fbpx

ترامب مُحاصر

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

وصف مسؤول سابق رفيع المستوى في البيت الأبيض ترامب قائلاً، “إنه مقاتل شوارع، فهو يفضل اقتلاع رؤوس أعدائه، بدلاً من أن يعاملهم بالحُسنى”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“شيطنة أيّ كان مَن يقف في طريقه”: هذه هي الاستراتيجية التي تبنّاها الرئيس دونالد ترامب طوال حياته، حتى باتت غريزية وفطرية بالنسبة إليه، تماماً كالتنفّس.

إنها استراتيجية مقيتة تماماً كأسلوب ترامب الساخر؛ فقد كان الاستهزاء بالخصوم أداة القوة الغاشمة التي دفعت صعوده السياسي، وذلك من خلال تحويله الأشخاص إلى أهدافٍ للازدراء. إلا أن ترامب يواجه مأزقاً مع دخول معركة عزله إلى مرحلة العلانية. فقد تكون استراتيجيته الموثوقة التي دائماً ما يعوِل عليها غير كافية في اللحظة الراهنة، وذلك لنفس السبب الذي يجعل من احتمالية العزل أمراً في غاية الخطورة. فقد يكون عددُ المتّهِمين إياه بابتزاز أوكرانيا، والأشخاصِ الذين ينتقدون أسلوبه، أكثرَ بكثير من أن يستطيع الرئيس سحقَهم بخطبه الهجائية.

ومع بزوغ الشمس على الساحل الشرقي صباح يوم الخميس 14 نوفمبر/تشرين الثاني، بدأت الإهانات. فقد غرد ترامب واصفاً النائب الديمقراطي عن ولاية كاليفورنيا الذي يترأس تحقيقات العزل، آدم شيف، بـ”الماكر”. كانت هذه هي أحدث حلقة في سلسلة من الهجمات الموجّهة إلى أيّ شخصٍ قد يشكك في براءته كلياً من قضية أوكرانيا. وعلى مدار الشهر الماضي، واصل ترامب هجاء النائب شيف، ووسائل الإعلام “الزائفة”، ونانسي بيلوسي “العصبية”، و”النائم جو” بايدن، والمخبر السري الأول، والمخبر السري الثاني، ومحامي كلا المُخبرَين، و”الجاسوس” الذي أمدَّ المخبر الأول بالمعلومات، والمفتش العام لمجتمع الاستخبارات مايكل أتكينسون الذي رفع شكوى المخبر الأول.

يبدو أن لا أحد يثير أعصاب ترامب أكثر من المخبر الأول ذاك، الذي بدأ شرارة تحقيقات مساءلته التي يجريها مجلس النواب الأميركي في كيفية إرهابه أوكرانيا لإعادة فتح قضايا فساد سياسي متّهم فيها بايدن. ويصوِر ترامب هذا الشخص مراراً وتكراراً على أنه حزبي متواطئ مع الديمقراطيين وأحد أدوات الدولة العميقة.

المرشّح الديمقراطي لرئاسة الجمهورية

ويبدو أن المخبر المتخفّي عن الأنظار هذا قد زاد من إحساس ترامب بالاضطهاد؛ فهو يفضل أن يكون عدوّه شخصاً يعرفه، من لحم ودم. فقد قال في مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم الأربعاء 13 نوفمبر/تشرين الثاني، “أريد أن أعرف هوية المخبر”، في نفس الوقت الذي تُعقد فيه أول جلسة استماع علنية في قضية العزل بمجلس الشيوخ.

غير أن القضية لم تعد متعلّقة بشخص واحد، فقد أصبحت أكبر من ذلك بكثير، وهذه تحديداً هي مشكلة ترامب. فصحيح أن وقته أوشك الآن على النفاد، لكن ما زال لديه قائمة طويلة من الأشخاص الذين يرغب في هجائهم، مع أن بعضهم ذو سجلّ لامع لا تشوبه شائبة. ومع ذلك، يبذل ترامب قصارى جهده. فقد غرد الرئيس قبل ساعات من بدء أول جلسة استماع علنية متلفزة، يوم الأربعاء 13 نوفمبر/تشرين الثاني، واصفاً الشهود الرئيسيين بأنهم “ليسوا من معارف ترامب على الإطلاق!” في محاولة واضحة لتدنيس نزاهة الشهود من خلال الادعاء بأنهم لا يعرفونه وأنه لا يعجبهم كثيراً. وقد أخبرني مايكل ستيل، السياسي الجمهوري البارز الذي شغل منصب المتحدث الرسمي باسم رئيس مجلس النواب الأمريكي الأسبق جون بينر، أن “الرئيس يكرس كل جهده لتكوين روايات تجعل منه الطرف المتضرّر في تلك التحقيقات”.

لن يكون التشكيك في مصداقية أول شهود أدلوا بإفاداتهم أمراً سهلاً. إذ إن ويليام تايلور، القائم بأعمال السفير الأمريكي لدى أوكرانيا، هو أحد قدامى المحاربين في حرب فيتنام، وتولّى منصب السفير بناء على طلب صريح من وزير الخارجية مايك بومبيو، الذي يُعَد أحد أقرب حلفاء ترامب المخلصين. ومثل تايلور، شغل جورج كينت -المسؤول الرفيع في الخارجية الأميركية، والمتخصص في الشؤون الأوكرانية- مناصب عديدة على مدى عقودٍ في ظل حكم رؤساء جمهوريين وديمقراطيين على حدٍّ سواء.

يبدو أن لا أحد يثير أعصاب ترامب أكثر من المخبر الأول ذاك، الذي بدأ شرارة تحقيقات مساءلته التي يجريها مجلس النواب الأميركي في كيفية إرهابه أوكرانيا لإعادة فتح قضايا فساد سياسي متّهم فيها بايدن

أكد كينت في كلمته الافتتاحية على نسب عائلته وأصله، وأشار إلى أن ثلاثة أجيال من عائلته أقسموا اليمين للدفاع عن الدستور. وأن والده تخرج الأول على دفعته في الأكاديمية البحرية الأميركية، وعمل قائداً في غواصة نووية، فضلاً عن أن أحد أجداده تعرض للأسر على يد اليابانيين خلال الحرب العالمية الثانية.

بينما وصف تايلور وكينت الجهود التي بُذلت عبر قنوات الاتصال الخلفية للضغط على أوكرانيا، وحملها على التحقيق مع عائلة بايدن، أمضى الرئيس بعض الوقت في إعادة نشر تغريدات الحلفاء الجمهوريين الذين وجهوا انتقادات لجلسة الاستماع.

فقد قالت ستيفاني غريشام المتحدثة باسم البيت الأبيض، إنّ ترامب كان يعمل من المكتب البيضاويّ، ولم يتابع وقائع الجلسات. وقد كرّر ترامب هذا التعليق في تصريحات للصحافيين، خلال لقائه بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قائلاً، إنه “مشغول للغاية، بشكل لا يُمكّنه من مشاهدة الجلسة”. بيد أنه بعد ثوانٍ من ذلك، ناقض نفسه قائلاً، “أرى أنهم يستخدمون محامين من أجل العرض التلفزيوني؛ فقد استعانوا ببعض الأشخاص من التلفزيون”.

لا يُمكن تصوّر أن ترامب لن يشاهد، فبحسب شهادة بعض المساعدين السابقين في البيت الأبيض، يقضي ترامب ساعات يومياً يُشاهد التلفاز. فقد علّق شاشة تلفاز ضخمة بحجم 60 بوصة في غرفة طعام خاصة قبالة المكتب البيضاويّ، وكثيراً ما يخفض الصوت، ويقرأ الصحف والأوراق أمامها. (ويرفع من صوت التلفاز عندما يرى شيئاً يثير اهتمامه، على حد قول المسؤولين).

حذّر المساعدون ترامب في الماضي -من منطلق إدراكهم أن ردة فعله تنطوي على إظهار الغضب الشديد- من أن اغتيال الشخصيات المعنوي وتشويه سمعتهم فكرة سيئة. فقد أخبروه، على سبيل المثال، أن يتجنب مهاجمة وانتقاد المحقق الخاص روبرت مولر، موضحين له أن ذلك لن يجدي نفعاً. بيد أن ترامب لم ينصت إلى تلك النصائح، وتعامل مع مولر باعتباره واحداً آخر في صف طويل من الأعداء الذين ينبغي دسهم تحت الأقدام.

وصف مسؤول سابق رفيع المستوى في البيت الأبيض ترامب قائلاً، “إنه مقاتل شوارع، فهو يفضل اقتلاع رؤوس أعدائه، بدلاً من أن يعاملهم بالحُسنى”، وقد تحدثت معه مثلما تحدثت مع آخرين هذا الأسبوع بشرط عدم الكشف عن هويتهم لمناقشة شخصية ترامب. في حين قال عضو جمهوري في مجلس الشيوخ إن الرئيس “لديه سرعتين: سرعة عدائية، وأخرى عدائية بفعل المنشطات”.

يستخدم العداء كأداة خطابية، أكثر من أي رئيس آخر سبقه

قد يحاول رئيس آخر تجنب هذا الحشد الفوضوي والجدل المثار حول منصبه، ومعالجة الأمر استناداً إلى الأسس الموضوعية. وهذا معيار آخر سعى ترامب إلى طمسه. فقد أظهرت دراسة بحثية نُشرت عام 2017 في “مجلة العلوم السياسية” (Political Science Quarterly)، التي تصدر كل ثلاثة أشهر عن أكاديمية العلوم السياسية في نيويورك، أن ترامب يستخدم العداء كأداة خطابية، أكثر من أي رئيس آخر سبقه. فقد قال مؤلفي الدراسة إنه “على الرغم من أن الهجمات الشخصية تشكل جزءاً لا غنى عنه من السياسة منذ أمد بعيد، فإن هؤلاء الذين يسعون إلى شغل مناصب رئاسية تجنبوا عادةً استخدام الاعتداءات الشخصية، والهجمات الانفعالية والألفاظ النابية. إلا أن ترامب لم يفعل ذلك”.

لماذا يتصرّف ترامب على وجه التحديد بهذه الطريقة؟

وصفه بعض المتخصصين من أطباء الصحة العقلية الذين درسوا حالته -وبعض السياسيين والمعاونين الذين عملوا معه- بأنه نرجسي تتعرض نظرته لنفسه للتهديد المروّع بسبب أي نوع من الانتقادات التي توجه إليه. وقال سيث نورهولم، المتخصص في علم الأعصاب التناظرية بجامعة إيموري، والذي كتب عن حالة ترامب العقلية، بالنسبة لترامب، يبدو أن النقد يرقى إلى كونه “هجوم فتاك على المظهر الخادع الذي يُقدمه للعامة”، ولذا فإن الاستجابة الدائمة لذلك “لا تقتصر فحسب على التخلص من هذا التهديد، بل أيضاً على التحقير من شأن هذا التهديد وتدميره”.

يقول نورهولم، الذي يرى أن ترامب غير جدير بمنصبه، إن “بعض هذه (التصرفات) تنبع من عدم النضج. لك أن تتصوّر إنساناً نرجسيّاً ولكن لديه ذكاءً وعقلاً يدعم تلك التصرفات. بيد أنه ليس هناك ركيزة قوية تدعم نرجسية ترامب؛ ولذا ينتهي به المطاف إلى التنابز بالألقاب وتوجيه الشتائم والإهانات التي قد يتبادلها الشباب في ساحات اللعب”.

قد لا يتّسع المقام لسرد قائمة بأسماء الأشخاص الذين شيطنهم الرئيس ترامب خلال السنوات الأخيرة، إلّا أن ذكر واحدة من تلك العائلات التي تعرضت للتنكيل قد يوضح لنا الأمر بشكلٍ خاص، وهي عائلة خضر خان، والد الجنديّ همايون الذي قُتِل في حرب العراق عام 2004. كان خضر خان قد أخرج نسخة من الدستور الأميركي من جيب بذلته في أثناء المؤتمر الديمقراطي لعام 2016 في فيلادلفيا، وتحدّى ترامب أن يقرأه. لاحقاً، في مقابلة مع إيه بي سي نيوز ABC News الإخبارية، أشار ترامب إلى أن خضر خان كان يُردّد دون تفكير آراء هيلاري كيلنتون. وتساءل ترامب “مَن كتب هذا الكلام؟ هل كتبه كتّاب خطابات هيلاري؟” وتساءل ترامب أيضاً عن سبب صمت زوجة رضا خان، السيدة غزالة، خلال خطاب زوجها؛ مشيراً إلى أنها “لم يُسمَح لها بأن يكون لديها شيء تقوله”، وفيه تلميح إلى أنها، كونها امرأة مسلمة، قد كُبتَت آراؤها لأسباب دينية. إلّا أنها، في الواقع، كانت قد اخبرت زوجَها أنها من الذهول والاضطراب بحيث لا تستطيع الحديث على الملأ عن ابنها الفقيد.

تحدّثت إلى خضر خان عشية جلسة الاستماع الأولى بشأن عزل الرئيس ترامب، وسألته كيف تتابع أسرته تلك اللحظة. مع شعوره بالإحباط وخيبة الأمل، أخبرني خضر خان، الذي كان الآن أكثر إحباطاً أن يرى مؤسسة الرئاسة لم تفعل شيئاً للرقي بسلوك ترامب، قائلاً إن “هذا أكثر إحباطاً من ملحمتنا معه. كنا نأمل أن يغيّره المنصب، نظراً لكرامة ونبل ذلك المركز، ولكنه لم يتغيّر لافتقاده أساساً إلى البوصلة الأخلاقية. وهو، في الواقع، لا يُدرِك قيمة المنصب الذي يشغله”.

يتلقّى الشهود في جلسات الاستماع الجارية في هذه الأيام أضعاف ذلك الازدراء وعدم الاحترام اللذين أبداهما ترامب تجاه تلك الأسرة الثكلى. بعد جلسة أمس، أصدر براد بارسكيل، مدير حملة إعادة انتخاب ترامب، تصريحاً استهان فيه بسجلَّي كينت وتايلور الطويلَين في الخدمة العامة، واصفاً إيّاهما بأنهما “غير منتخبَين، ومجرد موظفَين حكوميَّين يدّعيان المعرفة العميقة”.

في نهاية الأمر، يمكننا أن نرى تلك الخطابات المطوّلة عن معارضي ترامب على حقيقتها، وهي أنها تحفيز للنزعة القبلية الشعبوية، التي تسري في أوساط بلدٍ مستقطب، ومحاوَلة للحفاظ على مؤسسة رئاسية زلزلتها خطط ومشاريع ترامب غير الحصيفة. وعن المناورة الأوكرانية التي يلعبها ترامب، أخبرني السيناتور الجمهوري قائلاً “بالطبع هذا يقلقني. إنه ليس أفضل دبلوماسيّ؛ ولا يستخدم مِبضَع الجراح وإنما فأسَ الفلّاح”. ومع تواصل جلسات الاستماع، سيحمل ترامب فأسَه في وجه مزيدٍ من الشهود، الذين قد يجعل عددهم الكبير شفرته بحاجة إلى شحذ من جديد.

هذا المقال مترجم عن The Atlantic ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.