fbpx

العونية أو فن التنصل من المسؤولية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ربما لو أن جنرال الرابية الغضوب (الذي اشتهر بشتائمه)، لم يصبح الآن رئيساً للجمهورية، لكان استبدل خطاباته الهادئة الحنون بكيل من الشتائم التي كنّا معتادين عليها. أما شتائم اللبنانيين في الشوارع، فمرفوضة وغير مقبولة “بلا تهذيب”!

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في اليوم العشرين من الانتفاضة اللبنانية، سمعتُ في عكار، قريتي، عتباً شديد اللهجة من أبي وأقربائي. ظلّ أبي يكرّر: “أنتم تصوّبون على جبران باسيل وميشال عون أكثر بكثير من أركان الفساد والسلطة الآخرين، كنبيه بري ووليد جنبلاط”.

ربما كان أبي على حق، إذا ما حسبنا السنوات التي أمضاها الثنائي الأبدي في السلطة (بري/ رئيس مجلس النواب – جنبلاط/ رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي)، والتي توازي ضعفي السنوات التي أمضاها عون في البلاد بعد عودته من فرنسا.

لكنّ لتركيز الانتفاضة على أداء العونية السياسية، سببين أساسيين، الأول هو أن جنبلاط وبري لم يقدما نفسيهما يوماً بصفتهما إصلاحيين وتغييريين، كما قدم رئيس الجمهورية ميشال عون نفسه عام 2005، ثم سار تيّاره مع الوقت في منظومة عنصرية طائفية مقيتة. أما السبب الثاني فهو أن جنبلاط وبري، يتأمّلاننا ونحن نتظاهر ضد السلطة. يصمتان أو يبتعدان، لا بل أن جنبلاط يرمي نفسه بكل خبث معنا في الخندق نفسه. أما عون وصهره وزير الخارجية جبران باسيل والـOTV، القناة التابعة لـ”التيار الوطني الحر” ودعايتهم الركيكة، فيتولّون بكل بلاهة مهمة الدفاع عن السلطة، وأي سلطة، سلطة الطائف، محملين الناس مسؤولية فساد القضاء وفشله، والبطالة، والمديونية، والسيول على الطرق.

في إحدى التظاهرات، رفعت لافتة، “مع إعطاء الجنسية للمرأة حتى ولو كانت عونية”، ما أثار امتعاضاً عونياً كبيراً، واعتُبِرت مهينة للمرأة، وهذا صحيح. وما قيل عن أن العونيين هم آخر من يحق له التكلم عن المرأة وحقوقها، فهو بطبيعة الحال حجج غير مقنعة، فالانتفاضة قامت ضدّ النموذج العوني وسواه في السياسة والاقتصاد والحقوق والحريات والعنصرية، ونحن لم ننتفض كي نشبه هذا النموذج.

شعار “كلن يعني كلن” الذي يعترض عليه العونيون، محيدين أنفسهم عن الفساد. إلا أنهم وفي الوقت نفسه لا يريدون تسمية الفاسدين، بل يريدون تشكيل حكومات وحدة وطنية معهم.

في هذا السياق، جاء “العتب” العوني على الشتائم التي شهدتها التظاهرات، وهو ما عبر عنه عون أكثر من مرة في خطبه خلال الانتفاضة، وصبّ بذلك اهتمامه على الشتائم أكثر من الانهيار المالي والاقتصادي. 

وربما لو أن جنرال الرابية الغضوب (الذي اشتهر بشتائمه)، لم يصبح الآن رئيساً للجمهورية، لكان استبدل خطاباته الهادئة الحنون بكيل من الشتائم التي كنّا معتادين عليها. أما شتائم اللبنانيين في الشوارع، فمرفوضة وغير مقبولة “بلا تهذيب”!

المسؤوليات في هذا البلد غير واضحة، لا نعرف من سبّب الدين العام وكيف تراكم، ولا أين صرف مبلغ 11 مليار دولار، ولا من أدخل هذه الباخرة، ولا من قبض هذه العمولة، ولا من فرض ضريبة “الواتساب” الشهيرة، ولا من عارض ولا من وافق. لذلك كلّه، جاء شعار “كلن يعني كلن” الذي يعترض عليه العونيون، محيدين أنفسهم عن الفساد. إلا أنهم وفي الوقت نفسه لا يريدون تسمية الفاسدين، بل يريدون تشكيل حكومات وحدة وطنية معهم. وكان نائب التيار حكمت ديب، غرّد عبر “تويتر”، بأنهم (كتيّار) صمتوا على فساد سعد الحريري ولم يعجبه. وديب يعلم أن اللبنانيين يدفعون له راتبه كي يتكلم عن فساد الحريري وغيره، ويشرّع قوانين مكافحة فساد سعد الحريري وأي فاسد آخر، وليس الراتب مقابل أن يلزم سعادة النائب الصمت.
هذه الأسباب إضافة طبعاً إلى “كاريزما” باسيل الخارقة وطائفية خطابه وعنصريته، أدت إلى كتابة نشيد “الهيلا هيلا هو”، لتيار سياسي فاشل (إذا أحسنّا النية ولم نقل إنه فاسد)، شعاره الأساسي والأبدي “ما عم تخلونا نشتغل”.

على أحد ما في هذا الدولة أن يتحمل المسؤولية. وعندما يتوجّه الناس إلى عون محمّلينه مسؤولية ما يحصل، فهذا ليس مدفوعاً بمؤامرات، وليس تهديداً لحقوق المسيحيين أو قلة وفاء أو أياً من تلك الأفكار التي تنشرها دعاية العهد الركيكة.

في النهاية، على أحد ما في هذا الدولة أن يتحمل المسؤولية. وعندما يتوجّه الناس إلى عون محمّلينه مسؤولية ما يحصل، فهذا ليس مدفوعاً بمؤامرات، وليس تهديداً لحقوق المسيحيين أو قلة وفاء أو أياً من تلك الأفكار التي تنشرها دعاية العهد الركيكة. القصة ببساطة، أن البلاد تنهار، وشاءت المصادفة أن يكون عون رأس هذه الدولة الفاشلة. وفي ظل ذلك كله، يمسك العونيون نغمة الصلاحيات واتفاق الطائف والنعي الدائم عليه، ويدورون بها، للتغطية على أي تقصير أو مراوغة. إلا أن الطائف (السيئ الذكر) الذي تُرمى عليه المصيبة كلها الآن، هو ذاته كان يحكم البلاد قبل 3 سنوات، يوم استمات “التيار الوطني الحر” للوصول إلى الرئاسة تحت رايته، من أجل التغيير ومكافحة الفساد، اللذين لم يحدثا طبعاً. 

وما دام الطائف هو منتزع صلاحيات الرئاسة، كان حري بالتيار رفض الرئاسة وفق بنوده، وحري به الآن تركها حتى لا تكون الصلاحيات المنقوصة ذريعة للفشل، فنِصف عهد “قوي” أفضل بكثير من عهد “قوي” كامل، أفضل لنا وللبلد وحتى للعونية السياسية.