fbpx

الكرملين يوجه أنظاره نحو شركات التكنولوجيا الخاصة في روسيا

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يخشى الكرملين شركات التكنولوجيا الخاصة، وذلك مذ برهنت ثورات الربيع العربي واحتجاجات عامي 2011 و2012 في موسكو قوة الإنترنت القادرة على زعزعة السلطة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

عام 2014، صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن خدمة الإنترنت ما هي إلا “مشروع لوكالة المخابرات المركزية الأميركية” (CIA). وأن شركة “ياندكس” (Yandex) -أكبر شركة تكنولوجيا روسية- “تأسست بتأثيرٍ غربي”. مع ذلك، وبعد نحو 6 سنوات من تعهد بوتين بـ”النضال من أجل المصالح الروسية” على ساحة الإنترنت، يبدو أن “ياندكس” راوغت الكرملين لتتفادى محاولة أخرى لسيطرة الدولة عليها. وأعلنت الشركة راهناً، أنها ستعيد هيكلة حوكمتها الإدارية بعض الشيء وذلك لمنح الحكومة دوراً أكبر في عملياتها. لكن الشركة ستظل مملوكة -بدرجة كبيرة- من مساهمين أغلبهم أجانب. في المقابل، تراجع البرلمان الروسي عن مشروع قانون هدد بوقف التداول التجاري للشركة، وإيقافها عن العمل.

في الحقيقة، لم يتخل الكرملين عن خططه للسيطرة على شركات التكنولوجيا الروسية. لكن واقعة “ياندكس” تُظهر أنه يتلاعب بِاستراتيجيته فحسب. في العقد الأول من الألفية الجديدة، قرر الكرملين بالمثل أن قطاع النفط لا يمكن تركه للشركات الخاصة، لذا سجن رئيس أكبر شركة بترول روسية وقتها بتهم ملفقة وسلم شركة مملوكة للدولة أصوله المالية. لكن الكرملين أدرك أن مثل هذه الأساليب لن تجدي نفعاً الآن. لهذا يحاول بدلاً من ذلك وضع استراتيجية لسيطرة الدولة، تتناسب مع عصر الإنترنت. 

يخشى الكرملين شركات التكنولوجيا الخاصة، وذلك مذ برهنت ثورات الربيع العربي واحتجاجات عامي 2011 و2012 في موسكو قوة الإنترنت القادرة على زعزعة السلطة. لذلك حيَّدت السلطات موقع “فكونتاكتي” -وهو موقع تواصل روسي مكافئ لموقع “فيسبوك”- من خلال حذف حسابات المعارضين، وحاولت جاهدة حجب تطبيق المراسلة الشهير “تيليغرام”، لكنها فشلت فشلاً كارثياً، وأوقفت خدمات الإنترنت على الهواتف المحمولة خلال الاحتجاجات، وسنت قانون “سيادة الإنترنت” في روسيا، الذي سيسمح نظرياً للحكومة بمنع المستخدمين من الوصول إلى شبكة الإنترنت العالمية.

في الحقيقة، لم يتخل الكرملين عن خططه للسيطرة على شركات التكنولوجيا الروسية. لكن واقعة “ياندكس” تُظهر أنه يتلاعب بِاستراتيجيته فحسب.

يستهدف الكرملين الآن شركات التكنولوجيا الروسية العملاقة نفسها. في تموز/ يوليو، قدم نائب مغمور من حزب “روسيا الموحدة” الحاكم مشروع قانون في البرلمان، يقترح اقتصار نسبة ملكية الأجانب “لموارد الإنترنت الرئيسية” على 20 في المئة فقط. لم يهدد هذا القانون شركة “ياندكس” وحدها، وإنما أيضاً منافستها الرئيسية، شركة “میل دوت آر یو” (Mail.ru). تستحوذ هاتان الشركتان على سوق الإنترنت في روسيا، إذ تسيطران على محركات البحث ومواقع التواصل الاجتماعي وخدمات توصيل الطعام وسيارات الأجرة الأكثر شعبية في البلاد. لكن الشركتين مسجلتين وتُتداول أسهمهما خارج روسيا، فنحو 80 في المئة من أسهم شركة “ياندكس” يتم تداولها في بورصة ناسداك الأميركية، بينما تتداول 50 في المئة من أسهم شركة “میل دوت آر يو” في بورصة لندن.

قد يكون التشريع بمثابة ضربة قاضية للشركتين إذا لم تمتثلا لشروطه. فمن دون إجراء تغييرات كبيرة في تركيبة المساهمين، ستمنع “ياندكس” و”ميل دوت آر يو” من الإعلان في روسيا أو حتى نشر أي دعاية لشركات روسية أخرى. علماً أنه في الربع الثالث من عام 2019، كانت 70 في المئة تقريباً من أرباح “ياندكس” تأتي من الإعلانات. 

على رغم أن هدف القانون المعلن كان الحيلولة دون وقوع الموارد الاستراتيجية للبلاد في أيدٍ أجنبية، فقد بدا وكأنه تمهيد لبدء استيلاء الكرملين على القطاع التكنولوجي الذي طال انتظاره.

خسرت “ياندكس” في يوم واحد 1.5 مليار من قيمتها السوقية، بسبب خوف الأسواق من احتمال تأميمها الوشيك. 

ودعم توقيت التشريع هذه المخاوف. إذ ستجري روسيا انتخابات برلمانية عام 2021، والتي من المتوقع – بحسب الاستطلاعات – أن يحصل الحزب السياسي الرئيسي في الكرملين خلالها على 30 في المئة من الأصوات. وأوضحت السلطات بجلاءٍ أن لا تسامح مع المعارضة قبيل الانتخابات. ولمحت أيضاً إلى احتمال اتباع أسلوب شركة “كامبريدج أناليتيكا” في توجيه الحملات الإعلانية السياسية. إن كان هذا صحيحاً، ستحتاج الحكومة إلى كم هائل من البيانات والخوارزميات المعقدة مثل تلك التي بحوزة “ياندكس” و”ميل دوت آر يو”. وما هي أفضل طريقة لتأمين الوصول إلى تلك البيانات؟ الاستيلاء عنوة عليها بسعر زهيد وذلك بعد أن تؤدي الخطوات السياسية إلى تراجع أسهم الشركتين في الأسواق واضطرارهما إلى بيعها بسعر بخس.   

لكن تعامل الكرملين المتساهل نوعاً ما مع “ياندكس” يدل على أن التأميم الصريح ليس الهدف المرجو. وفقاً للتغييرات المتفق عليها، ستؤسس “ياندكس” مؤسسة ذات منفعة عامة ستساعد على حظر بيع 10 في المئة أو أكثر من الحصص الاقتصادية أو الأصوات (حصص المصوتين) الخاصة بـ”ياندكس” لأي طرف منفرد. سيكفل هذا عدم وقوع “ياندكس” في أيدٍ أجنبية.

لكن التراجع عن التأميم الصريح لا يعني أن الكرملين سيتخلى عن خططه للأبد. فبدلاً من تأميم القطاع التكنولوجي بكليته على الفور، يلجأ الكرملين إلى مصرف “سبيربنك” (Sberbank) المملوك للدولة للاستيلاء على حصة طاغية في هذا القطاع. في 29 تشرين الأول/ أكتوبر، أكد سبيربنك إجراءه مفاوضات لشراء 20.6 في المئة من حصص المصوتين في شركة “ميل دوت آر يو”. ووقعت الشركتان اتفاقية تمنح “سبيربنك” إمكان الاستحواذ على 20 في المئة إضافية من حصص “ميل دوت آر يو” في غضون ثلاث سنوات.

بالمثل، تودد “سبيربنك” إلى شركة “ياندكس” لسنوات عدة. في البداية، سجل البنك حصته في الشركة عام 2009، عندما اشترى ما يسمى “حصة ذهبية” في الشركة، ما أعطاه حق الاعتراض على إجراء تغييرات واسعة في الملكية. في ما بعد، أسست “ياندكس” و”سبيربنك” مشاريع مشتركة، مثل خدمة الدفع الإلكتروني وموقع “بيرو”، الذي يعد النظير الروسي لموقع “أمازون”. لكن علاقتهما توترت عندما رفضت “ياندكس” محاولات “سبيربنك” الاستحواذ على حصة أكبر في شركة الإنترنت في تشرين الأول 2018. برر “سبيربنك” ذلك محتجاً بأن الصفقة ستحمي “ياندكس” من المنافسين والحكومة. لكن “ياندكس” ردت عليه بمناقشة تغييرات تمنح كبار مديريها مزيداً من السيطرة. والآن يسعى الاثنان إلى إلغاء شراكتهما التجارية الإلكترونية، وسيعيد “سبيربنك” بيع حصته الذهبية إلى الشركة.

يستهدف الكرملين الآن شركات التكنولوجيا الروسية العملاقة نفسها.

تحوّل سبيربنك إلى ثاني أكبر شركة تكنولوجيا في روسيا بعدما قاومته “ياندكس” بازدراء. في تموز/ يوليو، أعلنت الشركتان تشكيل مشروع مشترك لتوصيل الأطعمة وسيارات الأجرة، بلغت قيمته 100 مليار روبل روسي. ثم في تشرين الأول، أبرمت “ميل دوت آر يو” صفقة مع مجموعة علي بابا الصينية لتأسيس منصة تجارية إلكترونية، تحت اسم “علي إكسبريس روسيا”، والتي سيستحوذ “سبيربنك” قريباً على حصة غير مباشرة منها. وبينما يوسع المصرف المملوك للدولة نطاق أنشطته لتمتد إلى جميع جوانب حياة المواطنين الروس على الإنترنت -ماذا يأكلون وأين يذهبون وماذا يشترون- يفعل الكرملين ذلك أيضاً، وإن كان ذلك بطريقة غير مباشرة.

وبمجرد إتمام الصفقة مع “سبيربنك”، ستصبح 100 في المئة من حصص “ميل دوت آر يو” من الفئة (أ) الممتازة (class A)، ملكاً لمصرف “سبيربنك” أو الحلفاء الموالين للكرملين. وهو ما من شأنه أن يخلق منافسة شديدة على شركة “ياندكس”.

لكن التراجع عن التأميم الصريح لا يعني أن الكرملين سيتخلى عن خططه للأبد.

لكن ومن خلال ممارسة نفوذه بصورة غير مباشرة، يحافظ الكرملين على أجواء من الاستقلالية في القطاع التكنولوجي. إذ يعرف الكرملين أنه في حاجة إلى التكنولوجيا المبتكرة لمنافسة الغرب. وسيقضي التأميم الصريح بكل تأكيدٍ على الاستثمار الخاص وبالتالي سيشجع ذوي الكفاءات على الرحيل إلى شركات مثل “فيسبوك” و”غوغل”.

في العقد الماضي، حاولت الحكومة مراراً إخضاع شركة “ياندكس”. ولن تتوقف مساعيها تلك على الأرجح. يمتلك الكرملين سجلاً حافلاً من تأميم قطاعات يعتبرها ذات أهمية استراتيجية، كما فعل مع قطاع النفط في منتصف العقد الأول من الألفية. لكن مع ذلك، سيأخذ دور الحكومة المتزايد في مجال التكنولوجيا شكلاً مختلفاً. فمع التمويل غير المحدود والدعم السياسي المطلق تقريباً، سيستحوذ “سبيربنك” على المنصات الإلكترونية الأكثر ربحية في روسيا، بحجة استئصال النفوذ الأجنبي من القطاع. ومن خلال الاحتكار الفعلي للتكنولوجيا المالية (أو شركات الفينتك)، يستطيع الكرملين معاقبة الشركات التي ترفض الانصياع لإملاءاته. ستصبح شركة “ياندكس”، التي كانت يوماً نجمة القطاع التكنولوجي الروسي، على نحو متزايد، مجرد أداة إلكترونية خاضعة لإرادة الدولة الروسية. 

هذا المقال مترجم عن الرابط التالي

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!