fbpx

ليلة الرعب في بغداد: الميليشيات تفتح النار على المتظاهرين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ليلة حزينة وعنيفة عاشتها العاصمة العراقية بغداد، بعد غزوة الميليشيات المسلحة التابعة للأحزاب الإسلامية الموالية لإيران، وتنفيذها مقتلة مروعة في ساحة الخلاني وجسر السنك

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“سيتكرر مشهد أمس اليوم وهذا المؤكد، الأحزاب تحاول إبادتنا بكل الطرائق، وساحة التحرير مخترقة من جميع النوافذ، الاعتماد على القوات الأمنية خطأ، يجب أن تكثف فلاتر التفتيش من جهة أبو نؤاس وشارع السعدون وأفرع البتاوين وصولاً إلى نصب الحرية”.

ليلة حزينة وعنيفة عاشتها العاصمة العراقية بغداد، بعد غزوة الميليشيات المسلحة التابعة للأحزاب الإسلامية الموالية لإيران، وتنفيذها مقتلة مروعة في ساحة الخلاني وجسر السنك، حيث يتمركز مئات المتظاهرين منذ أكثر من شهرين للمطالبة بإجراء إصلاحات في النظام السياسي الرث في البلاد.

بـ17 قتيلاً وأكثر من 117 جريحاً، بحسب وكالة “رويترز” للأنباء، بدأ المتظاهرون في بغداد يوماً آخر في الساحات والشوارع. ليلة السادس من كانون الأول/ ديسمبر 2019 عجت بالرصاص والموت، والمتظاهرون الذين كانوا شهداءً وشهوداً يتحدثون عن ميليشيات نفذت تلك المقتلة، ميليشيات “عصائب أهل الحق” ومعها “كتائب حزب الله العراقية”، اقتحم عناصرها ساحة الخلاني والمرآب المكون من طبقات عدة، قرب جسر السنك وفتحوا النار على المتظاهرين حتى مطلع الفجر.

المجزرة… برواية الشهداء والشهود

شاهين فوزي يروي ما حدث هناك: “حلت بِنا، كارثة ونكبة غادرة تحت أجنحة الظلام، يوم أمس. شباب بغداد ملأوا الشوارع بين قتيلٍ وجريح، لا قتيل يوارى ولاجريحٍ يُخلى، مُجرمون إرهابيون سفاحون قتلة دمويون ارتكبوا أبشع مجزرة في تاريخ بغداد لم يشهد لها مثيل مُنذ 2003، أطفالٌ مراهقون تتراوح أعمارهُم بين 15 و29 سنة، مُدججون بأنواع الأسلحة الثقيلة والمُتوسطة والخفيفة، إضافةً إلى قذائف RBG وقنابُل، توسطوا ساحة الخلاني وفتحوا النار باتجاه جسر السنك بالأسلحة المُتوسطة، فأردوا من كان على الجسر بين شهيد وجريح، وتوجهوا إلى مرآب السنك “جبل شُهداء التحرير” وقاموا بإحراقه ومن ثم استخدموا أنواعاً من الأسلحة باتجاه جسر الأحرار وأردوا بعض شباب بغداد الرائعين شُهداء، فيما كانوا متوجهين لنصرة أخوانهم في السنك”.

يضيف فوزي: “رأينا قناصين يعتلون المباني العالية، وأسلحة كاتمة للصوت داخل الأزقة الفرعية يرشقوننا بها فجأة عندما نهرع باتجاهها، فيما كان آخرون يلقون القنابُل على بعض المُتظاهرين الذين حوصروا في بعض الاتجاهات. كان المشهد تصفية ميدانية لكثير من الجرحى وسرقة أجهزتهم النقالة وكُل ما في جيوبهم، إضافة إلى حرق جميع الفرق والمفارز الميدانية الطبية على طول الخط امتداداً من جسر الأحرار مروراً بالسنك حتى التحرير، وبقي رشق الرصاص مُستمراً على مدار 12 ساعة من دون توقف. هناك شباب ماتوا في مرقد الخلاني من نزف الدماء وكلما كنا نذهب لمساعدتهم، كان أحدنا يُردى. خطف المسلحون أكثر من 15 متظاهراً، ووضعوا الأصباغ على الدماء التي ملأت الساحات، رائحة الدِماء التي فاحت في الشوارع هي وحدها التي تُنبئ وتُخبِر عن حجم الطامة والكارثة والفجيعة والمُصيبة التي حلت بنا”.

مركبة تابعة للشرطة تحمل جثث المتظاهرين العراقيين في بغداد

المئات من حاويات الرصاص وجدناها بعد رحيلهم، أغماد سيوف، علب قنابل، محافظ سكاكين، علب جامعات “كلبجات”، ذخائر حية غير مُستخدمة، أصباغ لا أعلم لماذا جاءوا بها. كان نِداؤهم الأخير قبل الانسحاب “بعثية تحلمون ترجع بيديكُم”



الميليشيات تقتل وقوات الأمن العراقية تشاهد فقط

قيادة عمليات بغداد وبعد انتهاء المجزرة، قالت إنها أمرت الجيش بالتحرك إلى ساحة الخلاني وسط بغداد لحماية المتظاهرين، ووزارة الداخلية أعلنت صباحاً أنها ستفتح تحقيقاً في “حادثة إطلاق النار” التي وقعت هناك.

لكن إجراءات وزارتي الدفاع والداخلية جاءت متأخرة كثيراً، فقد سبقها دمٌ كثير، وعن هذا قالت الصحافية العراقية أميمية ماجد لـ”درج”: “وزارة الدفاع بكل تشكيلاتها وصفوفها، ووزراة الداخلية أيضاً، من رتب كبيرة، أسلحة، معدات، وتدريب قوي، أجهزة أمنية استطاعت محاربة داعش، اليوم تبدوان منزوعتي السلاح ولا تستطيعان حماية عراقيٍّ واحد من بطش ميليشيات الأحزاب والحكومة. والنكتة الأكبر: سرايا السلام تشكيل غير نظامي ينزل إلى الشارع لتأمين الساحة بدلاً من القوات الرسمية. أين القادة والضباط والمراتب؟ أين جهاز مكافحة الإرهاب؟ خذلتم خدمة العَلم وسحقتم سمعة الجيش العظيم”.

ما حدث في بغداد سبقه بيوم واحد فقط أمرٌ مريب، فبعد الأحداث الدامية التي شهدتها مدينتا النجف والناصرية جنوب العراق، والتي سقط فيها أكثر من 47 قتيلاً من المتظاهرين ومئات المصابين في أكثر حوادث القمع والعنف التي واجهت بها قوى الأمن المحتجين العراقيين منذ اندلاع التظاهرات مطلع تشرين الأول/ أكتوبر 2019، اقتحمت ساحة التحرير في العاصمة بغداد مجموعات ترافقها عناصر مسلحة تتبع لأحزاب متنفذة في السلطة، ولديها ميليشيات مسلحة، رافعة لافتات ضد عودة “حزب البعث” إلى السلطة، ولافتات أخرى مناهضة لأميركا وإسرائيل، لكن تلك المجموعات سرعان ما انسحبت من الساحات بعد تنفيذ عمليات طعن بالسكاكين أصيب بها 17 متظاهراً.

اللافت في هذه القصة أنها حدثت قبل يوم واحد من دعوات سابقة طالبت الناس من المدن العراقية كافة، بالتوجه إلى ساحة التحرير في بغداد من أجل مليونية “التظاهرة الموحدة” لدعم المرجعية الدينية في النجف، وترفع شعار “سلمية لا تخريبية”، وتهدف بحسب تكل الدعوات إلى “طرد المندسين والمخربين”، وهذه أيضاً قوبلت برفض المتظاهرين باعتبارها محاولةً لإفراغ ساحات الاعتصام والتظاهر في الجنوب من المحتجين من أجل وأد الحراك الشعبي الواسع.

 

أفراد موالون لأحزاب السلطة يقتحمون ساحة التحرير في بغداد ويرفعون “شعار الموت لأمريكا”

الميليشيات انطلقت من المنطقة الخضراء

رواية أخرى لما حدث في ليلة بغداد الدامية رواها أحد المنتسبين في وزارة الداخلية بالمنطقة الخضراء، من دون الكشف عن هويته يقول فيها: “إن القوة التي دخلت إلى ساحة الخلاني وجسر السنك هي من ميليشيات منظمة بدر، وكانت بقيادة “أبو تراب الحسيني”، إضافة إلى ميليشيات أنصار العقيدة وكذلك كتائب حزب الله. وهؤلاء نُقِلوا في مركبات مدنية وباصات صغيرة من المنطقة الخضراء على أنَّهم متظاهرون، وعندما وصلوا إلى ساحة التحرير كانت بانتظارهم مجموعات أخرى زودتهم بالأسلحة، وكان الهدف هو السيطرة على جسر السنك، وبعدما كُشفت الخطة للمتظاهرين، أخرجوا أسلحتهم وسكاكينهم وقتلوا المتظاهرين”.

ويؤكد المنتسب أنَّ “قوة عددها 75 عنصراً من اللواء الخامس التابع لميليشيات بدر، تمركزت في إحدى البنايات في شارع أبي نؤاس، هي من قامت بعمليات القنص والقتل، وأنَّ لواءين آخرين توجها من المنطقة الخضراء لتعزيز القوة التي نزلت هناك وانتزاع مرآب وجسر السنك من المتظاهرين”.

في فيديو متداول يظهر مجموعة من المتظاهرين في منطقة السنك ببغداد وهم يلقون القبض على أحد عناصر تلك الميليشيات التي فتحت النار على حشود المحتجين، وتظهر في الفيديو مجموعة من “أصحاب القبعات الزرقاء” -أفراد ينتمون لسرايا السلام التابعة للتيار الصدري مهمتهم حماية المتظاهرين- يقتادون ذلك العنصر إلى جهة غير معروفة.

الميليشيات التي نزلت لقتل المتظاهرين انسحبت بشكل جزئي فيما بقيت قوة أخرى حتى الفجر، تطلق الرصاص الحي على المتظاهرين الذين أصروا على البقاء في مرآب السنك وتلك المنطقة، لمنع الميليشيات من السيطرة عليها، وهذا الانسحاب تزامن بشكل مباشر مع تغريدة لزعيم ميليشيات عصائب أهل الحق قيس الخزعلي قال فيها: “الصدام المسلح أمر مرفوض، الصحيح هو انسحاب كل المسلحين وترك المجال للأجهزة الامنية لملء المكان وفرض سيطرتها على الأوضاع. طاعة المرجعية الدينية أمر واجب ولا سلاح سوى سلاح الدولة وحذار من الفتنة الداخلية”.

أثارت تغريدة الخزعلي غضب المتظاهرين واعتبروها دليلاً واضحاً على تورط ميليشيات “عصائب أهل الحق” بالدم الذي أريق في بغداد، مع الكثير من الاستهجان لوصفه ما حدث بأنه “صدام مسلح”. وعن هذا يقول علاء حسين وهو أحد المتظاهرين الذين شهدوا المقتلة: “عن أي صدام يتحدث؟ الصدام المسلح يحدث بين جهتين مسلحتين، نحن عزّل ولا نحمل غير العالم العراقي وكلما كنا نهتف: بالروح بالدم نفديك يا عراق، كانت تزيد وحشيتهم في قمعنا. رأيت بعيني كيف قتلوا أحد الشباب الذين كانوا يرفعون العلم، إنهم ميليشيات قذرة، وسيفعلون كل ما بوسعهم من جرائم للقضاء على التظاهرات، لكننا باقون من أجل العراق”.

علي جاسب واحد من شباب التظاهرات الذين نقلوا ما حدث ببث مباشر على صفحته الشخصية في “فيسبوك” كتب: “الأحزاب تلفظ أنفاسها الأخيرة: العصائب، الكتائب، بدر، حزب الله، كتائب الأمام علي، جند الأمام، النجباء والخ.. الكل قتلنا اليوم بدمٍ بارد، هَذِهِ بداية النهاية”.

بعد ليلة بغداد الدامية ارتفعت حصيلة الضحايا بين صفوف المتظاهرين إلى 480 قتيلاً وأكثر من 17 ألف جريح منذ بداية الاحتجاجات مطلع تشرين الأول 2019، ولجنة حقوق الإنسان في البرلمان العراقي دعت إلى “عقد جلسة طارئة لمجلس النواب، من أجل بحث المجزرة الأخيرة التي وقعت في منطقة السنك وراحت ضحيتها مجموعة من الشباب، واستضافة القادة الأمنيين لاطلاع الشعب العراقي على ما حصل في ليلة رهيبة على المتظاهرين السلميين”.