fbpx

الإسلاموفوبيا هي مشكلة بوريس جونسون حالياً

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

قد تبدو هذه الأرقام مقلقة للغاية لكنها غير مفاجئة. فقد أعرب كثيرون عن قلقهم من تفشي التعصب تجاه المسلمين في “حزب المحافظين” منذ سنوات حتى الآن.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“ما الذي ستفعلانه لاستئصال الكراهية من السياسة؟”، هكذا سأل مواطن بريطاني بوريس جونسون وجيرمي كوربن خلال مناظرة قناة “بي بي سي”، قبل الانتخابات العامة البريطانية التي عُقدت في 12 كانون الأول/ ديسمبر. كان من المنطقي طرح هذا السؤال على كلا المتنافسَين، باعتبارهما زعيمي أكبر حزبين سياسيين في بريطانيا.

بالنسبة إلى كوربن، زعيم “حزب العمال البريطاني”، كان السؤال يتمحور بالدرجة الأولى حول الاتهام الموجه لقادة الحزب، من بينهم هو شخصياً، بأنهم لم يتصدوا بالقوة الكافية لمعاداة السامية في صفوف حزب العمال. أما جونسون، فكان الأمر بالنسبة إليه يتعلق بالإسلاموفوبيا والتعصب ضد المسلمين داخل “حزب المحافظين”. لم يقدّم أيّ منهما إجابة تختلف اختلافاً كبيراً عن تصريحاتهما السابقة، وبدا وكأنهما يتملّصان من الاتهامات ويتفادونها.

وإذا ما أخذنا في الاعتبار تضاعف الجرائم بدافع الكراهية المبلغ عنها ضد اليهود في إنكلترا وويلز بين عامي 2018 و2019 مقارنةً بالسنوات السابقة (1326 حالة في مقابل 672 حالة)، فمن الواضح أن معاداة السامية هي قضية ينبغي أن يتصدى لها “حزب العمال” والمجتمع البريطاني بأكمله. خلال الفترة نفسها، ارتكبت تقريباً ثلاثة أضعاف جرائم الكراهية مجتمعة (3530) ضد المسلمين، وهو ما يمثل نحو نصف جرائم الكراهية المرتكبة ضد الطوائف الدينية في المملكة المتحدة، لكن في المقابل، كان الاهتمام بهذه المسألة ضعيفاً.  

عندما نتحدث عن مشاعر معاداة المسلمين، فالأمر لا يقتصر على وجود مشكلة تتعلق بالإسلاموفوبيا بين صفوف المحافظين. ففي النهاية، كتب رئيس الوزراء الحالي نفسه ذات مرة أن “الإسلاموفوبيا -أو رُهاب الإسلام- رد فعل طبيعي”، وأصر على أن “المشكلة في الإسلام”. ومع أنه قبل وقت قصير، أوقف “حزب المحافظين” عدداً من الأعضاء على خلفية نشر خطابات وتعليقات معادية للإسلام، لكن يبدو أن المحافظين غير راغبين في فعل ما يكفي لمعالجة الإسلاموفوبيا داخل الحزب.

التعصب تجاه المسلمين لا يقتصر على “حزب المحافظين” فحسب، فهو أوسع انتشاراً في المجتمع البريطاني بأكمله.

بيد أن التعصب تجاه المسلمين لا يقتصر على “حزب المحافظين” فحسب، فهو أوسع انتشاراً في المجتمع البريطاني بأكمله. فقد شهدت جرائم الكراهية ضد المسلمين زيادة 30 في المئة من عام 2016 إلى عام 2017، وفي العام التالي، وجهت رسائل “يوم عقاب المسلمين” إلى أعضاء مسلمين في البرلمان وأسر مسلمة في لندن، وهوجمت مساجد على المستوى الوطني، من بينها دهس شاحنة مجموعة من المارة لدى خروجهم من صلاة التراويح في مسجد في لندن عام 2017. والآن بعد انتهاء الانتخابات، لا يبدو أن هذه المشكلة على وشك الانتهاء. بل على النقيض من ذلك، أصبحت الإسلاموفوبيا التيار السائد في بريطانيا على نحو لم يسبق له مثيل خلال العهد الحديث. وقد يزداد الأمر سوءاً.

وبالفعل، أصبحت الإسلاموفوبيا أكثر سوءاً مما كانت عليه بعد هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر أو سلسلة تفجيرات لندن عام 2005 التي استهدفت قطارات الأنفاق وحافلة من طبقتين. قبيل الانتخابات العامة في 12 كانون الأول، استطلعت دراسة استقصائية أعدتها مؤسسة “آي سي إم” مواقف الناخبين من المسلمين. وأقر 37 في المئة من الناخبين المحافظين أنهم ينظرون نظرة سلبية إلى المسلمين، بينما قال 55 في المئة إنه يجب تقليص أعداد المسلمين الداخلين إلى بريطانيا، في حين صرّح عدد هائل منهم، بلغت نسبتهم 62 في المئة، بأنهم يتفقون مع الخطاب القائل إن الإسلام يهدد نمط الحياة في بريطانيا.

قد تبدو هذه الأرقام مقلقة للغاية لكنها غير مفاجئة. فقد أعرب كثيرون عن قلقهم من تفشي التعصب تجاه المسلمين في “حزب المحافظين” منذ سنوات حتى الآن. وقد قُدمت شكاوى كثيرة حول سلوكيات المسؤولين والنشطاء المحافظين تجاه المسلمين. يكفي أن سعيدة وارسي، التي شغلت سابقاً منصب الرئيس المشارك لـ”حزب المحافظين” البريطاني، صرحت شخصياً عام 2018 أن على المحافظين فتح تحقيق بشأن تفشي الإسلاموفوبيا. في الواقع، قبل ذلك بسنوات، بينما كانت لا تزال تشغل منصب الرئيس المشارك للحزب، قالت وارسي إن الإسلاموفوبيا “نجحت في اختبار طاولة العشاء”، وتقصد بذلك أن رهاب الإسلام قد أصبح مسكوتاً عنه ومقبولاً على نطاق واسع.

كانت وارسي على حقٍ. إذ لم تكن الأرقام الأكثر إثارة للدهشة في أحدث استطلاع أجرته مؤسسة “آي سي أم” تخص ناخبي “حزب المحافظين” وحدهم، بل تخص الناخبين من الشعب البريطاني ككل. فقد كشف الاستطلاع أن 26 في المئة من الناخبين البريطانيين عموماً ينظرون نظرة سلبية إلى المسلمين، وقال 41 في المئة إنه يجب تقليص أعداد المسلمين الداخلين إلى بريطانيا، بينما قال 45 في المئة إنهم يتفقون مع الخطاب القائل إن الإسلام يهدد نمط الحياة في بريطانيا.

قمتُ بأبحاث حول المتطرفين الإسلاميين خلال معظم سنوات مسيرتي المهنية. وكثيراً ما تلقيت تهديدات من متطرفين إسلاميين بسبب عملي، أحياناً بسبب قولي إن أولئك المتطرفين يشكلون تهديداً على المملكة المتحدة، أو أن المسلمين هم الضحايا الرئيسيون للتطرف الإسلامي حول العالم، وهم من يدفعون الثمن الفادح في عملية محاربة الجماعات الإسلامية المتطرفة.  

، أصبحت الإسلاموفوبيا أكثر سوءاً مما كانت عليه بعد هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر أو سلسلة تفجيرات لندن عام 2005 التي استهدفت قطارات الأنفاق وحافلة من طبقتين.

لكن الاستطلاع لم يسأل الناخبين عن المتطرفين الإسلاميين، بل عن المسلمين عموماً والإسلام بوصفه ديناً. لم يكن العداء تجاه المسلمين مقتصراً على فئة قليلة من البريطانيين، أو حتى حزب سياسي بعينه. بدلاً من ذلك، عندما يرى تقريباً نصف المصوتين، وفقاً لاستطلاع مؤسسة “آي سي أم”، أن المسلمين – العاديين وليس المتطرفين أو المتشددين-  يشكلون تهديداً، فإن على بريطانيا الإقرار بأنها تواجه مشكلة خطيرة يجب التصدي لها. 

تعزو زيادة تفشي ظاهرة الإسلاموفوبيا وقبولها إلى ثلاثة عوامل. الأول هو التصريحات التي يدلي بها سياسيون بارزون ضالعون في تلك الظاهرة. ولا سيما قول رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب، لأشياء مثل “أعتقد أن الإسلام يكرهنا”- ومجدداً، لا ينطوي ذلك على تصريحٍ حول التطرف بل عن الإسلام عموماً. قارن ذلك بالكيفية التي تعامل بها الرئيس الأميركيّ، جورج دبليو بوش، بعد أحداث الحادي عشر من أيلول -فقد زار بوش مسجداً ليوضح أن العدو ليس الإسلام بصفته ديناً، أو المسلمين عموماً. ولذا عندما يدلي أشخاص أقوياء بمثل هذه التصريحات التي أطلقها ترامب، فإنهم ينشرون خطاب التعصب بصورة تتجاوزهم بكثير، ما يتيح المجال لظهور خطاب أكثر ضرراً إلى حد كبير، مع اعتباره أمراً مقبولاً.

والعامل الثاني، هو وجود شبكة مدعومة دعماً جيداً هدفها إضفاء طابع إشكالي وإثارة اللغط حول المسلمين عموماً في الغرب. فقد حدد “مركز التقدم الأميركي”، الذي يتخذ من الولايات المتحدة مقراً له، في تقريرين مرجعيين مهمين، تحت عنوان “تجارة الخوف: جذور شبكة الكراهية والخوف من المسلمين في أميركا”، و”تجارة الخوف جزء 2: جهود شبكة الإسلاموفوبيا فـي صناعة الكراهية فـي أميركا”، الأسس وشبكات النفوذ المختلفة التي تُركز على نشر ودعم الروايات، التي ترى أن المسلمين والإسلام يسعون إلى تدمير الحضارة الغربية من الداخل. وهذا ليس من قبيل المصادفة، بل إنه أمر متعمد، مع مصادر تمويلية تدعم الساسة الغوغائيين المتعصبين في أميركا الشمالية وأوروبا، وفي بلدان أخرى.

أما العامل الثالث، فهو تعميم الآراء الداعية إلى الكراهية من جانب أشخاص لا يُعرفون بكراهيتهم للإسلام والتطرف، كما أشار الباحث توم كيباسي قائلاً “من الصعب أن نتغاضى عن الاستنتاج بأن الكثير من وسائل الإعلام البريطانية تستبعد الحديث عن ظاهرة الخوف من الإسلام، نظراً إلى أنهم يعتقدون أن مؤيدي تلك الظاهرة لديهم وجهة نظر”.

والواقع أنه لم يكن هناك سوى قِلة قليلة من السياسيين والمثقفين والشخصيات الإعلامية على استعداد لمواجهة هذه القضية. بل على عكس ذلك، اكتفوا في كثير من الأحيان بالإشارات الضمنية حول هذا الموضوع، من أجل تحقيق مكاسب سياسية قصيرة الأمد. وكما يقول المثل: “إن السبيل الوحيد إلى انتصار الشر يكمن في تقاعس الخيِّرين عن العمل”.

تعزو زيادة تفشي ظاهرة الإسلاموفوبيا وقبولها إلى ثلاثة عوامل. الأول هو التصريحات التي يدلي بها سياسيون بارزون ضالعون في تلك الظاهرة.

لا يُمثل الاستخفاف بشأن هذا النوع من التهديد الذي يُشكّل خطراً على التماسك الاجتماعي لمجتمعاتنا خياراً ينبغي أن نؤيده. فقد أفضى هذا الدرب من المواقف إلى انتشار فكرة في أوائل القرن العشرين بأن اليهود في أوروبا يشكلون تهديداً، فضلاً عن أن التضحية بهم بشكل منهجي أدت في نهاية المطاف إلى محرقة الهولوكوست. وكان هذا الافتقار إلى الجدية سبباً في شيطنة البوسنيين في تسعينات القرن العشرين، الأمر الذي أدى إلى الإبادة الجماعية لمسلمي البوسنة. ومهد التسامح مع هذه المشاعر قبل عقدين من الزمن الطريق أمام حدوث لفتة مشينة من لجنة نوبل قريباً.

من المفترض أن جائزة نوبل تُعبر عن الاعتراف بعظمة الفائز بها. بيد أنه في 10 كانون الأول، مُنح الكاتب النمساوي، بيتر هاندكه، تلك الجائزة، وهو الشخص الذي أنكر الإبادة لمسلمي البوسنة. وقد تسلم جائزة نوبل بمصافحة من ملك السويد. يُمكن القول إن التعصب المناهض للمسلمين والخوف من الإسلام لا يؤدي إلى الإقصاء عن أروقة السلطة في أوروبا هذه الأيام، بل على العكس يكافأ المرء على ذلك.

لا بد أن تكون السمة المميزة للمجتمع السليم، هي حماية أقلياته الأكثر ضعفاً، وفي المقابل، فإن السمة المميزة للمجتمع الذي يعاني من اضطراب عميق، تتمثل في إهمال هذه المسؤولية. فقد كانت المذبحة الدموية التي وقعت في مسجد كرايستشيرش في نيوزيلندا في آذار/ مارس الماضي مدفوعة جزئياً بتعصب القوميين المتطرفين في البلقان، الذين أفضى تعصبهم ضد المسلمين إلى الإبادة الجماعية في البوسنة. بيد أن فريد أحمد، وهو أحد الناجين من مذبحة المسجد التي قام فيها رجل قومي أبيض بقتل المصلين، بمن فيهم زوجة أحمد، أعلن في أعقاب ذلك الحادث المأساوي أنه سامح القاتل. لكنه حذر بشدة قائلاً، “إن الدرس الذي ينبغي لنا تعلمه هنا هو أنه إذا حدث الشر في مدينة الحب والرحمة والروحانية، فمن الممكن أن يحدث في أي مكان ولأي شخص”.

لم يتصور أحد على الإطلاق أن مثل هذه المذبحة قد تحدث في دولة تتسم بالتسامح مثل نيوزيلندا، ولكنها حدثت بالفعل. وفي المملكة المتحدة، سبق لأجهزة الأمن أن حذرت الجماهير من أن اليمين المتطرف حاول- وفشل لحسن الحظ- تنفيذ مذابح مماثلة، لدرجة أنه وصل إلى مرحلة تجميع وتخزين المعدات لتفجير أحد المساجد. ووفقاً لأجهزة الأمن البريطانية، فإن ثلث المؤامرات الإرهابية التي تُحاك في المملكة المتحدة منذ آذار عام 2017، يضطلع بها اليمين المتطرف، ويزعم البعض أن التعصب ضد المسلمين هو ما يشحذ همة هؤلاء المتشددين من اليمين المتطرف أكثر من أي شيء آخر. ولذا قبل أن تحدث مذبحة في بريطانيا على غرار تلك التي وقعت في مسجد كرايستشيرش، يتعين على بوريس جونسون بذل المزيد من الجهد للتخلص من الكراهية التي تلوث السياسة البريطانية.

هذا المقال مترجم عن الرابط التالي.