fbpx

“القتل البطيء”: استراتيجية الأسد وروسيا في إدلب التي يتجاهلها العالم

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

خلال إعداد هذه القصّة كتبتُ أن حصيلة عدد القتلى المدنيين على إدلب في هذا اليوم بلغت 12 قتيلًا بسبب الغارات الجوية الروسية، وبينما أكمل في تحرير القصّة، ارتفع العدد ليصبح 16 قتيلاً، وقبل أن أنتهي من تحريرها وإرسالها للنشر أصبح إجمالي عدد القتلى 20 قتيلًا.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

خلال إعداد هذه القصّة، أمس الأول السبت السابع من كانون الأول/ ديسمبر، كتبتُ أن حصيلة عدد القتلى المدنيين على إدلب في هذا اليوم بلغت 12 قتيلًا بسبب الغارات الجوية الروسية، وبينما أكمل في تحرير القصّة، ارتفع العدد ليصبح 16 قتيلاً، وقبل أن أنتهي من تحريرها وإرسالها للنشر أصبح إجمالي عدد القتلى 20 قتيلًا.

قد يعكس هذا الموقف، جزءًا صغيرًا ممّا يعانيه أكثر من مليونين ونصف المليون سوري في محافظة إدلب وريفها تحت الضربات الجوية الروسية وتحت براميل مروحيات بشار الأسد، الذين يبدوا أنّهما حصلا على ضوءٍ أخضرٍ دولي لإبادة المحافظة.

فقدَ أبو عرب ابنه الوحيد إثر غارةٍ جوّية استهدفت منزله في ريف معرّة النعمان جنوب إدلب، حاول إسعافه دون فائدة.

الغارة ذاتها قتلت أربعة مدنيين بينهم ابن أبو عرب. أصبح الأربعيني مكلومًا، ودخلت عائلته في نوبة حزن شديد، في حين ترفض زوجته حتّى الآن تناول الطعام.

يقول أبو عرب لـ”درج”: “لم يعد لديَّ أي شيء أملكه في هذا الحياة، قتلوا ابني ودمّروا منزلي بشكلٍ كامل”.

كان منزل الرجل مقسومًا إلى غرفٍ للسكن، ودكّانٍ صغيرة يبيع فيها بعض المواد الغذائية، وحاول إبعاد أسرته عن شبح النزوح في مخيّمات إدلب سيئة الصيت، التي تغرق هذه الأيام في كومة طين مع بدء الشتاء، فاتخذ قرارًا بالبقاء، على خلاف معظم سكّان القرية التي يعيش فيها، ورغم ذلك لم يحصل على الأمن الذي كان يرنو إليه.

عن الهدنة الهشّة

خلال السنوات الماضية، لم يتوقّف القصف المدفعي والجوّي عن محافظة إدلب، وبات جزءًا من حياة السكّان هناك، ولكن منذ شهر أيار الماضي، صعّدت القوات الروسية من العملية العسكرية على حماة وإدلب، ما أسفر عن نزوح نحو مليوني شخص إلى المدن القريبة من الشريط الحدودي مع تركيا، بعد مقتل المئات من المدنيين نتيجة الغارات العنيفة، والتي انتهت بسيطرة قوات النظام السوري على معظم مناطق ريف حماة، إضافةً إلى مدينة خان شيخون في ريف إدلب.

في مطلع شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، أعلنت روسيا عن “هدنة” من جانبٍ واحد، أوقفت بموجبها إطلاق النار على محافظة إدلب بشكلٍ تام.

“لم يعد لديَّ أي شيء أملكه في هذا الحياة، قتلوا ابني ودمّروا منزلي بشكلٍ كامل”.

ولكن هذه الهدنة لم تصمد إلّا تسعة أيّام، حيث عاد القصف مجدّدًا وبوتيرةٍ أعلى عمّا كانت عليه سابقًا، ما أدّى إلى وقوع سلسلة مجازر، كانت أفظعها، مجزرة سوق معرّة النعمان، حيث شنّت طائرة حربية من طراز “سوخوي” في الثاني من شهر كانون الأول/ ديسمبر الجاري، غارة جوّية على سوق معرّة النعمان الشعبي، الذي كان مكتظًّاً بالمدنيين، ما أسفر عن وقوع نحو 15 قتيلًا وعشرات الجرحى.

تبع ذلك، قصفٌ عنيف استهدف قرى جبل الزاوية وأدّى إلى مقتل 20 مدنيًا ونزوح نحو 400 عائلة من قرى الجبل، التي تستضيف عشرات آلاف النازحين أصلًا.

حتّى المستشفيات في إدلب لم تسلم من القصف، حيث تعرّضت عدّة نقاط طبّية ومستشفيات ومراكز تابعة للدفاع المدني في المحافظة إلى تدمير كامل بعد ضربات جوية عليها.

في مدينة كفرنبل في ريف إدلب، يوجد واحدة من أكثر وسائل الإعلام الاجتماعية نشاطًا، وهي “راديو فريش” التي عانت من القبضة الحديدية لـ “هيئة تحرير الشام” في الفترة الماضية، عبر منعها من بث الأغاني والتضييق عليها، إلّا أن مصير الراديو انتهى بأن تم تدميره عبر رمي براميل متفجّرة من الطيران المروحي التابع للأسد فوق مبنى الراديو.

https://www.facebook.com/Radio.Fresh.90.00FM/posts/2856776467700762?__xts__[0]=68.ARBvJhht_k7Og0qEU8TjQr2DMhti9iyEBMEIr8_9rMOnIZGa7UFKg4adJfB4n1eicgWhdsrXf78IJSdwQrQPijJT6uUYF6ht2CZa-xyNJpcVVFoOVG9QhQ-0aBn_icGz_3MqTcqXqQeWoxzr0GU_lDGwPt_0lNfw3fJYdfu3uLtmM15TbkSVIanRB5yh-KXy6pl_U2cIOhLAVf4Tdg9jWytlgNhBJoXB9K86AmSnCtgiDZtiNWiHvxP67QUbOh6iR2oCo2VLT7V8nQTycmkzhkbUF485D15d33oEvEJWtyXRXXOQWONy0TdwWxZ8CeX5OgVi-tLkzxsB7a4LVFlBMqTaJw&__tn__=-R

تقنيّة القتل البطيء

يعمل الصحافي أحمد الضعيف على توثيق عمليات القصف على محافظة إدلب وريفها، يتنقّل بكاميرته بين المناطق ملاحقًا الغارات وآثارها على المدنيين.

يقول الضعيف لـ “درج”: “إن نظام الأسد يستخدم تكنيكًا جديدًا في محافظة إدلب يقوم على تقنيّة قضم المناطق بشكلٍ بطيء مع توسيع نسبة الدمار”.

يختلف هذا الأسلوب عن الأساليب التي استخدمها النظام في غوطة دمشق ودرعا وحلب عندما شنَّ حربًا بريةً وجوّية واسعة، ويبدو أن هذه الطريقة هدفها إبادة المنطقة والسيطرة عليها عسكريًا دون أن ينتبه المجتمع الدولي والرأي العام العالمي لهذه الانتهاكات، وقد نجح الأسد، أو روسيا التي وضعت هذه الخطّة إلى حدٍّ بعيد في تحييد ما يجري في إدلب مؤخّرًا عن عدسات الإعلام العالمي.

يوضّح الضعيف، أن النظام يقضم قرية صغيرة كل أسبوع أو عشرة أيام بشكلٍ بطيء، بعد أن يعمل على تدميرها بشكلٍ كامل بالغارات.

الهدنة لم تصمد إلّا تسعة أيّام، حيث عاد القصف مجدّدًا وبوتيرةٍ أعلى عمّا كانت عليه سابقًا، ما أدّى إلى وقوع سلسلة مجازر، كانت أفظعها، مجزرة سوق معرّة النعمان

ويكمل: “لاحظتُ مؤخّرًا أن النظام كان يقصف كفرنبل وبذات اللحظة تحاول قوّاته التقدّم في إحدى القرى الصغيرة شرق مدينة معرّة النعمان، وبعد أن سيطر على القرية تمركز فيها ولم يكمل زحفه البرّي وهذا ما يحدث فعلًا منذ أشهر.

بحسب الضعيف، تتركّز الهجمات اليومية على محور ريف إدلب الجنوبي، وهو أقرب محور لتمركز قوات النظام، ويمتد عبر مدن ومناطق “جبل الزاوية، معرة النعمان، كفروما، حاس، ريف المعرة الشرقي”، موضحًا أن القصف ازداد بشكلٍ كبير منذ شهر نوفمبر الجاري، حيث تتعرّض كل منطقة من هذه المناطق إلى عدّة هجمات يومية بالغارات الجوية والبراميل المتفجّرة.

ويقول الضعيف: “في بلدة حاس في ريف إدلب كان هناك فقط متجرين يبيعان المواد الغذائية للمدنيين، ولا يوجد غيرهما حيث تحوّلت البلدة إلى ما يشبه مدن الأشباح”، موضحًا أن الطيران الروسي أغار على المتجرين ودمّرهما بشكلٍ كامل.

ويبيّن أنّه حتّى المناطق الحدودية الواقعة في ريف إدلب الشمالي والتي تعتبر آمنة نسبيًا بسبب قربها من الحدود السورية تتعرّض هي الأخرى لهجمات جوّية بين الحين والأخرى.

أكثر من 150 قتيلاً خلال شهر واحد

وفقًا لفريق “منسّقو الاستجابة” التوثيقي، فإن عدد النازحين في منطقة إدلب والمناطق المجاورة لها بلغ 92,109 نسمة توزّعوا على 32 ناحية موزعة على المنطقة الممتدة من مناطق درع الفرات وصولا إلى مناطق شمال غربي سوريا.

وأكّد تقرير الفريق، أن “استمرار الأعمال العسكرية الهمجية من قبل قوات نظام الأسد والعدوان الروسي على مناطق شمال غرب سوريا”، موضحًا أنّه “أعداد الشهداء المدنيين ازدادت نتيجة الاستهداف المباشر للأحياء السكنية في مختلف المناطق، حيث وصل عدد الضحايا منذ بدء الحملة العسكرية في 01 تشرين الثاني وحتى 08 كانون الأول/ديسمبر أكثر من 156 شخص بينهم 52 طفلاً”.

كانت “مجزرة حاس” من أفظع المجازر التي ارتكبتها الطائرات الروسية مؤخّرًا، ففي مساء 16 أغسطس/آب، قصفت طائرة مركزًا للنازحين تديره في بلدة حاس بريف إدلب ما أدّى لمقتل 20 شخصًا وإصابة 56 آخرين، وتأكّد الهجوم بعد تحقيق استقصائي نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”.

وأكّدت منظمة “هيومن رايتس ووتش” أنّها تحدّثت إلى 24 شاهدًا واستعرضت صورًا مفتوحة المصدر وصور أقمار صناعية تتعلق بالهجوم، ووجدت أنه لم يكن هناك ما يبدو أنه هدف عسكري في المنطقة المجاورة، وأن الطائرات السورية – الروسية هي الوحيدة التي كانت تقوم بالعمليات في تلك المنطقة. 

وأضافت أن روسيا تتحمل مسؤولية مشتركة عن أي انتهاكات كجزء من تحالفها العسكري مع سوريا، ولكن وجود أدلة قد تربط الطيارين الروس مباشرة بجرائم الحرب يفتح الباب أمام المقاضاة والمسؤولية الفرديتين.