fbpx

قضية راهبات “المحبة”:آن أوان الثورة على السياسات الاجتماعية في لبنان!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

مما لا شك فيه أن نفوذ المؤسسات الرعائية، بات أكبر من أي سلطة مدنية لأنها تلطت خلف حمايات إلهية، لا تسمح بالمساءلة والمحاسبة. يحصل كل هذا والأطفال المعنفين شواهد على سطوة الطوائف وتسلطها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم تخطئ الراهبة، رئيسة جمعية “رسالة حياة”، عندما رفضت الإذعان لقرار قضاء الأحداث في لبنان، بتسليم الرضع بعد تحقيق دام لأشهر عدة أثبت تعرض الأطفال للضرب المبرح، وللتحرش، وصولاً للاعتداء الجنسي، إضافة إلى شبهات حول الاتجار بالأطفال لأغراض التبني.  فالراهبة تعلم في قرارها أن مرجعيتها كنسية وحمايتها أيضاً. وهي رأت كيف انتصرت الكنيسة في لبنان لمنصور لبكي، رجل الدين مغتصب الأطفال، والصادر بحقه حرم كنسي وقرار قضائي فرنسي بجريمة اغتصاب أطفال تحت رعايته.

حين ظهرت قضية منصور لبكي للعلن بعد مسار قضائي طويل بدأ في عام 2012، قامت الدنيا ولم تقعد. جرى تخوين الضحايا الذين وصفوا بأسوأ التعابير ليس نكران الجميل أقلها. شارك في هذا الهجوم على الضحايا مجموعة من الكتاب، والإعلاميين، والفنانين إضافة إلى كثر ارتأوا أن في هذه القضية “مؤامرة” مدبرة ضد الكنيسة في لبنان.  كما اتخذ الكاردينال بشارة الراعي موقفاً دفاعياً عن لبكي. ففي آذار 2016، اعتبر الراعي أن القضية برمتها لا تعدو أكثر من حملة ممولة ضد الكنيسة والبطريرك، والكهنة، والمطارنة…ومن ثم تراجعت أمانة سر البطريركية المارونية في 23 نيسان 2016 عن هذا الموقف، عبر إصدار بيان تنفي فيه مسّ الراعي بالقرار الصادر عن الفاتيكان، وتؤكّد على عدم التساهل بشكلّ من الأشكال، في موضوع التحرّش الجنسي باعتباره جريمة بحقّ كل مَن اعتُدي عليه. ورغم هذا التراجع، إلا أن الرأي العام الشعبي بقي في مربّع النكران، وهو ما عززه عدم خضوع لبكي إلى أي محاكمة في القضاء المدني اللبناني. وربما هو الآن يمارس عمله الكهنوتي ويتقاضى معاشاً يليق بـ”تضحياته” الكنسية! 

وها هي الراهبة اليوم وأختها الكنسية في رسالة حياة تمشيان على خطىً ثابتة، ومعهما رئيس رهبنة “رسالة حياة”، الذي أكد تكراراً أنهم كجماعة يخضعون لسلطة الكنيسة، وأن قرارات المحاكم الروحية بالنسبة لهم تأتي في مرتبة أعلى من قرارات قضاء الأحداث، وهو بذلك لا يمتثل لأي قرار ٍقضائي مدني، ويسمح للجماعة بتسهيل قضايا التبني، وفقاً لقرارات المحكمة الروحية كونها مرجعيته. كما أنه يسمح لنفسه بأن يقرّ بأن “الأب المظنون”، بحسب تقرير اتحاد حماية الأحداث المبني على شهادات الأطفال، هو خارج الشبهات ويمارس عمله الاعتيادي في خدمة رسالة الجماعة. وهذا يعني أن من صدرَ بحقه قراراً مدنياً بأنه متحرش بالأطفال، ما زال في الجماعة يمارس عمله كالمعتاد!

الراهبة تعلم في قرارها أن مرجعيتها كنسية وحمايتها أيضاً. وهي رأت كيف انتصرت الكنيسة في لبنان لمنصور لبكي، رجل الدين مغتصب الأطفال، والصادر بحقه حرم كنسي وقرار قضائي فرنسي بجريمة اغتصاب أطفال تحت رعايته.

وهكذا غرق الرأي العام مجدداً في انقسام عامودي:

  • مجموعة شعبوية تنتصر للجماعة من منطلق طائفي بحت
  • مجموعة حقوقية، منطلقاتها مدنية، وهمها الانتصار لحقوق الطفل 

ولكن مهلاً، هذه ليست جماعة كنسية بل هي جمعية متعاقدة مع وزارة الشؤون الاجتماعية، وتتلقى بموجب ذلك مساعدات مالية “لإيواء ورعاية وتأهيل معنفين من كل الأعمار”، بحسب دليل الجمعيات المتعاقدة مع الوزارة. فأين وزارة الشؤون الاجتماعية من كل ما يحصل؟ أين دورها الرقابي؟ أين المجلس الأعلى للطفولة؟ هذا المجلس الذي أنشأ في التسعينات لكي يكون الرقيب المستقل الساهر على حقوق الأطفال.

هنا يجب أن نتذكر أنها ليست المرة الأولى التي تغيب فيها وزارة الشؤون الاجتماعية، ومعها المجلس الأعلى للطفولة عن ممارسة الدور الرقابي على المؤسسات الرعائية المتعاقدة معها والتي تستنفذ 75% من موازنتها. فالتاريخ حافلٌ بحالات مشابهة، لاسيما في انتصار وزارة الشؤون الاجتماعية في عهد الوزير رشيد درباس، لصالح دار الأيتام الإسلامية، على حساب الشاب طارق الملاح، الذي خرج إلى العلن يروي كيف تعرض للاغتصاب في الدار لمدة 5 سنوات. حينها جرى التشكيك بكلام طارق للأسباب الطائفية عينها. إلا أن “المفكرة القانونية”، وهي تجمع قانوني حقوقي مستقل، بالتعاون مع جمعية “بدائل” ذهبا بالموضوع إلى حدّ رفع قضية على وزارة الشؤون الاجتماعية بصفتها الإشرافية، على جمعية متعاقدة معها بهدف توفير خدمة نوعية للأطفال فاقدي الرعاية الأسرية.

لكن المزاج العام حينها انتصر مجدداً لجمعية “عريقة” على حساب شاب متضرر على المستوى النفسي، وعلى مستوى الاستقلال المادي. كانت هذه التجربة أولى من نوعها، في إطار التقاضي الاستراتيجي للدفع بعملية إصلاح الرعاية البديلة في لبنان، بما يتماشى مع ملاحظات لجنة حقوق الطفل على وضع الأطفال في المؤسسات الرعائية، والحاجة الى الحدّ من أعداد الأطفال المتزايدة المودعين في مؤسسات رعائية، حيث هم عرضة لشتى أنواع من الانتهاكات.

لم يصمد طارق بوجه شعبويةٍ اعتبرته ناكراً للجميل من جهة، ومن جهة أخرى وضع في مواجهة أمور وقضايا تتجاوز قدراته، وصولاً إلى اختطافه على يد القوى الأمنية، على خلفية تحركات “طلعت ريحتكم” الاحتجاجية عام 2015. 

لم يصمد طارق إذاً، فهو ضحية اعتداء جنسي متكرر في دار ايتام، دون أي معيل، ولا تعليم، ولا مهارات حياة، ولا قدرة على التحليل، والتخطيط، والسيطرة على النفس. سقط طارق في وحول كثيرة أثّرت على المسار القضائي لقضيته، خاصة مع تورطه في مشاكل على أكثر من صعيد ما أثر على مصداقيته.  

ولكن مهلاً مرة أخرى، كيف لشاب يافع عانى ما عاناه، أن يتحمل مسؤولية المزاج الشعبوي الذي خونه، وسخفه، وحقره، وابتزه؟

مما لا شك فيه أن نفوذ المؤسسات الرعائية، بات أكبر من أي سلطة مدنية لأنها تلطت خلف حمايات إلهية، لا تسمح بالمساءلة والمحاسبة. يحصل كل هذا والأطفال المعنفين شواهد على سطوة الطوائف وتسلطها.

وفي الوقت المستقطع قد يكون طفلٌ الآن، وفي لحظة قراءة النص، ضحية إضافية لفساد نظامنا الرعائي.

أما أن أوان الثورة على النظام الرعائي في لبنان.