fbpx

“الحبل السري” لليث حجو… من تحييد الديكتاتور إلى تجهيل جرائمه

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الكاميرا التي أحدثت ثورة في فضح الفاشية في العالم، تم ترويضها خلال صناعة الدراما السورية، لتخدم الفراغ السياسي، ففي مشاهد كثيرة ترصد قضية اجتماعية شائكة كانت تمر صورة بشار الأسد أو والده، في الشوارع وعلى جدران الدوائر الحكومية باعتبارها، حياداً إيجابياً عما يحصل.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

خرافة نجاح الدراما السورية في زمن ما قبل الثورة، لم تساعد النظام على التسويق لنفسه بوصفه سلطة بريئة من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي تنهك المجتمع وحسب، بل ساعدته أيضاً على تقديم سوريا للخارج على هذه الصورة. فالبلاد المقفلة بأختام البعث، عرضت للعرب والعالم بوصفها فانتازيا تاريخية وحارة شامية متخيلة وأزمات للطبقة الوسطى وأبناء العشوئيات واللاجئين ومسائل فساد وسطوة رجال الأعمال وأحياناً توغل الأمن. وتلك، لم تكن، في عرف صنّاع الدراما، سوى نتائج تتعلق بمسارات معظم المجتمعات العربية، والأخيرة، طبقاً لرواية المثقفين المرتبطين بالأنظمة، تتحمل مسؤولية فشلها لعدم تبني مشاريع نهضوية ولقبولها التخلف والتطرف. وعليه، الطغمة الحاكمة محيّدة، وإن استُهدفت، فذلك يكون في مستوى أدنى، لا يمس جوهرها.

إعلان فيلم “الحبل السري”

مضمون الدراما، إذاً، تكوّن بوصفه فراغاً سياسياً، بمعنى، طرح القضايا بمقاربات تمنع معالجتها، وتحجب سببها الأساسي، وتصدر للخارج كصورة لسوريا التي تحتوي مشكلات مردها طبيعة مجتمعها ومساقاته التاريخية، في حين الحاكم “ممانع” يتصدى لإسرائيل وتستهدفه المؤامرات كل لحظة. الكاميرا التي أحدثت ثورة في فضح الفاشية في العالم، تم ترويضها خلال صناعة الدراما السورية، لتخدم الفراغ السياسي، ففي مشاهد كثيرة ترصد قضية اجتماعية شائكة كانت تمر صورة بشار الأسد أو والده، في الشوارع وعلى جدران الدوائر الحكومية باعتبارها، حياداً إيجابياً عما يحصل. الحياد شمل أيضاً كتّاب السيناريو، إذ لم يخرج هؤلاء عما هو مرسوم لإعفاء النظام من أي تهمة، فدونوا نصوصاً معقمة تناسب زمن طرح المأساة بكل جوانبها من دون التطرق إلى سببها. في ظل هذا الحياد، طور صنّاع الدراما كاميرتهم لتشكيل جمالية تلتقطت زوايا لأوجاع الناس وهمومهم، وكذلك كتاب السيناريو باتت جملهم أكثر ذكاء وقدرة على الإيجاز، فغدا الفراغ جمالياً وسلساً، يشد الانتباه ويخلق متعة للمشاهد، من دون أن يحرك فيه شيئاً.

المخرج الليث حجو كان واحداً من صناع الفراغ السياسي عبر الصورة في سوريا الأسد.

المخرج الليث حجو كان واحداً من صناع الفراغ السياسي عبر الصورة في سوريا الأسد. وفيلمه الأخير الذي أخرجه في زمن الثورة، بعنوان “الحبل السري” ليس سوى استكمال لما اعتاده. فالفيلم يروي حكاية امرأة حامل لحظة المخاض، يحاول زوجها مساعدتها لعبور شارع يتحكم فيه قنّاص يمنع أي شخص من الحركة تحت طائلة الموت. ثمة حرب، على ما تروي مشاهد الفيلم وتفاصيله، لكن لا أسباب لها. المكان والزمان مجهولان، هنا مأساة ليست مفصولة عن سببها فقط، ولكن أيضاً، عن مسرحها. يستعيض حجو عن هذا، بجمالية مشهدية ومشاعر وانفعالات، كما يُلاحظ من برومو الفيلم، وكأنه ينتقل من تحييد الحاكم في زمن ما قبل الثورة، إلى تجهيل جرائمه في زمن الثورة، من الفراغ السياسي إلى تجهيل نتائج هذا الفراغ.

لقطة من فيلم “الحبل السري”

واستناداً إلى التجهيلية التي يعتمدها حجو مستثمراً في قضية إنسانية، جذابة وتستدر التعاطف، عمد إلى تحويل الأنقاض في مدينة الزبداني في ريف دمشق والتي خلفتها براميل الأسد إلى خلفية لمشاهد فيلمه، ما يعني أن الأخير لا يجهّل القاتل عبر الصورة فقط، بل يجهّل الضحايا في الواقع عبر تحويل الأنقاض التي قتلوا تحتها وانتشلت أعضاؤهم من ركامها، خلفية لعمله.

قد يكون فيلم “مصور ماوتهاوزن” مفيداً لفهم خطورة استخدام خراب المدن السورية كخلفية سينمائية لأفلام تعمل بالضد من فضح المسبب. ففي هذا الفيلم القاسي، يسعى المصور النازي إلى التقاط صور ضحاياه بأوضاع جمالية، فيضع المبتورة قدمه قرب الهزيل والعجوز المقوس الظهر قرب الطفل المذعور. حجو فعل ما يشبه ذلك لكن بالحجر وليس بالبشر، والتلاعب بالأول يجهّل الثاني، ويطمس حقه في إعلان هويته. فمأساة مدينة الزبداني التي قتل أهلها وهُجّروا، تختفي وراء حكاية إنسانية، ولعل هذا أخطر حتى مما فعله المصور النازي.