fbpx

هل يساعدنا علم المخ والأعصاب على التخلص من العادات السيئة؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“حياتنا كلها، بما تتسم به من يقين، ما هي إلا كتلة من العادات العملية والعاطفية والفكرية، وهي التي تقودنا رغماً عنا نحو أقدارنا”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

منذ أعوام، اشتريت هاتفاً ذكياً وسرعان ما أحببته. فقد حققت القدرة على إرسال بريد إلكتروني، أو البحث عن معلومة، أو شراء منتج عبر الإنترنت من أي مكان، زيادة هائلة في الإنتاجية لم يكن أحد يتصورها من قبل. ففي كل مرة استقبلت فيها رسالة عبر البريد الإلكتروني كان الهاتف يصدر نغمة مميزة، كنت أتعامل مع تلك الرسالة على الفور، وأنا فخور بكفاءتي وقدراتي. كان الهاتف يُصدر صوت البوق الفرنسي عندما تصل الرسائل النصية، وكذلك عند إرسالها. لكن بعد مدة قصيرة، صرت أتحسس هاتفي كلما أصدر صوتاً، تماماً مثل الكلب البافلوف الذي يسيل لعابه حينما يسمع الجرس. أصبح هذا الأمر يتعارض مع العمل ويقاطع المحادثات. لقد بدا الجهاز كخادم أسطوري خارق، لكنني أصبحت عبداً له تدريجياً.

لطالما كنت أفخر بقوة إرادتي. تماماً مثل معظم الأشخاص الذين تمكنوا من النجاح في التعليم الطبّي، حيث تبدأ يومك مبكراً وتقضي أوقاتاً طويلة في العمل بينما يحتفل أصدقاؤك ويقضون وقتاً ممتعاً، فضلاً عن أن لدي سجلاً راسخاً حافلاً بالإنجازات في تأجيل الإرضاء وتأخير الإشباع والتحكم في الاندفاع. لكن ذلك لم يفد. حين كنت أضبط الهاتف على الوضع الصامت، كنت أتفقده أكثر من المعتاد، لربما جدَّ أمر مهم.

المرة الوحيدة التي استطعت فيها أن أقاوم كانت خلال الشبات -يوم السبت الذي خصص للراحة والعبادة في الديانة اليهودية- حين لا أستطيع أن أقرأ رسائل البريد الإلكتروني. لكنني كنت أعد الساعات انتظاراً للوقت الذي أعود فيه إلى هاتفي. ولأول مرة، استطعت أن أتخيل شعور المدخّن الذي تتوق نفسه إلى سيجارة. لقد أصبح تفقد الهاتف الذكي عادة سيئة لم أستطع التخلص منها.

لقد افتتن الفلاسفة وصناع السياسات منذ أمد طويل بدراسة العادات، الجيد منها والسيئ. فقد استعرض أرسطو في كتاب “الأخلاق النيقوماخية” المفاهيم المنتشرة في زمانه عن الفضيلة وقدم لنا هذا الملخص: “يعتقد بعض المفكرين أن بعض الناس خيرٌ بالفطرة، وبعضهم بحكم العادة، والبعض الآخر يصبح كذلك بالتعلُّم”.

وقد خلص إلى أن العادات تتسم بالمسؤولية. بينما وصف الكاتب الروماني وخطيب روما المميز، شيشرون، العادات بأنها “الطبيعة الثانية”، وهي عبارة لا نزال نستخدمها حتى الآن. وحين تفكر ألكساندر هاميلتون، وهو أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، في مقالته الأدبية الواقعية، “الورقة الفيدرالية رقم 27″، في كيفية خلق مواطنين مطيعين للقوانين الفيدرالية في الجمهورية الوليدة، استخدم عبارة مأثورة أخرى: “الإنسان هو مخلوق أسير للعادة”. إذا ما سادت القوانين الفيدرالية على مستوى الدولة وتغلغلت فيها، فستبدو كجزء من الحياة اليومية. ثم استطرد في شرح خطته قائلاً، “كلما تعمقت في تلك القنوات والتيارات التي تتدفق فيها المشاعر والدوافع الإنسانية بشكل طبيعي، قلت الحاجة إلى استخدام الإجبار عن طريق العنف ووسائل الإكراه”.

في العصر الحديث، أصبحت العادات مجالاً مهماً من مجالات البحث العلمي. فقد بحث علماء النفس في تكوين السلوكيات المعتادة وتأثيرها في الصحة والسعادة. يقول الفيلسوف الأميركي، ويليام جيمس، مقتدياً بأرسطو، إن “حياتنا كلها، بما تتسم به من يقين، ما هي إلا كتلة من العادات العملية والعاطفية والفكرية، وهي التي تقودنا رغماً عنا نحو أقدارنا”.

قليلون منا مستعدون للنظر إلى أنفسهم عبر هذه الرؤية السلبية. ماذا عن الإرادة؟ يحاول المسوقون استحضار شعورنا بالقوة من طريق استخدام عبارات مثل “فقط افعلها” (نايك) و”افصح عن طريقك” (نيو بالانس). كما تدعم مدارس علم النفس الشهيرة اعتقادنا بقدرتنا على التحكم في الذات. في تجربة المارشمالو الشهيرة التي أجريت في جامعة ستانفورد، والتي صممها عالم النفس، والتر ميشيل، في الستينيات من القرن الماضي، جلس الأطفال بمفردهم أمام قطعة مارشمالو، وجرى تقييمهم وفقاً لمقاومتهم لالتهام قطعة المارشمالو.

كانت نتيجة التجربة هي تحديد مستوى الوظائف التنفيذية لدى الطفل، الذي من المفترض أن يُحدد من منهم سيكون ناجحاً في الحياة ومن منهم سيفشل، ويتنبأ ببعض الأمور مثل أدائهم في امتحان الثانوية ومدى استمرار علاقاتهم الشخصية، ومدى نجاحهم في مسيرتهم المهنية. ولكن كيف يُمكن أن يحدث ذلك إذا كنا مجرد كائنات أسيرة لعادات؟

في كتاب “عادات جيدة، عادات سيئة” (الصادر عن دار نشر فارار وشتراوس وغيروكس) تدحض عالمة النفس الأميركية، ويندي وود، المتخصصة في علم النفس الاجتماعي، حتمية ويليام جيمس ومناشداته السطحية التي تحث على الاستباقية، وتسعى إلى إعطاء القارئ العادي أفكاراً أكثر واقعية عن كيفية التخلص من العادات.

استناداً إلى عملها في هذا المجال، ترى أن مهمة الحفاظ على السلوكيات الإيجابية ومقاومة السلوكيات السلبية، تتطلب تفاعلاً بين القرارات والعوامل اللاواعية. توضح وود أن عقولنا تتسم “بآليات منفصلة، إنما مترابطة في ما بينها، لتوجيه السلوك”. لكننا على وعي فقط بقدرتنا على اتخاذ القرار – وهي ظاهرة تعرف باسم “وهم الاستبطان”، وهذا هو السبب الذي قد يدفع بنا إلى المبالغة في تقييم قوة هذا السلوك.

الوظائف التنفيذية التي تجعل قوة الإرادة ممكنة تعطينا، وفقاً لرأيها، “الشعور بالقوة التي نُسلم بأنها تُمثل ذواتنا” لكن ذلك يكلفنا جهداً. ولذا لكي نمضي قدماً في حياتنا، يجب أن نمارس بعض السلوكيات بصورة تلقائية.

منحت فحوصات الرنين المغناطيسي الوظيفي الباحثين لمحة عن الشبكات العصبية المَعنيّة التي تنشط خلال بعض المهمات الواعية الروتينية. فقد أظهر فحص على مخ شخصٍ يتعلّم مهمة جديدة نشاطاً في مناطق القشرة الأمامية الجبهية والحُصَيْن، وهي شبكات في المخ مسؤولة عن صناعة القرار وتُعَد بمثابة “المركز التنفيذي” للدماغ. ومع تكرار المهمة، بدأ النشاط في الانتقال عميقاً إلى مناطق البَطامَة والعُقَد القاعدية، وهي مناطق تُعرِّفها وود بأنها “الآليات البدائية في أدمغتنا” حيث تتحول فيها المهمة إلى عادة.

لا تتطلب هذه المناطق الأكثر بدائية في الدماغ سوى قليلٍ من طاقتنا الذهنية، إذ تصبح سلسلة كاملة من الأفعال مرتبطة ببعضها البعض، في عملية تُعرف باسم “الاختزان”. عندما نركب السيارة ونهمّ بالتحرّك، لا يتطلّب الأمر منا التفكير على حِدة في الأفعال المتمثّلة في ربط حزام الأمان وتشغيل المُحرّك وتهيئة السيارة وتفقّد المرايات وزاويا انعدام الرؤية والضغط على دوّاسة البنزين، فكل هذه الخطوات -المُخزّنة في الذاكرة باعتبارها وحدة واحدة- تنشأ عن الإشارة الإيكولوجية التي تصل إلى الدماغ عند ركوب السيارة. وهو الأمر الذي يسمح لنا بالتركيز على الأمور التي تتطلب انتباهاً أكثر. لذا يمكننا التفكير في المكان الذي سنتوجه إليه أو مهامنا في هذا اليوم، مع الانتباه في الوقت نفسه إلى أي شيء غير طبيعي على الطريق.

لا يركز بحث وود في الأساس على العادات، وإنما على الاستمرار والمواظبة على فعل شيء. ووفقاً لنتائج البحث، لم تتطلّب “السلوكيات المُتفرقة أو الوحيدة” -مثل التطعيم ضد الإنفلونزا- سوى قراراتٍ واعية. أما السلوكيات المتكررة، فكانت العادات بالغة الأهمية لإنجازها. قدَّر ويليام جيمس أن نحو “99 في المئة -إن لم يكن 99.99 في المئة- من أنشطتنا تكون تصرفات اعتيادية وتلقائية محضة”. إلّا أنّ هذا كان مجرد تقدير تخميني، لكن وود أعدت دراسة لتحديد عدد المرات التي يتصرف بها الأشخاص بدافع العادة. ومستعينة بأسلوب بحثي يُعرف باسم “طريقة جمع العينات الخاصة بالخبرة“، طلبت وود من المشاركين تسجيلَ كلّ ما يقومون به لحظياً على مدار يومين. اختلفت النتائج بين الفئات التي خضعت للتجربة، لكن النتيجة المبدئية كانت أن نحو 43 في المئة من تصرفاتنا تكون بدافع العادة.

يفسر هذا سببَ كون الإدراك الواعي غيرَ كافٍ في حد ذاته لتغيير السلوك، وأيضاً سببَ إخفاق غالبية مبادرات الصحة العامة التي تهدف إلى توعية الأفراد بشأن الخيارات الصحية السليمة. عام 1999، أوضح “المعهد الوطني للسرطان” أن 8 في المئة فقط من الأميركيين كانوا على علمٍ بتوصية تناول خمس حصص من الخضر والفواكه يومياً. لذا فقد أطلق حملة وطنية تحت شعار “5 في اليوم لصحة أفضل”. وبعد 6 سنوات، ارتفعت النسبة خمسةَ أضعاف تقريباً لتصل إلى 39 في المئة، لكن الأنظمة الغذائية الفعلية لم تتغيّر كثيراً. حاول المسؤولون الحكوميون ثانيةً عام 2007، وأطلقوا برنامجاً أسموه “فاكهة وخضروات، وأشياء أخرى”. ومع ذلك، وبحلول عام 2018، لم يتناول سوى 12 في المئة فقط من الأميركيين الكمية الموصَى بها التي تشتمل على حصّتين من الفواكه يومياً، وتناوَل 9 في المئة منهم فقط ثلاثَ حصص من الخضر. لا تُفلح فكرة إطْلَاعِنا ببساطة على العادات الصحية المفيدة في تغيير سلوكياتنا، لأن معظم الأطعمة التي نشتريها ونطبخها ونأكلها تحكمها العادة.

في تجربة مارشميلو ستانفورد التي أشرف عليها ميشيل، لم يُقاوِم سوى ربع الأطفال المشاركين تناولَ قطعة المارشميلو مدةَ 15 دقيقة. ويعني هذا أن الغالبية العظمى منّا تفتقد إلى مهارة التحكم في النفس المطلوبة لتحقيق النجاح في الحياة. غير أنّ جزءاً أقلَّ شهرة في الدراسة يمنحنا طريقةً للتحايل على ضعفنا.

قارن الباحثون نتائج حالتين: في إحداهما كان بإمكان الأطفال رؤية قطعة المارشميلو أمامهم، وفي الأخرى كانوا يعرفون أنها موجودة لكنهم لا يستطيعون رؤيتها. في المتوسط، لم يستطع الأطفال المقاومة أكثر من 6 دقائق عندما عُرِض عليهم إغراءٌ مرئيّ، بينما كان بإمكانهم الصمود مدّةَ 10 دقائق عندما كانت الحلوى مُخبّأة.

أظهرت تلك النتائج لوود أن مهارة التحكم في النفس ليست “طبعاً متأصّلاً فينا، وإنما إنعكاسٌ للوضع الذي نحن فيه”. ربما تُمكّننا بضعة تغييرات في الوسط المحيط بنا من الاقتداء بالأفراد الذين يَبدون أكثر انضباطاً.

التحكّم بالنفس

دعمت دراسة حول التحكم في النفس أُجرِيَت على طلبة جامعيين تلك الفرضية. فقد طُلِب من هؤلاء الطلبة تدوين كل مرة يأتيهم فيها شعور “يا إلهي! لم يكن ينبغي أن أفعل ذلك!” مثلاً عندما يسهرون حتى وقت متأخر، أو يُطيلون النوم، أو يُفرطون في الأكل، أو يُؤجّلون واجباتهم. إذ نجح الطلاب في اعتماد سلوكيات أكثر نفعاً، ليس حينما عزموا على تقديم أداء أفضل أو حينما صرفوا أنفسهم عن الإغراءات، بل عندما عدَّلوا في محيطهم، فقد تناولوا طعاماً صحياً عندما تخلَّصوا من المعلبات والوجبات الجاهزة الموجودة في ثلاجة السكن الطلابي. وكتبت وود أن “النجاح في التحكم بالنفس تحقّق في الأساس عندما أُخفِيَت قطع المارشميلو”.

حتى الأشخاص الذين يحرزون نتائج جيدة في استبيانات التحكم في النفس ربما يدينون بهذه الفضيلة إلى عوامل متعلقة بالظروف المحيطة عوضاً عن كونها نابعة من براعتهم الشخصية. وكتبت وود عنهم “يقضون حياتهم بطريقة يتوارى فيها المارشملو طوال الوقت”. هذه الملاحظة تقودك إلى أطروحة الكتاب الأساسية: الطريق نحو التخلص من العادات السيئة لا يكمن في العزيمة، بل في إعادة بناء البيئة المحيطة بنا حتى تساعدنا في الحفاظ على سلوكيات جيدة. تستشهد وود بعالم النفس كرت لوين الذي يرى بأن السلوك يتأثر بـ”مجموعة مختلفة من الدوافع” تشبه الجاذبية أو طبيعة السوائل التي تجعل مياه النهر تجري بسرعة أو ببطء. هذه الدوافع تعمل بناءً على عوامل عدة هي المكان والأشخاص المحيطين بك وفي أي وقت من اليوم وما كنت تفعله للتو. نحن نتمكن من التحكم في الموقف بطرائق مختلفة وليس بحسب قوة الإرادة ولكن على العكس، علينا إيجاد وسائل لحذف قوة الإرادة من المعادلة.

المقاومة والاحتكاك

على حد قول وود القوة المركزية التي تدفعك إلى التخلص من العادات السيئة هي “المقاومة والاحتكاك” بمعنى أنه إذا كان بإمكاننا الربط بين العادات السيئة ومشاعر الانزعاج، سيقودنا هذا بطبيعة الحال إلى التخلص من هذه العادات من دون الحاجه أبداً لأن نكون أصحاب إرادة قوية. وتتحدث وود أيضاً عن طرائق تأجيج هذا الصراع والتي نتج عنها الحد من ظاهرة التدخين مثل: القوانين التي تمنع التدخين في المطاعم والبارات والطائرات والقطارات والضرائب التي خلال العشرين سنة الماضية ساهمت في ارتفاع أسعار السجائر إلى ثلاثة أضعاف ثمنها في الولايات المتحدة وكذلك منع السجائر من آلات البيع ومنع إعلانات التبغ من التلفاز والراديو.

في الوقت ذاته، تحاول الشركات من حولنا الحد من هذا الصراع. إذ إن البائع في مطعم ماكدونالدز مطالب بأن يردد جمل بعينها مثل “هل تريد البطاطس المقلية مع طلبك؟”، هذا السؤال البسيط يحفزنا على تناول المزيد من الدهون والكربوهيدرات. وصممت طريقة المشاهدة على”نتفيلكس” و”هولو”، بحيث تبدأ الحلقة التالية من المسلسلات مباشرةً بعد الانتهاء من المشاهدة وظهور شارة النهاية. تتحدث وود مع كيث شن المسؤول السابق عن البحوث الاقتصادية لشركة “أوبر”، الذي يشرح أن البرنامج قد صمم للحد من الصراع، قائلاً: “يحدد نظام جي بي إس موقعك، حتى يغنيك عن التفكير بالأمر. وتنهي الأمر من دون أن تضطر إلى استخدام النقود”.

يتعمق الكتاب الأكثر مبيعاً للكاتب تشارلز دوهيغ “قوة العادة” أو The Power of Habit الذي صدر عام 2012، في استكشاف ميل الشركات إلى تحفيز أفعالنا. كان دوهيغ مثل وود صحافياً في مجلة “التايمز” عندما ألّف هذا الكتاب، ويناقش فيه الطرائق التي قامت على أساسها صناعة مطاعم الوجبات السريعة حتى تحفزنا على الاستهلاك أكثر. علماً أن الطعام في الكثير من سلاسل المطاعم صمم خصيصاً حتى يحتوي على دفعات من الملح والدهون، التي تعمل على تحفيز مراكز المكافأة في المخ.

في معرض حديثه عن جهود الشركات بغرض الاستفادة من طرائق تحفيز العادات لدى المستهلك، يتحدث دوهيغ عن كلود هوبكينز الذي يعتبر أحد رواد مجال التسويق في بدايات القرن العشرين، ويقال إن حملته الإعلانية لشركة معجون الأسنان “بيبسودنت”، ساهمت في تحويل غسيل الأسنان إلى عادة مستقرة بين المواطنين الأميركيين. عندما ظهرت شركة “بيبسودنت” للمرة الأولى عام 1915، كان عدد قليل من الناس يقومون بغسيل أسنانهم وقد أعلن حينها باحث رائد بمجال الأسنان أنه لا فائدة من معجون الأسنان. هنا ركز هوبكينز رسالته التسويقية على كون الترسبات التي تحيط بالأسنان هي “السبب وراء مشكلاتها”. لكن في الحقيقة هذه الترسبات يمكن التخلص منها بشكل موقت بمجرد تناول التفاح ومعجون الأسنان وقتها لم يكن يساهم في التخلص منها بطريقة أفضل من استخدام الفرشاة وحدها. ومع ذلك اعتمد هوبكينز على المبالغة في وصف مخاطر الترسبات وإقناع الناس بأن معجون “بيبسودنت” هو الحل الوحيد للتخلص منها. يقول في أحد الإعلانات “بمجرد تحريك لسانك حول أسنانك، ستشعر بوجود طبقة هي التي تغير لون أسنانك وتجمع الترسبات”. وخلال سنوات قليلة، أصبح معجون “بيبسودنت” من أشهر المنتجات في العالم.

ومثل وود، يعتقد دوهيغ أنّ العادات الروتينية تولد من الإشارات المتكررة والمكافآت. فعلى سبيل المثال لم يكن بيبسودنت المعجونَ الوحيد الذي ادعى منتجوه قدرته على إزالة طبقة الترسبات عن الأسنان، ولكن مكوّناته ذات النكهة الطيّبة والمنعِشة -مثل حمض السيتريك وزيت النعناع الطيّار- تعمل كمهيجات خفيفة ينتج عنها في الفم وخزاتٌ كوخز الإبر. خلق هوبكينز، لدى المستهلكين إشارة ما وذلك بتسليط الضوء على الترسبات على أسنانهم، أما المعجون نفسه فقد قدّم لهم مكافأة ملموسة. تلك الدائرة من الإشارات والمكافآت قويّة للغاية، إن لم نغسل أسناننا فسنشعر بوجود خطأ ما. بعد مرور عقدين من انطلاق حملة هوبكينز، صار استخدام معجون الأسنان عادة أساسية لدى غالبية الشعب الأميركي، فكما يقول دوهيغ، “خلق هوبكينز توقاً” لدى الناس.

وفيما يؤكد وود مفهوم السيطرة الظرفية، طريقة لتسهيل اكتساب العادات الجيدة، كتب دوهيغ عن امرأة اعتادت قضم أظافرها ونصحت بأن تبحث عن شيء آخر تفعله بيديها يولد لديها استثارة جسدية مشابهة، كالطرق بأطرافها على سطح مكتبها مثلاً. الفكرة هنا هي الحفاظ على البنية القوية للإشارة والمكافأة، لكن مع تغيير الفعل الروتيني المرتبط بها. إلّا أنّ الكاتبَين يعتقدان أنّ مفتاح الأمر لا يكمن في كسر العادة من خلال الإرادة، وإنّما في استبدال عادة بأخرى.

ويشدد كلاهما أيضاً على دور المجهود الواعي، لا في مقاومة العادة وإنما في تحليلها. وتعد هذه طريقة أفضل في تكوين استراتيجية للإصلاح. يصف دوهيغ كيف توقف عن تناول الحلويات كلّ نهار في مقهى “ذي تايمز”، بعدما زاد وزنه قليلاً. لم تكن إضافة نصيحة بعدم تناول الحلويات في دفتر ملاحظاته لتنفعه بشيء، كان ليتجاهلها ليذهب للثرثرة مع زملائه أثناء دفع النقود، فيشتري تلك الحلويات ثم يجلس لتناولها. لذا قرر التفكير في الأسباب التي تحفّز هذه العادة لديه، متبعاً في ذلك خمسة تصنيفاتٍ اقترحها الباحثون: الوقت والمكان والحالة العاطفية والأشخاص الآخرون والتصرّف الذي يسبق مباشرة القيام بتلك العادة. هل كان جائعاً، أم شاعراً بالملل، أم في حاجةٍ إلى الراحة، أم يُعاني من زيادة في سكّر الدم؟ أجرى تغييراً في الروتين: فتناول الحلويات في مكتبه بدلاً من الذهاب إلى المقهى، وكان يتنزه لفترات قصيرة في الخارج. بهذه التصرفات كان يختبر بعض الفرضيّات: لو لم يفلح تناول الحلويات في المكتب في ثنيه عن الرغبة في الذهاب إلى المقهى، فقد كان إذن بإمكانه استبعاد دور زيادة سكّر الدم. من خلال عمليّة الإقصاء هذه، حدّد أن عادته تلك كانت مدفوعة بالتشتّت الذهني والحاجة إلى التفاعل الاجتماعي. لذا اتّضح أنّ أفضل ما يمكنه فعله هو الذهاب إلى مكتب أحد الأصدقاء والحديث معه بدلاً من الذهاب للمقصف لشراء الحلويات.

تختم وود كتابها بنصحية لأولئك الذين أصبحوا رهائن هواتفهم الذكية، وتقدم لذلك استراتيجية تدريجية؛ أولى خطواتها هي الاعتراف باعتمادك على الهاتف، والإقرار بأن هذا الإدمان يفسد عليك عملك وعلاقاتك الاجتماعية والقيادة الآمنة للسيارة. الخطوة التالية هي “السيطرة على الإشارات السياقية”، وهو ما يعني أن عليك تحديد ما يدفعك إلى تناول الهاتف المحمول. بالنسبة إليّ، فالإشارات سمعية (الرنين) وبصرية (النوافذ والتنبيهات المنبثقة على الشاشة). أعرف بالفعل أنّ مجرد ترك الهاتف في الوضع الصامت ليس كافياً لكسر العادة، ولكن -كما في تجربة المارشميلو- ربّما كان البعيد من العين بعيداً من العقل. خلال إعدادي طعامَ الإفطار في الصباح، وجدت أن ترك الهاتف في غرفة أخرى كان مفيداً. وفي السيارة تركته في علبة القفازات. وحين أتجوّل وأمشي أضعه في علبة لها سحّاب (سوستة). وهنالك طرائق أخرى لخلق حالة من البعد من المشتّتات ولجعل الانغماس في العادات أصعب. كان إغلاق الهاتف تماماً أكثر فعالية من جعله في الوضع الصامت، ليس لأنه لم يَعُد لديّ الفضول لمعرفة هوية مرسل الرسالة، وإنما لأن فتحه من جديد كان عبئاً.

تنصحنا وود بابتكار مكافأت جديدة تعويضاً عمّا كان يقدّمه لنا الهاتف. في حالتي، استعمتُ إلى الموسيقى في راديو السيارة، وفي المساء سعيتُ إلى القراءة لكتّاب لم أقرأ لهم من قبل، بدلاً من المرور على التغريدات والرسائل الإلكترونية. وفي نهاية كل يوم كنت أشعر بالهدوء والتحرّر.

هذا المقال مترجم عن newyorker.com ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي.