً، كانت العجلتان تتسابقان نحو المتظاهرين في السنك وقد قتل أكثر من 11 شخصاً في ذلك الصباح”.

في الصباح ذاته، احترقت خيم لمتظاهري السنك، وأخرى في منطقة ابي نواس. يقول عبد الرحمن وهو من المسعفين في منطقة السنك “لم يكن أحد منا يعلم سبب تلك الحرائق التي كانت تشب في الخيم، بخاصة أننا لا نستخدم داخل الخيم ما يتسبب بحرقها، إلا أن المنطقة، تصخب بالركض والهيجان المستمرين من قبل قوات مكافحة الشغب برميها القنابل والرصاص الحي، وليس ذلك فحسب، بل ذهبت إلى أساليب حرق الخيم والمفارز الطبية”.

كما شب حريق في الطبقة 14 من المطعم التركي، وعلى رغم من محاولات اعتبار ذلك نتيجة وقوع فحم نرجيلة على الأغطية، إلا أن فيديو سجله محمد أحد سكان المطعم التركي، يُبين أن أشخاصاً استخدموا قنابل المولوتوف لحرق المطعم ومن فيه، واستطاع المتظاهرون السيطرة على الوضع وإخماد الحريق”. 

في ليلة الجمعة، وبينما كان عدد الوافدين إلى ساحة التحرير يزداد، بسبب تأييد المرجعية الدينية في العراق التظاهرات وإعلانها بشكل مباشر أنها لا تعترف بشرعية حكومة لم يمنحها الشعب الشرعية قائلة “لا شرعية لحكومة لم يضع الشعب ثقته بها”، بدأت حالات العنف ضد المتظاهرين تتصاعد. انفجرت ثلاث قنابل صوتية بفترات متقاربة، إحداها داخل المطعم التركي، والثانية على جسر الجمهورية، والثالثة في منطقة السنك، يقول سجاد “لم يكن يعنينا انفجار القنابل الصوتية فلقد اعتدناها، إلا أنه تم استخدام قنابل صوتية جديدة وغريبة، بعد انفجارها تُطلق شظايا، وهذه الشظايا تُصيب الأشخاص الذين يقفون على بعد نحو 6 أمتار، وقد أصيب كثيرون”. 

هزةٌ لم يُرَ بعدها سوى نهر من الدم، وحرائق وجرحى وشهداء، يقول سجاد “لم أعد أرى شيئاً سوى أنني سقطت على الأرض والدم يغطي وجهي، أشكر الله أنني أصبت ببعض الجروح، عند العاشرة والنصف من ليلة الجمعة انفجرت سيارة تسببت بإسقاط 5 شهداء في ساحة التحرير عند المنطقة المتجهة إلى ساحة الطيران في الباب الشرقي وسط بغداد، وأسقط التفجير 11 جريحاً أيضاً. نُقلنا إلى المستشفى، وعلمت أن هذه السيارة لم تكن مفخخة، ولم تكن هي وحدها التي انفجرت، في اللحظة ذاتها انفجرت عجلة تُوك تُوك أيضاً، إذ هنالك من ألصق قنبلة صوتية في السيارة وعجلة التوك توك، وما أن تفجرت هذه القنبلة حتى أحرقت السيارة والعجلة وأصيب كل من كان قريباً”.