fbpx

“قيصر روسيا الجديد” على عتبة ولاية رابعة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في كواليس الموسم البوتيني الخامس، سؤال بديهي عن إمكانية حضور موسم سادس ربيع العام ٢٠٢٤، فطموحات بوتين الذي تحوّل إلى قيصر جديد، أعادت إلى الأذهان فكرة “جامع الأراضي الروسية”، التي ترجمها في استيلاء موسكو على جزيرة القرم سنة ٢٠١٤، ورغبته في ردّ الإعتبار ل “روسيا العظمى”. لكن هذه الطموحات تصطدم بواقع اجتماعي، يجعل من تطلعّات الضابط السابق في الكي. جي. بي. “مجرّد أوهام”، كما يصفها المؤرخ الفرنسي جان-جاك ماري. وفي سجلّ الأخير تحليل عميق عن روسيا السوفياتية وشخصياتها، وكلام أخير عن روسيا البوتينية في كتابه الصادر سنة ٢٠١٦ “روسيا تحت حكم بوتين”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يتوجّه الناخبون الروس، البالغ عددهم ١٠٩ مليون ناخب، إلى مراكز الإقتراع ليختاروا رئيساً للبلاد، سيكون حتما الرئيس الحالي فلاديمير بوتين. وإذ تبدو الإنتخابات الحالية شكلية، في ظلّ ضعف المعارضة وتشتّتها وغياب أبرز الأسماء المعارضة عن السباق الرئاسي، كأليكسي نافالني، وترشّح وجوه جديدة، كماكسيم سوريكين، المنشق عن الحزب الشيوعي، ومقدمة البرامج التلفزيونية سينيا سوبشاك، فإنّ الأنظار ستكون موجّهة إلى نسبة المشاركة في تلك الإنتخابات، وسط اشتعال الأزمة بين موسكو ولندن على خلفية ملفّ تسميم العميل الروسي المزدوج سيرغي سكريبال.
في كواليس الموسم البوتيني الخامس، سؤال بديهي عن إمكانية حضور موسم سادس ربيع العام ٢٠٢٤، فطموحات بوتين الذي تحوّل إلى قيصر جديد، أعادت إلى الأذهان فكرة “جامع الأراضي الروسية”، التي ترجمها في استيلاء موسكو على جزيرة القرم سنة ٢٠١٤، ورغبته في ردّ الإعتبار ل “روسيا العظمى”. لكن هذه الطموحات تصطدم بواقع اجتماعي، يجعل من تطلعّات الضابط السابق في الكي. جي. بي. “مجرّد أوهام”، كما يصفها المؤرخ الفرنسي جان-جاك ماري. وفي سجلّ الأخير تحليل عميق عن روسيا السوفياتية وشخصياتها، وكلام أخير عن روسيا البوتينية في كتابه الصادر سنة ٢٠١٦ “روسيا تحت حكم بوتين”.
ينطلق جان-جاك ماري في تصوّره للبوتينية من نقطتين أساسيتين: مراقبة المجتمع، وتميّز النظام السياسي، ويذهب إلى دحض النظريات التي تقول بقوة وعظمة روسيا البوتينية المبنية على ثالوث السياسة، الدبلوماسية الذكية، والعسكريتاريا الفعّالة (في أوكرانيا وسوريا والشيشان من قبل) والكنيسة الأرثوذوكسية، ويعيد السبب في تفوّق بوتين و”ألمعيته” في السنوات ال الست الأخيرة التي قضاها في الكرملين، إلى ما يسميه “الجهاز الإجرامي المعمّم”، وإلى عدم قدرة الأحزاب على الإستقلال وبلورة معارضة حقيقية، وإلى قدرة الرجل على الإمساك بمفاصل السلطة الإعلامية كإقفال شبكة “ان تي في” الإخبارية المستقلة منذ وصوله إلى الحكم، وإطلاقه مئات القنوات الموجّهة، التي رسّخت لنمط إعلاميّ دعائي قويّ في التهليل لحرب الشيشان، وتمجيد شخصيته ودعم شعبيته.
ودائما بحسب المؤرخ التروتسكي، فإنّ بوتين استطاع في بداية مشواره في الحكم التخلّص من الأوليغارشية والحرس القديم، الذي قد يشكّل خطرا عليه فأزاح ميخائيل خودوركوفسكي (٢٠٠٣)، و أطاح بأبرز وجوه الحقبة اليلتسينية، بوريس بيريزوفسكي سنة ٢٠٠٠، وعمل على السيطرة السريعة على أباطرة الإعلام والأعمال، مع تشديده الدائم على طرحه مشروع “الإصلاح” والتخلّص من الفاسدين.
أسرار القيصر
من المعروف أنّ فلاديمير بوتين كان ضابطا في جهاز المخابرات السوفياتية منذ العام ١٩٧٥، وكان حينها يبلغ ٢٣ عاما، لكنّ أحدا قليلاً ما تمّ الالتفات إلى المهمات التي أوكلت إلى الضابط الشاب. سنة ١٩٨٥، حطّ بوتين مع زوجته في درسدن في ألمانيا الشرقية، وقضى هناك أربعة أعوام، حاول من خلالها تجنيد عملاء قادمين من ألمانيا الغربية، لكنّ لحظة مفصلية في حياة الضابط الصغير حين انهار جدار برلين وتوحدت ألمانيا. وبحسب شهادة سجّلها صديقه المخرج ايغور شادخان، في الملف الخاص الذي أصدرته مجلة ال OBS الفرنسية منذ سنوات: “عندما اتّصل بوتين بغورباتشوف طالبا المساعدة من وحدات الجيش الأحمر، غداة حصار مقرات الكيه بي جي، ولاقى رفضا، قرّر بوتين إحراق كل المستندات وتقارير الإدانة في المكتب.”
عندما عاد بوتين إلى لينينغراد، التي ستستعيد اسم سانت-بطرسبرغ، أصبح الذراع اليمنى لعمدة المدينة، وقبل أن تروج الإشاعات عن الرجل السابق في جهاز المخابرات، تلك “المهمة” التي لم تكن محببة في المدينة، قام بوتين بحركة ذكية وطلب من صديقه شادخان تصوير وثائقي عن حياته السرية، حمل عنوان “Vlast” التي تعني “القوة” تسوّق لإنجازات الرجل ووطنيته.
في العام ٩٩، كانت ملامح نهاية حقبة الرئيس بوريس يلتسين قد بدأت، من إعلان مرضه إلى تصرفات الحلقة الأوليغارشية القريبة منه الإعتباطية، وفي الوقت الذي كان البحث جاريا عن شخصية تشغل منصب رئيس الوزراء، وقع الإختيار على رئيس جهاز الأمن الفيدرالي الروسي فلاديمير بوتين.
على صفيح التفجيرات التي طالت مدنا روسية وذهبت ب٢٩٠ ضحية خلال ١٦ يوما، اتّهم بوتين اسلاميي الشيشان بمسؤوليتهم عن تلك الهجمات الدموية، وقرّر شنّ حرب انتهت بعد ستة أشهر بسقوط غروزني عاصمة اقليم الشيشان. تشكّلت لجنة برلمانية للتحقيق بتفجيرات أيلول ١٩٩٩، وقتل اثنان من أعضائها في ظروف غامضة، وأشارت أقلام وأصوات عديدة إلى مسؤولية موسكو عن تدبير تلك الأحداث الدموية لتبرير حربها على الشيشان.
جانب آخر من حياة بوتين لا يتوقّف عن إثارة التساؤلات : ثروته.
الرجل الذي يقول أنه يمتلك فقط ثلاث سيارات وقطعة أرض في موسكو وأخرى في تل أبيب (ورثها عن مدرّس اللغة الألمانية الذي كان يحبه كثيرا) وبيت متواضع، يحضر على لائحة أغنى أغنياء العالم. تقول وزارة الخزينة الأمريكية في تقرير رفعته سنة ٢٠١٥ أنّ بوتين يمتلك القسم الأكبر من أسهم مجموعة غوفور (Gunvor) السويسرية، الثالثة عالميا في تجارة النفط، والتي يديرها صديقه الملياردير غينادي تيموشينكو. وبحسب مجلة فوربس فإنّ بوتين قد يكون من بين أغنى خمسة رجال في العالم. في العام ٢٠١٢ أصدر المعارض بوريس نيمستوف، لائحة بثروات الرئيس الروسي، لم يكذّبها بوتين والإعلام الرسمي وكتب نيمستوف يومها، “يمتلك بوتين ٢٠ عمارة على البحر الأسود و٤ يخوت و٨٣ طيارة، كل هذا يسمح له أن يتنعّم بحياة أمير عربي أو أوليغاركي صارخ !”. اغتيل نيمستوف في قلب العاصمة موسكو بعد ثلاث سنوات.
من بين أسرار كثيرة حول حياة بوتين الشخصية، لا يمكن عدم التوقّف عند حياته العاطفية والعائلية، التي تعتبر “السرّ الأكثر غموضا في البلاد”. سنة ٢٠٠٨ سرّبت صحيفة محلية خبر هزّ موسكو حول علاقة تربط بوتين بلاعبة الجمباز إلينا كاباييڤا، الحائزة على الميدالية الذهبية في أولمبياد أثينا ٢٠٠٨. أسبوع بعد ذلك أقفلت الصحيفة نهائيا.
في روسيا، الجميع يعرف ليدوميلا زوجة بوتين منذ العام ١٩٨٣ والتي أعلن انفصاله عنها سنة ٢٠١٤. سنة ٢٠١٣ تمّ الإعلان عن زواج ابنة بوتين البكر كاترينا، من كيريل شامالوف، أحد أبرز عناصر التركيبة الشبابية للأوليغارشية البوتينية. أما ماريا
(٣٢ عاما)، ابنته الأخرى فلا يعرف عنها الكثير، سوى أنها تقيم في حي برجوازي في أمستردام مع صديقها الهولندي، الذي يحتلّ منصبا رفيعا في “غازبروم”، أكبر شركات استخراج الغاز الطبيعي في العالم.
غلاكسي بوتين : دائرة القيصر الأولى
في كتابه “رجال الكرملين” يتحدّث الكاتب ميخائيل زيغار عن أشخاص مقربين من الرئيس يتوزّعون على مجموعتين : الأولى تعرف في الكرملين ب “مجموعة السبت” وهي تشبه ال “Poltiburo”، أو المكتب السياسي وتعقد جلساتها الأسبوعية في نوفو-أوغاريوفو غرب العاصمة موسكو. تضمّ هذه المجموعة كبار القادة الأمنيين والعسكريين والوزراء وموظفي الصف الأول في جهاز الدولة : رئيس الحكومة ديمتري مدفيديف، وزير الخارجية سيرغي لافروف، وزير الدفاع سيرغي شويغو، مسؤول الإدارة الأول في الكرملين أنطون ڤاينو، رئيس الدوما فياتشيسلاف ڤولودين ورئيس مجلس الشيوخ فالنتينا ماتفينكو.
أما المجموعة الثانية التي تعرف باسم “مجموعة الأحد”، فهي الدائرة الشخصية للرئيس والقسم الأكبر منها متحدّر من سانت-بطرسبرغ، وتضمّ صناعيين كبار ورؤساء شركات وأباطرة الأعمال كتيموشنيكو الذي يدير مجموعة “فولغا، ويوري كوفالتشوك المدير التنفيذي ل “روسيا بنك” وأليشير عثمانوڤ رائد التعدين إضافة إلى الأخوين روتنبرغ، أركادي وبوريس، اللذين يشرفان على مجموعة SGM للبنى التحتية. والأحاديث في تلك الآحاد لا يقتصر على السياسة والإقتصاد كما هو الحال في لقاءات السبت، اذ يتجاوزها ليطال التظاهرات الفنية والسينما والرياضة وبشكل خاص دوري الهوكي الوطني (NHL) في أمريكا الشمالية الذي يتابعه بوتين عن كثب.
ولا يخفى على أحد أنّ تساؤلات عديدة تطرح اليوم عن مستقبل بعض الشخصيات المحيطة بالقيصر كألكسي ديومين، الرجل الذي تقلّب في مناصب عديدة ولمع نجمه في جهاز الأمن الرئاسي الخاص سنة ٢٠٠٧، ليصبح لاحقا قائد القوات العسكرية البرية سنة ٢٠١٥ ونائب وزير الدفاع، قبل أن يخوض الانتخابات المحلية ويصبح حاكما لولاية تولا أوبلاست. همسٌ كثير تردد حول شخصية ديومين، الرجل المحتمل لخلافة بوتين يوما ما، لكنّ هذا الهمس لا يتعدّى الإشاعات كما يقول ميخائيل زيغاروف “لا يوجد رقم ٢ لبوتين في روسيا اليوم”.
حماة الإمبراطورية وكلاب الحرب
يعتمد بوتين بشكل كبير على القوازق وذئاب الليل وصولا إلى “الأنتي-ميدان” وال “Hells Angels” وعشرات المجموعات التي تعتبر سلاحه السري في انتصاراته العسكرية خاصة في شرق أوكرانيا. أسّس ألكسندر زالدوستانوف، نادي الدراجات النارية الوطنية المعروف باسم “ذئاب الليل”، وهو مقرّب جدا من بوتين الذي يرى في أعضاء النادي “أشقاء” له، وهم يرفعون شعار “ذاهبون إلى برلين من أجل ستالين، من أجل الأمة” وشهد النادي هذا العام انضمام الزعيم الشيشاني رمضان قاديروف، في غروزني إلى النادي، وقبوله كعضو شرف مع عشرات من المقاتلين مزودين بدراجاتهم النارية.
أما القوازق الذين يقودهم اليوم نيكولاي دياكونوف، فهم يلعبون دوراً مماثلا لدور رعاة البقر في الثقافة الأمريكية، وكان تولوستوي وبوشكين قد جاءا على ذكرهما في الأدب السوفياتي. تاريخياً قاتل القوازق- وهم من الجماعات الرحالة التي نجت من الرق، من السلافيين الشرقيين التي انتشرت في سهوب جنوب شرق روسيا قبل ٦ قرون- إلى جانب الجيش الأبيض ضد البلاشفة، وتعرضوا لمعاملة وحشية خلال الحكم السوفياتي، لكن ّ فلاديمير بوتين أحسن استغلالهم، وأعاد ترتيب العلاقات الجيدة معهم وسمح لهم بتنظيم واقعهم الثقافي والإجتماعي فأصبحوا في السنوات الأخيرة رمزاً للمحاربين السريين في روسيا بوتين القومية.
بعيدا عن التشكيلات العسكرية الرسمية، وتلك الميليشات التي تنضوي تحت راية القومية الروسية ،وترى في بوتين رمزاً للقوة التي ردّت الإعتبار لروسيا، فهناك مجموعات المرتزقة التي تقاتل في سورية وأوكرانيا منذ ثلاث سنوات. هؤلاء لا يتمتعون بمراسم تكريم وطنية أو بأوسمة الشرف بعد عودتهم جثثاً إلى روسيا، فوظيفتهم لا تتعدّى دعم المصالح الروسية في ميادين القتال.
ليل ٧-٨ فبراير/شباط الماضي، ضربت القوات الأمريكية الجوية قرب دير الزير مجموعة من القوات الحكومية السورية، وقتلت جميع أفراد المجموعة التي كانت تضمّ عشرات المرتزقة الروس، الذين عرفوا كأعضاء مجموعة “Wagner” فمن هم هؤلاء المنضوون تحت تلك المجموعة ؟
تعدّ مجموعة فاغنر أشهر شركة أمنية روسية، وهي تشبه إلى حدّ بعيد شركة “بلاك ووتر الأمريكية”، التي ذاع صيتها في العراق، وهي تتولى بشكل رئيسي ما يسميه الكولونيل ايغور ستريلكوف، “الأعمال القذرة” في مناطق النزاع التي تفقد فيها القوات الحكومية سيطرتها عليها. ويضيف الكولونيل “لولا تلك المجموعات الروسية والمرتزقة الإيرانيين لما تحرّرت مدن تدمر والثورة ودير الزور في سوريا”.
وفي البحث عن تاريخ “الفاغنر” فلا تبدو النواة الأولى للتأسيس بعيدة عن تاريخ الاستيلاء على القرم. اذ يشير الصحافي بيار سوتروي، صاحب كتاب “الحروب الخاسرة ليوري بلياييڤ”، الذي يتناول سيرة ومسار شخصية قومية نيو-فاشية روسية، أنّ تأسيس المجموعة تم على يد العميد السابق في الجيش الروسي ديميتري أوتكين، الذي أشرف على أولى معسكرات التدريب للمقاتلين في مولكينو (قرب كارازنودار) جنوب روسيا، ويشير سوتروي إلى أنّ هنالك تنسيقا قائما – تتكتّم عليه موسكو- بين القوات الروسية وتلك الشركات الأمنية الخاصة خاصة في الأدوار التي أوكلت اليها مؤخرا : الحراسة والدفاع عن المنشآت النفطية في سوريا.
[video_player link=””][/video_player]