fbpx

تونس: حكومة متعثرة، برلمان يتخبّط، رئيس صامت

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ارتباك كبير يخيم على مؤسسات الحكم في تونس منذ الانتخابات التشريعية والرئاسية الأخيرة، التي أسدل الستار عليها نهائياً منذ بداية تشرين الثاني/ نوفمبر.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ارتباك كبير يخيم على مؤسسات الحكم في تونس منذ الانتخابات التشريعية والرئاسية الأخيرة، التي أسدل الستار عليها نهائياً منذ بداية تشرين الثاني/ نوفمبر. فبعد مرور أسابيع ما زال مسار تشكيل الحكومة متعثراً، بل إن رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي طلب مهلة شهر إضافية لعلّه يحقق مسعاه. 

في البرلمان، الوضع يبدو أكثر تعقيداً في ظل عدم وجود أغلبية واضحة للحكم بسبب التناقضات الواضحة بين مجمل الأحزاب الحاصلة على كتل نيابية. أما رئاسة الجمهورية ممثلة بقيس سعيد، فما زالت تتخبط في غموضها ولم تكسر عزلتها لتباشر مهماتها في سياق صلاحياتها كاملة، لا سيما المتعلقة بالسياسة الخارجية، على رغم المعطيات الخطيرة المستجدّة في ليبيا.  

رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي

لم تكن مدة الـ30 يوماً كافية للحبيب الجملي ذي الخبرة السياسية المحدودة لتشكيل الحكومة بعد تكليفه من “حركة النهضة” (الكتلة الأكبر في البرلمان بـ52 مقعداً) بهذه المهمة وطلب من رئاسة الجمهورية التمديد شهراً آخر كما يقتضي الدستور. ولم تسفر اللقاءات والمشاورات المتتالية التي قام بها مع عدد كبير من السياسيين والإعلاميين والقضاة والمحامين والفنانين والخبراء الاقتصاديين وعدد من مكونات المجتمع المدني، عن أي نتيجة تذكر. معطيات رجحت قراءتين، الأولى مفادها أن الجملي محدود التجربة السياسية، لم يتوقع حقيقة الصعوبات التي ستعترضه واندفع من دون قراءة كافية للمشهد السياسي الجديد، منتشياً بتطمينات “حركة النهضة” المرتبكة أساساً، فاصطدم بالواقع ووجد نفسه متخبطاً يستجدي الأحزاب للتوافق من أجل تشكيل فريقه الحكومي. حالة ولدت من منطلق نسيان الجملي أو ربما إساءة تقديره لكون مهمة تشكيل الحكومة تقتضي توفر حزام سياسي واسع، يتحرك داخله بسهولة لدى اختبار وزرائه ويمنحه في مرحلة لاحقة إمكان نيل الثقة داخل البرلمان لبدء مهماته. ولهذا وجد الحبيب الجملي نفسه مطالباً بإيجاد هذا الحزام الذي يتطلب منه خوض امتحان صعب يحدد مدى قدرته على إقناع الأحزاب المنسحبة من المشاورات، على غرار “حركة الشعب” و”التيار الديموقراطي”، بالعودة من جديد إلى المفاوضات. اختبار تعي “حركة النهضة” صعوبته وربما استحالته مع تمسك هذه الأحزاب بحقائب وزارية لا ترغب الحركة في التخلي عنها. وما زال الجملي يواصل البحث عن هذا الحزام، محاولاً اختراق الشروط الصارمة التي تضعها تلك الأحزاب المفترض وجودها في الحكومة.  

في البرلمان، الوضع يبدو أكثر تعقيداً في ظل عدم وجود أغلبية واضحة للحكم بسبب التناقضات الواضحة بين مجمل الأحزاب الحاصلة على كتل نيابية.

وفي المقابل وفي القراءة الثانية، فإن تكليف الجملي لا يعدو أن يكون مسرحية لإلهاء الناس والمتابعين عن المشاورات الحقيقية التي تُجرى وراء الكواليس بإشراف مباشر لـ”حركة النهضة”. مشاورات يرجح المتابعون أنها التي سيتمخض عنها الفريق الحكومي في نهاية المطاف ولن يكون على الجملي إلا إعلان المباركة وربما يتم استبعاده وتعويضه بغيره. وهذا السيناريو عبرت عنه أطراف سياسية ونقابية في تونس، على غرار نور الدين الطبوبي الأمين العام لـ”الاتحاد العام التونسي للشغل”، الذي أقر بوجود مشاورات موازية لتلك التي يقوم بها رئيس الحكومة المكلف، على رغم نفي “حركة النهضة”.  

الرئيس التونسي قيس سعيد

لكنه السيناريو الأكثر واقعية، لأن “النهضة” التي تحاول الترويج لفكرة أنها رشحت شخصية مستقلة لرئاسة الحكومة، ونعني بذلك الحبيب الجملي، على رغم إدراك الجميع انتماءه وولاءه لها، لن تترك له المساحة مفتوحة ليتحرك بحرية، ولهذا تعمدت ألا توفر له مسبقاً الحزام السياسي اللازم وجعلت مهمته في غاية التعقيد. في المقابل، احتكرت “النهضة” فعلياً مسألة اختيار شركائها المفترضين للخمس سنوات المقبلة، على أن تترك لرئيس الحكومة المكلف مهمة تمرير الصورة النهائية أمام الرأي العام، وفق التصورات التي أرادتها منذ البداية.   

ويبدو أن الحركة المسكونة بالخوف من الخروج من دائرة الحكم في الاستحقاقات المقبلة، متمسكة بقيادة تشكيل الحكومة والإشراف المباشر على مخاضها، على أمل بأن تنجح في تحقيق بعض الطموحات، على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، عسى أن توقف بذلك خساراتها الكبيرة لقواعدها التي تراجعت بأعداد قياسية. ولكن المؤشرات الأولية ترجح وقوعها في أخطاء الماضي في ظل غياب البرامج والمشاريع الكفيلة بتحقيق نتائج تذكر على مدار الخمس سنوات المقبلة، بل إن القرارات المرتقبة تصب في تحميل المواطن المزيد من الضرائب ورفع أسعار منتجات أساسية. وحتى اليوم لا تزال الأمور ضبابية وغير واضحة، مع اجترار الشعارات ذاتها التي رافقت الثورة، على غرار مقاومة الفقر والفساد وتحسين ظروف عيش المواطن والعدالة الاجتماعية، والتي لم يتحقق منها شيء مع الحكومات التي تلت 14 كانون الثاني/ يناير والتي كانت في مجملها تحت إشراف “حركة النهضة”.

لم تكن مدة الـ30 يوماً كافية للحبيب الجملي ذي الخبرة السياسية المحدودة لتشكيل الحكومة.   

أما البرلمان، فإن الغليان فيه على أشده في ظل التناقضات الكبيرة التي ظهرت بوضوح بين كتله، بسبب انتمائها لتيارات سياسية وفكرية مختلفة. حالة عدم الانسجام بدأت منذ الجلسة الافتتاحية التي شهدت فوضى، بسبب عدم الاتفاق حول بروتوكول القسم. تلك الحادثة كانت بمثابة إنذار لما سيكون عليه الوضع بين الكتل في الأيام المقبلة، وهو ما حصل فعلاً. ففضلاً عن السجال والاختلاف الكبير الذي لا يتوقف بين النواب يومياً حول ملفات مهمة، شهد المجلس اعتصام نواب “الحزب الدستوري الحر” داخله على خلفية مناوشات كلامية وقعت بين رئيسة الكتلة ونائبة عن “حركة النهضة”. وترتب عن هذه الحادثة ارتباك كبير داخل البرلمان وتعطل سير جلساته لأيام.

وعلى رغم فض الاعتصام والعودة إلى حالة الهدوء النسبي في الجلسات الأخيرة، إلا أن هذه التناقضات ما زالت تلقي بظلالها على مسار التحالفات التي تبحث عنها “حركة النهضة”، لتحصيل الأغلبية وضمان تمرير مشاريعها ـ إن وجدت ـ وأولها الحكومة المرتقبة التي يتعطل تشكيلها، بسبب ما يحصل بين الكتل داخل البرلمان. 

وتتهم “النهضة” من قبل عدد من الأحزاب بالمناورة بإعلان رفض التحالف مع “حزب قلب تونس” علناً، فيما تتفاوض معه سراً. علماً أنه كان هناك تحالف أولي بين “النهضة” و”قلب تونس” أسفر عن فوز زعيم الحركة راشد الغنوشي برئاسة البرلمان.

ولم تنجح مفاوضاتها حتى الآن مع حزبي “حركة الشعب” و”التيار الديموقراطي” اللذين اشترطا نيل وزارات بعينها مقابل التحالف مع “الحركة” لكن لا يبدو أن الأخيرة على استعداد للتنازل عن هذه الحقائب وتريد الاستئثار بها. 

ويذكر أن هذه التناقضات التي أفرزت هذا الوضع فرضتها نتائج الانتخابات التشريعية التي لم تمنح أي جهة أغلبية مريحة وأثمرت عن فسيفساء من الكتل الصغيرة وغير المتجانسة. فقد تصدرت “حركة النهضة” بـ52 مقعداً من مجموع 217، فيما حل “حزب قلب تونس”، حزب المرشح السابق للانتخابات الرئاسية نبيل القروي، ثانياً بـ38 مقعداً، فـ”التيار الديموقراطي” بـ22 مقعداً، يليه “ائتلاف الكرامة” المحسوب على “النهضة” بـ21 مقعداً، ثم “الحزب الدستوري الحر” بـ17 مقعداً و”تحيا تونس” بـ14 مقعداً فـ”مشروع تونس” بـ4 مقاعد، في حين لم تتجاوز الأحزاب الأخرى والقوائم المستقلة 3 مقاعد. 

تكليف الجملي لا يعدو أن يكون مسرحية لإلهاء الناس والمتابعين عن المشاورات الحقيقية التي تُجرى وراء الكواليس بإشراف مباشر لـ”حركة النهضة”.

وإن كانت هذه الحالة تفرض في دول ذات تاريخ ديموقراطي عريق اللجوء إلى انتخابات مبكرة عسى أن يمنح الناخبون خلالها أحد الأطراف غالبية مريحة، فإن أغلب الأطراف داخل البرلمان التونسي لا تتطلع مطلقاً إلى هذا السيناريو. ولهذا قد تحمل تحركات اللحظات الأخيرة تحالفات مفاجئة، قد تعيد الأحزاب التي أعلنت الاصطفاف في خط المعارضة إلى دائرة الحكم وقد يتم إرضاؤها ببعض الحقائب الوزارية.

أما على مستوى رئاسة الجمهورية، فما زال الرئيس قيس سعيد يواصل خطاه الغامضة، ولم يصدر عنه أي خطاب يكشف بوضوح حقيقة توجهاته الجديدة وخطواته الممكنة للالتزام بوعوده أمام الشباب، الذين التفوا حوله من منطلق إيمانهم بأنه الأكثر تفهماً لمشاغلهم. وكي لا نبالغ في تقدير إمكانات الرجل ونتجاوز سقف صلاحياته، فإن صمت سعيد عن التصعيد الإسرائيلي الأخير في الأراضي الفلسطينية أحرجه وأسقطه في التناقض. فبعدما روج بقوة في الحملة الانتخابية لفكرة دعم القضية الفلسطينية واعتبارها من أمهات القضايا، اختار دور المتفرج من دون النطق بأي تنديد على الأقل. من جهة أخرى، حافظ الرئيس التونسي على صمته، على رغم ما يحصل هناك في الجوار، وتحديداً في ليبيا من تطورات سياسية وأمنية خطيرة على غرار الاتفاق الليبي – التركي، المتصل بشرق البحر الأبيض المتوسط وهجوم الجيش الليبي على طرابلس. وسعيد كان أكد سابقاً أن تونس ستكون في ظل رئاسته لاعباً فاعلاً في الملف الليبي. والحال أن هذه الملفات تدخل في سياق مهماته المتعلقة بالسياسة الخارجية، فضلاً عن معطيات متصلة بعلاقات تونس بمحيطها العربي والعالمي، إذ لم يصدر عن سعيد أي خطاب يشرح رؤيته في المستجدات الراهنة، كما أنه لم يوجّه رسائل لطمأنة الشعب وشركاء البلاد. 

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!