fbpx

العمّال المهاجرون في لبنان: أجور ناقصة والخوف ممّا هو أسوأ

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الأوضاع الماليّة في لبنان تُنهك كاهل الفئات الأكثر تهميشاً، كالعمّال الأجانب الذين يتقاضون رواتب زهيدة والآن يجدون صعوبات في الحصول عليها، فيما بعض أصحاب العمل عاجز عن تسديدها. فما هي الحلول المطروحة؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بات معلوماً أنّ للأزمة الاقتصاديّة والنقديّة التي ترخي بثقلها على اللبنانيّين تبعات معيشيّة هائلة على مختلف الفئات الاجتماعيّة، ولا نبأ حتّى الآن عن أي حلّ قريب لها. وإذا كانت الأوضاع الماليّة الراهنة تُنهك، بطبيعة الحال، كاهل الفئات الأكثر تهميشاً، كالعمّال الأجانب الذين يتقاضون رواتب لا تتعدّى المئتين والثلاث مئة دولار أميركي، فالمفارقة هذه المرّة أنّ هذه الفئات ليست وحدها من يدفع ثمن هذا الإنهاك، ذلك أن أصحاب العمل يتشاركون معها المصائب الناتجة عن الأزمة الماليّة ونظام الكفالة معاً، ويجدون أنفسهم مضطريّن إلى ارتكاب المخالفات.

المخالفات المرتقب تكدّسها

في لبنان، اعتاد آلاف أصحاب العمل التخلّف عن دفع أجور العمّال المهاحرين، لا سيّما عاملات المنازل منهم، في موعدها، أو حتّى في المطلق، ظنّاً منهم أنّ احتجازها يشكّل ضمانةً لعدم مغادرة العاملة مكان العمل أو “الفرار من المنزل”، بحسب تعبيرهم. وقد أشارات دراسة وطنيّة أجريت عام 2016 إلى أنّ 40% من أصحاب العمل اللبنانيّين لا يدفعون رواتب عاملات المنازل بشكل منتظم. فإذاً، حتّى قبل استفحال الأزمة الاقتصاديّة والنقديّة، كان الكثير من اللبنانيّين يخالفون عقود العمل ويقترفون جملةً من الانتهاكات بحقّ من يستقدمونهم للعمل في الخدمة المنزليّة. لكنّ شيئاً ما تغيّر في السياق المُستجدّ، وهو أنّ الكثير من اللبنانيّين/ات إذ يرتكبون الانتهاكات اليوم، إنّما يرتكبونها بوصفهم “عمّالاً” لا “أصحاب عمل” فقط.

فقد وجد الكثير من اللبنانيّين أنفسهم مضطرين إلى ارتكاب مخالفات تأجيل دفع رسوم إقامات العمّال والعاملات، أو تجديد الإجازات، لا لكونهم أصحاب عمل يتصرّفون على مزاجهم ويُخضعون العمّال لاستنسابيّتهم، بل لكونهم عمّالاً سُلبت منهم حقوقهم، واقتُطعت رواتبهم، وطُردوا من شركات أفلست أو أوشكت على الإفلاس، وحُرموا من حقّهم في التصرّف بأموالهم المودعة في المصارف، وتكبّدوا أعباء الغلاء المعيشي المستشري في البلاد. بمعنى آخر، حين طالت الأزمة الحاليّة أصحاب العمل، بات الكثيرون منهم في مخالفاتهم أقرب إلى عمّال عاجزين عن التسديد، من أصحاب عمل مستفيدين من نظام الكفالة وضعف الحماية القانونيّة للعمّال الأجانب.

شيء ما تغيّر في السياق المُستجدّ، وهو أنّ الكثير من اللبنانيّين/ات إذ يرتكبون الانتهاكات اليوم، إنما يرتكبونها بوصفهم “عمّالاً” لا “أصحاب عمل” فقط

وزارة العمل اللبنانيّة تمدّد المهل

ومن باب التفهّم والتضامن مع مَن هم عمّال وأصحاب عمل في آن، بادرت السلطات اللبنانيّة إلى تدارك الأزمة الراهنة. وفي هذا السياق، أكّدت مصادر وزارة العمل لـ”درج” أنّ وزير العمل في حكومة تصريف الأعمال كميل أبو سليمان، مدّد المهل المتعلّقة بإقامات العاملات والعمّال الأجانب وإجازات العمل وبراءات الذمّة ومحاضر الضبط لغاية 31 كانون الثاني/يناير 2020، والمهلة قابلة للتجديد، وذلك “بسبب الأوضاع غير المستقرّة في البلاد وعدم استطاعة عدد من الموظّفين الحضور إلى دوائر وزارة العمل لتجديد الإجازات والحصول على براءات ذمّة وما يترتّب عليها من رسوم تُشكّل عبئاً إضافيّاً عليهم”. وأوضحت المصادر أن لا غرامات خلال هذه المرحلة وحتّى إشعار آخر.

المؤكّد هو أنّه كلّما طال أمد الأزمة، تزايد أعداد اللبنانييّن/ات العاجزين عن دفع الرسوم والتكاليف، من التأمين الطبي الذي تُصبح بغيابه العاملات المهاجرات دون الحدّ الأدنى من التغطية الطبيّة، إلى رسوم الإقامة وإجازات العمل ومعاملات التجديد، ما سيُسفر عن ارتفاع حتميّ في نسب المخالفات والغرامات، عدا عن ممارسات صرف أصحاب العمل الاعتباطي للعاملات لكي يتخلّصوا من جزء من العبء المادّي المُلقى عليهم. وفي المحصّلة، سيزداد عدد العمّال والعاملات المقيمين في لبنان من دون أوراق مجدّدة.

أمّا المخاوف الأخطر اليوم، فتكمن في إمكانيّة استغلال بعض أصحاب العمل للأزمة الحاليّة عن طريق لجوئهم إلى الصرف الفجائي، أو القرارات الأحاديّة في تقليص قيمة الأجور، التي تشهد أصلاً انخفاضاً إذ يُقتطع ما يقرب ثلث القيمة أحياناً لدى دفعها باللّيرة اللبنانيّة، تبعاً لسعر صرف الدولار، أو إلى تفادي دفعها بالكامل، بحجّة المحنة الاقتصاديّة، من دون إعطاء عاملات المنازل خيار إنهاء علاقة العمل والعودة إلى بلادهنّ.

الأمن العام مُطالب باعتماد “فترة السماح”

استجابةً لما سبق والتعقيدات الأخرى المُرتقبة، أرسلت منظّمة “كفى عنف واستغلال” كتاباً إلى المديريّة العامّة للأمن العام اللبناني تدعوها فيه إلى الموافقة على اعتماد “فترة سماح” للعمّال الأجانب، بخاصّة عاملات المنازل المهاجرات، والتي قد تخفّف، برأي “كفى” وغيرها من الجهات، من وطأة الأزمة.

خلال فترة السماح، يتمّ “تسوية أوضاع المخالفين من بين العمّال الأجانب وتسهيل عودة الراغبين منهم إلى بلادهم وفقاً لإجراءات سريعة”. وقد لفتت “كفى” في كتابها الموقّع من مجموعة من المنظّمات الحقوقيّة والبعثات الدبلوماسيّة إلى أهميّة سماح الأمن العام للعمّال الأجانب بالاستفادة من إجراءات تسريع البتّ بالتحقيقات والإعفاء من “غرامات التأخير أو تخفيضها إلى أقصى حدّ ممكن”، مع الإشارة إلى أنّ قرار تخفيض جميع الغرامات أو الإعفاء منها لم يصدر رسميّاً بعد.

تؤكّد المحامية من منظّمة “كفى” موهانا إسحق، لـ”درج”، أنّ ارتدادات الأزمة ستزداد خطورة، وستتطوّر من عجز عن دفع الأجور إلى عجز عن تسديد رسوم الإقامة وغيرها من الموجبات. لذا، بادرت “كفى” إلى العمل مع ممثّلين عن المنظّمات الحقوقيّة المعنيّة والسفارات والبعثات الدبلوماسيّة التي تمثّل بلدان العمّال والعاملات على رفع مطلب تطبيق “فترة السماح” التي تشتمل على إجراءات التسفير السريعة، بالإضافة إلى الإعفاء من الرسوم المكسورة التي من شأنها أن تعود بالفائدة ليس فقط على النساء المهاجرات العاملات مع كفلائهنّ، ولكن أيضاً على النساء العاملات بشكل حرّ والعالقات في البلاد منذ أشهر أو أعوام بدون أوراق قانونيّة.

تبقى التوصية الأهم أن يحرص أصحاب العمل اللبنانيّون على التواصل الدائم مع العاملات
والاتفاق معهنّ على تفاصيل المرحلة الآتية

المسؤوليّة الفرديّة

تُشجّع المحامية موهانا إسحق الدعوات الموجّهة إلى أصحاب العمل لدعم عاملات المنازل قدر الإمكان، عبر دفع أجورهنّ بالدولار أو باللّيرة اللبنانية بسعر الصرف غير الرسمي للقادرين على ذلك، وهي خطوات كانت حركة مناهضة العنصريّة أوصت بها، إلى جانب اقتراحها الاستعانة بالمغتربين لتحويل أجور عاملات المنازل إلى بلدانهنّ من الخارج. إلا أنّ إسحق ترى أن تنفيذ هذه التوصيات أمر في غاية الصعوبة لأن لا قدرة على مراقبة تطبيقها، ولا سيطرة لأصحاب العمل أصلاً على الأزمة الحادّة التي يرزحون تحتها.

وتبقى التوصية الأهم أن يحرص أصحاب العمل اللبنانيّون على التواصل الدائم مع العاملات والاتفاق معهنّ على تفاصيل المرحلة الآتية وأخذ موافقتهنّ على أي تغييرات موقّتة أو غير موقّتة واحترام خيارهنّ البقاء، أو تغيير صاحب العمل، أو مغادرة البلاد.

وكانت السفارة الفيليبينيّة في بيروت، وفور تلقّيها سيلاً من الشكاوى المتعلّقة بظروف العمل والوضع المعيشي في لبنان، بادرت إلى تأمين الدعم لرعاياها المتضرّرين من الأزمة الاقتصاديّة من خلال “برنامج الإعادة المجّانية” الذي أعلنت عنه مطلع شهر كانون الأول/ديسمبر عام 2019 لافتةً في بيان إلى أنّ أكثر من ألف عامل فيليبيني، معظمهم نساء، تسجّلوا في البرنامج الذي سيشمل توفير بطاقات السفر وإجراءات التسهيل مع الأمن العام اللبناني.

بالأرقام

269,733 هو عدد إجازات العمل الجديدة والمُجدّدة للعمّال الأجانب الذي أحصته وزارة العمل اللبنانيّة في تقريرها الرسمي العام الماضي. الرقم المُحصى هو في الواقع أعلى بكثير، إذ تُقدّر المنظّمات الحقوقيّة أن يفوق عدد عاملات المنازل لوحدهنّ 250 ألف عاملة، موزّعات بين عاملات لا يزلن يعملن داخل منازل كفلائهنّ وأخريات يعملن بشكل حرّ. وينتمي 98% من العمّال المشمولين في إحصاء الوزارة، وما يُعادل 265,176 إجازة، إلى الفئتين الثالثة والرابعة اللّتين تشملان عادةً مجالات التنظيفات والعتالة وتعبئة الوقود والغسيل والتشحيم والخدمة المنزليّة وغيرها من المجالات التي لا يبدو أنّ اللبنانيّين الذين يوفون عادةً بالتزاماتهم قادرون اليوم على تأمين مستحقّات العاملين فيها.

بناء على هذه المعطيات، بالإمكان فقط تخيّل حجم خسارة الذين يتقاضون رواتب تتراوح بين المئة والأربع مئة د.أ. فقط، والمشكلات المترتبّة عن هذا الوضع المتأزّم، وما يستتبع ذلك من وجوب التهيّؤ لمستقبل إمّا سيتفاقم فيه الظلم أكثر، أو ستشهد فيه فضاءات العمل تدنّياً ملحوظاً في نسب العمّال الوافدين أو المُستقدَمين من الخارج، ليخسر الجميع حقوقه وفرصه في معيشة أفضل، أكانوا لبنانيّين أم عمّالاً أجانب متروكين لمصيرهم ومقهورين لوحدهم، وإن بدرجات متفاوتة.