fbpx

سيناريو آخر: إغراق جنوب العراق

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يواجه العراق الغارق في أزماته المستفحلة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، أخطاراً جدية أخرى تهدده بفقدان الأرض والمدن، ذلك أنه أكثر عرضة للتغير المناخي

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]


لا تتوقف هشاشة العراق أمام التغير المناخي في تخوم الجفاف وقلة المياه فقط، فهناك سيناريو آخر يشير إلى إغراق محافظات جنوبية مثل البصرة، الناصرية وميسان في المياه، وذلك بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر بسبب ذوبان الجبال الثلجية، الناتج عن الاحتباس الحراري أو الاحترار الكوني. لقد ارتفع منسوب مياه البحر في القرن العشرين إثر هذا الاحترار الناتج عن حرق الوقود الاحفوري 11 إلى 16 سنتم، وسوف يلامس هذا الارتفاع نصف متر خلال هذا القرن، حتى لو حصل تخفيض حاد وفوري لانبعاثات غاز الكاربون. وفي حال استمرار انبعاث الغازات الدفيئة في نطاقها الحالي سيتجاوز ارتفاع المنسوب الحد الأقصى في وقت مبكر ويصل إلى مترين، تحديداً في حالة عدم استقرار الطبقات الجليدية في القارة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا). هذا ما توصلت إليه دراسة جديدة تشير إلى أن البيانات الجديدة حول زيادة ارتفاع منسوب المياه ثلاثة أضعاف التقديرات العالمية القديمة لارتفاع مستوى سطح البحر والفيضانات الساحلية. وبحسب هذه الدراسة التي تعتمد نموذج الارتفاع الرقمي، يمكن أن يؤثر ارتفاع منسوب المياه ثلاثة أضعاف عما كان يعتقد سابقاً على سكان المدن الساحلية بحلول عام 2050، الأمر الذي يهدد المدن الساحلية الكبرى في العالم.

حدوث مثل هذا التغير في منسوب المياه في العراق سيؤدي إلى هجرات داخلية هائلة بحثاً عن السكن والغذاء والشرب وقد تتمدد آثاره إلى خارج البلاد بسبب فقدان الأراضي، الأمر الذي يهدد بالمزيد من عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي ليس في العراق وحده بل في المنطقة بأكملها.

وقام مؤلفا البحث بتطوير طريقة أكثر دقة لقياس ارتفاع الأرض وتضاريسها استناداً إلى بيانات الأقمار الصناعية، وهي طريقة قياسية لتقدير آثار ارتفاع مستوى سطح البحر على مساحات واسعة، ووجدا أن الأرقام السابقة المتعلقة بارتفاع منسوب المياه كانت متفائلة للغاية في ما خص ارتفاع منسوب المياه ومستقبل السواحل. ويظهر البحث الجديد أن حوالى 150 مليون شخص في فيتنام وتايلاند وكمبوديا والولايات المتحدة الأميركية والصين ومصر والعراق وبلدان أخرى، يعيشون الآن على أراضٍ ستغمرها المياه بحلول منتصف القرن. ويلحظ في الصور الرقمية التي يقدمها نموذج القياس الرقمي الفرق الهائل بين التقديرات القديمة لارتفاع منسوب مياه البحر وبين التقديرات الجديدة التي يظهرها البحث الجديد. 

الاسكندرية مهددة أيضاً

وبحسب الدراسة الجديدة يمكن أن يؤدي ارتفاع مستوى سطح البحر إلى اختفاء التراث الثقافي وإحداث نوع من الدمار في مدينة تاريخية مثل الإسكندرية في مصر، والتي أسسها الإسكندر الأكبر (330 ق.م)، ذلك أنها معرضة للاختفاء بسبب المياه المتصاعدة. وفي أماكن أخرى في العالم، قد تؤدي الهجرة الناجمة عن ارتفاع البحار وإغمار الأراضي إلى نشوب الصراعات الإقليمية أو تفاقم الصراعات القائمة أساساً. أما في جنوب العراق وبحكم انخفاض الأراضي، قد يؤدي هذا الارتفاع في منسوب المياه إلى إغراق البصرة ثاني أكبر مدينة في البلاد، بحلول عام 2050، فضلاً عن أجزاء واسعة في محافظتي ميسان مركزها مدنية العمارة ومحافظة ذي قار مركزها مدينة الناصرية. 

بالأحمر المساحات المهددة بالغرق

إن حدوث مثل هذا التغير في منسوب المياه في العراق سيؤدي إلى هجرات داخلية هائلة بحثاً عن السكن والغذاء والشرب وقد تتمدد آثاره إلى خارج البلاد بسبب فقدان الأراضي، الأمر الذي يهدد بالمزيد من عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي ليس في العراق وحده بل في المنطقة بأكملها. ويشير جون كاستيلو، وهو مستشار في مركز المناخ والأمن في الولايات المتحدة الأميركية إلى أن حدوث هذا التغير قد يشعل نزاعات مسلحة ويزيد من احتمال تفاقم الإرهاب، ذاك أن المشكلة برأيه ليست مجرد بيئية، بل هي مشكلة إنسانية وأمنية، وربما عسكرية. وجاء كلام جون كاستيلو هو جنرال متقاعد في البحرية الأميركية وكان رئيساً لأركان القيادة المركزية للولايات المتحدة خلال حرب العراق، في مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” نهاية الشهر الماضي.

بالأزرق المساحات والمدن المهددة بأن تغمرها المياه بحلول 2050

قصارى القول، من شأن حدوث هذا التغير وإغمار الكثير من الأماكن بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر، وضع المدن تحت أشكال متعددة من الضغط الاجتماعي والاقتصادي، منها هجرة المزارعين وسكان الأرياف الفقراء بحثاً عن العمل وسبل العيش في المدن. وإذا حدث ذلك، لا تشمل الهجرة سكان الأرياف والمزارعين فقط، بل تشمل مدناً كبيرة يعيش فيها أكثر من 7 ملايين شخص، البحر خلفهم وتضيق الأرض أمامهم، فأين المفرّ؟

وسألت في هذا السياق باحثاً بيئياً في مدينة البصرة عما إذا كانت هناك خطط مستقبلية لمواجهة مثل هذا الارتفاع في منسوب المياه، واقتصر جوابه على أن التفكير الحالي لحماية المدينة من آثار التغيرات المناخية يتجه نحو مجابهة صعود اللسان الملحي الصاعد من البحر. ويقول حيدر إبراهيم، وهو باحث في دائرة بيئة البصرة، “إن الواقع البيئي الحالي في جنوب البلاد، والمتمثل بأزمة الملوحة، هو العنوان الرئيسي، ولم نفكر بعد بزيادة المنسوب المائي وإغمار المدينة في المستقبل”.

اختصاراً، يواجه العراق الغارق في أزماته المستفحلة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، أخطاراً جدية أخرى تهدده بفقدان الأرض والمدن، ذلك أنه أكثر عرضة للتغير المناخي، وأكثر عرضة بطبيعة الحال، لنظام سياسي قام على سياسة الاستنزاف. 

هذا الموضوع تم انجازه بدعم من مؤسسة Rosa-Luxemburg-Stiftung’s Beirut Office