fbpx

سوريا: تَمَّام دياب الذي لا تثق به المخابرات الجوية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هنا سيرة لرجل اعتمد عليه واحد من أعمدة النظام السوري اللواء جميل حسن لأكثر من 30 عاماً. يحاول الكاتب أن يستكشف مصيره بعد إزاحة حسن من منصب مدير «إدارة المخابرات الجَوِّيَّة».

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

هنا سيرة لرجل اعتمد عليه واحد من أعمدة النظام السوري اللواء (المتقاعد حالياً) جميل حسن لأكثر من 30 عاماً. يحاول الكاتب أن يستكشف مصيره بعد إزاحة حسن من منصب مدير «إدارة المخابرات الجَوِّيَّة». 

في حفل زفاف لآل دياب في بَرَهْليا في وادي بردى عام 2006، ارتجل الشاعر أسامة السمرة فقال:

«الليالي يا قصي ميهوب قَلُّلو

وقلبي على حر النار قَلُّلو

وبصوتك لَجميل حسن قِلُّلو

اشتقنالو على طول الغياااب»

نضح «العتاب» الشعري «شوقاً» للعميد جميل حسن، معاون مدير «إدارة المخابرات الجَوِّيَّة»، حيث ناب عنه في الحفل مساعده العقيد قصي ميهوب. ويفتتح الزجّالون في المنطقة حفلاتهم بقصائد مديح للرئيس الراحل حافظ الأسد ومن بعده ابنه بشار. ثم يمتدحون العريس والضيوف من مسؤولين ومتنفّذين. ومن الفئة الأخيرة امتدح الشاعر المتعهّد محمد تَمَّام دياب الذي حضر ميهوب لأجله، فقال:

«يا تَمَّام الإسم عاطيك مَعنى

وأنا شاعر بِصَوْن العهد مُعنى

ولو انّو والدك ما كان معنا

إنت بتسد عنّو بالغياااب»

تمام دياب

أبو تَمَّام، محمود دياب، الذي غادر الحفل باكراً، كان خرج من السجن منتصف التسعينات بعد تخفيف الحكم المؤبد الصادر بحقه إلى 15 عاماً. وسُجِن المدرّس حينها في قضية شجار إثر خلاف على ملكية أرض في سهل الزبداني. وذهب ضحية الشجار ابن أخيه وثلاثة أشخاص بينهم طفل من عائلة أخرى.

وحالَ خروجه، وجد أبو تَمَّام ابنه رجلَ «الجَوِّيَّة» المفضّل في الوادي. وأثلج صدره ظَفَرُه بأراض في سهل الزبداني بالقرب من فندق «قصر كنعان». وانتقل الرجل الستيني إلى الفيلا الجديدة التي أنشأها ابنه عند مدخل بَرَهْليا مطلّة على تل «جبل هابيل» ونهر بردى عند بداية «طريق كوهين» الذي يصل بَرَهْليا بقرية هْرِيْرة. تصميم الفيلا وحجارتها البنية والبرتقالية التي لا تنتمي إلى بيئة المنطقة جعلتها أشبه بقلعة حصينة من زمن آخر. ويقول سكان محليون إن رفات الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين (1924 – 1965) كانت قد نُقِلت حوالى عام 1967 إلى مكان ما هناك بعد أن كانت مدفونة في كهف قرب قرية الديماس المجاورة.

في أجواء الشحن العائلي وازدهار التهريب بين لبنان وسوريا عبر المنطقة، شبّ تَمَّام مؤمناً بمظلومية أبيه. وعلى رغم أنه بالكاد أكمل دراسته الإعدادية، إلا أنه أثناء أداء خدمته الإلزامية أواخر الثمانينات في «الجَوِّيَّة»، استطاع كسب ثقة «معلّمه» جميل حسن، فحاز النفوذ والثروة.

مع «مجرم حرب»

وعلى رغم أنه ليس رجل أمن رسمي، إلا أن تَمَّام يُفضّل العمل في الكواليس محيطاً نشاطاته بالسرية. ويقول من يعرفونه إنه لا يغادر كثيراً مكتبه في «حي المالكي» في دمشق مدمناً العمل كـ«مُعَلمه».

وترقى حسن إلى رتبة لواء وعُيِّن رئيساً «للجَوِّيَّة» عام 2009 أو 2010 خلفاً للواء عبد الفتاح قدسية. وكان اللواء قدسية عاقب حسن لأسباب غير معروفة بنقله إلى دير الزور عامي 2007 و2008. وحين تسلّم قدسية منصب رئيس «شعبة المخابرات العسكرية» عام 2009 أو 2010، سَجَن تَمَّام لثلاثة أشهر بتهم لا يمكن التأكد من ماهيتها. وقد يكون الاعتقال نكاية بحسن. عام 2009، سرت شائعة لا يمكن التأكد من صدقيتها عن أن تَمَّام لعب دوراً في إفشال محاولة اغتيال تعرض لها حسن.

غادر حسن «العنيف والشرس تجاه قضايا الوطن» منصبه في تموز/ يوليو الماضي بعمر 66 سنة، أمضى حوالى 43 عاماً منها في السلك الأمني. وحسن، المريض بالسرطان منذ ثلاث سنوات كما يقول الذين التقوه، مدرج على قوائم عقوبات غربية. وأصدرت ألمانيا وفرنسا مذكرات اعتقال دولية بحقه بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.

على رغم أنه ليس رجل أمن رسمي، إلا أن تَمَّام يُفضّل العمل في الكواليس محيطاً نشاطاته بالسرية.

ويُعتبر حسن من رجال حافظ الأسد المخلصين. وشارك في «مجزرة حماة» عام 1982 حيث كان ضابط أمن برتبة ملازم أول. كما يرى ضرب مدينة حماة في حينه «قراراً حكيماً» و”ضربة للإرهاب تلقى المتطرفون من خلالها ضربة موجعة شبه قاضية”.

وعلى رغم إعلان ولائه لبشار، ينتقد حسن إدارة الرئيس خصوصاً تعامله مع احتجاجات عام 2011. «أؤيد استخدام التكتيك ذاته (الذي اتبعناه في حماة عام 1982) ولكن بأسلوب مختلف. كان لا بد من رد فعل ساحق. ولو كنا تصرفنا منذ بداية الأزمة الحالية بالطريقة ذاتها، لكنا أوقفنا حمام الدم، ولما كنا وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم من اقتتال».

كما ينتقد حسن بشكل موارب «معاهد الأسد لتحفيظ القرآن الكريم» الحكومية بقوله: «كنت أراقب كيف يُدَرَّس التطرف الفكري من قبل المرشدين الذين تربوا على أيدي أساتذة «القاعدة» والمذهب الوهابي في حلقات الذكر، وما يسمى تعليم القرآن الكريم… وكيف يقوم المرشد ومعاونه باختيار أربعة أو خمسة من طلابهم العشرين… لتهيئتهم كي يؤمنوا بالعقائد المتطرفة».

وفي كتاب «سورية: درب الآلام نحو الحرية» الصادر عن «المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات» القطري عام 2013 لمؤلفه عزمي بشارة، يروي رئيس الوزراء السوري الأسبق رياض حجاب أن اللواء حسن – وليس قائد سلاح الجو السوري – أعطى التعليمات بقصف دير الزور بالطائرات الحربية. ويضيف أنه سمع من العميد ذي الهمة شاليش، رئيس الأمن الرئاسي (السابق)، أن العميد محي الدين مسلمانية، مدير المراسم الرئاسية، حاول التوسط لزوج أخته بعد توقيفه لدى «الجَوية». وحين وجّه الأسد بإطلاق سراحه، رفض حسن الأمر. فاتصل شاليش للتوسط، فقال له جميل حسن: «سوف أخرجه كرامة لك وليس من أجل بشار».

في آذار/ مارس 2017، قالت «لجنة التحقيق الدولية المستقلة» التابعة للأمم المتحدة بشأن سوريا، إن القوات الجوية السورية قصفت عن عمد مصادر المياه في قرية عين الفيجة بريف دمشق في جريمة حرب، أدت إلى قطع المياه عن 5.5 مليون شخص في دمشق ومحيطها.

ويشدد المهندس محمد صبحي الهوا على أن تَمَّام متورّط بقضية تدمير قرى وبلدات بَسّيمة وعين الخضراء وعين الفيجة عام 2016 – 2017 كونه كان عين اللواء حسن في المفاوضات مع المعارضة حينها. وأكدت وسائل إعلام أن اللواء حسن أمر بتدمير نبع عين الفيجة بغارات جوية في كانون الأول/ديسمبر 2016 لإجبار مسلحي المعارضة على الاستسلام. 

ويشير الهوا إلى أن تَمَّام صرّح له بأنه شَهِد على اغتيال «الحرس الجمهوري» للواء المتقاعد أحمد الغضبان (1944 – 2017)، ممثل وادي بردى في المفاوضات مع الأسد ومسؤولين آخرين بشأن نبع عين الفيجة. واغتيل الغضبان، وهو قائد سابق «للفرقة 14/ قوات خاصة»، عند حاجز «رأس العامود» العسكري–الأمني في قرية دير قانون في وادي بردى والتابع لقوات النظام في 14 كانون الثاني/ يناير 2017. وأكدت «الهيئة الإعلامية لوادي بردى» أن الاغتيال تمّ في مكان ضمّ محافظ ريف دمشق وزراء وضباط وقادة من ميليشيات «حزب الله» اللبناني إلى جانب تَمَّام.

«مفتاح مجرم حرب»

وبحسب سكان محليين وآخرين من خارج الوادي، نهجَ تَمَّام الابتزاز في التعامل قبل اندلاع الاحتجاجات الشعبية ضد نظام الأسد عام 2011، وبعد ذلك أيضاً.

ويقول المهندس الهوا إنه سمع عن أَزعر جميل حسن عام 2006 حين توقّف تَمَّام عن دفع أقساط ثمن سيارة اشتراها من صخر ألتون، المفوض بأعمال الوكيل الحصري لشركة هيونداي كوريا. وحين تعطلت السيارة، أحضرها إلى الوكالة، فحُجِزَت، فشكا للشرطة متّهماً ألتون بسرقتها. وحين قرّرت الشرطة احتجاز تَمَّام وألتون للتحقيق، حُلّت القضية بأخذ تَمَّام السيارة وكَسْبِ ألتون سمعته، كما يقول الهوا.

كما تحدّث ذوو معتقلين لدى «الجَوِّيَّة» وغيرها عن ابتزاز تَمَّام لهم مالياً وجنسياً لقاء إطلاق سراح معتقليهم أو لإيصال خبر عنهم. «اعتقلت «الجَوِّيَّة» زوجتي السابقة مرتين عام 2015 بحجة بطاقة أمنية مزورة ثم بحجة مخالفات جمعيات سكنية»، يشرح الهوا. «استضفت تَمَّام في فرنسا وطلب مليوني دولار لقاء إطلاق سراحها. وطمأنني جميل حسن أنه سيحلها. وهي الآن تنتظر المحاكمة في «سجن عدرا». ولو أنني أمتلك المبلغ المطلوب، لما تركت إنساناً يُهان».

يشير الهوا إلى أن تَمَّام صرّح له بأنه شَهِد على اغتيال «الحرس الجمهوري» للواء المتقاعد أحمد الغضبان (1944 – 2017)

ويؤكد الهوا أن «المصلحة» بوصلة تَمَّام حيث عرض في فرنسا عام 2015 بيع معلومات عن النظام السوري على رجل أعمال سعودي تعرّف إليه من طريق رجل الأعمال السوري – الفرنسي محمد الأسدي. وتجاهل السعودي العرض بحسب الهوا.

وقال سكان من بَرَهْليا إن تَمَّام لا يستخدم نفوذه من دون مقابل في «بزنس المعتقلين». وتحدثوا لـ«درج» عن تجاهله طلباتهم معتقدين أن «لقمته كبيرة». وقالت سيدة إنه لم يساعد ابنها السجين في قضية مخالفة أوامر عسكرية واضطرت لبيع عقارات تملكها لقاء 50000 دولار أميركي دفعتها لأحد الضباط ليُطلَق سراحه. وبيّنت سيدة أخرى أنه طلب منها «أموراً جنسية» مقابل التوسّط لدى «الجَوِّيَّة» ليسمحوا لها برؤية أخيها المعتقل.

وكان اللواء حسن قد اكتشف عام 2009 قضية فساد تتعلق بشراء الذمم وزيارات للمساجين في سجن «الجَوِّيَّة»، وفتح تحقيقاً وأوقف سجانين. كما طلب من قيادته معاقبة عدد من الضباط بما فيهم هو شخصياً. «أنا في الأساس لست شريكاً في الخطأ»، يقول حسن في مقابلة نادرة مع وكالة «سبوتنيك» الروسية الحكومية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016. «حوسب وطُرد كل من ثبت أن له علاقة بالقضية. وبعد تلك الواقعة، لا يمضي يوم من دون تدقيق كل ما حصل ويحصل في السجن، لأن هذه الحادثة علمتني كثيراً».

سُّكَّر وزِفْت… تزوير وغشّ واختلاس

في لوحة تلفزيونية من مسلسله الناقد «مرايا»، يلعب الممثل ياسر العظمة دور موظف حكومي في مصلحة المياه. تُفتح الأبواب أمامه وتسير شؤونه في الدوائر الحكومية حين يُبرز بطاقة اشتراك في مسبح موحياً أنه رجل أمن. «ليس المهم نوع البطاقة،» كما يوضح الموظف. «المهم حاملها وكيف يتكلم… عندما أرتدي طقماً وربطة عنق وأملأ مركزي… وأتكلم مع الناس من فوق، سألفت انتباههم. وحين أبرز البطاقة، لا أحد يدقق فيها. الناس يريدون سلتهم بلا عنب. هذا ليس انتحال صفة. أنا لا أقول أنا مسؤول أو ضابط؛ هم يظنونني مهماً».

وهذا أسلوب اتخذه تَمَّام طيلة عمله مع حسن، إذ لا يُرى إلا مكتمل الأناقة، مصبوغ الشعر مشذب الشارب حليق اللحية وبسيارات «شيفروليه كابريس» أو«جاغوار». ويبدو أنه لعب الدور أمام وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك السابق عبدالله الغربي.

فقد غاب تَمَّام منذ أسابيع عدة، فاعتقد البعض أن دوره انتهى. ويُعتَقد أنه كان سجيناً أو سافر إلى لندن. وقال أحد أهالي بَرَهْليا إن جنوداً روساً أهانوا السيد تَمَّام في مدينة طرطوس لأنه حاول تمرير أعمال له بصورة غير نظامية. والغالب أنه سافر موقتاً على خلفية فتح «الجَوِّيَّة» تحقيقاً في استجراره 5000 طن من السُّكّر في فترة الوزير الغربي ما بين عامي 2016 و2018 من «المؤسسة السورية للتجارة» الحكومية من دون سداد ثمنها البالغ نحو 374 مليون ليرة سورية (ما بين مطلع عام 2016 ومطلع عام 2018، تراوح سعر الصرف الرسمي للدولار الأميركي ما بين 322 و435 ليرة سورية. فيما وصل سعره في أيار/ مايو 2016 إلى 565 ليرة سورية وهي أعلى نقطة في الفترة ذاتها). وكان الوزير قدم تسهيلات لتَمَّام، بصفته «مندوباً للجَوِّيَّة».

ونهاية تشرين الأول 2016، وصل سعر السُّكر في السوق العالمية إلى نحو 490 دولار أميركي للطن. وبحسبة الكمية في بداية عهد الوزير الغربي الذي جاء تعيينه وزيراً للتجارة الداخلية في تموز 2016، تكون قيمة الصفقة 2،450،000 دولار أميركي. كما وصل سعر كيلو السكر في كانون الأول 2015 في مناطق حاصرها النظام وحلفاؤه مثل بلدة مضايا إلى 30،000 ليرة سورية (101 دولار أميركي على الأقل ‒ السعر الرسمي للدولار الأمريكي في 1 كانون الأول 2015 = 298 ليرة سورية).

وفي تشرين الثاني، نقل موقع «المدن» اللبناني أن «الجَوِّيَّة» حققت مع تَمَّام وعدد من قادة ميليشياتها على خلفية قضية السكّر. وبحسب وثيقة نشرها «المدن»، قدمت الوزارة تسهيلات له بصفته «مندوباً للجوية»، وهو ما استهجنته «الجَوِّيَّة»، بحسب الوثيقة المؤرخة في 11 أيلول/ سبتمبر 2019. كما أنكرت «الجَوِّيَّة» علاقتها به موضحة أنه لا يرتبط بها بأي علاقة رسمية «لأنه شخص غير موثوق».

وشرحت «الجَوِّيَّة» أن تَمَّام تقدم لوزير التجارة الداخلية السابق بطلب شخصي راجياً الموافقة على بيعه ‒ بصفته الشخصية ‒ أطنان السكَّر مبدياً استعداده لدفع القيمة أصولاً. وتابعت أن عبارة «إدارة المخابرات الجَوِّيَّة» لم ترد في طلبه بل جاءت «ضمن حاشية الوزير السابق» (عبدالله الغربي، من دون أن تسميه)، الموجهة إلى مدير «المؤسسة السورية للتجارة» بالموافقة على البيع لصالح «الإدارة». وأنّبت «الجَوِّيَّة» الغربي بالقول إنه «كان بإمكان الوزير السابق تجنب الخطأ، من خلال تنظيم عقود بيع نظامية ورسمية تحمي المال العام، فليس من المنطق استجرار هذه الكمية من السكر لأشخاص لمجرد قربهم من المسؤولين». و«نصحت» «الجَوِّيَّة» الوزارة بالشكوى إلى «الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش» الحكومية.

وأضاف مصدر لـ”المدن»، أن «الجَوِّيَّة» أبلغت القادة الذين حققت معهم، بأنها ستتخذ تدابير بحق مشتري المواد الغذائية من مؤسسات الوزارة، وذلك بعد توقف القتال في محيط إدلب.

تحدّث ذوو معتقلين لدى «الجَوِّيَّة» وغيرها عن ابتزاز تَمَّام لهم مالياً وجنسياً لقاء إطلاق سراح معتقليهم أو لإيصال خبر عنهم.

وسابقاً اتهمت وسائل إعلام الغربي ببيع تراخيص أفران وبيع طحين مدعوم إلى التجار. كما اتهمت شقيق زوجته، العميد إبراهيم جروج، مدير فرع «التموين في إدارة التعيينات» في الجيش الحكومي، بسرقة مخصصات غذائية للجيش، وتلقي رِشى وعمولات، وحصر عقود التوريد بوزارة التجارة الداخلية.

وعاد تَمَّام إلى مزاولة أعماله منذ مدة قصيرة. ويقول من يعرفونه إنه يزداد عزلة، ولا يُرى في الأماكن العامة أو المناسبات ولا حتى في مطعم «بلقيس» الذي اشتراه في ضاحية «مشروع دمر». ولا يزال يعمل في قطاعات الصرافة والسياحة وتجارة الحديد والموز والسكر وتعهدات البنية التحتية من كابلات وزفت (إسفلت) وغيره. وبذلك فهو المستفيد الأول من كل إجراء إصلاح في الإسفلت على امتداد سوريا، حيث يؤمن الغطاء والحماية لمن يعملون بإمرته.

وكانت مخالفات جسيمة شابت عمله، إذ طلب تقرير «للهيئة المركزية للرقابة والتفتيش» في آذار/مارس 2011 حرمانه من التعاقد مع الجهات العامة لـ5 سنوات لتورّطه في صرف قيمة أعمال وهمية أو تكرار صرف الأعمال نفسها أكثر من مرة باستعمال وثائق مزورة. واقترحت الهيئة ‒ في تقريرها حول قضايا فساد في «المؤسسة العامة للاتصالات» الحكومية ‒ تقديمه إلى القضاء بجرائم غش الدولة واختلاس المال العام بما يصل إلى 5343727 ليرة سورية (113696 دولار أميركي ‒ السعر الرسمي للدولار حينها 47 ليرة سورية).

«لماذا لم تطالب «المؤسسة السورية للتجارة» بثمن السكر حتى 2019؟» يسأل الهوا. «باع تَمَّام الكمية في السوق السوداء ولم يسدد قيمتها. إنها جمهورية موز وليست دولة. وقد يكون تَمَّام وجميل حسن استثمرا تلك الأموال في تجارة الموز التي احتكراها».

ميليشيات وآثار و«مصالحة»

مع بدء احتجاجات عام 2011، عمل تَمَّام في حقول جديدة بدأت بالتنقيب غير الشرعي والإتجار بالآثار وتزويرها، ثم تجنيد مقاتلين محليين في مليشيات رديفة «للجَوِّيَّة»، إلى التسويق «للمصالحات الوطنية». وبسبب نفوذه في «الجَوِّيَّة»، كان يتحرك على الحواجز الأمنية والعسكرية دون تفتيش. والغالب أنه تمكن من تهريب الآثار التي عثر عليها بسياراته الخاصة.

وكانت وسائل إعلام حكومية قد قالت في آب/ أغسطس 2013 إن ««المديرية العامة للآثار والمتاحف» الحكومية نقلت إلى «المتحف الوطني» الحكومي في دمشق لوحة فسيفساء عائدة للقرن الرابع للميلاد بمساحة 42 متراً مربعاً عثر عليها أهالي بَرَهْليا وأبلغوا الجهات الرسمية». لكن مصدراً محلياً قال إن تَمَّام لم يتمكن من التصرف بتلك اللوحة في حينه فآثر أن يسلمها للحكومة ويظهر كـ«مواطن صالح» ويُعلن بطريقة غير مباشرة للراغبين بما بحوزته من آثار.

«في صيف عام 2013، كنت أجرّف بالجرافة خلف بيتي واكتشفنا لوحة فسيفسائية كبيرة،» تحدث أبو تَمَّام دياب للقناة «الفضائية السورية» الحكومية أواخر نيسان/ أبريل 2017 عن اللوحة ذاتها. «وحين عرفنا أنها ذات قيمة أثرية كبيرة، قدّمناها إهداء للسيد الرئيس بشار الأسد».

وبعد إخراج مسلحي المعارضة من وادي بردى أواخر كانون الثاني 2017، أخرج تَمَّام جزءاً من ثروة الآثار التي راكمها أثناء حصار الوادي منذ مطلع 2012، وسلّم الحكومة جزءاً آخر واحتفظ بالباقي. كما شرعت في حينها الميليشيات الرديفة «للجَوِّيَّة» بالتنقيب في قرى بَرَهْليا وكفر العواميد وسوق وادي بردى. وقال سكان محليون إن جنوداً روساً برفقة المخابرات العسكرية زاروا بَرَهْليا وكفر العواميد وسوق وادي بردى في 15 أيار 2017 واجتمعوا، بِمَعِيّة تَمَّام، بـ«دهَبْجِيْة» و«كَنِّيْزِة»، وهما اسمان محليان للذين يعملون في التنقيب غير الشرعي عن الآثار والمعادن الثمينة. وقالت مصادر قريبة من تَمَّام إنه زوّر لوحة لتبدو أثرية ودفنها وعرضها لاحقاً على تجار طالباً مبالغ كبيرة ثمناً لها. كما عرض على سماسرة لُقى عَثَر عليها في المنطقة تعود للحقب اليونانية والبيزنطية والرومانية.

وكانت بَرَهْليا جزءاً من دولة آرام دمشق (12 ق.م ‒ 732 ق.م). وربطت سوق وادي بردى خلال العصر الروماني دمشقَ ببعلبك وساحل المتوسط.

يعتقد سكان المنطقة اليوم أن وضع تَمَّام تأثر سلباً بتقاعد جميل حسن، لكن «خميرته» المالية الهائلة لن تتأثر.

وما بين عامي 2012 و2017، كانت التنقل من وإلى الوادي صعباً للغاية، فحتى إدخال المواد الغذائية والطبية كان يمرّ برشاوى تلقاها ضباط على حواجز الجيش الحكومي الذي كان يحاصر المنطقة طيلة تلك المدة. واستطاع الجيش الحكومي ومليشيات رديفة أن يخرجوا المعارضة المسلحة من الوادي إلى إدلب أواخر كانون الثاني 2017. ودمّر الجيش قرى عين الفيجة وعين الخضراء وبَسّيمة، ولا يسمح حتى اليوم بعودة سكانها إليها. وعانت المنطقة ظروفاً معيشية وأمنية صعبة في غياب شبه تام للحكومة المركزية وللخدمات العامة، وحضور لفصائل معارضة مسلحة استطاعت، على رغم الحصار، أن تطرد تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» من المنطقة في شباط/ فبراير 2016، فأسرت كثراً منهم فيما هرب آخرون إلى لبنان.

وبحسب «الهيئة الإعلامية في وادي بردى» المعارضة، فقد أوفد النظام مذيعة التلفزيون الحكومي كنانة حويجة في 18 أيلول/ سبتمبر 2016 إلى الوادي المحاصر للتفاوض مع المعارضة على عقد «مصالحة وطنية». والتقت حويجة إلى جانب مقاتلين معارضين بتَمَّام وأبيه كممثلين عن المنطقة في مشروع «المصالحة الوطنية».

ويضيف أبو تَمَّام «للفضائية السورية» أنه وابنه تفرّغا لإجراء «مصالحة وطنية» بين النظام والمدنيين، واجتمعا مع أهالي القرى ومع «المسلحين غير الإجراميين». «كان المسؤولون في الدولة والأمن والجيش بصورة تحركاتنا وكان تَمَّام يعمل ليلاً ونهاراً وأحياناً لا ينام.. حتى حصلت التسوية»، ختم أبو تَمَّام.

وتشير اعترافات نشرتها المعارضة في شباط 2014 إلى إدخال «المخابرات الجوية» ثلاث سيارات مفخخة إلى الوادي في تشرين الأول 2013 تمكنت إحداها من قتل وجرح أكثر من 250 شخصاً في قرية سوق وادي بردى. وعلى رغم أن جيش النظام كان يحاصر الوادي وعلى رغم عدم وجود مراسل لها في المنطقة، اتهمت وكالة «سانا» الرسمية «إرهابيين» بارتكاب العملية التي «أسفرت عن مقتلهم» من دون ذكر تفاصيل أو مصدر معلوماتها. إلا أن تحقيقات نشرتها «جبهة النصرة» – «هيئة تحرير الشام» حالياً – على “يوتيوب” في شباط 2014، مع شخصين من المنطقة، تُشير إلى وقوف «المقدم علي الشيخ علي (ابن القرية ذاتها) من المخابرات» خلف العملية. ورفضت «النصرة»، وفق مصادر محلية، عرضاً من جميل حسن قيمته 100 مليون ليرة سورية (نحو 193000 دولار أميركي) مقابل إطلاق أحد المتّهَمِيْنَ بالتفجير، فأعدمت اثنين وأطلقت سراح اثنين آخرين «لعدم كفاية الأدلة».

ويعتقد سكان المنطقة اليوم أن وضع تَمَّام تأثر سلباً بتقاعد جميل حسن، لكن «خميرته» المالية الهائلة لن تتأثر. لكن اللواء المريض بالسرطان اليوم، والذي يرى أن الغرب «يعمل على قتل سوريا خدمة للصهيونية العالمية والمآرب الاستعمارية الأخرى» قرر أن «يقاتل عن سوريا حتى آخر لحظة في حياته.. حتى لو أُخِذَ إلى «المحكمة الجنائية الدولية».

«تقول «الجَوِّيَّة» أن لا علاقة لها بتَمَّام؟!» يستغرب الهوا. «هو أَزْعَرُ جميل حسن وُلِدَ معه ويستيقظ معه. يأكل ويشرب معه، يلازمه كظلّه، وسيموت معه!».