fbpx

لماذا علينا ألا نقلد الاسرائيليين في نقاشاتهم؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كَشْفُ اسرائيل الأسبوع الماضي مسؤوليتها عن الغارة التي تعرض لها مفاعل الكبر قرب دير الزور السورية قبل أحد عشر عاماً، عينة نموذجية على هذا السلوك. المفارقة أن الذعر والصخب الاسرائيليان يترافقان عموماً مع انتصارات عسكرية وأمنية، في حين أن البيانات والتصريحات العربية الواثق أصحابها من أنفسهم والمطمئنة الى حسن سير الأمور، غالبا ما تخفي كوارث مزلزلة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

فور إعلان اسرائيل عن واحدة من عملياتها، تبدأ التقارير الصحافية في تناول وجوه التقصير وتحذر من الاخفاقات المحتملة ويباشر السياسيون حملاتهم الاتهامية المتبادلة في حال الفشل، أو التنازع على نسبة النجاح إلى أنفسهم. كأن ثمّة صحافي يكتب عن الوقائع الميدانية، والى مكتب قريب يجلس آخر يعدد الأخطاء المرتكبة، فيما يجري ثالث اتصالات بالسياسيين لتحريضهم على بعضهم البعض.
كَشْفُ اسرائيل الأسبوع الماضي مسؤوليتها عن الغارة التي تعرض لها مفاعل الكبر قرب دير الزور السورية قبل أحد عشر عاماً، عينة نموذجية على هذا السلوك. المفارقة أن الذعر والصخب الاسرائيليان يترافقان عموماً مع انتصارات عسكرية وأمنية، في حين أن البيانات والتصريحات العربية الواثق أصحابها من أنفسهم والمطمئنة الى حسن سير الأمور، غالبا ما تخفي كوارث مزلزلة.
ربما تعود هذه الظاهرة الى حرب تشرين (اكتوبر) 1973 وشعور الاسرائيليين للمرة الأولى أن الهجوم المصري السوري المشترك قد عرّض وجود دولتهم الى تهديد جدي غير مسبوق. استدعى الأمر تشكيل “لجنة أغرانات” للتحقيق في وقوع اسرائيل في مفاجأة استراتيجية. هنا أيضا يمكن الحديث عن حصيلة نهائية واضحة: الانتصار العربي في عبور قناة السويس والتقدم الى عمق الجولان، تحوّل بعد أيام الى هزيمة شبه كاملة بالاختراق الاسرائيلي في الدفرسوار والوصول الى مسافة 101 كيلومتر عن القاهرة (حيث جرت مفاوضات “الكيلو 101” الشهيرة) كما حقق الاسرائيليون تقدماً في الجولان ونزلوا من المرتفعات واصبحوا على بعد اربعين كيلومترا من دمشق، قبل أن يتراجعوا إلى خط وقف إطلاق النار، الذي اتفق عليه حافظ الاسد وهنري كيسنجر عام 1974، بعد حرب الاستنزاف على الجبهة السورية.
بعد تسع سنوات، شكّلت اسرائيل لجنة كاهانا للتحقيق في مجزرتي صبرا وشاتيلا، اللتين ارتكبتهما ميليشيات متعاملة مع اسرائيل برعاية وحماية هذه الاخيرة، وفق ما خلصت اللجنة اليه. الأمر ذاته يتكرر بعد كل حرب أو هجوم اسرائيلي تقريباً. في أعقاب حرب تموز (يوليو) 2006، أصدرت لجنة فينوغراد تقريراً شديد اللهجة بحق اداء الحكومة والجيش الاسرائيليين ما تسبب في تصنيف الحرب هذه في خانة الاخفاقات والهزائم بسبب عدم تحقيق الحرب أهدافها المعلنة في الأيام الاولى للهجوم الاسرائيلي: تدمير “حزب الله” واسترجاع الجنديين الاسيرين الذين وقعا في قبضة الحزب وكان اسرهما السبب المباشر للحرب. هذا بغض النظر عن الوضع الذي خلفته الحرب في لبنان الذي فقد اكثر من 1200 من مواطنيه واصيبت بناه التحتية بخسائر جسيمة والأهم أن الحرب صعّدت أزمته السياسية التي نجمت عن اغتيال رفيق الحريري في شباط (فبراير) 2005.
والحال أن الحاصل الأخير للحروب والعمليات هذه لا يؤثر كثيراً على النقاش الداخلي الاسرائيلي الذي يتبعها. ثمّة حروب حققت اسرائيل فيها انتصارات وتبعتها انتقادات سياسية وصحافية حادة وصراعات، منيت فيها الدولة العبرية بهزائم، سياسية أو عسكرية، لكن النقد القاسي رافقها أيضاً.
تفسيرات عدة لهذه الظاهرة. منها أن اسرائيل في حاجة دائمة الى اظهار خوفها واستثماره من خلال تصوير القوى المقابلة لها كوحوش ضارية، وقادرة على إلحاق الأذى البالغ باسرائيل، التي تنجو في اللحظة الاخيرة من قدر أسود سواء أكان دخول مفاعل نووي حيز العمل، أو وصول أسلحة متطورة الى العدو الخ…، ما يجلب لهذه التعاطف الدولي، ويؤمن لها موارد مالية وغطاءً سياسياً. وثمّة من يقول أن النقاشات والانتقادات ترجع الى السمة الديموقراطية للنظام في اسرائيل (ما لا ينفي أنه نظام تمييز عنصري ضد الفلسطينيين، في وقت واحد)، حيث تبيح حرية الصحافة تناول كافة أوجه نشاطات الحكومة، بما فيها الأمنية منها حتى لو فرضت الرقابة العسكرية حظراً على نشر كل ما يتعلق بها، إذ يجري تجاوز هذه العقبة بنقل التقارير عن الأحداث المحاطة بالتكتم الرسمي عن الصحف الأجنبية وتتظاهر الصحف الاسرائيلية أنها تناقش خبراً أجنبياً فيما تتظاهر الرقابة أن أوامرها لم تنتهك.
الجانب الثاني من هذا التفسير يشير إلى أن الساحة الاسرائيلية لم تعد تُظهر الاجماع الذي اظهرته في المراحل الاولى لتأسيس الدولة حول الاحداث الرئيسة مثل حربي 1956 و1967، لكنها تتبنى مواقف شديدة القسوة عندما يتعلق الأمر بالنشاط الفلسطيني المسلح على غرار قمع الانتفاضة الثانية في 2002 والحروب على قطاع غزة بين 2008 و2014 التي لم تُقابل عموما باعتراضات اسرائيلية شعبية، واقتصرت الانتقادات على أصوات بعض الكتاب والسياسيين.
يضاف الى ذلك أن النقاشات والانتقادات تعود في احيان كثيرة الى الحنين الى “زمن جميل” مضى: كم كانت متقنة الغارة على مفاعل تموز العراقي في 1981 مقابل الفوضى التي عمت التحضير للغارة على المفاعل السوري. كم كانوا ماهرين الطيارون الذين اخترقوا المجالات الجوية لثلاثة بلدان للوصول الى العراق ودمروا المفاعل بقنابل تقليدية، في حين اعتمد الطيارون في 2007 على القنابل الذكية….
أسباب الكشف عن تفاصيل الغارة على المفاعل في الكُبر والغايات السياسية لهذه الخطوة وتوقيتها وسط تصاعد التوتر في المنطقة ومجيء طاقم متطرف الى الادارة الاميركية وربط كل ذلك بتوجيه رسائل الى ايران قبل اسابيع من اتخاذ دونالد ترامب بشأن الاتفاق النووي مع طهران، مسائل لا تعنينا كثيرا اذ ان الامور عندنا مطمئنة والاستعدادات ناجزة لتحقيق المزيد من الانتصارات. علينا اذا ترك هذه النقاشات للعدو كعلامة على ضعفه واقتراب سقوطه الأخير.
[video_player link=””][/video_player]