fbpx

لهذه الأسباب ساقاطع الانتخابات

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

على رغم محاولاتي المتكررة لكي أتحمّس للانتخابات النيابية المقبلة، لم أستطع أن أقاوم الإحساس العارم باللامبالاة تجاه الاستحقاق الآتي. حاولت أن أقتنع بضجيج «المجتمع المدني»، ولكن صيحات النضال ولدت ضجراً فاقم الإحساس باللامبالاة. عدت إلى ضميري «المواطن» لكي أبتز نفسي من خلال استذكار واجبي الديموقراطي، ولكن تذكرت أن هذا الضمير لم يولد عندي إلا… اللامبالاة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

على رغم محاولاتي المتكررة لكي أتحمّس للانتخابات النيابية المقبلة، لم أستطع أن أقاوم الإحساس العارم باللامبالاة تجاه الاستحقاق الآتي. حاولت أن أقتنع بضجيج «المجتمع المدني»، ولكن صيحات النضال ولدت ضجراً فاقم الإحساس باللامبالاة. عدت إلى ضميري «المواطن» لكي أبتز نفسي من خلال استذكار واجبي الديموقراطي، ولكن تذكرت أن هذا الضمير لم يولد عندي إلا… اللامبالاة. من ثم بحثت في اعتراضي على “حزب الله” عن سبب لكي أشارك بهذه الانتخابات، ولكن سرعان ما تذكرت تجارب الـ2005 والـ2009، لكي أقنع نفسي بأن الحزب لم يحكم يوماً من خلال المؤسسات. فاستسلمت لنعومة اللامبالاة ورخاوتها، ليس بالضرورة كمشروع سياسي، بل كحساسية ديموقراطية، تؤمن مسافةً، وإن كانت ضئيلة، من إغراءات السلطة وابتزازها وعنفها.
لا يلغي الإحساس باللامبالاة تجاه حقيقة أن هناك بعض المعارك المحلية التي قد تكون مهمة، كمعركة بعلبك- الهرمل مثلاً، أو أن هناك بعض اللوائح التي يمكن دعمها من هنا أو هناك. ولكن هذه الحماسة المحلية لا تلغي أيضاً أن ليس من سياق سياسي لهذه الانتخابات أو مضمون عام. فمنذ انتهاء الحرب الأهلية، اعتدنا على نمطين من الانتخابات، تفصلها الانتخابات الفرعية في عام 2002. قام النمط الأول على منطق «خرق» بعض الفاعليات، المحادل التي رعاها آنذاك نظام الوصاية، من ضمن سياق بناء معارضة لهذه السيطرة. أما النمط الثاني الذي اختبرناه في آخر عمليتين انتخابيتين، فكان منطقه «أكثري» يتواجه به حلفان سياسيان على صعيد الوطن. بالمقارنة مع هاتين التجربتين، يبدو أن السياق الوحيد للانتخابات المقبلة هو تحديد وجوه العهد الجديد ومعارضته «المقبولة». اللامبالاة بوضع كهذا ليست أسوأ الخيارات، ومن المؤكد قد تكون «صحية» أكثر من حماسة جيوش المرشحين.
فقدان المعنى السياسي للانتخابات لا يعني الرضوخ للأمر الواقع، بل هو مجرّد دعوة إلى إعادة ترتيب الأولويات وطرح الأسئلة بطريقة مختلفة. فبدل الإقرار بضرورة المشاركة ومن ثم البحث عن مشروع سياسي يمكننا تقديمه، وتبريراً لهذا القرار، ربّما يجب طرح السؤال بطريقة معكوسة: فما هو المشروع السياسي الذي يمكن بناء معارضة جديدة حوله، وهل الانتخابات محطة في عملية البناء هذه؟ ليس من العيب الاعتراف بأننا نفتقد اليوم إلى مشروع سياسي متكامل. ولكن هذا لا يمنعنا من تحديد معالم مشروع كهذا أو على الأقل أسئلته الأساسية. والسؤال هو عن كيفية تشخيص العهد وكيفية معارضته، أو على الأقل بناء مساحة خارج سيطرته، يمكن أن تؤسس لمشروع معارض جديد. وهذا المشروع يتطلب إعادة صياغة معارضة لـ “حزب الله” ومشروعه الإقليمي، وهو العمود الفقري للعهد الجديد. كما أنّه يتطلب إعادة تسييس المسائل الاجتماعية والثقافية خارج قبضة المجتمع المدني وخطابه التبسيطي. التحدي اليوم لا يقاس بخرق انتخابي من هنا أو هناك، بل بتحديد معالم بناء هيمنة مضادة لمشروع العهد الجديد. من هنا، اللامبالاة ليست تخلياً عن السياسة، بقدر ما هي تذكير بأن المعركة في مكان آخر.
بناء عليه، اللامبالاة تقتضي عدم الاكتراث، ترشيحاً وتصويتاً، بالانتخابات المقبلة، وهذا للأسباب التالية:
1- إن الانتخابات المقبلة هي أول انتخابات تتم بعد سيطرة “حزب الله” على مجرى السياسة في لبنان. إنها سيطرة قامت على فشل الحزب الانتخابي، ولكن نجاحه العنيف في ترويض الساحة السياسية. كما أنّها تأتي بعد تدخل الحزب في الحرب السورية، قصفاً وقتلاً وتهجيراً. المشاركة في تلك الانتخابات هي قبول بهذا المسار، والبحث من تحت عنف “حزب الله” عن مسافات ضيقة للاعتراض الهامشي. اللامبالاة، بهذا المعنى، تعني الاعتراف بالخسارة ورفض تطبيعها بآن.
2- لا يكترث العهد الجديد بنتائج الانتخابات. فلن يؤثر تبديل موازين القوى التي قد تنتجها هذه الانتخابات، في سياق السياسة العام، وهذا بعدما تم ترويض معظم القوى السياسية. ما يحتاج إليه العهد الجديد هو تطبيع سيطرته واعتراف بأهليته لإدارة العملية الانتخابية. على الأرجح، قد يفضل العهد الجديد خرقاً أو خرقين لفرسان المجتمع المدني لتبييض صفحته الديموقراطية. اللامبالاة، مهما كانت هامشية، هي رفض لشرعنة هذه السيطرة والتمسك بحق التشكيك بأهلية العهد على الحكم.
3- معارضة “حزب الله” اليوم لن تحصل من خلال الانتخابات. قد يكون هناك من معارضين للحزب يخرقون من هنا أو هناك. ولكن بات المجلس النيابي هامشياً بمنظومة الحكم التي بناها الحزب. المشاركة، بهذا المعنى، تنطوي على محاولة لاستمرار الوهم بأن مجلس النواب ما زال مركز السلطة أو حتى أداة يمكن استغلالها في ظل غياب مشروع سياسي. اللامبالاة هي إقرار بهذا الواقع، وربما دافع لكي يعاد التفكير بمنظومة الحكم وكيفية معارضتها.
4- باتت أيضاً معارضة «السلطة»، كما يحلو للمجتمع المدني تسمية المنظومة الحاكمة، شبه مستحيلة من داخل مجلس النواب، هذا إذا فهمنا معارضة النظام كأكثر من نائب يحاضر مرة بالسنة خلال مناقشة الميزانية، كما اعتدنا على هذا الفولكلور بالتسعينات. الدولة كأداة تغيير يجب إصلاحها باتت من الأساطير المؤسسة للمجتمع المدني. اللامبالاة هي رفض للاستمرار بهذه الأسطورة وإعلان لفشل التجارب التي قامت على هذه الفرضية.
5- أظهرت الانتخابات منذ تسعينات القرن الفائت أنها أفضل أداة لترويض المعارضين القادمين من المجتمع المدني. فأداء من نجح بدخول المجلس من المجتمع المدني ليس مشجعاً، ولا يبرر تكرار هذه المحاولات. إذ انتهى معظمهم موظفين عند أحزاب سلطة، وبالكاد طرحوا قانوناً أو اثنين. ولا يبدو أن مسار الانتخابات الحالي سوف يختلف بكثير عما حصل في الماضي. فوهم إمكان الخرق كان كافياً لكي يميع الخطابات ويبرر تحالفات مشبوهة، هذا إذا وضعنا جانباً أن أكبر مصدر للمرشحين هو حزب لا لون ولا طعمة له. عدم المشاركة هو رفض لابتزاز المجتمع المدني وإعلان أن المحاسبة ليست مجرد شعار في وجه نبيه بري، بل باتت ضرورة في وجه هذه المنظومة أيضاً.
6- بات من الضروري الخروج من فكرة المجتمع المدني كالبديل الوحيد في السياسة. فتحويل هذا المفهوم إلى شعار انتخابي، بات يضم كل من هو خارج حزب سياسي، هو بحد ذاته اعتراف بانتهاء صلاحية هذا المفهوم. فلم يعد يكفي بعد اليوم ابتزاز أفراد، إنجازهم الوحيد أنّهم ليسوا حزبيين، لكي يتم دعمهم. اللامبالاة هي بمكان ما الرد الوحيد في وجه هذا الابتزاز.
7- إذا قرر البعض استبدال معركة الرأي العام بمعركة الحاصل والصوت التفضيلي، فهذا الخيار لا يلزم الجميع، وإن لم يكن هناك من مكان للتعبير عن هذا الرفض إلا بعدم المشاركة. في تسعينات القرن الفائت، كان ترشح معارضين ينطلق من فرضية الخسارة المحتومة لكي يخوضوا معركة الرأي العام. أما القانون الحالي، فقد شجع التخلي عن معركة الرأي العام من أجل تجميع سخيف للأصوات، يتغذى من وهم إمكان الخرق. اللامبالاة قد تكون الموقف الأخير في وجه عملية التخلي هذه.
يأخذ هذا العهد ومعارضته المفترضة نفسيهما على محمل الجد. فيطالباننا بعدما تم تعنيف الساحة اللبنانية بالإقرار بجدية ألاعيبهما وطموحاتهما. في وجه هذه الأيديولوجيا، اللامبالاة قد تشكل آخر معقل خارجها يرفض أخذهما على محمل الجد. وفي آخر المطاف، حتى السيطرة يجب أن تنطوي على بعض الحماسة. رضخنا للعنف، ولكن هل علينا أن نرضخ للملل أيضاً؟
[video_player link=””][/video_player]