fbpx

أهالي النوبة يطالبون بحق العودة والدولة المصرية تمنحهم تعويضات!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

على رغم الاعتراف الصريح في الدستور المصري الأخير بحق النوبيين في العودة إلى أراضيهم الأصلية وتنميتها، إلا أن السلطات المصرية انتهجت مجموعة من السياسات والقرارات التي تقوض بشكل فج هذه الحقوق.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تقع أرض النوبة جنوب مصر، بالقرب من الحدود السودانية عند خط عرض 22 شمالاً، على مساحة 350 كيلومتراً شرقاً وغرباً. تجد ملامح البساطة والطيبة ترتسم على وجوه النوبيين، من دون أن تفوتك علامات الحزن الظاهرة، نتيجة الأزمات المتلاحقة التي يمرون بها، إذ يبدو أن لا جدوى من الوعود والقرارات الكثيرة بشأن عودتهم إلى أرضهم مرة أخرى، وبات ملف الحقوق النوبية ملفاً أمنياً من الدرجة الأولى، لأن النوبيين حُرّاس مصر من الجنوب. وبدأت الأزمة النوبية حين بدأ تنفيذ مشروع السد العالي، في وقت كانت الدولة المصرية تسعى لإثبات وجودها بين مصاف الأمم، وكان حلم ماء السد العالي يمثل قفزة حقيقية للأمة المصرية، للحفاظ على مياه نهر النيل من الهدر من طريق بحيرة ناصر، ولتوليد الكهرباء. 

بدأت أول هجرة للنوبيين مع بناء خزان أسوان عام 1902 الذي ارتفع معه منسوب المياه خلف الخزان، لتغرق 10 قرى نوبية، ويُهجَر أهلها. وبعد ذلك حدثت التعلية الأولى لخزان أسوان عام 1912، وارتفع منسوب المياه، وأغرق 8 قرى أخرى (قورتة والعلاقي والسيالة والمحرقة والمضيق والسبوع ووادي العرب وشاترمة). وجاءت التعلية الثانية للخزان عام 1933، وأغرقت معها 10 قرى أخرى، هي المالكي وكروسكو والريقة وأبو حنضل والديوان والدر وتوماس وعافية وقتة وأبريم وجزيرة أبريم. ومع بداية خمسينات القرن الماضي بدأت الدراسات لإقامة السد العالي، ورُحّل أهالي النوبة من خلف السد عام 1963 إلى هضبة كوم امبو.

بدأت أول هجرة للنوبيين مع بناء خزان أسوان عام 1902 الذي ارتفع معه منسوب المياه خلف الخزان، لتغرق 10 قرى نوبية، ويُهجَر أهلها.

على رغم الاعتراف الصريح في الدستور المصري الأخير بحق النوبيين في العودة إلى أراضيهم الأصلية وتنميتها، إذ نصت المادة 236 منه على أن “تعمل الدولة على وضع وتنفيذ مشروعات تعيد سكان النوبة إلى مناطقهم الأصلية وتنميتها خلال عشر سنوات”، إلا أن السلطات المصرية انتهجت مجموعة من السياسات والقرارات التي تقوض بشكل فج هذه الحقوق. يبدأ ذلك من القرار الجمهوري رقم 444 لعام 2014 الذي اعتبر أراضي 16 قرية نوبية أراضي حدودية عسكرية، لا يجوز للمدنيين العيش فيها أو الاستفادة منها، مروراً بقراري رئيس الجمهورية 355 و498 لعام 2016، واللذين صادقا على مصادرة الكثير من الأراضي النوبية لمصلحة مشروع المليون ونصف المليون فدان. وأخيراً كان القانون رقم 157 لعام 2018 بشأن إنشاء هيئة تنمية الصعيد، والذي عصف بآمال النوبيين، بعدما غفل عن ذكر هجرتهم أو حقهم في العودة إلى أراضيهم. ورأوا أنه يمثل اغتصاباً لحقهم في عودتهم للسكن على ضفاف بحيرة ناصر. وفي 20 حزيران/ يونيو 2019 وفي مؤتمر صحافي عقب اجتماع مجلس الوزراء، صرح الوزير المستشار عمر مروان، وزير شؤون مجلس النواب ورئيس اللجنة الوطنية المعنية بوضع القواعد والآليات التنفيذية لصرف تعويضات أهالي النوبة. وقال إنه خلال الاجتماع تم اعتماد إجراءات صرف التعويضات لأهالي النوبة المتضررين من بناء خزان أسوان وتعليته، وإنشاء السد العالي ممن لم يسبق تعويضهم. ووفقاً لتصريحات مروان جاء ذلك تنفيذاً لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي للحكومة بحل مشكلة أهالي النوبة، وقرارات رئيس مجلس الوزراء رقم 478 لعام 2017 الخاص بتشكيل لجنة برئاسة وزارة العدل لحصر أسماء المتضررين الذين لم يسبق تعويضهم، وقرار رئيس الوزراء رقم 371 لعام 2019 المعني بتشكيل لجنة لوضع قواعد وآليات تنفيذية لصرف التعويضات للمستحقين، برئاسة وزير شؤون مجلس النواب. واعتمدت اللجنة أسماء المستحقين وفق ما حددته وزارة العدل، ووضعت اللجنة القواعد اللازمة لتنفيذ التعويضات.

أهالي أرض الذهب، ما زالوا بغالبيتهم يمسكون بالحق في العودة إلى الديار الأصلية، والموطن الأم. وقد ازداد الأمل بعد صدور النص الدستوري، ولكن صدور مثل تلك القرارات الحكومية، والتي كان آخرها قرار تعويض أهالي النوبة عن الأراضي التي تمت مصادرتها، يمثل تقويضاً واقعياً لهذا الحق أو هذا الحلم، فقبول التعويض عن المصادرة فعلياً، يعني عدم القدرة على المطالبة بحق العودة، فانقسم أهالي النوبة ما بين مؤيد ورافض لمثل تلك القرارات.

ومن الزاوية القانونية، فإن صدور هذه القرارات يمثل تعارضاً واضحاً مع النص الدستوري سالف البيان، وهو ما يعني مخالفة صريحة لنصوص الدستور من جانب الحكومة، وتفريغاً لحق العودة من مضمونه. وهذا بالفعل ما أجده تصوراً حقيقياً لتصرفات الحكومة مع مشكلة النوبيين، إذ كيف يمكننا قبول نموذجين قانونيين متعارضين، أحدهما وهو الأعلى مرتبة بحسبه، وفقاً لتوصيف القاعدة القانونية هو الأعلى مرتبة، وهو النص الدستوري، والآخر هو نص القرار الوزاري بإعداد قوائم لمستحقي التعويض. وهذا النص الأخير هو الآخذ في مسار التطبيق على أرض الواقع، بينما النص الدستوري على رغم مرور 6 سنوات من واقع 10 سنوات اشترطها الدستور كغاية نهائية للانتهاء من قضية عودة النوبيين، لم يرَ أي بادرة للتنفيذ أو أي إشعار يوحي برغبة الحكومة في السعي نحو تحقيق هذا النص.

أهالي أرض الذهب، ما زالوا بغالبيتهم يمسكون بالحق في العودة إلى الديار الأصلية، والموطن الأم.

ويتجلى موقف مصادرة حق العودة في تصرف الدولة مع ما تعارف عليه إعلامياً بقضية معتقلي الدفوف، والتي كانت تمثل حراكاً مجتمعياً نحو تفعيل القضية النوبية من طريق المزاج النوبي الخاص بالعزف على الدفوف، وكأنها مسيرة ملحمية، أو أغنية نوبية في مرسم حق الرجوع، وكان ذلك في مناسبة دينية شعبية رسمية أيام عيد الأضحى المبارك عام 2017. حينها قبضت الشرطة المصرية على 32 مواطناً نوبياً، وسُجنوا لفترات عن طريق تمديد الحبس الاحتياطي، حتى مات القيادي النوبي جمال سرور، أحد من عرفوا بـ”معتقلي الدفوف”، داخل سجن معسكر الأمن المركزي في أسوان إثر إصابته بغيبوبة سكر في اليوم الرابع لإضرابه عن الطعام، الذي شاركه فيه معتقلون آخرون. فبدأت السلطة الإفراج عن المقبوض عليهم، إلى أن انتهت القضية رقم 26 عام 2017 طوارئ، بالحكم على البعض بغرامة مالية، وقضي للباقي بالبراءة.

وتسري إشاعة، في محاولة لتقويض تيار حق العودة سريان، مفادها أن النوبيين يسعون إلى الانفصال عن الدولة المصرية، وتكوين دولتهم الخاصة بثقافتهم وطرازهم النوبي الفريد، وهو ما لمّحت إليه الإدارة المصرية أكثر من مرة. وقارنت ذلك بما يحدث في بعض أقاليم دول أخرى، وهو الأمر الذي عبر عنه النوبيون بالنفي المطلق، وأنهم ليسوا من دعاة الانفصال، ولا يجب خلط الأمور ببعضها، أو تقليب الأوراق على نحو يغير مسار القضية النوبية، وفي أكثر من مناسبة وأكثر من حديث يؤكد النوبيون حلمهم في الرجوع إلى الديار من دون أي انفصال عن الدولة المصرية الأم.

ولا بد في هذا الصدد من الإشارة إلى ما تضمنته الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان في شأن حقوق الأقليات، ويأتي في الصدارة المادة 27 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والمادة 15 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وعلى سبيل التخصيص ما جاء في الاتفاقية الدولية رقم 169 بشأن الشعوب الأصلية والقبلية في البلدان المستقلة والصادرة عام 1988، والتي دخلت حيز التنفيذ عام 1991، وهي التي تدعم حقوق الأقليات، وخصوصاً حق العودة إلى الديار الأصلية.

لكن هل تشفع هذه النصوص سواء كانت حقوقية دولية أو من الدستور المحلي، أو تمثل وميض أمل نحو تحقيق حلم النوبيين في العودة والاستقرار في أراضي الذهب موطنهم الأصلي، أم أن قرارات السلطات المصرية بالتعويض عن نزع ملكياتهم ستكون لها الغلبة في حسم الصراع الدائر، ولن يتبقى للنوبيين سوى الاستقرار حيث هم، والاكتفاء بما تشمله قرارات التعويض من مبالغ مالية؟ ولكن الأفق لا يبشر بعودة مع تفتيت القضية النوبية جزئياً بقرارات تلو الأخرى، وتبقى بوابة مصر الجنوبية حائرة لا تعرف الرسو على أي ضفة، منذ أول ترحيل لأهاليها في ستينات القرن الماضي، وما أعقبه من موجات تهجير، فراح الحلم يتلاشى مع قرارات الدولة، على رغم وجود النص الدستوري الأحدث في تاريخ المدونة الدستورية المصرية، والذي أعلن بشكل صريح ولأول مرة حق النوبيين في العودة.

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!