fbpx

نرجسية قاطني المدن التي تُشعرهم بالأفضلية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“يشعر كثر من الريفيين بأن عليهم تبرير حياتهم المهنية، سواء كان هذا في الإعلام أو الصحة أو التعليم أو الأعمال، إذ يعتقد بعض الناس أنك ما دمت لا تعمل في إحدى المدن الكبرى، فأنت لست جيداً بما يكفي في عملك، وأنك لم تقطع شوطاً طويلاً، أو لم تجرؤ على المحاولة”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أشعلت إحدى السيدات التي وصفت نفسها بأنها “زوجة مزارع” زخماً حاداً على “تويتر” بين أصحاب المهن الريفية المحبطين في أستراليا. كريستن ديبروز هي صحافية في “هيئة الإذاعة الأسترالية” ABC، تحولت من صحافية في مدينة كبرى إلى مُراسِلة إقليمية، أعلنت في مقالةٍ لها أنها لطالما شعرت بحاجة إلى تسليط الضوء على خبرتها وعملها في المدينة كي تثبت قيمتهما، فكتبت:

“يشعر كثر من الريفيين بأن عليهم تبرير حياتهم المهنية، سواء كان هذا في الإعلام أو الصحة أو التعليم أو الأعمال، إذ يعتقد بعض الناس أنك ما دمت لا تعمل في إحدى المدن الكبرى، فأنت لست جيداً بما يكفي في عملك، وأنك لم تقطع شوطاً طويلاً، أو لم تجرؤ على المحاولة”.

لا يسعنا سوى الاتفاق الكامل مع ملاحظات كريستن ديبروز كأكاديميَين بخلفيات مهنية في مجالي الرعاية الصحية والإعلام، يعملان في إقليم فيكتوريا، فما تصفه يُعرف في الأوساط الأكاديمية باسم “النرجسية الجغرافية”، وهو مصطلح استخدمته طبيبة الأمراض النفسية الإكلينيكية، السويدية مالين فورس، لشرح التفاعلات بين الريف والحضر التي واجهتها أثناء عملها في بلدة صغيرة شمال الدائرة القطبية في النرويج.

وُصِف المفهوم أيضاً بعبارات أخرى مثل “التّغول الحضري” – التهكم على الريفيين من قبل أقرانهم في المدينة – و”التقييم الجغرافي”، بحسب ما أوردته الصحافية غابرييل تشان في كتابها Rusted Off.

لطالما تناولت الكتابات الأكاديمية، منذ نظرية أنظمة العالم لإيمانويل والرشتاين حتى أعمال الباحث الثقافي ريموند ويليامز، الأسباب الاقتصادية والثقافية لانقسام الريف والحضر، وتركز النرجسية الجغرافية على التبعات النفسية الناتجة عن ذلك.

جميع من في الريف سيعودون…

عندما يُنظر إلى المدن الكبرى على أنها مركز كل شيء، تتولد رؤية نرجسية لدى سكان المدن الذين يحطون ببراعة (غالباً من دون وعي) من المعرفة والأعراف والشخصية الريفية، ما يعزز “الاعتقاد بأن الواقع الحضري أمر قطعي”.

على سبيل المثال، غالباً ما يُسأل مهنيو الرعاية الصحية الريفيون عن سبب مغادرتهم، من قبل أحد قاطني المدينة، ومتى سيعودون، إذ يسود اعتقاد بأنه ما من شخص ينتقل طواعية إلى بلدة ريفية للعمل الاحترافي، بخاصة إذا لم تكن لديه روابط عائلية أو اجتماعية بها.

تشير مالين فورس إلى أن هناك أيضاً قدر اًمن الريبة والاعتقاد بأن الأشخاص الذين يعانون من مشكلات أخلاقية أو شخصية، يُنفَون إلى الريف، إذ تدور أفلام سينمائية وتلفزيونية كثيرة، حول إجبار طبيب متخصص بارع من أبناء المدينة للعمل في الريف، بسبب إدمان الكحول أو الكوكايين أو الخوف من الدم أو بسبب جريمة يعاقب عليها المجتمع. من أبرز الأمثلة على ذلك، الفيلم الفرنسي الكندي “الإغواء العظيم” The Grand Seduction، وفيه يتحتم على جراح تجميلي العمل في قرية صيد صغيرة أثناء تغلبه على انحرافين لازماه، هما تناول الكوكايين وولعه بالكريكيت.

عندما يُنظر إلى المدن الكبرى على أنها مركز كل شيء، تتولد رؤية نرجسية لدى سكان المدن الذين يحطون ببراعة من المعرفة والأعراف والشخصية الريفية، ما يعزز “الاعتقاد بأن الواقع الحضري أمر قطعي”.

لقد دُعينا هذا العام للتحدث في المؤتمرات والفعاليات المهنية الإقليمية حول هذا الموضوع، ومن الواضح أن كثراً من المهنيين الريفيين يكافحون في مواجهة هذه العقلية الحضرية ليُنظر إليهم (أو ليعتبروا أنفسهم) على قدم المساواة.

وردت نادية عيسى في تغريدة على مقالة كريستن ديبروز، قالت:

“شكراً جزيلاً، فعلى رغم أنني لم أعد أعمل في منطقةٍ نائية، إلّا أن فكرة أنك أقل بقدر ما، هيمنت على كامل مسيرتي المهنية في منطقة نائية، وما زلت أصارع فكرة أنني لم “أنجح” إن لم أنتقل إلى موقع صحافي بالمدينة”.

كما كتبت خاما جيلكريست حول المقالة: “هذا أفضل ما قرأت طوال العام، أشعر بنظرات الشفقة عندما أقول أنني عملت في منطقة نائية نحو تسع سنوات، كان تقدمي المهني هنا أفضل كثيراً مما لو كنت في مدينة كبرى”. https://t.co/RSSwXzG2rw

تفيد ملاحظاتنا الشخصية في مجالي الرعاية الصحية والتعليم العالي كذلك بأن النرجسية الجغرافية تؤثر في الحياة المهنية من طريق تزييف تصورات الزمن والمسافة، فدائماً ما يشعر المهنيون المقيمون في المدينة بأن الرحلة إلى الريف لزيارة الجامعات والمستشفيات الإقليمية هي أكثر طولاً مقارنة برحلات أقرانهم الإقليميين إلى المدينة.

يعتاد الكثير من العاملين في الريف على توقعات انتقالهم لحضور اجتماع ما في المدينة وعودتهم في غضون يوم واحد، بينما موظفو المكاتب في المدينة بحاجة للإقامة ليلةً على الأقل، علاوة على القليل من الثناء النرجسي لسفرهم المقدام إلى الريف.

بإمكان هذا القدر من نقص التقدير أن يتعارض مع فعالية المهنيين الحضريين ذوي النيات الحسنة الذين يرغبون في تحسين الخبرات الريفية، وقد يشعر عامل الحضر الذي يسعى إلى إعادة إحدى حلقات الممارسات الريفية بالحيرة تجاه السلوك السلبي العدواني من قبل زملائه في المناطق الريفية، إذ يُنظر إليهم بقسط من عدم الثقة كأنهم مستعمرون، بينما كانوا يتوقعون الترحيب بهم كمنقذين، كما لاحظت مالين فورس.

استيعاب الصور النمطية

غالباً ما يضحك المهنيون الريفيون عند سماعهم عن النرجسية الجغرافية، إلا أن المواجهة الحقيقية هي حين يدركون بأنهم رضخوا لتلك الصور النمطية وساهموا في تعزيزها.

سيحاول كثر من المهنيين الريفيين، مثل تجربة كريستن ديبروز، إضفاء الشرعية على مهاراتهم مقارنةً بزملائهم في المناطق الحضرية، من خلال إدراج بيانات تعليمية وعملية تنتسب لمناطق حضرية – كأنما مثل هذه الخبرات هي الأهم، وذلك يؤدي إلى معضلة ريفية، يتمسك فيها المهنيون الريفيون بوجهتي نظر متعارضتين ظاهرياً، مفادهما أن العمل الريفي جيد وغير جيد في الوقت نفسه.

يمكن أن يؤدي خلط هذه الآراء المستقطبة لتسويات نفسية ضارة، إحداها هو تقسيم عناصر الممارسة الريفية بين ممارسات جيدة وسيئة. وما يثير القلق هو الاعتقاد بأن فرداً مهنياً قد يتمتع بجودة عالية، لكن المنظومة الريفية الباقية ليست كذلك، لذا سيكون عليهم الانتقال لإحراز التقدم في حياتهم المهنية.

بالطبع هناك مساحات اجتماعية ومجالات مهنية لا تظهر فيها تلك النرجسية الجغرافية، إذ تبدو أقل تعقيداً بين أولئك الذين يعملون ويعيشون في إقليم نائي، وتنتمي صلاتِهم الاقتصادية والمهنية والاجتماعية الرئيسية إلى مكان واحد، لكن عندما يقع المرء في منافسة أو يتعرض لأحد قاطني “المركز” – غالباً المدن الكبرى – لا يمكنه تجنبها.

ربما كشف ظهور التكنولوجيا الرقمية – مع وعدها بالقضاء على مشكلات البعد – مدى انتشار النرجسية الجغرافية وقبولها على نحو غير معلن.

تستحضر البيئات الريفية والحضرية تحديات مختلفة للمهنيين العاملين، فالممارسات الجيدة والسيئة يمكن أن تحدث في البيئتين، لكن من النرجسية الاعتقاد بأن الجغرافيا هي من العوامل المحددة للجودة.

هذا الموضوع مترجم عن الرابط التالي

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.